“ثورة عربية جديدة”: “ربيع الثورات” فاجأ العالم كله

يرى البعض أن ربيع الثورات العربية فاجأ العالم كله، حتى ان مؤسسات الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية المتقدمة المنتشرة بالعالم والتي تضم نخبة من المفكرين والمحللين ورجال الفكر من ذوي الخبرة في السياسة الدولية وشؤون الشرق الأوسط، لم تتنبأ بذلك، وهذه ليست المرة الأولى التي تفشل فيها تلك المؤسسات في التنبؤ بهذا النوع من الأحداث المهمة التي تلعب دورًا كبيرًا في صياغة وتشكيل العلاقات بين الغرب ودول الشرق الأوسط من جهة، وبين دول الشرق الأوسط وإسرائيل من الجهة الأخرى، وسبق أن فوجئ الغرب ـ بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها – بمباحثات أوسلو السرية التي جرت بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تتبنى مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وقبلها فوجئ الغرب وإسرائيل بحرب أكتوبر 73.
اللافت للنظر أن المؤسسات البحثية الغربية ذات الإمكانات المعرفية والاستشرافية الهائلة ما ان اندلعت ثورات الربيع العربي حتى بدأت بنشاط بحثي محموم لدراسة تداعيات تلك الثورات، ومحاولة تغيير مسارها نحو مسارات أخرى تخدم مصالحه ومصالح إسرائيل، وكان من الواضح أن الدافع الحقيقي لهذه الدراسات لم يكن التأكد من أن تلك الثورات تصب في اتجاه تحول المنطقة نحو الديمقراطية والحريات، وإنما مدى ما يمكن أن تؤدي إليه من تأثيرات على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الغربية والإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط التي تشكل شريانًا نفطيًا وملاحيًا وجيو- سياسيًا مهمًا على الخريطة الدولية.
ويضم كتاب «ثورة عربية جديدة» مجموعة من الدراسات والمقالات التي نشرت في مجلة «فورين أفيرز» المعروفة وتتمحور في مجملها حول موضوع الثورة العربية الجديدة، وفيما يلي مقالات ودراسات مختارة تنشرها «المدينة» على عدة حلقات، لمعرفة كيف يفكر الغرب إزاء الثورات العربية، وما هي رؤيته المستقبلية حيالها، وتأثير ذلك على مصالحه في المنطقة ومستقبل علاقاته بتلك الدول بعد الفترة الانتقالية التي تمر بها الآن.
يحاول الكتاب الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية CFR الذي يصدر مجلة Foreign Affairs الإجابة عن التساؤلات التي طرحتها ثورات الربيع العربي: ماذا حدث؟.. ماذا تعنى؟.. ماذا يجب أن يفعله المفكرون الغربيون ليتفهموا الثورة العربية، أو بمعنى آخر تلافي أو التقليل من آثارها السلبية المحتملة على مصالحه.
ويضم الكتاب الذي يقع في 480 صفحة، إضافة إلى خريطة للمنطقة ومقدمة كتبها مدير التحرير جدعون روس، أكثر من 60 مقالة ومقابلة وشهادة أمام الكونجرس، وأيضًا مقالات رأي بقلم مجموعة من الخبراء والمفكرين أمثال برنارد لويس، فؤاد عجمي، ريتشارد هاس، ليز أندرسون، مارتين إنديك، ستيفن كوك، ألوف بن، وديرك فانديفال، إلى جانب تصريحات صادرة عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والرئيس المصري السابق حسني مبارك، والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، إضافة إلى مقالات صادرة عن المعارضة المصرية.
ويجمع الكتاب بين دفتيه كل ما من شأنه المساعدة على فهم أصول وأهمية الثورة العربية الجديدة (ثورة الربيع العربي).
وقد تكمن أهميته إضافة إلى الوقوف على رؤية الغرب لهذه الثورة ـ التي تتضمن الرؤية المستقبلية فيما تتضمنه- في إمكانية الاستفادة من تلك الرؤية من أجل تلافي بعض المخاطر التي يمكن أن تؤثر سلبًا على الأمن القومي والمستقبل العربي من خلال مشاريع وأفكار مشبوهة سبق طرحها، كالفوضى الخلاقة، وسلة الحوافز التي يمكن للغرب تقديمها لإيران في مقابل تخليها عن برنامجها النووي.

