هوية الثورة وخياراتها

د. أكرم حجازي

لعل أطرف ما في واقعة « خلية الأزمة» أن النظام هو الذي أعلن عنها قبل أن تسارع قوى عديدة في الثورة إلى تبنيها!!! ولما نقول واقعة فإننا لا نستثني منها الوفاة الغامضة لرأس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان وكذا مدير وحدة المعلومات في جهاز « الشين بيت » « الإسرائيلي». وإذا تتبعنا ردود الفعل السورية والدولية فلن نقع على أية خيوط يمكن ملاحقتها للوقوف على حقيقة الواقعة المثيرة بكل ما في الكلمة من معنى. لكننا سنقع على تصريحات من بان كيمون ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وهي تصف الواقعة بـ « الإرهاب» تماما مثلما وصفها فلاديمير بوتين وإيران!!! كل هذا المكر والغموض والتناقضات أفسح المجال لكثير من التكهنات لكن دون جدوى.

واقع الأمر؛ لو أن نظاما آخر خسر هذا الكم والنوع كالذي خسره النظام لما استطاع الصمود دقيقة واحدة!!! لكن النتيجة مع النظام السوري كانت معاكسة تماما وهو يحصل على حماية دولية فورية عبر الفيتو الروسي – الصيني المزدوج، والثالث في مجلس الأمن!!! والسؤال: إذا كانت الثورة السورية شأنا محليا؛ فلماذا يحظى النظام بكل هذه الحماية الدولية؟

« العائلة الأسدية» والنظام

ثمة قناعة لدى بعض السوريين ترى بأن المشكلة واقعة فيما يسمونه بهيمنة « العائلة الأسدية» على الحكم والطائفة. فإذا ما تخلص الشعب السوري من هذه العائلة سيكون سهلا عليه التخلص من النظام. لكن واقع الأمر أن النظام في سوريا ليس نظاما عائليا يماثل النظام الليبي أو اليمني، ولا نظاما مافياويا كما كان الحال في تونس أو مصر .. بل هو نظام طائفي بامتياز، أسسته فرنسا منذ اللحظة الأولى للانتداب سنة 1920. وفي تلك اللحظة من الزمن لم تكن « العائلة الأسدية» واردة في الحسبان بقدر ما كانت المسألة تتعلق بتأمين طائفة على البلاد لحماية النظام الدولي الجديد الذي بني على أشلاء العالم الإسلامي. وعليه فإذا كانت الطائفة امتيازا استعماريا فإن « العائلة الأسدية» لم تكن إلا امتيازا في إطار الطائفة وليس خارجها. فما الذي يعنيه هذا التوصيف بالنسبة لهوية الثورة؟

يعني أن « العائلة الأسدية» لا يمكن أن تكون امتيازا دوليا في مثل هذه اللحظات العاصفة والخطرة بقدر ما تحظى به الطائفة العلوية، وبالتالي فمن الممكن إزاحة « العائلة » مع الاحتفاظ بالطائفة بوصفها الثابت الاستراتيجي الوحيد الذي يمكن ائتمانه، حتى اللحظة، على سلامة النظام الدولي الإقليمي وأمنه واستقراره.

ضمن هذا التوصيف يمكن استحضار كافة التصريحات الدولية والمحلية والإقليمية التي استعملت تعبير « الحرب الأهلية» وهي تحذر من وقوعها وتمددها في المنطقة. كما يمكن استحضار تصريحات بشار الأسد، بداية الثورة، وهو يهدد « المركز» بـ « إشعال الشرق الأوسط في ست ساعات»!!! تهديد أقرب إلى العتاب الشديد من أي أمر آخر. إذ أن « المركز» هو الذي أطلق يد الطائفة، طوال عقود، ضد السنة في المنطقة، وخاصة ضد المجتمع السوري. وهو الذي صمت، إن لم يكن شجع، على أبشع مذابح النظام الطائفي في سوريا ولبنان. كما صمت على فرض النظام علاقة طائفية دموية وأمنية مرعبة، طالت الدولة ومكوناتها، والمجتمع بمدنه وقراه وأحيائه، والمؤسسات المدنية والإثنيات التي تشكل قوام المجتمع السوري بما يزيد عن 25 إثنية، وكافة الطبقات والشرائح والفئات العمرية، إلى الحد الذي لم يفلت من بطش هذه العلاقة المتوحشة طفل أو شيخ أو امرأة أو شاب أو معارض أو سياسي أو ناشط أو مثقف ..

