إلى من شكك في إنجازاته…لولا الحراك السلمي

إلى من شكك في إنجازاته…لولا الحراك السلمي

لولا حراك الشعب الثائر الناهض لما سمعنا بهذا الكم الهائل المهول من الفساد، ولما رأينا قرابين تقدم للتغطية، إنه إنجاز حركة الشعب التغييرية..عقيدة التحرر الشعبي من الوصاية والتسلط أكبر من خصومها وأعدائها والمتربصين يها.. يُسقط بعضهم بعضا، وحتى عندما ينطق أحد فاسديهم في المحاكمة، فإنما يتكلم بما يُلقن به، لأنه يُنتقى من غابة الفساد ما يُصفون به حساباتهم ويمهدون الطريق ويزيحون ويوجهون به الأحداث ويصنعون سيطرتهم وهيمنتهم..

غير أنهم لم يتمكنوا من التحكم على كل الوضع ولا مآلات حروبهم المدمرة، المهم الانتقام والانتصار للمتغلب والتحكم في القرار، لكن ما عاد هذا سالكا مُتيسرا، فليس الأمر على وفق ما يخططون، لأن التحطيم هائل، والصراعات لا تكاد تهدأ، وليس فيها مستسلم أو منسحب طيَع، والحركة الشعبية الثائرة حاضرة بإعلامها البديل ووعيها ونضجها، تكشف الزيف وتعري الاستبداد وتخوض معركة الوعي باقتدار واستيعاب..

وهم الآن ماضون في التحطيم والتفيتيت، باندفاع وشراهة، الرئاسة واجهة مهلهلة، لا تدري إلى أين المفر، والاستفتاء على الدستور سحلوه وابتذلوه قبل موعده إن أبقوا عليه…نحروا برلمان العهر المالي والسياسي وقد صنعوه على أعينهم…وهم الآن يأكلون الأصنام التي نحتوها بأيديهم..

فإلى من يتساءل عن إنجازات الحراك الشعبي السلمي؟ أكانت تُكشف بعض طبقات الفساد وشبكاته لولا الحراك الضاغط المربك؟ أكُنت تسمع عن فُحشهم السياسي وعُهرهم المالي، علنا بالصوت والصورة، لولا يقظة الحراك وصموده واستماتته؟ أكنت ترى مشاركة الفاعلين المؤثرين من عموم الثوار الناهضين في صناعة الموقف والرأي، من دون أن تنطلي عليهم أنواع الخداع والتضليل لولا ميلاد وعي جديد بالحراك الشعبي؟ أكنت تتصور، يوما ما، أن بإمكان الضغط الشعبي السلمي أن يقلب الطاولة على الحكم ويدخلهم في نفق مظلم لا يرون نهاية قريبة له لولا الحراك الذي طور وسائل الاحتجاج بطريقة رائعة مؤثرة، ومكن الناهض الثائر من قوة دافعة ما كان يملكها، وكان الإعلام البديل المفتوح منفذا عظيما للتغيير.

ولولا الحراك، لما كنت تعي أن الإعلام البديل قد يكون وسيلة لما هو أكثر من الاحتجاج و التوعية، أي إلى الضغط على الحكم وإحراجه وإرباكه وفضحه وكشف تناقضاته، فأقام الحراك مساحة واسعة بديلة عن إعلام الدجل والتطبيل، الذي أخضعه الاستبداد، فوجد الناس في وسائل التواصل الاجتماعي الحراكية عالما من الوعي والنقاش والنقد والإصلاح والتواصل والتأثير غير مسبوق.

وكان هناك جمود في أغلب الساحة السياسية والثقافية وتصحر، فأظهر الحراك السلمي معالم للخروج من هذا الظلام والانحطاط، مع البعد عن التطرف والتعصب والانغلاق وتجاوز الحفر، وهذا علامة على نضوج فكري وسياسي عام، تجاوز به تجارب كثيرة سابقة، باحثا عما يمكن فعله من خارج السلطة لا من داخلها، وتخطى بهذا أنماط التفكير التقليدية وكسر أصناما من الوهم ظل السياسيون عاكفين عليها عقودا من الزمن. وما أنجزه الحراك لا ينقطع خبره ولا تأثيره.

صحيفة الامة الالكترونية