الفراغ.. مرض النظام المزمن
“سمعنا دعوات لإلغاء الإستفتاء، فإننا إذا فرضنا جدلا بالتسليم بتلك الحجج وفي إطار وفاق وطني بين الشركاء في الساحة الوطنية بضرورة إلغاء الدستور الجديد، فإن ذلك لا يزعج مطلقا حركة البناء الوطني، شريطة أن يكون الإلغاء هو ليس العودة لدستور 2008 والمحسن في 2016 شريطة أن يكون المشروع الجديد نابعا عن إرادة شعبية تكرس هوية المجتمع وتحمي الديمقراطية وليس مشروع دستور يكرس التنوفيق”.
هذا الكلام الذي صدر عن عبد القادر بن قرينة، الذي شارك في تسخين انتخابات 12/12 واستفتاء “الدستور”، يحتمل قراءة من زاويتين الأولى تأخذه كجس للنبض بطرح خيار التخلي عن التعديل الدستوري بما يعنيه ذلك من مراجعة شاملة للمسار الذي اختارته السلطة منذ أن أنهت السلمية حكم بوتفليقة، والثانية تفسره كتعبير عن حالة ارتباك في أوساط زبائن النظام المرشحين لأخذ دور أحزاب السلطة في المرحلة المقبلة ومن ضمنهم حركة البناء، حيث هدمت النتائج المعلنة للاستفتاء قراءة هؤلاء لواقع ما بعد 12/12 وأكدت لهم أن مخاطرتهم بتبني خط السلطة قد تكون كلفتها السياسية مرتفعة في المستقبل القريب.
هذا الارتباك يعكس حالة القلق داخل السلطة والتي تتجلى في فوضى تسيير الشأن العام، وانعدام أي معالم لخطة، كما زاد مرض تبون الموجود في ألمانيا للعلاج منذ 28 أكتوبر الماضي في تعقيد الوضع الذي يطبعه الفراغ، وبصرف النظر عن وضعه الصحي، وموعد عودته، فإن الشعور السائد هو أن مهمة تبون انتهت، وان التفكير في ما بعده بدأ بالفعل، والكلام المنقول عن بن قرينة أعلاه هو تعبير صريح عن هذا الشعور رغم ان الحديث عن التخلي عن الدستور “جدلا” هو في النهاية تمويه لتجنب ذكر نهاية تبون.
لا يعرف زبائن النظام القدامى وعارضو الخدمة الجدد ما هو المطلوب منهم على وجه الدقة، وأسوأ من ذلك انهم لا يعرفون الخطوة التالية للسلطة، وهم إلى حد الآن لم يستوعبوا ما حدث في الاستفتاء وكثير منهم متمسك بقراءة متوجسة تضع ضعف نسبة المشاركة المعلن عنها ضمن مؤشرات صراع العصب داخل السلطة.
هذه الصورة القلقة هي في حقيقتها انعكاس للفراغ المستمر منذ النوبة الاقفارية التي ضربت النظام من خلال شخص بوتفليقة سنة 2013 وعادت لتذكر باستعصاء مرض هذا النظام مع تسلل كورونا إلى واجهة السلطة وتعطيلها مرة أخرى.
الصحفي نجيب بلحيمر