تبين لكثير من المغفلين وممَن غُرَر بهم أن حملة الاعتقالات بعضها انتقام وبعضها الآخر مسرحية أُعدت فصولها وتنفيذها في مخابر السلطة، والعمل جار لتبرئة ساحتهم أو التخفيف عنهم، وقد قبلت المحكمة العليا الطعن بالنقض في قضية بعض أبرز الحكام الفعليين في العقدين السابقين، فبعض السجن انتقام وبعضه مسرحية أُعدت فصولها للضحك على العقول، والحراك كشف الزيف منذ البداية، والنظام القديم المتجدد لم يغادر، وهو يحكم بقبضة من حديد..
النظام القديم هو الذي يحكم في الوقت الراهن بأجهزته الأمنية، وبرعاية السلطة الفعلية وتخطيطها، وركب الموجة الشعبية الثائرة رئيس الأركان السابق وسجنهم، ليتمكن من إحكام قبضته على الحكم، وكان له ما أراد إلى أن رحل مُخلفا تركة متهالكة متصارعة، فما حدث لم يكن إلا نزوة عابرة وعارض سريع، لتعود البلاد إلى المربع الأول، ولا شيء في هذا يثير العجب لمن كان يقظا، والحراك الشعبي كشف الزيف منذ البداية.
ربما تنفس بعض الشعب الصعداء بعد رؤية صور الاعتقال والمحاكمات، وظهر جليا أن تقديم عديد من رموز النظام البوتفليقي لم يكن، بأي حال من الأحوال، لأي حملة تطهير من داخل النظام، ولا هي تحول سياسي له ما بعده، بل كان الثمن الدعائي الطارئ الذي يدفعه نظام التحطيم ليواصل الاستمرار في الحكم.
واتضح أن وضعهم في القفص لم يكن بداية عهد جديد، فضلا عن أن تكون محاكمة كاملة لأسوأ حقبة حكم، نهبا وإفسادا وتخريبا، في تاريخ الجزائر المستقلة، أو حقبة حكم العائلة بالمفهوم الصقلي للعائلة/ المافيا، ما كان نزوة أو انتقاما يجري الآن التخلص من آثاره ومخلفاته، لتتأكد الحقيقة التي تجاهلها أو أعرض عنها كثيرون وأدركها الحراك بيقظته ووعيه العام: أن النظام لن يتغير من داخله، وأنه ما لم تضغط قوة شعبية من خارج أروقة الحكم وشبكاته وتدفع نحو التغيير التدريجي، فلن يتغير شيء، ولن يغير النظام جلده ولا يصحح مساره، والوقائع تُصدق هذه الحقيقة وترسخها.