ما الذي تخشاه إسرائيل من الثورة التونسية؟

الاهتمام الإسرائيلي بالثورة في تونس
ما تخشاه إسرائيل من تونس؟
في إثر اتفاق أوسلو سنة 1993 تحسنت العلاقات الإسرائيلية – التونسية بتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية ورعايتها. ففي نيسان/أبريل 1996 افتتحت إسرائيل ممثلية لها في تونس، وفي أيار/مايو من العام نفسه افتتحت تونس ممثلية لها في تل أبيب. وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000 أغلقت تونس ممثليتها في تل أبيب، ولكن وعلى الرغم من ذلك استمرت العلاقات غير الرسمية بين الجانبين في مجالات عدة، أبرزها السياحة والتجارة، فزاد عدد السياح الإسرائيليين إلى تونس في السنوات الماضية على عشرة آلاف سائح في العام الواحد.

اهتمت إسرائيل بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع تونس في السنوات الأخيرة، ولا سيما في مجالات السياحة والتجارة والاستثمار. ولا توجد معطيات علنية كثيرة عن حجم مجمل العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وتونس، إذ بقيت هذه المعطيات بشكل عام في طي الكتمان. وقد تسربت في بعض الأحيان بعض المعلومات عن هذه العلاقات. ففي 19/10/2008، مثلاً، نشرت صحيفة “غلوبس” الإسرائيلية المختصة بالاقتصاد مقالة عنوانها “تونس فرصة في الأفق”، ذكرت فيها أن رجال الأعمال والمستثمرين الإسرائيليين لديهم اهتمام متزايد بتونس وأنهم يسعون، في ظل تطور الاقتصاد التونسي وتوسعه، إلى تعزيز العلاقات التجارية معها والاستثمار فيها. وذكرت الصحيفة أن الحكومة التونسية اقترحت على شركة إسرائيلية إقامة مصنع لإنتاج الإسمنت في تونس بكلفة 200 مليون دولار، وأن المفاوضات وصلت بين الجانبين إلى درجة متقدمة، حيث زار مدير الشركة الإسرائيلية تونس في عام 2008، وتفقد الموقع المقترح لإنشاء المصنع عليه ومساحته 700 دونم ويقع في المنطقة الجنوبية من تونس[1].

وعلى الصعيد الثقافي، سعت إسرائيل إلى تطبيع العلاقات الثقافية مع تونس، وفي هذا السياق ذكرت صحيفة “هآرتس” أن جهات إسرائيلية أجرت اتصالات بدار نشر تونسية لنشر روايات إسرائيلية عبرية مترجمة إلى العربية. ولم تكشف الصحيفة اسم دار النشر التونسية لأن هناك قوى كثيرة، بحسب ما قالت المديرة العامة لمعهد ترجمة الأدب العبري، تنشط ضد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية[2].

الاهتمام الإسرائيلي بالثورة في تونس

على الرغم من كثرة الأحداث الداخلية الإسرائيلية التي استقطبت اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام الإسرائيلي، مثل صدور قرار إدانة الرئيس الإسرائيلي السابق “موشيه كتساف” بالاغتصاب، وانقسام حزب العمل، وتفاقم مشكلة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المعين الذي ربما تعيق هذه المشكلة تسلم مهامه في منتصف الشهر المقبل، اهتمت إسرائيل ووسائل إعلامها بتطور الأحداث في تونس، وازداد هذا الاهتمام مع تحول هذه التظاهرات إلى ثورة شعبية واسعة أطاحت برئيس النظام التونسي بن علي. وانعكس هذا الاهتمام على مستوى متخذي القرار السياسي – الأمني ووسائل الإعلام والمختصين بالشؤون العربية في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام. فمنذ اندلاع التظاهرات في تونس أجرت القيادة السياسية – الأمنية الإسرائيلية عدة مشاورات، وتابعت تطور التظاهرات والثورة من خلال تقارير أجهزتها الأمنية ومن خلال الاتصال بقادة اليهود التونسيين، وأيضاً من خلال “مسؤولين إسرائيليين موجودين في تونس”[3].

