د. أكرم حجازي
لم يكن من هدف لخطة أنان الأولى، التي من المفترض أن تستمر لثلاثة أشهر تنتهي في 15/7/2012 إلا « إدارة للأزمة»، بما يعفي الغرب من المسؤولية اليومية المباشرة. إذ أن الغرب يعاني هو الآخر من أزمات اقتصادية ومالية خانقة تضرب صميم المنظومة الرأسمالية .. وهو بالتالي بحاجة إلى بعض « الراحة» كي يتفرغ لمواجهة مشكلاته الخاصة به، والتي تهدد سلامة النظام الاقتصادي الدولي وتنذر بانهيار الرأسمالية. أضف إلى ذلك أن « المركز» ( بشقيه الغربي والشرقي) كان مقدما على انتخابات برلمانية أو رئاسية أو بلدية كما هو الحال في اليونان وفرنسا وبعض مقاطعات ألمانيا. وهي الانتخابات التي أوقعت فزعا بأحزاب اليمين الأوروبي جراء تقدم قوى اليسار على خلفية السياسات الأوروبية في مواجهة أزمة الديون في منطقة اليورو.
هكذا اضطر « المركز» إلى إحالة الثورة السورية وما تحتاجه من متابعة يومية، إلى الأمم المتحدة لوضعها بجعبة كوفي أنان، الذي تخصص تاريخيا بالأزمات الدولية ذات الطابع الدموي، بدءً من مذابح رواندا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، والتي قتل فيها خلال أسبوعين نحو ثلاثة أرباع المليون من الجانبين، وانتهاء بمذابح كوسوفو مع منتصف تسعينات القرن. لكن « إدارة للأزمة» لا تعني أن « المركز» كان سيمانع لو أن أنان توصل إلى حل مع النظام، وهو الأمر الذي فشل مع الذهاب إلى جنيف مؤخرا. والسؤال: هل ثمة فرق بين خطة أنان الأولى والثانية؟ أو بمعنى آخر: ما الذي اجتمع عليه « المركز» في اجتماع جنيف؟ وما الذي يدبره للثورة السورية؟
عشية مؤتمر جنيف
في 29/6/2012 كتب روبرت فيسك، الصحفي البريطاني القريب من دوائر صنع القرار الغربي والخبير في شؤون « الشرق الأوسط»، مقالة في صحيفة « الاندبندنت» البريطانية بعنوان: « النفط أهم للغرب من القتل في سوريا». وفيها ينقل عن « مصدر ملم بخطط تتعلق بنقل السلطة من حزب البعث» قوله أن الأميركيين والروس والأوروبيين: « يسعون للتوصل معا إلى اتفاق يسمح للأسد بالبقاء زعيما لسوريا لما لا يقل عن سنتين أخريين، مقابل تنازلات سياسية لإيران والسعودية في كل من لبنان والعراق».
ولأن ما يعني « المركز» في المنطقة هو تأمين تدفق النفط إليه، ينقل « فيسك» عن المصدر أيضا قوله: « إن روسيا يمكن أن تغلق الحنفية على أوروبا متى شاءت، وهذا يعطيها قوة سياسية جبارة. ونحن نتحدث عن طريقي نفط أساسيين للغرب: واحد من قطر والسعودية عبر الأردن وسوريا والبحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وآخر من إيران عبر جنوب العراق الشيعي وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى أوروبا، وهذا هو المهم، ولهذا السبب سيكونون مستعدين لترك الأسد يمكث سنتين أخريين إذا لزم الأمر».
ويشير « فيسك» إلى ملاحظة هامة يقول فيها: « أن الدبلوماسيين الذين ما زالوا يناقشون هذه الخطط ينبغي أن يُعاملوا ببعض الريبة، فهذا أمر، أن تسمع الزعماء السياسيين يدينون بشدة النظام السوري على انتهاكه لحقوق الإنسان والمذابح، وذاك أمر آخر مختلف تماما عندما تدرك أن الدبلوماسيين الغربيين على أتم استعداد لتنحية هذا الأمر جانبا من أجل الصورة الأكبر التي هي كالعادة في الشرق الأوسط تعني إمدادات النفط والغاز. فهم مستعدون لتحمل وجود الأسد حتى نهاية الأزمة بدلا من الإصرار على أن رحيله هو بداية النهاية. ويبدو أن الأميركيين يقولون الشيء نفسه، والآن روسيا تعتقد بأن الاستقرار أهم من الأسد نفسه».
