النظام مريض وعلته ليست كورونا
الاعتقاد بأن كورونا التي أصابت عبد المجيد تبون هي مشكلة النظام السياسي خطأ في التشخيص قد يكون قاتلا. منذ الأيام الأولى بدأ التخبط في التعامل مع مرض تبون، ونقله إلى ألمانيا كان إشارة واضحة إلى صعوبة الوضع، لكن كل هذا لم يكن ليمثل مشكلة في أي دولة في العالم حيث الدساتير، أو حتى الأعراف، تسير هذه الحالات وتضمن انتقالا سلسا للسلطة دون أن يهدد ذلك استقرار نظام الحكم أو يمس بشرعيته.
قبل أن ينقضي شهر على نقل تبون إلى ألمانيا بدأ الحديث عن الخيارات المتاحة لخلافته، أخبار يتم تداولها بصوت مسموع عن اتصالات واقتراحات، وحديث عن صعوبة إجراء الانتخابات، وهناك إشارات إلى مرحلة انتقالية خارج إطار الدستور، وأكثر من هذا هناك تساؤلات عن أي دستور يجب أن نحتكم إليه بعد استفتاء قاطعته الأغلبية.
لا فرق بين هذا الوضع وما كان قائما قبل سقوط بوتفليقة وبعد سقوطه، فقد كانت مسألة العهدة الخامسة، وقبلها الرابعة، محل خلاف داخل السلطة، وفشلت السلطة في فرض انتخابات 04 جويلية 2019 ومددت فترة تولي بن صالح رئاسة الدولة بطريقة غير دستورية، والآن بعد أقل من عام يفرض الطارئ الصحي وضعا مشابها وقد يدفع باتجاه خيار غير دستوري.
ما خلاصة هذا الوضع؟ الخلاصة هي أن النظام لم يحسم مسألة انتقال السلطة التي هي جوهر الاستقرار في النظام السياسي وهي المؤشر الأهم على شرعية الحكم. هذا يعني أن انتخابات 12/12 التي فرضتها السلطة لم تحقق الأهم، وكل ما شاهدناه خلال الأشهر التي تلتها، من محاولات لإثبات أن أزمة النظام صارت خلفه، وأن جيلا جديدا من الزبائن قد صار جاهزا لتعويض الواجهة المهترئة أو تبييضها، تبخر فجأة بمجرد ظهور العارض الصحي الذي مس واجهة النظام.
لماذا تتحول مسألة خلافة تبون إلى مشكلة كبرى قد تتطلب اللجوء إلى خرق الدستور مجددا؟ جزء من الجواب نجده في الطريقة التي جاء بها تبون، فالثابت الآن أن وصوله إلى المنصب كان ثمرة مرور بالقوة فرضه رئيس الأركان الراحل بما يعني أن غياب التوافق الذي جعل بوتفليقة يبقى في الحكم لأكثر من خمس سنوات وهو مقعد استمر بعده، وبمجرد غياب الشخص الذي فرض خياره عاودت أزمة النظام الظهور مرة أخرى حتى أن غياب تبون، لأي سبب كان، وفي أي لحظة، كان سيطرح مشكلة كبيرة بكل تأكيد، وستحتاج السلطة إلى مزيد من الوقت لتحقق الحد الأدنى من التوافق حول البديل، وقد لا تصل إليه أبدا، ولعل التفكير في خيار آخر غير الانتخابات يهدف في المقام الأول إلى توفير هذا الوقت الذي يمكن من التوافق أو يسمح لطرف بالتغلب وفرض خياره في انتظار معركة أخرى.
في المحصلة نحن أمام نظام يقوم على صراع العصب، ويحل أزماته بالتوافق أو بالصراع، ولأن الأزمة الآن تبدو عميقة وجاءت في وقت فقدان الثقة بين الأجنحة والعصب فإن الحل سيكون أكثر تعقيدا.
هذه هي الأزمة العميقة للنظام التي لم تعد قابلة للحل بمراوغات شكلية، وهي تتعقد أكثر باعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، وهذه هي الأزمة التي لا يمكن تجاوزها بفتح الباب أمام الطامحين الجدد للعب دور الكومبارس، ولا يمكن تأجيلها بخلق شرعية وهمية في انتظار أزمة أخرى، ثم إنها أزمة يتابعها الجزائريون بعيون مفتوحة وعقول متقدة لا تترك للسلطة أي فرصة للانفراد برسم طريق المستقبل.
علة النظام أخطر بكثير من كورونا، وعلاجها يتطلب أولا شجاعة الاعتراف بالفشل وتحمل مسؤولية تصحيح الأخطاء.
الصحفي نجيب بلحيمر