تطرق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للثورة التونسية غداة نجاحها و”فرار” الرئيس التونسي في بداية جلسة الحكومة الإسرائيلية في 16/1/ 2011. ومن المهم الملاحظة أن تطرق نتنياهو جاء من باب أن الثورة التونسية تعكر “الاستقرار في المنطقة”، أي الاستقرار الذي يحافظ على أنظمة الاستبداد والفساد في الدول العربية الخاضعة للأجندة الإسرائيلية – الأميركية في المنطقة. فقد قال نتنياهو إن الدرس الذي ينبغي تعلمه من الثورة التونسية هو التشديد على الجانب الأمني في أي تسوية سلمية. وأضاف: إن “المنطقة التي نعيش فيها هي منطقة غير مستقرة، ونحن نرى ذلك في العديد من الأماكن في الإقليم الذي نعيش فيه”[4]. وأعربت مصادر إسرائيلية مسؤولة بعد نجاح الثورة عن خشيتها من أن تقوم تونس بقطع علاقاتها غير الرسمية مع إسرائيل[5]. وفي هذا السياق صرح القائم بأعمال رئيس الحكومة الإسرائيلية “سيلفان شلوم” أن هناك “خشية جدية من أن تقوم تونس بعد نجاح الثورة بالتقرب من الأطراف المتطرفة في العالم العربي”[6].

نشر الكثير من المختصين بالشؤون العربية العاملين في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الإسرائيلية كثيراً من المقالات عن الثورة التونسية. وعالجت هذه المقالات أسباب الثورة وتطور أحداثها وعوامل نجاحها والقلق الإسرائيلي من تحول نجاحها في إسقاط نظام مستبد وفاسد إلى نموذج يحتذى به لإسقاط أنظمة عربية مستبدة أخرى.

فتحت عنوان “تأثير إسقاط النظام في تونس في العالم العربي” نشر “شلومو بروم” الباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” التابع لـ “جامعة تل أبيب” مقال حلل فيه أسباب الثورة التونسية وتطور أحداثها، ثم انتقل إلى فحص تأثيرها على الدول العربية، فذكر أن التظاهرات ومظاهر الاحتجاج قد تزداد في المدى القريب في بعض الدول العربية. وأضاف: “يبدو أن لدى معظم الدول العربية تجربة غنية في السيطرة “على أعمال الشغب” الواسعة، لذلك فإنها ستنجح في السيطرة على الأوضاع في المدى القريب”.

أما في شأن تأثير الثورة التونسية على الدول العربية في المدى البعيد فقال شلومو بروم إن ذلك يعتمد على النتائج التي ستستقر عليها الثورة التونسية. فإذا جرت انتخابات وتأسس نظام ديمقراطي متين في تونس فإن المجتمعات العربية الأخرى ستسعى إلى تقليد النموذج التونسي. وفي هذا السياق، أي إمكانية انتشار النموذج التونسي في الدول العربية، ذكر الباحث شلومو بروم أن “على إسرائيل أن تكون قلقة وخاصة من التطورات في جارتيها القريبتين مصر والأردن”. فمصر تعيش منذ مدة طويلة في حالة من الأفول للنظام القائم بسبب عمر الرئيس مبارك وبسبب حالته الصحية وعدم الوضوح في من سيرثه. ويعيش الأردن أزمة اقتصادية وعدم رضى فئات واسعة من مختلف مكوناته عن الحكم. واختتم شلومو بروم مقالته قائلاً: “يبدو أن هذين النظامين مستقران في المدى القصير ولكن هناك سبباً للقلق على مستقبلهما في المدى الأبعد من ذلك”[7].