خطورة مقالة « فيسك» أنها سبقت مؤتمر جنيف الذي تسربت منه بعض الحقائق. فما حصل هناك لم يكن إلا إنعاش لخطة كوفي أنان الذي طالب بوضعها تحت هيمنة « الفصل السابع» الذي يتيح ضغطا دوليا مدعوما بالقوة الدبلوماسية والعسكرية الملزمة. وهو ما لم يحصل. إذن ما قيمة الخطة؟ الجواب لا شيء. فلماذا إذن تم تمريرها وسط تهديدات أمريكية « جوفاء» عن العودة إلى مجلس الأمن والتلويح بعصى « الفصل السابع» بعد عام!!!؟ هنا السؤال.
آليات الحل مع النظام
عشية (1) التحضير لاجتماع جنيف، و (2) في أجواء الخلاف الروسي الأمريكي حول حضور طهران والسعودية للمؤتمر ( وقد استبعد حضور الطرفان لاحقا)، حذر كوفي أنان القوى الدولية من خطورة الثورة السورية، مشيرا إلى: « الأخطار الكبيرة التي يمثلها الصراع على الوضع في المنطقة والعالم».
ولا ريب أن هذا التحذير من خطورة الوضع، الذي سبق وعبر عنه عشرات المسؤولين الغربيين في مناسبات عديدة، هو في الحقيقة جوهر أي تحرك دولي يخشى من انفجار النظام الإقليمي في المنطقة ومن ثم انفجار النظام الدولي ذاته. ولأن الثورة السورية ما زالت واقعة في مدى الاحتواء، أملا في الحفاظ على النظام الدولي واستقراره وأمنه، فإن أية حركة سياسية لا بد وأن تقع في ذات المدى ولا تخرج عنه قيد أنملة. وهذا يستدعي مبدئيا الإبقاء على السياسة الوحيدة المتبعة حتى اللحظة وهي التعامل مع الثورة السورية باعتبارها « أزمة» يتطلب وضعها، لخطورتها، تحت المراقبة الدائمة، عبر « إدارتها»، ريثما تنضج ظروف تساعد على « الحل مع النظام»!!! لكن هذه « الإدارة» تحتاج هذه المرة إلى جرعة زائدة في المدى الزمني تصل إلى العام!!!
1) فرصة العام: لمن؟
عام؟ نعم عام بلسان كوفي أنان، وإن لم تكن كافية فعامين بلسان « فيسك»!!! فبعد اجتماع جنيف (30/6/2012) قال أنان: « إن المشاركين حددوا المراحل والإجراءات الواجب اتخاذها للتطبيق الكامل لخطة النقاط الست وقراري مجلس الأمن 2042 و 2043 ، بما في ذلك الوقف الفوري للعنف بكل أشكاله». لكن ما تجاهله أنان في تصريحه هذا أثبته في مؤتمر صحفي لاحق حين قال: « إنه يأمل بأن يرى نتائج حقيقية للاتفاق خلال عام» … « يأمل»!!! كما أنه يتحدث عن مجرد « نتائج حقيقية» وليس عن « حل»، فهل ثمة ضمانة من أي نوع لأية « نتائج»؟ وهل ثمة مصلحة للشعب السوري من كل هذا الوقت الطويل، إلا ما تحدث عنه « فيسك»؟ لنتابع تفاصيل الجريمة!!!
تقول صحيفة « كريستيانس ساينس مونيتور» الأمريكية في اليوم التالي لـ « إعلان جنيف» أن: « المجتمعون فضلوا نتائج هزيلة على إعلان فشل كامل»!!! ربما. لكن الحقيقة تؤكد أن الغرب اعتمد هذه المرة الأطروحة الروسية بالكامل في التعامل مع « الأزمة» السورية. ومن لم يصدق فليتأمل ما قالته كلينتون جيدا، والتي خلطت السم بالدسم!!! حين أكدت أن الخطة تعني رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما نفاه الروس،: « سيتعين عليه الرحيل ولن ينجح في اجتياز اختبار التوافق نظرا للدماء التي تلطخ يديه» .. وأضافت بأن روسيا والصين: « صدقّا على اتفاق توافق السوريين على حكومة انتقالية، وعليهما الآن العمل مع حليفهما على تحقيق الاتفاق الذي تبنياه»!!!!!!!!