لا ريب أن « العائلة الأسدية» تستند إلى الطائفة التي تحظى بحماية دولية وإقليمية خاصة من إيران ذات المشروع الصفوي الذي يستعمل الطائفة جسرا للعبور إلى المنطقة. ولا ريب أيضا أن الطائفة تعلم جيدا أنها أوقعت في المجتمع السوري، لاسيما أهل السنة منه، من الأذى ما لا يمكن التسامح معه بقدر ما يبدو اليوم مبررا يسمح بالانتقام منها .. انتقام أصلته وقائع السياسة الدموية المتوحشة التي انتهجها النظام ضد الثورة. وبالتالي فقد صار حال الطائفة كمن يسائل « المركز»: ما هو مصيرنا بعد كل الدم الذي سفكناه، والأعراض التي انتهكناها، والأجساد التي مزقناها، والوحشية التي تغنينا بها؟

ما هو المصير؟ ليس سؤالا طائفيا محليا فحسب، بل هو في الأساس سؤال دولي!!! وتبعا لذلك فالثورة السورية، شاء السوريون أم أبوا، ليست شأنا محليا أبدا رغم أنها تبدو كذلك بالمقارنة مع الثورات الأخرى. والأطروحة التي تحاول، عبثا، التأكيد على محلية الثورة والنأي بنفسها عن أية صدامات دولية، لم تقرأ الثورة جيدا أو أنها تتهرب من لحظة الحقيقة.

النظام برؤية دولية

في الجوهر لا وجود لفرق يذكر بين جناحي « المركز»، الشرقي والغربي، فيما يتعلق بالثورة السورية إلا في إدارتها والبحث عن أفضل السبل في وقف تهديدها للنظام الدولي. ففي حين يبدو الغرب شديد التخوف من أن تفلت الثورة من طوق السيطرة والتحكم يبدو الروس ومعهم الصينيون أكثر ثقة فيما يفعلون، وأحوج إلى احترام الغرب لدورهم ولـ « ذكائهم» وقدراتهم في التحكم والسيطرة، خاصة أن روسيا هي من تولى الملف السوري تاريخيا بعد حرب العام 1956، فضلا عن صراع النفوذ بين القوى الكبرى.

التصريحات الدالة على كون الثورة السورية شأن دولي رافقت الثورة منذ لحظاتها الأولى. بل أن بعض التصريحات المجردة من الأغطية الدبلوماسية كتعبير « الحرب الأهلية» صارت صريحة بصراحة قائليها. ويكفي التذكير ببعضها.

فحين صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لإذاعة « كومرسانت إف إم – 21/3/2012» قائلا: « إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي في سوريا، ولا تراودني أي شكوك بهذا الصدد»، إنما كان في واقع الأمر يخاطب زملاءه في « المركز» لاسيما أمريكا وبريطانيا وفرنسا وليس العرب أو السوريين كما توهم البعض وهو يرد على لافروف ببلاهة عجيبة متهما إياها بـ « الطائفي»!!!! وكأن هذا ما ينقص لافروف. فالثلاثي الملطخة أيديه بالدماء في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين والجزائر ولبنان .. والذي اعترض الثورات العربية بوحشية .. استغلها بمكر شديد وهو يحاول على حساب الروس تحسين صورته الدموية عبر التباكي على الحرية وحقوق الإنسان والمذابح المروعة، فما كان من لافروف إلا وفضح الموقف الغربي ولسان حاله يقول: « أتريدون حكما سنيا في سوريا»؟

هذا التصريح الذي ألجم انتهازية الغرب أدلى به لافروف ليذكّر الغرب بأن الاتحاد السوفياتي البائد، وقلبه روسيا، هو الذي تَسلَّم من الفرنسيين حماية الطائفة في سوريا بعد حرب السويس سنة 1956 وإيصالها إلى منصة الحكم، وهو الذي حافظ على أمن النظام الدولي الإقليمي بعد تبنيه حركات التحرر في العالم، وهو الذي حال دون إحداث أي فارق في الصراع مع « إسرائيل»، وهو الذي سحب مستشاريه من مصر وأبقى عليهم في سوريا عشية حرب تشرين أول / أكتوبر 1973!!!

