مخلفون
إعلان بعض الأحزاب السياسية تصويتها على “الدستور” بـ “لا” يعبر عن قناعتها باستمرار توازنات ما قبل 22 فيفري، وحتى إن كانت الأحزاب قد عجزت عن استيعاب حجم الزلزال الذي مثلته الثورة السلمية، فإنها هذه المرة تجاوزت كل المحاذير وهي تتصرف على أساس أن الشارع لم يعد فاعلا في اللعبة.
القرار من شقين، الأول موجه إلى السلطة وعنوانه التصويت، والثاني تحت شعار “لا” وهو موجه إلى قواعد تلك الأحزاب، أو ما بقي منها. بالنسبة للسلطة التصويت في حد ذاته أهم من اتجاه الصوت، وهذا جزء من عملية التزوير المسبق الذي قامت عيله كل العمليات الانتخابية منذ انقلاب جانفي 1992، وحتى الهيئات التي تشرف شكليا على الانتخابات تعتبر معركتها الأساسية رفع نسبة المشاركة في الانتخابات.
التصويت هو إذعان صريح للأمر الواقع الذي تفرضه السلطة بالقوة، وهذا الإذعان يعكس الرغبة في الحصول على “حصة” في التوازنات التي ترتسم في الأفق، ويمكن تبرير هذا الموقف للخاصة من “المناضلين” بأن المصلحة تقتضي عدم الابتعاد كثيرا عما يجري الإعداد له لأن هناك من سيستفيد على حسابنا. بهذا المنطق تحولت المشاركة خلال قرابة ثلاثة عقود إلى مساهمة حاسمة في تكريس نظام فاسد قاد البلاد إلى الخراب وهو سائر بها اليوم نحو التفكيك.
مقابل هذا تتحول “لا”، وما يصاحب الإعلان عنها من شرح، إلى تذكير بالاصطفافات الإيديولوجية بما يضمن “ولاء” القواعد المحكومة بمزاعم إيديولوجية، ولضمان “تمثيل” مفترض لتيار يعتقد أنه يمثل حصة مهمة من الأصوات رغم عدم وجود معيار واضح لقياس هذا التمثيل بدقة.
“المقاطعة” موقف سياسي، وهي في الحالة الجزائرية الراهنة تأكيد للقطيعة مع نظام اختار أن يقطع مع المجتمع، ثم إنها موقف أخلاقي تفرضه حماية نوفمبر من التدنيس.
دعاة “التصويت” لم يعبروا من 21 فيفري بعد وبحساب المسافة التي قطعها الجزائريون منذ 22 فيفري 2019 فإن حظوظهم في اللحاق بالركب منعدمة.
الصحفي نجيب بلحيمر