هكذا! فرصة للروس والصينيين لـ « اختبار» و « تحقيق الاتفاق الذي تبنياه» !!!؟ فمن وضع الخطة يا ترى: كوفي أنان؟ أم الروس؟ ولصالح من وضعت الخطة إذا كانت مفرداتها صيغت بموجب المصالح وأمن النظام الإقليمي والدولي؟ وما هي وقائع وتداعيات هذا الـ « اختبار» على الأرض، وهو الذي سيتمتع بحماية دولية؟
لنرى ما تقوله الصحيفة الأمريكية ذاتها، في تعليقها على « عام» كوفي أنان، وما ينتظره من « نتائج حقيقية»: « إن وضع هذا المدى الطويل لتطبيق الخطة سوف يساهم بسقوط مزيد من القتلى في صفوف السوريين»، لماذا يا ترى هذا « التشاؤم»؟ تتابع الصحيفة: « لأن الخطة لا تتضمن أية حوافز لتشجيع الأطراف المتقاتلة في سوريا على التزام الهدوء» .. بحسب هذا الفهم للصحيفة فالخطة ليست سوى مشروع للقتل وتصفية الثورة وتأمين مصالح النظام الدولي.
ومع ذلك فالخطورة ليس فيما أوردته الصحيفة الأمريكية في قراءتها بل فيما أدلى به وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ من تصريحات للصحفيين، رفقة نظيره الفرنسي لوران فابيوس عشية التحضير لمؤتمر « أصدقاء سوريا – 6/7/2012 » في العاصمة الفرنسية – باريس .. تصريحات لا يمكن تصنيفها إلا في سياق الجريمة الدولية التي يجري ارتكابها عن سبق إصرار وترصد. فلنقرأ ما قاله هيغ (4/7/2012)، وهو يعقب على تمسك الموقف الروسي ببقاء الرئيس السوري: « يجب أن تفهم روسيا أن الوضع في سوريا سيؤدي إلى الانهيار وإلى أعمال عنف مروعة وجسيمة». هذا نصف الكأس للمستر هيغ!!! أما النصف الآخر فيملؤه بالقول: « حتى لو كان الأسد مطلق اليد في ارتكاب ما شاء من جرائم فهو لا يستطيع أن يسيطر على الوضع في سوريا، لذلك لا جدوى من وقوف أحد مع نظام الأسد»!!!
لنتأمل حجم الدهاء والخبث والمكر في تعامل « المركز» مع الشعوب وكأنها فرائس غاب استبيحت دماؤها للقتلة، فمن الذي أعطى الروس والصينيين « فرصة العام»؟ ومن الذي وصف « إعلان جنيف» بـ « الاختبار»؟ ومن الذي دعاهما إلى « تحقيق الاتفاق الذي تبنياه»؟ ومن الذي سيطلق يد بشار الأسد « في ارتكاب ما شاء من جرائم »؟ لماذا فقط الروس والصينيين وليس أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأنان، الذين صنعوا الإعلان وأخرجوه باسم الأمم المتحدة؟
2) تأهيل المعارضة السياسية!!!
لا ريب أنها تصريحات بالغة الخطورة كونها تنطوي في الظاهر والباطن على وحشية « المركز» الذي يستعد لمواجهة اعتراضين على خطة أنان، أولهما من المعارضة السياسية المنقسمة! وثانيهما من المعارضة المسلحة. فحتى يمكن تمرير الخطة فإن الغرب بحاجة إلى ممارسة ضغوط على المعارضة السياسية، وهو ما أعلنه صراحة إذا ما عارضت الخطة أو رفضتها. ورُبّ سائل يسأل: إذا افترضنا جدلا أن المعارضة قادرة أن تقول لا لخطة أنان؛ فما الذي يجعلها قادرة أن تقول لها نعم؟ وما قيمة أن توافق أو تعارض الخطة؟ الجواب لا شيء!!!! فالمعارضة السياسية فشلت حتى بانتزاع تأييد من القوى المسلحة لمؤتمر القاهرة الذي ولد ميتا منذ أعلنت الجامعة العربية عنه قبل نحو شهرين.