في مقالة له نشرتها صحيفة الواشنطن بوست 19/7/2012 بعنوان: « دعوة واشنطن للتخطيط لما بعد الأسد» كتب ديفيد إغناتيوس يقول: « إن واشنطن لا تزال ترغب في مساعدة موسكو في إدارة انتقال سوريا»، وإن الرئيس باراك أوباما يسعى لـ « انتقال للسلطة مسيطر عليه»، عبر (1) « الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بأسرع وقت ممكن»، و (2) « إنجاز ذلك بدون تبخر سلطة الدولة». لذا فإن: « المسؤولين الأميركيين يحذرون من أنه كلما أصبح الوضع أكثر عنفا فإن الباب لتعاون دولي فعال ربما يتم إغلاقه»

إذن الروس أمناء على أمن النظام الدولي وشركاء في حمايته وخبراء في التعامل معه وليسوا هواة أو انتهازيون أو بلهاء أو طائفيون كما يحلو للبعض أن يثرثر!!! ورغم ما بدا مراوغات سياسية وإعلامية، فيما يتعلق بمصير الأسد، إلا أن الروس، كما الغرب، أعلنوا أكثر من مرة أنهم لا يأبهون لبقاء الأسد من عدمه في السلطة. وصاروا، ولمَّا يزالوا، أشد وضوحا من الغرب فيما يتعلق بمصير النظام الدولي وليس بمصير الأسد. فبعد تصريح لافروف قال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية، الكسندر لوكاشيفيتش، في مؤتمر صحفي عقده بموسكو 21/6/2012: « من الواضح تماما أن الوضع السوري مرتبط بأسس النظام العالمي المستقبلي، وكيفية تسوية الوضع ستحدد إلى حد كبير كيف سيكون هيكل نظام الأمن الدولي الجديد والوضع في العالم عموما». وردا على التصريحات الغربية التي أعقبت بيان مؤتمر جنيف في 30/6/2012، واتهام روسيا بالتمسك بالأسد قال ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في باريس(20/7/2012)،: } إن ما تدافع عنه روسيا ليس نظام بشار الأسد، « لكنه النظام الدولي»{. فهل تصمد الثرثرة والأيديولوجيات أمام هكذا توصيفات؟ عجبا!!!!

من باب التذكير نشير إلى اللحظات الأخيرة قبل التصويت على مشروع القرار الذي اصطدم بالفيتو الروسي – الصيني (24/2/2012). فقد تناقلت وسائل إعلام عديدة التحذير القطري للمندوب الروسي فيتالي تشوركين من مغبة استعمال الفيتو، فما كان من هذا الأخير إلا التهديد بمحو قطر عن الخريطة مذكرا وزير الخارجية القطري بأنه هنا ( في مجلس الأمن) مجرد ضيف. وذات الأمر تكرر في مؤتمر جنيف ( 30/6/2012)، وهو ما أشارت إليه الصحفية راغدة ضرغام (6/7/2012) نقلا عن أحد المصادر التي حضرت المؤتمر قوله:} إن الروس بالذات استاؤوا جداً من تركيا وقطر على أساس أنه » لا يحق« لهما التدخل في نص لمشروع قرار يخص مجلس الأمن وأن عليهما ألا يتصرفا وكأنهما عضوان في المجلس{. ومن باب التذكير أيضا فقد نفى السفير الروسي صحة الواقعة الأولى في مؤتمر صحفي، إلا أن أحدا لم ينف أو يعلق على واقعة جنيف!!!

