عندما لا تعني أكثر من نعم
السياسة ليست علوم دقيقة ولا تنجيم ولا …نوايا فحسب، بل قراءة متأنية بناء على تجارب متراكمة ونظرة اسشرافية، من اجل تحقيق الهدف المتوخى، لأي جهة أو حزب أو أشخاص، وبناء عليه، يفترض في من يشارك في التصويت على الدستور مثلا، أن يغلب في ظنه التأثير بصوته، سواء بنعم ليعزز ما يعتقد أن التعديل يخدم هدفه، أو بلا، بالنسبة للذين يشاركون من خلال التصويت للتعبير عن رفضهم للتعديلات المتضمنة، باعتبارها في غير صالح البلد والعباد (وهي فعلا في غير خدمة البلد ولا الشعب)، وأن هذا الموقف القائم على قول لا بالمشاركة، موقف بناءٌ وعملي، وأنجع من سلبية المقاطعة. لكن، هذه القراء (والموقف) يكون في إطار نظام منفتح وشفاف ونزيه، حيث صوت المواطن له وزنه ويحقق غرضه، وهل ينطبق الأمر على عشرات المواعيد الانتخابية التي جرت في بلدنا منذ 62؟ وما هو المستجد اليوم الذي يجعل هذا الموعد مختلف عن غيره، ويقدم ضمانات، تستحق المشازفة (المشاركة بالمجازفة)؟
قبل أن أسأل معاشر المشاركين بلا (أصحاب نعم، خارجون عن دائرة الاهتمام لأمور لا تحتاج توضيح)، لا أشك أن واضعي الدستور يريدون القضاء على ما تبقى من أسس الدولة ومصالحها، لكن، في الوضع الحالي، المشاركة في العملية، لن تجهض هذه المساعي الخبيثة بل تعززها، لأنها ستضفي عليها طابع “تعددي” و”ديمقراطي” أي ما يبحث عنه أصحابه، كما فعل بوتقليقة طيلة 20 سنة، عندما أشرك كل الأطياف لتمرير كل ما أراده، بتزكية عملية من جميع الحضور، الرافض والموافق، حتى كان باستطاعته أن يحاجج أننا نطبق الديمقراطية، ونسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم، مهما كانت مخالفة للأغلبية، ثم الأغلبية (أي هو J’incarne l’Algérie)، من يحكم.
وهنا نسأل، هل يجهل أي مواطن بسيط، ناهيك عن المطلع على حقيقة السلطة القائمة وأدواتها وأجهزتها وطريق تسييرها شؤون البلاد، أن “مشاركة” اي طرف أو جهة أو مواطن، أيا كانا تصويته، هو منتهى ما تبحث عنه السلطة وتعمل من أجله ليل نهار، خاصة في الظرف الحالي، حيت تعاني من شرعية مكشوفة! وهي تدرك أن المشاركة وحدها هي التي تستر عورتها وتضفي على عمليتها الانتخابية رداء المصداقية، أما النتيجة، معدة سلفا، وفي أماكن، غير الصناديق، ومن السخافة الاعتقاد عكس ذلك، أو التحجج بأن مثل هذا القول هو استباق للوضع وأحكام مسبقة، مثلما يبرر به “المشاركون المزمنون” عشرات المرات، ليتضح في كل مرة أن الواقع يثبت عكس ما يدعونه.
هل يجهل المشاركون، أن جزء كبير من “لا” التي يعبرون عنها تتحول دائما إلى نعم، مثلما تؤكده عشرات الانتخابات واعترافات أقطاب السلطة نفسها، وفيهم من يبرر ذلك…لمصلحة البلاد.؟
هل يجهلون أن النسبة من “لا” التي سيقر بها النظام، هي أصلا لتعزيز موقعه وتلميع صورته ولمنحه تزكية على ديمقراطية العملية أكثر من تعبيرها عن رفض الدستور؟
وهل يجهل المُصوّت بلا أنه عمليا يشارك في تمسك النظام بالحكم بل ويعزز شرعيته في تمرير كل مشاريعه، وأن ورقة “لا” ينتفع بها النظام على أكثر من صعيد، ولن تحقق هدف من وفرها بالمجان؟
إذا كان عامة الناس يعلمون مسبقا أن التصويت يكون بنعم (النسبة التي تخدمه)، وان المقاطعة وحدها كانت ستعري السلطة من الشرعية (حتى وإن مرر دستوره)، هل يواصل صاحب لا المكابرة والتبريرات العبثية لقوله كالعادة، نحن نشارك إيجابيا ونحاول؟ ومتى كان السياسي يحاول بنفس الطريق بنفس النتيجة، ثم يعيد الكرة؟ هذه سياسة أم ماذا؟ أم أن المشاركة هي حتمية ولا يستطع صاحبها ولا يملك أن يقول لا..ليس في الصندوق، ولكن لمن يفرض مشاركته، ومن ثم تكون التبريرات محاولات يائسة رفعا للحرج ليس إلا؟
د. رشيد زياني شريف