إسرائيل جار قديم
المغرب تطبع العلاقات مع إسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المملكة على الصحراء الغربية.. لا تمثل هذه الصفقة المشينة إنجازا دبلوماسيا للرباط، وعلى عكس ما تروجه الجهات الرسمية المغربية فإن هذا الخيار يسقط الغطاء الأخلاقي عن مطالب المغرب في الصحراء الغربية، ومن نافلة القول أن صاحب الحق ليس بحاجة إلى عقد صفقات لإثبات حقه خاصة إذا كان الاعتراف من رئيس منتهية ولايته قضى أربع سنوات من الحكم يدوس على القانون الدولي ويتصرف بفظاظة قوضت ما بقي من مصداقية للولايات المتحدة ووضعت سلطتها الأخلاقية أمام امتحان غير مسبوق.
لم يكن بوسع الجزائر توقع قرار ترامب، ولا يمكن أن نحسب هذا الأمر كفشل للجهات الرسمية الجزائرية في كل الأحوال، فقد بدأ ترامب فترة حكمه بنقض اتفاقات سابقة ملزمة للولايات المتحدة مثل اتفاقية التبادل الحر مع كندا والمكسيك ( نافتا) والاتفاق النووي مع إيران، وانسحب من منطقة التبادل الحر في الباسيفيكي، واعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لا يختلف في شيء عن اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على القدس ونقل سفارة أمريكا إليها، واعترافه بضم الجولان، وأجزاء من الضفة الغربية، وهذه المقارنة التي يعقدها كتاب وأكاديميون إسرائيليون وأمريكيون تؤكد أن الصفقة لا يمكن أن تكون نصرا دبلوماسيا للرباط بأي حال من الأحوال، ثم إنها تضع المخزن في مواجهة الشعب المغربي الذي ظل يرفض التطبيع مع إسرائيل الذي لم يتوقف في العلن حينا وفي السر أحيانا كثيرة.
فشل الدبلوماسية الجزائرية ليس في توقع اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، لكنه يتجلى في العجز عن بناء تصور واضح عن العالم ومكانة الجزائر فيه، هو هذا الغياب التام للدور الجزائري في محيطها الإقليمي، وإذعانها للقوى الدولية التي استقرت قواتها على حدودنا الشرقية والجنوبية منذ سنوات ( قوات وقواعد فرنسية وأمريكية في منطقة الساحل، وتواجد عسكري لأطراف كثيرة في لييبا ) وكل هذه المخاطر جرى تحويلها في فترات مختلفة إلى أوراق في التجاذبات السياسية الداخلية، ولعل تغييب الجزائر بصفة كاملة عن صياغة الحل في ليبيا من أبرز مظاهر الفشل وأفول الدور الإقليمي للجزائر.
لن تغير الخطوة المغربية بالتطبيع مع إسرائيل شيئا في التوازنات القائمة منذ عقود، فقد بقي المغرب حليفا لأمريكا وفرنسا وللأنظمة العربية التي تسمى “محافظة”، وعلاقاته بإسرائيل لا جديد فيها إلا الترسيم والإخراج إلى العلن الذي يمثل مكسبا سياسيا لإسرائيل، أما التهديدات الأمنية التي تترتب على هذه العلاقة فهي قائمة منذ وقت غير قصير حيث تحتفظ الرباط بتعاون عسكري وأمني وثيق مع إسرائيل، وقبل ذلك هي متحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى أنها كانت أول مكان، خارج الولايات المتحدة، يستقبل قوات الانتشار السريع الأمريكية التي تم إنشاؤها في ثمانينيات القرن الماضي، وقبل ترامب بعشرين سنة، كان وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين الذي شغل المنصب في الفترة الثانية من حكم كلنتون (1997-2001) قد رد على سؤال حول تأثير الانفتاح الأمريكي على الجزائر على العلاقات مع المغرب بالقول ” إن أمريكا لن تضحي بمائتي سنة من العلاقات الاستراتيجية مع المغرب”.
المغرب جزء من حلف عربي إسرائيلي تبلور بشكل واضح في سنة 2006 وتقوده تل أبيب ويستهدف بالخصوص إيران، وليس غريبا أن نقرأ في وثائق ويكيليكس برقية مؤرخة في 21 نوفمبر 2006 توثق الحديث الذي جرى بين الأمين العام لوزارة الخارجية المغربية عمر هلال والسفير الأمريكي لدى الرباط حيث يقول المسؤول المغربي للسفير الأمريكي:” إن امتلاك إيران للسلاح النووي سيكون كارثة على المنطقة والمغرب خاصة، لأن ذلك سيؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة، وسيؤدي إلى تسريع تنفيذ البرنامج النووي العسكري الجزائري، رغم أنه يعتبر برنامجا في بداياته (…) إذا نجح الإيرانيون في امتلاك القنبلة النووية خلال عشر سنوات فإن دولا عربية ستتبعهم، وسيفعل الجزائريون ذلك أيضا”، ولنا أن نتخيل ما الذي يريده النظام المغربي من هذا الاتهام الثقيل للجزائر ومحاولة إقناع أمريكا، المهووسة بالبرنامج النووي الإيراني، بسعي الجزائر إلى امتلاك القنبلة. ولا نحتاج إلى ذكاء خارق لإيجاد نقاط تقاطع بين كلام المسؤول المغربي والموقف الإسرائيلي والسعودي والإماراتي من إيران، فضلا عن مساعي ربط البوليساريو بالنشاط الإرهابي والزعم بمساعدة حزب الله لها.
لم تتأخر الرباط أبدا في لعب كل الأوراق ضد الجزائر منذ الاستقلال، ولا يمكن قراءة الأمر عبر نظرية المؤامرة، فهذا السلوك يجد تفسيره في الصراع على الزعامة الإقليمية الذي يندلع عادة بين القوى الإقليمية المتماثلة، ولا يمكن لهذا السلوك أن يمنع الجزائر من البحث عن أفضل البدائل لتحقيق المصلحة الوطنية وحماية الأمن القومي دون دفع البلاد نحو العزلة والانغلاق، وهنا يكمن الفشل الحقيقي للذين سيروا البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة حيث عجزوا عن قراءة التحولات العميقة التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة.
لا يمكن أن تفضي بنا قراءة الوقائع الحالية إلى التسليم بأن الخيار الأمثل للجزائر هو التطبيع مع إسرائيل، فهذا الخيار الذي سيكون سببا في مزيد من التمزق الداخلي لم يعد له أي قيمة من الناحية السياسية والاقتصادية، وقد أخبرتنا التجربة أن كل الدول التي طبعت مع إسرائيل لم تستفد شيئا بل كانت هي الخاسرة دوما، ولدينا حالات مصر والأردن، في حين تقايض أنظمة الخليج التطبيع بأمنها، والمغرب يبرر بسعيه إلى حسم قضية الصحراء، وليس لدى الجزائر ما تبرر به هذا الخيار من الناحية البراغماتية، فلا الجغرافيا ولا الديموغرافيا تضغط علينا حتى نسلك هذا الطريق أو ننافس المغرب فيه.
لا يمكن أن يكون للجزائر أي دور إقليمي أو دولي إلا إذا استطاعت أن تبني اقتصادا قويا وتعزز استقرارها وتماسكها الداخلي، وهذه أهداف يعتبر النظام القائم أكبر عائق يحول دون بلوغها.
الصحفي نجيب بلحيمر