الجزائر الجديدة 185
العبث الدستوري وممارسة الحكم خارج القانون .
جرت نهار اليوم بمقر المجلس الشعبي الوطني، جلسة التصويت على مشروع التعديل الدستوري، بشكل سريع، وهي الطريقة التي تبين من الناحية الشكلية – على الأقل- العبث والاستهتار الذي يتواصل منذ سنة 1963، منذ أن تم إفراغ المجلس التأسيسي من محتواه من قبل من قرروا الانقلاب على الحكومة المؤقتة بمنطق القوة، وبفرض ثقافة الإقصاء والكراهية.
مهزلة جلسة التصويت ستتبعها خلال 24 ساعة القادمة مهزلة أخرى في مجلس الأمة الذي عين بوتفليقة أغلبية أعضائه، في حين انتخب آخرون بالمال الفاسد في المجالس المحلية في ديسمبر 2018، وسيتفنن رئيس المجلس بالنيابة منذ أفريل 2019 صالح قوجبل في التملق لتبون كما تملق لبوتفليقة والقايد صالح، ليكون دستور عبد المجيد تبون جاهزا لفرضه على الشعب بعد احتفالات أول نوفمبر 2020.
شنينن ورفع الأيدي كمقياس للوطنية..
رئيس المجلس سليمان شنين أظهر سعادة لا مثيل لها بعد التصويت، جعلته يصف من صوتوا بأنهم “وطنيون عبروا عن وطنية كبيرة”، وهو خطاب ينفي الوطنية ضمنيا عمن عارض أو قاطع أو رفض هذه الوثيقة التي حضرت خارج أي نقاش سياسي، بل تم تحضيرها اعتمادا على توجيهات واضحة، وقال بيان الرئاسة يوم تنصيب لجنة لعرابة” انها الاطار الذي بجب ان لا يخرج عنه دستور 2020″.
رغم أن قياس الوطنية برفع الأيدي تذكرنا بعهد بوتفليقة الذي استدعى البرلمان بغرفتيه على مرتين لتعديل الدستور في 2008 وفي 2016، وقد تفنن آنذاك عبد العزيز زياري والعربي ولد خليفة في التملق لعبد العزيز بوتفليقة الذي وصف بكل الأوصاف، فهو المجاهد الأكبر الذي أرجع الجزائر إلى الساحة الدولية ولا يجب التفكير إلا في استمراريته في الحكم، لأن استمراره هو ضمان لوحدة الجزائر وسلمها المدني ولاستمرارية المشاريع.
سليمان شنين الذي يعتبر من القوى غير المهنية في الساحة الإعلامية والذي استفاد كغيره من مدراء النشر من ملايير الإشهار العمومي وريع الولاء والتملق، وهو صاحب جريدة يومية لا يقرأها حتى رئيس تحريرها، وجد نفسه منذ العاشر جويلية 2019 رئيسا للمجلس الشعبي الوطني رغم أنه كان منتخبا في قائمة حزب عبد الله جاب الله تراسها حسن عريبي – المقرب من شبكات توفيق مدين -، الذي أصر عبد الله جاب الله اليوم على القول بأن نواب حزبه قاطعوا جلسة التصويت.
شنين عينته السلطة الفعلية لرئاسة المجلس كما عينت غيره، وهو نظريا لا ينتمي لا إلى الأغلبية المفبركة ولا إلى الأغلبية الفعلية التي تعبر عنها الأمة الجزائرية منذ 22 فيفري 2019 على الأقل، لذلك نجده يعمل كل شيء من أجل أن ترضى عليه الشبكات والقوى التي فرضته لرئاسة بناية زيغوت يوسف، وهو الموضوع الذي يجعل الكلام عن الدستور مهما كانت قوته وأهميته ومصداقية من صنعه مجرد عبث دستوري، لأن ممارسة الحكم في الجزائر لا يخضع لا للقانون ولا للدستور كأم القوانين، فمنظومة الحكم تفعل ما تشاء وهي تعتقد أنها تحتكر الحقيقة والوطنية وترى ما لا تراه كل القوى الاجتماعية.
القرار السياسي يصنع خارج الدستور والمؤسسات..
منظومة الحكم في الجزائر لا تحتاج إلى دستور ولا الى قانون، ولا حتى إلى مؤسسات، لأن ممارسة السلطة تتم خارج القانون وخارج الدستور، والدستور والقانون لا يتم استحضاره، إلا بغية تبرير الإقصاء والكراهية والعنف، لأن المنظومة قائمة على ذلك وتأسست على ذلك وضمان استمراريتها مرتبطة بكل ذلك.
فعندما نعود للماضي القريب، كلنا يتذكر أن وزير الدفاع الأسبق خالد نزار صرح لقناة فرنسية ومن قاعة استقبال الضيوف في بيته، أن قرار إلغاء المسار الديمقراطي في جانفي 92 واقتراح دعوة المعارض محمد بوضياف لرئاسة المجلس الأعلى للدولة كانت في بيته، مما يبين أن القرار السياسي يتخذ خارج المؤسسات، كما أن كل القرارات التي كانت تتخذ في عهد بوتفليقة كانت تتم بالشكل نفسه، بل إن شقيقه حسب شهادات الكثير من المتهمين من المسؤولين كان يعين ويقيل ويحاسب ويقرر بالهاتف خارج المؤسسات، كما أن الكل يعرف أن عبد القادر بن صالح مدد له لرئاسة الدولة مؤقتا رغم أن الدستور لا يسمح له بذلك، كما أن قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح كان يتخذ القرارت خارج المؤسسات، وهو من أمر باستدعاء الهيئة الانتخابية لاقتراع 12 ديسمبر 2019 رغم أنه لا يملك أي صفة دستورية ولا قانونية ولا الصفة السياسية، هو الذي كان أيضا نائبا لوزير الدفاع في حكومات بوتفليقة…
لذلك كله وغيره، فإن الحديث عن الدستور في منظومة حكم تسير خارج القانون وخارج الدستور وخارج المؤسسات هو شبيه بالنقاش حول شكل الديكور، وبصرف الملايير على دهن وتزيين عمارات مهترئة مبنية على رمال متحركة.
تسيير منظومة الحكم خارج الدستور وخارج المؤسسات، هو النقاش الأساسي الذي يتفاداه القطيع السياسي الذي صنعته أجهزة منظومة الحكم، والذي يريد أن يفرض نقاشا هوياتيا مصطنعا لمواصلة ممارس التضليل والإلهاء لضمان استمرارية منظومة حكم انتهت تاريخيا وأصبحت تشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي وعلى استمرارية الحد الأدنى من مقومات الدولة.
رضوان بوجمعة
الجزائر 10 سبتمبر 2020