لكن « المركز» بحاجة إلى طرف محلي يوفر الغطاء السياسي لمشروعه القائم على « الحل مع النظام»، وتبعا لذلك سيعمل على تأهيل المعارضة عبر الضغط الدموي على الشعب السوري لإيصاله إلى مرحلة يقبل فيها بأية عروض من أي نوع كان، وهو ما نص عليه أحد بنود الخطة بالقول أن: « مجموعة الاتصال على استعداد لتقديم دعم فاعل لأي اتفاق يتم التوصل إليه بين الأطراف، ويمكن لهذا الدعم أن يتخذ شكل مساعدة دولية بتفويض من الأمم المتحدة» .. لاحظ التعبير: « أي اتفاق» الذي لا يهتم بأي شكل من الأشكال بمصالح الشعب السوري أو الثورة بقدر ما يهتم بالتوصل إلى « أي اتفاق»، فضلا عن أن « إعلان جنيف» لم يشر أصلا لأية مسؤولية جنائية على النظام في أي مستوى، بل أن « الاتفاق» سيحظى بدعم دولي من المنظمات الدولية ذات الصلة!!! فمن يتحمل مسؤولية القتل والمجازر والتهجير والاغتصاب والتدمير الممنهج للمدن التي صارت وكأنها خارجة من حرب عالمية؟
« أي اتفاق»؛ يعني أن الثورة السورية قد تتعرض في الشهور القليلة القادمة إلى ضربات دموية طاحنة، ليس من المستبعد أن تمس المناطق الآمنة، وشتى القطاعات الحيوية في المجتمع السوري، وتدمير ما تبقى، بحيث تكون الخسائر جارحة للغاية. وحينها ستكون المعارضة قد تأهلت بما يكفي لتقبل، رغم أنف المجتمع السوري والثورة، صيغة « الحل مع النظام» باسم المبعوث الدولي العربي المستر كوفي أنان.
3) نزع السلاح
لكن مع ذلك تبقى الثورة المسلحة هي الأقدر على اعتراض أية حلول فوقية. ولهذا السبب فقد تضمنت الخطة بندا يفضي إلى نزع سلاحها. ففي النسخة الأولى من الخطة لم تكن هناك إلا إشارات قليلة جدا لـ « الحل مع النظام». لكنها في الخطة الجديدة فقد أوضحت بالنص أنها تمثل مرحلة انتقالية يتم فيها تقاسم السلطة مع النظام باسم « حكومة وحدة وطنية» انتقالية. ومن الطريف أنه حين كانت الأمم المتحدة تتفاوض مع الحكومة السورية على إرسال المراقبين الدوليين اقترحت الحكومة السورية، بعد استشارة الروس، تضمين بروتوكول الاتفاق بندا يقضي بنزع سلاح المقاومة، ولم يكن أنان ليمانع في ذلك لكنه عجز والحكومة السورية عن تثبيت المقترح رسميا في نص مكتوب. أما في الخطة الجديدة فقد جاء المقترح كأحد البنود التي تأتي في سياق التطبيق، وهو ما عبر عنه أنان بصريح العبارة حين قال: « أن ذلك يجب أن يؤدي إلى نزع سلاح المجموعات المسلحة»!!!! وبدلا من ذلك ( والكلام لأنان ولنص الخطة): « استمرار عمل الأجهزة الحكومية بما في ذلك الجيش والأمن»!!! وهذا يعني أن المقاومة المسلحة ستكون مستهدفة بنزع السلاح رسميا.
قبل الفيتو الروسي الصيني (24/2/2012) بقليل؛ لجأت الدول الإقليمية إلى إغلاق الحدود بإحكام، لدرجة أن البحث عن طلقة كان أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش. بل أن سعر الطلقة بلغ مستوى خياليا ما بين 3 – 4 دولارات، والأسوأ من هذا أن المخابرات السورية لجأت إلى أسلوب تفريغ المناطق الحدودية من الأسلحة والذخائر عبر شرائها بأثمان باهظة من أصحابها ومن التجار لمنع المقاتلين من الوصول إليها بأي ثمن!!! كما لجأت إلى أساليب أخرى كافتعال اشتباكات مع القوى المسلحة في الثورة ليس بهدف قتلهم بل بهدف استفزازهم ودفعهم إلى إطلاق النيران بغزارة. ولم يكن الثوار ليمتلكوا أي رصيد ثقافي أو سياسي أو أمني أو خبرة تمكنهم من الاسترشاد بها في مثل هذه الحالات، فخسر الكثير منهم مواقعه وذخيرته على حين غرة، بل أن الكثير منهم لاذوا بالفرار أو أصيبوا بالعجز التام عن مواجهة مواقف لم يكونوا قد خبروها من قبل.
