مبادرة ما سُمَي بـ”قوى الإصلاح الوطني” إنما هي تجسيد لرغبة سلطة الاستبداد في إعادة إنتاج ذات الوضع القائم الذي تستفيد منه…فمتعالمو السياسة لا يفهمون أنهم يكررون الدور الوظيفي نفسه وهو التطبيل والمجاراة لسلطة التغلب، يدورون معها حيث دارت..ليسوا إلا جزءا من حاشية الحكم، يستعملهم عندما يحتاجهم في “مهمة وظيفية”، ثم يتوارون عن الأنظار، ولا يظهرون إلا عندما يوعز إليهم أو لإرسال إشارات عابرة بأنهم “أحياء غير أموات”، وكأن ثمة تيارا سياسيا واحدا يقوده الحكم، وفقط، وهو (أي الحكم) صانع القالب وما يصب داخله (المبنى والمعنى).
والاستبداد جعل من يعرف يصمت، ومن لا يعرف يتملق للأقوى ويتصدر ليوجه العقل الذي أنهكته دكتاتورية عقودا متتابعة. والتملق يقربهم ويضمنون به “مكانا” هائما في الحاشية، وهو (أي التملق) يحرف اللغة ويفسد الأفكار والمواقف ويقضي على الحق ليسود الزيفُ الحياةَ. ولكن استمرار اغتصاب حقوق الشعوب هو مصدر الأزمات، دائما، والقلق والفشل المستمر، وإن غطى عليه المطبلون، ومهما هربت السلطة المستبدة دائما باصطناع تهمة من الخارج أو إلهاء في الداخل.
ويبدو التفكير، عند المتملقين والمطبلين، غريبا في صحراء قاحلة لا ماء فيها وهو مهدد بالموت جوعا وعطشا ولا أحد من العابرين حوله يرغب في نجدته. ربما لا أحد منهم يريد أن يزعج نفسه بالتفكير الجاد العميق، فالتفكير يمثل مصدر إزعاج لهم، يربكهم ويهزهم هزا، ويتجنبون التفكير مثلما يتجنبون مرضا خبيثا، فكأنما قرروا وضع التفكير في الحجر الصحي ليستمتعوا بالفتات والمهام الوظفية، فكأنما خُلقوا لاحتضانها وملازمتها ويعز عليهم مفارقتها، ولا يحرجهم كثرة الاستعمال والتوظيف، فالتملق للأقوى والمتغلب هو الثابت عندهم، والباقي كله متغيرات، حتى وإن قفزوا من مركب إلى آخر في العام مرات.