كتب بواسطة :د. سليم بن خدة
في أثناء متابعتي للأخبار الأخيرة ودق طبول الحرب على حدودنا الغربية تذكرت جلساتي المطولة مع الوالد رحمه نهاية السبعينيات وهو في الإقامة الجبرية. وكان بومدين قد وضعه مع ثلاثة من رفاقه تحت الإقامة الجبرية كما أممت ممتلكاتهم بعد نشرهم بيان: “نداء إلى الشعب الجزائري”، وشمل شقين: الأول التنديد بالحرب بين الأشقاء في الجزائر والمغرب، والثاني التنديد بالحكم الفردي و فرض الدستور الأحادي وغياب المؤسسات المنتخبة وإنهاك للحريات الأساسية.
وفي سياق الحديث، يروي الوالد طلب الملك حسن الثاني من الحكومة المؤقتة التي كان يرأسها الوالد المساعدة في عملية ضم موريتانيا الفتية إلى المغرب، وإلحاحه المتكرر على هذا الأمر، مما جعل وزير الخارجية، سعد دحلب، يردَ بحنكته المعروفة على ملك المغرب، بقوله: “نحن حكومة مؤقتة وسنترك الأمر للنقاش بعد استقلال الجزائر وانتخاب حكومة دائمة”، وينقل الوالد أن “هذا من الأسباب التي جعلت الملك يقف ضد الحكومة المؤقتة في أزمة صيف 1962. كما كانت تشمل الأطماع التوسعية لملك للمغرب جزءا من الصحراء الجزائرية، ولهذا كان يلح على الوفد الجزائري برفض عملية الاستفتاء على الاستقلال، حتى لا تُضفى الشرعية الدولية للجزائر الجديدة على منطقة تندوف وبشار”.
وجاء في النداء الذي وجهته الشخصيات الوطنية الأربعة، فرحات عباس وبن يوسف بن خدة ومحمد خير الدين وحسين لحول، إلى الشعب الجزائري في مارس 1976 حول قضية الصحراء الغربية، وكأن البيان كُتب في هذه الأيام، لحسهم السياسي الرفيع وقدرتهم على الاستشراف ولمعرفتهم بنظام الحكم، أن “الأمر يتعلق بعد اليوم بالمخاطر التي ترافق هذا النزاع المسلح، الذي من الممكن أن يعم ويغرق كل إفريقيا الشمالية في بحر من الدماء، إن الأحقاد المتولدة عنه ستعرض للخطر المغرب العربي الإسلامي الذي هو رجاء شعوبنا وأساس ازدهارنا ورفاهيتنا لنبتعد من الحرب…وإننا نوجه نداء للمسؤولين الجزائريين والمغاربة على كل المستويات للتوقف عن القيام بدور بيدق بسيط فوق لوحة الشطرنج الدولية، لنبتعد عن الحرب.. وذلك باسم الأخوة الإسلامية والتضامن الإنساني، فالحرب العصرية باستطاعتها في يوم واحد أن تحطم عمل أجيال عديدة، ولا تصلح أن تكون حلا مقبول لمشاكلنا، ومن التجأ إليها (أي الحرب) فقد أقبل على الانتحار الجماعي..”.
وذكَر البيان بحقيقة لا يمكن تجاهلها ولا القفز عليها وهي أن “الشعب المغربي والشعب الجزائري قد اتحدا في المعركة من أجل استقلالهما، ولا يمكن بحال من الأحوال اليوم أن يخضعا لسياسة الأمر الأسوأ، كما أن تونس والمغرب قد كانت منهما المساندة المتواصلة والإيجابية لمدة تزيد عن سبع سنوات…”. واستدرك النداء بالقول: “لنتمسك بالموضوعية والواقعية، فإننا ثابتون ومصممون على حماية سيادتنا الوطنية وسلامة ترابنا ووحدته، ولكن أقل ما يقال إن هناك مهاما أخرى قاهرة تستدعي اهتمامنا، فالحكم الفردي هو وحده القاضي في أمر السلم أو الحرب، فالشعب لا يُستشار أبدا”.
وكان النداء واضحا في تقرير أن “الحل لمشاكلنا الداخلية وحتى الخارجية يكمن في ممارسة السيادة الشعبية، والقصد من ذلك ليس إرادة تفرض ميثاقا وطنيا على البلاد، كما ينوي فعله رئيس مجلس الثورة حتى يصطبغ حكمه بالصبغة الشرعية، وثمة طريق واحد مفتوحة لإعداد هذا الميثاق: نقاش عام على الصعيد الوطني من أجل انتخاب المجلس الوطني التأسيسي ذي سيادة، وذلك عن طريق التصويت العام المباشر…”. رحم الله الموقعين الأربعة، فما أشبه اليوم بالبارحة!