د. أكرم حجازي
تلك هي الصفقة التي عقدت بين النظام المصري والولايات المتحدة. الإعلان عن بقاء الرجل في السلطة ولو لأسابيع وليس أشهرا فقط. وبعد أن يعود الناس إلى بيوتهم سيكون لكل حادث حديث. خطاب هو الأشد استفزازا للناس منذ يوم الغضب الأول. فالغرب المذعور من قادم الأيام على مصالحه في المنطقة ومصير الكيان الصهيوني الذي بات على المحك يبدو أنه لم يجد مخرجا للرئيس المذعور إلا بقائه في السلطة.
كلهم مذعورون. وكلهم فقدوا صوابهم وحيلتهم إلا من الاستفزاز عسى أن تقع معجزة تعيد إليهم بعض الشجاعة. ودون ذلك فما من تفسير لخطاب مبارك إلا أن يكون مخطط انتقال السلطة لم يكتمل بعد، مما يستدعي خطابا استفزازيا يوفر المزيد من كسب الوقت لإنجاز المخطط بالطريقة التي يحفظ فيها الغرب مصالحه ويطمئن بها على مصير إسرائيل. أو أن يكون النظام المصري ذاته يسعى إلى كسب الوقت أيضا، ويمنع مبارك من الرحيل إلى أن يأمن أركانه ورموزه على مصيرهم المهدد بالملاحقة والقصاص عاجلا أم آجلا.
إذا كانوا يسعون بهذا الخطاب السقيم أن يصبوا الزيت على نار الغضب الملتهبة؛ فلأنهم أدركوا يقينا أن معادلة الحكم القائمة على الأمن مقابل الخبز انتهت إلى غير رجعة، وانتهوا معها. ولعمري أن هذا آخر خطاب مذعور لمبارك وهو في حالة الاحتضار أو في حالة الفهفكة والشهشكة والزهزكة كما يردد والدي. فليطمئن أهل ميدان التحرير، ولا يستفزنهم الوزغ ببعض أفراخه من البلطجية والمجرمين. فلن يستطيع مبارك الذي لم يعد يملك في البلاد سوى حثالاتها، ولا عصابته الحاكمة، ولا الولايات المتحدة ولا إسرائيل فعل شيء يذكر إلا إبداء المزيد من الذعر إلى أن يذعنوا صاغرين لإرادة الله قبل إرادة الناس.
أما القول بأن الرئيس يبحث عن مخرج مشرف، بالنظر إلى خدمته السياسية والعسكرية المديدة، فهذه مغالطة بحق رئيس مسؤول عن نظام لم يحظ بلحظة شرف طوال ثلاثين عاما. بل أن جعبته وجعبة النظام السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والأيديولوجية والدينية والأخلاقية لا تشرف حتى عواهر تايلندا. فالمشكلة ليست بالديكتاتورية فحسب بل في مدرسة النهب المنظم للأمة، ومدرسة بيع الدولة والتاريخ والحضارة والدين بأبخس الأثمان، ومدرسة اغتصاب الحقوق والكرامة، ومدرسة الإرهاب المسلط على رقاب العباد.
ثم عن أي شرف يتحدث المتحدثون؟ وأي شرف يستحقه هؤلاء وقد خانوه وطعنوه وتجردوا منه طواعية وباختيارهم منذ زمن بعيد؟ سبحان الله!!! منطق الرئيس المصري في التشبث بالسلطة يطابق منطق فرعون الذي لم يؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل إلا بعد أن انشق البحر وغرق جنوده. فهل هذا ما يبحث عنه الريس؟!!
على كل حال فالوقت ليس وقت الثرثرة والتحليل بل هو وقت التضامن والمساندة مع الصابرين والمرابطين، ضد من يسومون الأمة ألوان العذاب والقهر، وضد من أثبتوا بالدليل القاطع والملموس، لكل أعمى وبصير، أنهم رؤوس الطغاة والطغيان، ورؤس الشر والفتنة، ورؤوس الظلم والحقد، وسادة التخريب والفوضى.
http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-266.htm