د. أكرم حجازي
كل من انتظر خطاب الرئيس المصري الذي أذيع في الساعة الأولى من صباح اليوم ( السبت ) توقع أن يطفئ الخطاب الحريق عبر إعلان مبارك الصريح انسحابه من الحياة السياسية، وحفظا للبلاد من الدمار، وحقنا للدماء من أن تسفك بلا وجه حق.
لكن كل من شاهد الخطاب أو استمع له، وهو يعلق على أيام الغضب العارم في المحافظات والأحياء، شعر باستفزاز وإهانة عميقة ومسَا في صميم الكرامة الفردية والجماعية للأمة، واستعدادا من النظام لارتكاب مذبحة دموية.
فالخطاب الذي أعلن فيه الرئيس مبارك إقالة الحكومة والتهديد بعدم التسامح أمنيا كان يعني بصراحة دعوة من النظام للفوضى والقتل الذي بلغ مداه بين الأمس واليوم عبر سقوط عشرات الضحايا والنهب المنظم للممتلكات والمؤسسات الوطنية والخاصة.
لقد بات أوضح من الشمس أن النظام عازم على الانتقام وتدمير البلاد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. إذ أن مبارك يعلم علم اليقين أن غضب الشعب المصري تجاوز الحديث عن الإصلاح والعدالة، ولم يعد ممكنا بأي شكل ولا بأية صورة أو محتوى، امتصاصه أو التخفيف من حدته عبر إقالة الحكومة بينما هو ذاته موضع إدانة ومطلبا شعبيا لإسقاطه هو ونظامه وحزبه وكل العصابة الفاشية التي تحكم مصر منذ ثلاثين عاما.
هكذا لا يمكن القول بأن خطاب مبارك لم يُلبِّ تطلعات الغاضبين، ولا يمكن القول بأن الخطاب يستخف إلى هذه الدرجة بالشعب المصري. ولا يمكن القول بأن الخطاب يعبر عن مشروعية سياسية ولو بالحد الأدنى، ولا يمكن القول بأن الخطاب قدّم مطلبا واحدا بقدر ما حفل بالتهديد والحقد والرغبة في الانتقام. فما الذي يريده النظام إذن من خطاب يعلم جيدا أنه سيزيد الحريق اشتعالا؟!! ولماذا يصر على إحراق البلاد والعباد قبل أن يغادر؟
عقلية بشرية عجيبة لا مثيل لها في العالم. عقلية لا يهمها دين ولا رب ولا وطن ولا أمة ولا مصير ولا تاريخ ولا حاضر ولا مستقبل!!! عقلية نهب واستعباد وقتل وتحقير وتخريب وتدمير ومراكمة ثروات لا تأكلها النيران، ولا معنى لها في أي محتوى آدمي إلا الجنون. فحتى أعتى مجرمي التاريخ وأباطرة الغزاة والقتل والتدمير ممن أبادوا شعوبا بأكملها كانوا حريصين على شعوبهم وتقدمهم ورفاهيتهم بعض الشيء إلا هؤلاء فقد بدوا وكأنهم مخلوقات من خارج الزمن.
مثل هؤلاء يقف المرء عاجزا عن فهم دواخلهم ورغباتهم وتصرفاتهم. وفي النهاية يرحلون مكرهين ومهانين يحملون معهم من الذل والخزي والغضب أكثر مما أوقعوه في النفوس. لكن ما يثبت في ذاكرة الأمة وفعلها أن هؤلاء سيظلون موضع إدانة وملاحقة هم وحلفاؤهم وأحفادهم حتى تسترد الأمة منهم كل حق اغتصبوه. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-262.htm