وبطبيعة الحال فقد بدا واضحا في ذلك الحين أن إحكام الحدود لم يكن إلا بقرار دولي، ولم تكن تركيا نفسها إلا ضالعة في هذا الأمر. وهذا يعني أن شحنات الأسلحة التي تسلمها الثوار من جهات عربية وربما دولية لم تكن لتمر لولا أن هناك رغبة دولية في تمرير قدر ما من الأسلحة!!! وهذا يعني أيضا، وهو الأهم، أن من يتحكم في تسليح الثورة السورية يستهدف بالدرجة الأساس ممارسة ضغط على النظام لتمرير هدف سياسي وليس حبا في الثوار أو نصرة لهم.
في هذا السياق بالضبط يجيء « إعلان جنيف» .. ومن الغبن الفادح أن يقع تجاهل البند الخطير الذي ورد في نص الإعلان، والذي يقول: « يعارض أعضاء مجموعة الاتصال أي عسكرة إضافية للنزاع» .. هذا البند الذي أشار إليه العميد مصطفى الشيخ، رئيس المجلس العسكري الأعلى للثورة، في مداخلة له على قناة « وصال – 5/7/2012 » يعني ببساطة، والكلام للعميد مصطفى، أن الثورة المسلحة تتأهب لمرحلة استنزاف خطير في الذخيرة. أما كيف؟ فلا ريب أن وسائل نزع السلاح ستكون أيضا ذات نكهة سياسية، كأن يعلن الأطراف عن تقدم ما في صيغة « الحل مع النظام»، مما يستدعي وجوب البدء بنزع السلاح وربما فتح المجال السياسي والإعلامي وحتى الديني لإدانته في وقت لاحق. فهل سيتمكن المسلحون لاحقا من اعتراض أي حل سياسي فضلا عن قدرتهم على حماية المواطنين بل وحتى أنفسهم؟
أخيرا
جريمة الثورة السورية أنها تخوض حربا وجودية طاحنة ضد مشاريع قوى الهيمنة الدولية والإقليمية والمحلية دون أن تتلقى أية مساندة ذات شأن من أحد .. كما أن القوى الدولية ذاتها تخوض صراعا وجوديا هي الأخرى مع ما يتهدد هيمنتها من ثورة لا تكل ولا تمل من التحدي وإبداء أكبر قدر ممكن من الشراسة. ومن العجيب حقا أن يخوض « المركز» حروبه ضد الأمة في سوريا حفاظا على مصالحه، أو أن تكشف بعض التحقيقات مع عصابات « الشبيحة» الشيعية والنصيرية، عن تعبئة عقدية لهم تصل إلى حد اعتبار جرائمهم ضد أهل السنة في سوريا « قتال في سبيل الله»!!! بينما تقاتلهم المعارضة السياسية وبعض الأجنحة العسكرية باسم « الوحدة الوطنية» و « الدولة المدنية» و « التعددية» و « الديمقراطية» بدلا من التعبئة العقدية المضادة، بوصفها السبيل الأنجع والوحيد في مواجهة المشاريع العقدية.
لكن الأعجب، أن القوى المسلحة في الثورة بدت أعمق وعيا في قراءتها لمخاطر « إعلان جنيف»، وأحرص على الثورة ومصيرها، وحتى على الدولة وهويتها، من القوى السياسية المعارضة، وفي السياق فإن « توصيات» العميد مصطفى الشيخ للقوى المسلحة على قناة « وصال » بدت وكأنها تدق فعلا ناقوس الخطر، وهي تحذر من أن الثورة والمجتمع والدولة في سوريا قد يواجهون هجمة دموية شاملة في الشهور القادمة، مشيرا إلى أنه لن يكون أمام القوى الثورية السلمية والمسلحة وكافة أطياف المجتمع السوري، حتى تلك التي لم تدخل بعد رحى الثورة أو الاحتجاجات، من خيار إلا أن تدافع عن نفسها، والعمل بأقصى درجات الحيطة والحذر والاستنفار الذهني والأمني والعسكري والطبي والغذائي والإعلامي، للحيلولة دون غدر النظام والقوى الدولية والإقليمية، بما فيها الصديقة، والسعي بأوسع جهد إلى تعزيز احتياطاتها الإستراتيجية من الذخيرة بمقدار 50% لمواجهة أي طارئ أو دخيل.
http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-374.htm