أما الباحث إيال زيسر، مدير “معهد موشيه ديان في جامعة تل أبيب”، فعالج تأثير الثورة التونسية على الدول العربية في مقال له بعنوان “فراغ خطير حول إسرائيل” في صحيفة “يسرائيل هيوم”، حيث أكد أن الثورة التونسية تعطي دفعة قوية لحركات الاحتجاج في الدول العربية، لكنه أبدى ثقته في قدرة الأنظمة العربية على التغلب عليها. وفي الوقت نفسه، أبدى قلقه الشديد مما سماه الفراغ الخطير الناجم عن انطواء الأنظمة العربية على ذاتها، ما أدى إلى دخول إيران وتركيا إلى المنطقة وتعاظم دوريهما فيها، حيث أعرب عن اعتقاده أن إسرائيل ستدفع ثمن ذلك[8].

ما تخشاه إسرائيل من تونس؟

يمكن إيجاز ما تخشاه إسرائيل من الثورة التونسية في النقاط الآتية:

أن تقوم تونس بقطع جميع علاقاتها غير الرسمية مع إسرائيل.
أن تصبح الثورة التونسية الشعبية المدنية نموذجاً جذاباً للشعوب العربية الأخرى، التي تعاني الاستبداد والظلم والفساد، وأن تقوم هذه الشعوب بالثورة على أنظمتها كما فعل الشعب التونسي في ثورته على نظامه.
أن تؤدي الثورة التونسية إلى قيام نظام ديمقراطي مستقر ومتين في تونس يصبح نموذجاً ناجحاً تتطلع إليه الشعوب العربية وتسعى لإقامة نظام ديمقراطي على غراره.
تعتبر إسرائيل أن استمرار أنظمة الحكم العربية الحالية واستقرارها هو الأفضل لها. أما السيناريو الأسوأ لإسرائيل فهو قيام نظم عربية ديمقراطية. فمن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن قيام نظم عربية ديمقراطية يعني تقليص الفجوة، وربما ردمها، بين الشعب وقيادته المنتخبة، بخصوص الموقف من إسرائيل. وبما أن إسرائيل تدرك جيداً أن الشعوب العربية معادية لها ولسياستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، فإنها ترى أن النظم الديمقراطية ستكون معبرة عن موقف شعوبها من إسرائيل، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تغيير الإستراتيجية والسياسات العربية تجاه إسرائيل، من سياسة الخنوع والخضوع لها إلى سياسة مواجهتها ومقاومتها.
——————————–

[1] ميخال مرغليت، “تونس فرصة في الأفق”، غلوبس، 19/ 10/ 2008،
http://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1000390132
[2] ياعل جعتون، “للمرة الأولى تبدي تونس اهتماماً بترجمة أدب عبري إسرائيلي إلى اللغة.
العربية”، هآرتس، 27/ 12/2010،
http://www.haaretz.co.il/hasite/spages/1206130.html
[3] “في إسرائيل يخشون: سيقوم في تونس نظام متطرف”، موقع نعنع، 15/ 11/ 2011، http://news.nana10.co.il/article/?ArticleiD=773193
[4] براك رفيد وتسفي يارئيل، “رئيس الحكومة نتنياهو: أي انقلاب في تونس مثال لعدم الاستقرار”، هآرتس، 16/ 1/2011،
http://www.haaretz.co.il/hasite/spages/1209862.html
[5] “نتنياهو:تونس برهان على أنه ينبغي الحفاظ على الأمن”، موقع إذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي،16/1/ 2011،http://glz.co.il/newsArticle.aspx?newsid=75755
[6] المصدر السابق نفسه.
[7] شلومو بروم، “تأثير إسقاط النظام في تونس في العالم العربي”، موقع معهد أبحاث الأمن القومي، 18/1/2011، http://www.inss.org.il/upload/(file)1295359036.pdf
[8] إيال زيسر، “فراغ خطير حول إسرائيل”، يسرائيل هيوم، 23/1/2011،
http://www.israelhayom.co.il/site/
newsletter_opinion.php%3fid%3D5434