كلَ الرسائل التي تصل من الحكم الفعلي أن اخضعوا، وبعدها يُؤذن لكم ببعض الفتات هنا وهناك…تعالوا واحزموا أمركم لكن تحت سقف السلطة الفعلية وفي كنفها، لن يقبل الحكم الفعلي أي مشاركة حقيقية في السلطة، كل ما يعنيه هو الخضوع والتسليم له، وبعدها يقربك من محيطه…الخضوع ثم الكلام، وهذا جوهر القضية..
الحراك قال لا للخضوع ولا للاستسلام، وردت السلطة الفعلية، لا حديث قبل الخضوع، والحراك لن يخضع، والسلطة تعمل على تقسيم وتفتيت كتلته الثورية لتخضع بعضه، والحراك صامد لم يتزحزح، على الأقل حتى الآن..كل ما دون هذا تفاصيل وهوامش على المتن الأصلي… الراضي بخريطة طريق السلطة الفعلية يعني أنه خضع لها، أيا كانت مسوغاته وادعاءاته ولونه..
احتقار السلطة الفعلية للشعب جعلها لا ترى فيه أي أهلية للمشاركة الحقيقية في السلطة، وعقيدتها أن لا أحد يستحق الحكم إلا نواتها الصلبة، وهذا ما لا يقبله وعي وإرادة وتصميم كثيرين…تُحصَن السلطة حكمها بالقهر وسياسات الإخضاع القمعي العنيف..ماذا تريدون؟ أوفقوا الحراك، ثم نتحدث، نمنحكم البرلمان أو بعضه، وندمجكم في الحكومة، ونفتح أمامكم الإعلام..
المهم، في منظور الحكم الفعلي، ليتوقف الحراك، وبعدها تُعبَد لكم الطريق؟ مقابل ماذا؟ لا شيء مضمون إلا بعض مقاعد البرلمان وبعض وزارات الحكومة وبعض…وكله من فتات الحكم..والقرار بيد من؟ هذا الذي لا يقترب منه إنس ولا جانَ إلا هم، ومن هم؟ الدائرة السرية المُغلقة؟؟ وهذه عُقدة العقد..ولكن ما قيمة المشاركة في السلطة إن كان القرار بيد من لا يخضع لا للرقابة ولا للمساءلة ولا للمكاشفة ولا يعترف بك إلا تابعا ذليلا أو منفذا لإرادته، حتى وإن استدعاك ليقايضك؟؟
إذن، أين يكمن الحل؟ لا تنازل عن الضغط الشعبي تحت أي ظرف، من دون الشارع لا قيمة سياسية للشعب الناهض ولا للقوى الثورية وعقولها، ولهذا، أيَ قبول بحلَ على حساب الشارع انتحار سياسي، وفي الوقت نفسه، لن يكون ثمة حلَ من غير السلطة الفعلية، إذ استبعادها كلها غير ممكن، عمليا، لتجذرها وتضخمها، وصولا إلى مسار تفاوضي، هي معادلة سياسية صعبة، تتطلب عقلا جماعيا ثوريا سياسيا ناضجا مُستوعيا وإلماما بحقائق الصراع، ثم هذا ما يمكن فعله لا ما يجب عمله، والحل إنما يتحرك في مساحة الممكن، اتساعا وضيقا.