وريث بن يونس وعبرة السجن
“لي ما عجبوش الحال يبدل البلاد” هذا هو التطور الطبيعي لمقولة ” ينعلبو لي ما يحبناش” التي نطق بها عمارة بن يونس، نزيل سجن الحراش، في تجمع انتخابي للعهدة الرابعة يشبه تماما التجمع الذي نشطه وزير للترويج لمشروع “الدستور”، وبينهما كانت عبارة “الجزائر ليست بحاجة إلى هؤلاء البشر” التي لوح بها الرئيس السابق لأركان الجيش بكل ما حملته النبرة من وعيد يصدر عن رجل يمثل القوة بمفهومها الخشن كقائد للجيش ومتحدث باسمه.
عندما نقرأ مرحلة حكم بوتفليقة سنكتشف حالة الانحدار التي استمرت من عهدة إلى أخرى انتهت بمأساة العهدة الرابعة التي فرضت على الجزائر وشعبها كإهانة تاريخية، وكل عهدة كانت تتميز عن سابقتها بتسريع نهب مقدرات البلاد وتفكيك ما بقي من الدولة، وإفراغ كل ما يوصف بالمؤسسات من المعنى، وتتفيه الوظيفة السامية بإسنادها إلى من لا كفاءة لهم، وبالوصول إلى العهدة الرابعة كانت الوقاحة هي السلاح الوحيد الذي بقي في أيدي قادة الأفلان والأرندي وأمثال أويحيى وولد عباس وغول وبن يونس، كانوا يعتقدون أن قليلا من الوقاحة يكفي لفرض الأمر الواقع وتمرير عهدة أخرى قبل أن تفاجئهم السلمية لينتهي بهم الأمر إلى ما نعلم جميعا.
خالدي هو الوريث الشرعي لبن يونس وخليفته، مع فارق مهم وهو أن الوقاحة اليوم تستند إلى مرور بالقوة بدأ بفرض انتخابات 12/12 وهو مستمر اليوم بفرض “دستور” بالتضليل الإعلامي، والكذب، والقمع وقتل الحريات، وكل هذا ينسجم تماما مع العهدة الخامسة التي يجري فرضها اليوم رغم تبدل الصورة الظاهرة في الاجتماعات والتجمعات التي يعقدها أولئك الذين امتلأت بهم قاعات حملة العهدة الرابعة وكانوا يستعدون لملأ القاعات بمناسبة العهدة الخامسة قبل أن يتغير البرنامج وتتغير المواعيد بسبب زلزال 22 فيفري.
أطلق المتحدث بعجرفة وكبر عبارته المقيتة في سياق سعيه إلى تضليل الناس بأن “الدستور” الذي يروج له بالبهتان هو كتابة ثانية لنوفمبر، وقد يقول إنه تحدث عن أعداء نوفمبر، لكنه نسي أن ما كلف بترويجه سلعة مسمومة جعلت أولئك الذين دعموا ما سمي زورا “الخيار الدستوري” ينفضون أيديهم من هذا النظام، وهم اليوم يبررون دعوتهم لرفض الدستور بأنه معاد لروح نوفمبر، أو لأنه يحمل ما سماه كمال داود، وهذه شجاعة نادرة، “مشروع مجتمع”، مشروع تصفه القواعد التي دعمت “الخيار الدستوري” بأنه علماني وتغريبي ويضرب الهوية في مقتل، لقد استفاق الجميع على صدمة الخديعة التي ساهمت في تمريرها أبواق الدعاية، واصطفافات إيديولوجية حجبت الرؤية عن المتخندقين، وتكفل التهديد والضغط والقمع بالبقية الباقية.
يقف اليوم النظام عاريا أمام الجميع لا ينال ثقة أحد سوى تلك الفلول التي احترفت التطبيل لكل حاكم، وهو الأعلم بأن هؤلاء لن ينفعوه أبدا، ولن ينقذوه وقد عصف به زلزال السلمية وأدخل عصبه في تناحر مرشح للاستمرار والتفاقم مستقبلا. ولأن النظام لا يملك غير تلك الشبكات التي خدمت كل الذين سبقوا تبون، فإن المتحدثين باسمه مضطرون اليوم للتجرد من بقايا اللباقة والأدب ليعلنوا احتقارهم للجزائريين وإصرارهم على المضي قدما ضد إرادة الجميع، وانهم باقون في السلطة بكل الوسائل، ولن يتركوا للناس إلا خيار البحث عن وطن آخر أو الموت قمعا أو كمدا.
ما قاله خالدي هو خلاصة فشل النظام ويأسه، وهو مؤشر خطير على سلوك أهوج لا يحتكم صاحبه إلا إلى القوة، لكن وجب تذكير من يعنيه الأمر أن الإنكار والمكابرة دفع بفريق ممن كانوا يعتقدون ان بيدهم الحياة والموت إلى غياهب السجون، وهم اليوم يتعرضون إلى الإذلال، ولن تكون نهاية العهدة الخامسة بأفضل مما انتهت إليه الرابعة، ومن ورث المسؤولية اليوم قد يرث السجن غدا، ولن يهزم شعب يرفض الإهانة.