الدكتاتوريات لا تنظم انتخابات لتخسرها
كتبتُ قبل يومين منشورا حول استصدار دستور يعبد الطريق لبيع أولاد الجزائر مرتزقة في حروب الغير، ومقايضتهم بسكوت القوى العظمى على نظام غير شرعي وابتزازه والحصول منه على كل المزايا بالمجان، نظرا لهشاشة وضعه. يُستصدر هذه المرة دستور، إحدى مواده “الجوهرية” تعبد الطريق لتوريد جنود الجيش الوطني الشعبي، مثلما استعمِل أبناء الجزائر إبان الاستعمار وقودا في حروب فرنسا في فيتمنام والهند الصينية، كتبت التالي “فرنسا استعملت أبناء الجزائر المستعمرة في حروبها لقتل فقراء فيتنام والهند الصينية، واليوم تريد استخدام أبناء جزائر دستور “فاتح نوفمبر”، لطحن مستضعفي مالي والنيجر وبوركينا فاسو وكل مستضعف يقلق مشاريع فرنسا وغيرها من قوى النهب وسفك الدماء!”
رد أحد المعقبين، مستبعدا على ما يبدو هذا الوضع، واعتبر طرح الدستور بهذه المادة، مناورة من السلطة، للتصويت عليه بلا ثم الظهور بمظهر الديمقراطي، القابل لصوت الشعب، الرافض لمادة الدستور هذه، بما يكسب النظام شرعية تمكنه لاحقا من تمرير أي مواد أو دستور يريده. ارتأيت بدل الرد عليه شخصيا، أن يكون الرد أشمل في هذه المقالة المختصرة بما انه موضوع هام بالنسبة لنا كجزائريين.
أولا، نظام مثل نظامنا الذي لا يملك شرعيته من شعبه، ولم يعر يوما أدنى اهتمام لصوت الشعب، كونه يستمد شرعيته من غيره، من قوى الخارج، فرنسا تحديدا بالنسبة لنا، لا يهتم بتصويت المواطن، بنعم أو لا، لأن همه هو إرضاء من يمنحه الشرعية التي يحتجها، في إطار نوع من أنواع المقايضة، من قبيل السكوت عنه ودعمه، مقابل، هذه المرة، “فتح” مواد الدستور لتبيح توريد الجنود الجزائريين لفائدة فرنسا. ومن نافلة القول أن التابع لا يملك قراره، وما عليه إلا تنفيذ أمر ولي نعمته، وعلينا دائما أن نذكر، أن نظامنا لا يملك شرعية تمكنه من قول لا، لا لفرنسا ولا غيرها.
ثانيا، لا يُعقل بالنسبة لنظام فاقد للشرعية، أن ينظم استفتاء ينتج عنه تصويت بـ”لا”، لأن “لا” معناها رفض صارخ وتحدِ للنظام وصفعة في وجهه لا يستطيع قبولها، لأنها تقرأ في شكل رفض لنظامه وحكمه وليس فقط لمواد الدستور، مما يفتح عليه أبواب احتجاج أوسع، وهو في أمس الحاجة إلى تصويت يعزز “لا شرعيته” ويسد بعض الثقاب ويعوّض بعض النقائص، والتصويت بلا على الدستور، يهدم هذا المبتغى، ولا يمكن قبوله أو مجرد تصوره.
ككل الانتخابات التي نظمتها السلطة من 62 إلى 2019، باستثناء 90-91، لا يهم بماذا يصوت الشعب، لا أو نعم، أو ورقة فارغة، أو ملغاة، لأن النتيجة محبوكة مسبقا في دهاليز أصحاب القرار، ولست أدري ماذا تغير، حتى نعتقد تغير المسار وتغير طريقة تصرفهم؟ ومن ثم يبقى حرص النظام الأول والأخير، هو توافد الجماهير للتصويت بل وتشجيعهم، عن طريق بعض “المعارضين” بدعوى ممارسة حقهم في “الاعتراض على الدستور” بطريقة إيجابية، بدلا من “السلبية العدمية” وما إلى ذلك من “مبررات عقلانية” استخدمها أصحابها طيلة 3 عقود، بنفس النتيجة، في سباقات انتخابية وهمية، تضع حقيقة السلطة، خارج المنافسة. إن ما يهُم السلطة هو مشاهدة المواطنين يصوتون، لكي يمكنها تسويق تلك المشاركة وتصويرها في شكل انخراط شعبي في مسارها وثقته في حكمها.
التصويت بـ “لا” بصرف النظر عن تحوله بقدرة قادر إلى نعم عند الفرز، ككل مرة، يخدم النظام على أكثر من صعيد، أولا يوحي إلى من صوّت بأنه مارس حقه واجتهد وأدى ما عليه، وأن الديمقراطية حقيقية الآن، ثم ستقدم السلطة نسبتها “الديمقراطية” بعيدا عن 99 في المائة المألوفة، وتكتفي بنسبة معقولة بين 60 و70، تحقق لها المبتغى، وتريح ضمير من صوت بلا، خاصة وأنها تضمن، وفق تركيبة السلطة، التي لا تزال مشكلة من أحزاب الاعتلاف، أن تكون الغالبية دائما بحوزتها، وإضافة إلى ذلك، تتحجج بأنها أخذت في الاعتبار تصويت الجميع، لكن لا بد من الخضوع لـ”نظام الاقتراع” الذي يجب احترامه…ديمقراطيا.
وأخيرا، نظام في وضع نظامنا، غارق في مشاكل وصراعات وحسابات، لا تنتظر منه المجازفة بتمرير تصويت بلا لكي يظهر بوجه ديمقراطي، ثم استثماره لاحقا، هذا نوع من “الترف” الذي لا يقدر عليه نظامنا أو اي نظام مماثل، والعادات المتأصلة تفرض دائما نفسها، بالمختصر المفيد الدكتاتوريات، لا تخسر الانتخابات.
د.رشيد زياني شريف