لكن الخشية الغربية من خروج الأمر عن السيطرة ربما تكون دفعت الروس إلى التعجيل بانتقال السلطة. ويبدو أن الروس توصلوا إلى تفاهم ما حول تنحي الأسد. فحين صرح ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في فرنسا، بأن بشار الأسد وافق على التنحي عن السلطة (20/7/2012)، سارعت الخارجية السورية إلى النفي. وبحسب السفير الروسي، فإن فكرة « انتقال السلطة في سوريا» طرحت في البيان الختامي لمؤتمر جنيف، وأن الأسد وافق عليها، « وعين مبعوثا له ليقود المفاوضات مع المعارضة من أجل هذا الانتقال»، وأضاف السفير: « هذا يعني أنه قبِل أن يرحل لكن بطريقة منظمة»، مشيرا إلى أنه: « من الصعب عليه البقاء بعد كل ما حدث، لكنه قبِل أساسا أن عليه أن يرحل». لكن الغرب تحفظ على مثل هذه التصريحات التي أثارت غضبا سوريا عارما. وفي السياق نقلت وكالة « رويترز» عن دبلوماسي غربي القول: « لم نسمع الأسد يقول من قبل إنه مستعد للتنحي، لكن ماذا يقصد هل يقصد الآن، أو في غضون عامين .. علينا توخي الحذر». ومن الواضح للمراقبين أن « التحفظ» الغربي يحيلنا إلى مهلة العام التي منحها مؤتمر جنيف للروس لإدارة الملف السوري .. والتي قد ترتقي إلى عامين بحسب التحفظ الغربي مذكرة، من طرف خفي، بـ « عامي روبرت فيسك» عشية مؤتمر جنيف!!!!

إيران وإسرائيل: مخاوف مشتركة

أما ساسة « إسرائيل» الذين استفاقوا فجأة ( 10/6/2012) على ما وصفوه بـ « الفضيحة التي لا يمكن تصديقها .. الإبادة الجماعية .. صمت قوى العالم يتناقض مع المنطق الإنساني .. الوجه القبيح لمحور الشر .. المجازر … » فلم تكن إلا تعبيرا عن صراع القوى الدولية حول الملف النووي الإيراني انطلاقا من سوريا. إذ أن كل ما أراده قادة « إسرائيل» من الدخول العلني المفاجئ على خط الثورة السورية هو ليّ ذراع إيران التي صارت بنظر « المركز» أجدر من « إسرائيل» في حماية النظام الدولي والحفاظ على أمنه واستقراره، ولا ريب أن صعود الدور الإيراني سيعني بالمحصلة تراجع في مكانة « إسرائيل» لدى « المركز» .. تراجع يثير فزعا في « إسرائيل»، ويستثير فيها « عقلية الغيتو»، التي تؤشر على الشعور بخطر الزوال .. « عقلية» تجد تعبيراتها في سلسلة القوانين العنصرية، والرغبة الجامحة في الانزواء بدولة يهودية الطابع!!! ولعل التاريخ يشهد بأنه كلما اتجه اليهود نحو « الغيتو» كلما دل ذلك على الشعور بقرب الخطر وفداحته!!!

إذا كان هذا التوصيف مغاليا؛ فلنقرأ تصريحات يئجال بلمور، الناطق بلسان الخارجية « الإسرائيلية»، في تعليقه ( 21/7/2012) على حادثة مقتل خمسة يهود في بلغاريا (18/7/2012)، واتهام « إسرائيل» لإيران وحزب الله بارتكابها. فقد اعترف بلمور بوجود « توتر بين إسرائيل وإيران»، وهذا لا يخفى على أحد، لكنه أفصح بصريح العبارة عن مخاوف مشتركة تجاه سقوط الأسد، حين قال: « إن التوتر بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى كبير ومنذ سنوات, ( لكن ) الجانبين يخشيان جدا سقوط بشار الأسد … »، أما المصدر الأوحش لـ « الخشية الإسرائيلية – الإيرانية» بحسب يئجال بلمور فهي: « من إرادة الشعب السوري» .. خشية تصل إلى حد الشعور بالخطر المصيري الذي يتهدد وجود المشروعين الصهيوني والصفوي في المنطقة.

البأس والعصبية والخيارات

لا شك أن بأس الثورة السورية أصابت العالم بالصداع والعصبية الشديدة، فلا « المركز» قادر حتى اللحظة على احتواء الثورة السورية وتجنيب النظام الدولي خطر الانهيار، ولا غزارة الدماء ووحشية الاعتراض دفعت السوريين إلى الانكفاء. ولقد كانت لفتة بالغة الخطورة ذلك التصريح الذي أدلى به مصدر في البحرية الروسية. فمن المعروف أن البريطانيين اعترضوا في الشهر الماضي سفينة الشحن الروسية « ألايد»، التي تحمل طائرات مروحية هجومية كانت متوجهة إلى سوريا، ورفعوا عنها غطاء التأمين الدولي، مما اضطرها للعودة. لكنها عادت للإبحار مجددا تحت العلم الروسي بدلاً من علم جزيرة كوركاو في البحر الكاريبي.

وبحسب صحيفة « ميل أون صندي – 15/7/2012» فإن مصدراً بارزاً في البحرية الروسية أكد أن أوامر رسمية ستصدر في القريب العاجل لسفن البحرية الروسية لتأمين المرافقة الوثيقة للسفينة التي قد تبحر على مقربة من الجزر البريطانية، مما يثير مخاوف من احتكاك دولي مسلح. وتعقيبا على ذلك نقلت الصحيفة أيضا عن مصدر في البحرية الروسية قوله: « نأمل ألا يُطلق أحد شرارة الحرب العالمية الثالثة بسبب ذلك، فنحن لم نتلق أوامر حتى الآن لمرافقة السفينة ألايد، لكننا نتوقع صدورها في أي وقت بعد أن تم التخطيط للعملية»!!!

بهذا المنطق الدولي المتوتر تغدو الثورة السورية مسألة دولية صرفة، وبالغة الخطورة. ولا يمكن لها أن تفلت من خيارين لا ثالث لهما:

• إما أن تقبل بالحل الدولي القائم على بقاء الطائفة في الحكم بوصفها البنية المركزية للنظام، والأمينة على مصالح النظام الدولي. وفي السياق تجدر الإشارة إلى أن ضربة « خلية الأزمة» تقع في سياق التمهيد للحل الدولي. فإذا لم تكن الضربة من فعل القوى الثورية فستبدو استجابة لما احتوته وثيقة جنيف، التي حرصت على استبعاد عناصر التوتر من أية حكومة انتقالية قادمة. وفي كل الأحوال فإن الفشل الذريع سيكون حليف الثورة السورية. إذ أن ما سيحصل بالضبط هو، في المحصلة، بقاء الصيغة التاريخية للحكم « النظام – الطائفة» بقطع النظر عن التكوينات الأخرى للسلطة الانتقالية، مع بعض التحسينات الشكلية التي لا تلبث أن تنفجر في أية لحظة، وقبل أن تتبلور.

• وإما أن تدخل في مواجهة صريحة مع « المركز» بكافة تشكيلاته وأطروحاته وأدوات النفوذ فيه. وهذا يعني مواجهة « المركز» والمشروع الصفوي والمشروع الصهيوني. لكن في هذه الحالة ينبغي ملاحظة أن الثورة السورية التي انتقلت من الحالة الشعبية السلمية إلى الحالة الشعبية المسلحة ستحتاج إلى (1) قيادة موحدة وصارمة، تلملم شتات المجموعات المقاتلة، وإلى (2) خطاب صريح يجمعها لا غبار عليه البتة. أي أنه لا مفر من مواجهة المشاريع العقدية الثلاثة بمشروع عقدي صريح، بعيدا عن كل الدعوات التي تدور في فلك الأيديولوجيات أو السقف الدولي مثل الدولة المدنية أو الديمقراطية أو الحرية أو العدالة ….. ، والتنصل من الأطروحات العلمانية واللبرالية التي حرصت على إرضاء « المركز» واستبعدت كل مرجعية إسلامية دون أن تظفر بأي مكسب يذكر إلا ما يعرضه عليها المركز.

http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-375.htm