الشرارة التي أشعلت الثورة
يقول جدعون روس في مقدمة الكتاب: في نهاية أبريل 1947، انقلبت مجموعة من الضباط الشباب بالبرتغال ضد الديكتاتور العجوز مارسيلو سيتانو، وفي غضون بضعة أيام، اختفى النظام القديم، لكن لم تستقر أحوال البرتغال وتنعم بالحرية إلا بعد 18 شهرًا، لتبدأ ما أصبح يسميه رجال السياسة «الموجة الثالثة من زحف الديمقراطية العالمية»، تلك الحركة غير العادية التي دفعت التطور السياسي لدول العالم دولة تلو الأخرى، ويضيف: انه في العقد الذي تلا ثورة البرتغال، انضمت عشرات الدول على اختلاف أنظمتها السياسية الحاكمة إلى معسكر الديمقراطية، لكن كانت تزداد وتيرة تلك التحولات عبر العالم فيما «بقي الزمان مجمدًا في منطقة واحدة هى المنطقة العربية».
ويشير روس إلى الشرارة التي أشعلت ثورة الربيع العربي بقوله: «في 17 ديسمبر 2010، صادرت شرطية تونسية عربة خضار لبائع متجول يبلغ من العمر 26 عامًا (محمد البوعزيزي) في بلدة سيدي بوزيد الصغيرة بعد أن أهانته، فما كان منه إلا أن توجه نحو مبنى المحافظة المحلي وأشعل في نفسه النار بادئًا مزيجًا من مشاعر اليأس الاقتصادي والإحباط الاجتماعي والسخط السياسي ليس عبر تونس فقط، وإنما عبر المنطقة، وفي غضون الأسابيع والشهور التالية لم تأت النيران على البوعزيزي فقط الذي توفى في 4 يناير 2011، لكنها أتت على نظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا مع احتمالات سقوط أنظمة أخرى (اليمن سقط بالفعل فيما بعد)، ثم يبدأ روس في طرح الأسئلة التي فرضت نفسها عقب تلك التطورات الدراماتيكية: لماذا حدث هذا؟ لماذا الآن؟ وماذا يعني ذلك، وماذا بعد؟ وهي الأسئلة التي يجيب عنها الكتاب.

البرادعي بطل مصر؟
في مقاله في 26 مارس 2010 بعنوان: «هل البرادعي بطل مصر؟- محمد البرادعي وفرصة الاصلاح « يقول ستيفن كوك انه سبق وأن كتب عن العقبات التي تحول دون ظهور نظام حكم في مصر أكثر ليبرالية، وأنه على الرغم من المطالب الشعبية من أجل التغيير السياسي التي ازدادت وتيرتها في العقد الماضي، فإن آفاق الإصلاح لا تزال قاتمة، ويستطرد أن «المراقبين الأجانب ظلوا يراهنون في السنوات القليلة الماضية من خلال تحليلاتهم السياسية لأقوال وأعمال الناشطين المصريين من كل الأطياف السياسية على توجه المصريين نحو التغيير السياسي، لكن أولئك المراقبين لم يستطيعوا الاستدلال على الطريق الفعلي للإصلاح السياسي».
وفي الواقع، أنتج النظام السياسي في مصر نظامًا يبدو غير قابل للتغيير، لقد أثبت نظام حسني مبارك أنه قادر على التكيف مع الضغوط الداخلية والخارجية وأن التحديات السياسية لا تستعصي عليه.
ويشير كوك إلى أن ثلاثة تطورات حدثت في غضون ذلك الوقت: مرض مبارك وسفره الطويل للعلاج في ألمانيا، وتزايد احتمالات توريث جمال مبارك رئاسة مصر، وعودة البرادعي التي يعتبرها التطور الأهم، فقد عاد البرادعي إلى مصر في فبراير 2010، بعد غياب دام 12 عاما، وبمجرد أن حطت طائرته أرض الوطن تبلور حس سياسي جديد في مصر أمكن التعبير عنه في مطالبة الجماهير له بالترشح في انتخابات 2011، لكنه صرح للصحافة المصرية والأجنبية بأنه سيخوض الانتخابات فيما لو أجرت الحكومة المصرية الإصلاحات الكافية التي تضمن انتخابات حرة ونزيهة، وقام في الوقت نفسه بتأسيس تنظيم سياسي جديد أطلق عليه اسم «الجمعية الوطنية للتغيير»، وبدأ نجم البرادعي وشعبيته تتصاعد منذ ذلك الوقت متخذًا في نظر المصريين مظهر البطل المخلص.

سقوط الفرعون
تتناول دينا شحاتة في مقالها المنشور في مايو/ يونيو 2011 بعنوان: «سقوط الفرعون»، كيف انتهى عهد مبارك، وتستهل مقالها بالقول إن المصريين الذين دأبوا على مدى 60 عامًا، على الاحتفال في 23 يوليو بذكرى الثورة التي قام بها جمال عبدالناصر والضباط الأحرار وأطاحت بفاروق، احتفلوا في 25 يناير 2012 بذكرى ثورة جديدة، هي ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس مبارك بعد 30 عامًا من الحكم.
وتضيف أن الشرارة التي أشعلت الثورة المصرية الجديدة جاءت من تونس عندما اندلعت «ثورة الياسمين» منتصف شهر يناير 2011، بما أثبت أن الحركات الشعبية العريضة التي تمتد عبر السنين يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى التغيير السياسي حتى في دولة بوليسية كتونس، وانتهت إلى القول إن سقوط «فرعون مصر»، جاء نتيجة لعدة أسباب أو عوامل: تزايد الفساد، وتردي الوضع المعيشي للمواطنين، وتهميش دور الشباب، والتزوير في انتخابات 2010، والانقسام بين النخبة المصرية حول قضايا مهمة كالتوريث.
وأضافت أنه عندما تضافرت العوامل السابقة فإنها أوحت لقطاع ضخم من الشعب المصري بإمكانية تحقيق ما لم يكن أحد يتصوره: الإطاحة بمبارك!.

الإخوان المسلمون بعد مبارك
يتناول كاري روسفسكي فيكهام في مقاله بعنوان: «الإخوان المسلمون بعد مبارك ـ من هم الإخوان المسلمون؟ وكيف سيكون في إمكانهم تشكيل المستقبل؟» المنشور في 3 فبراير 2011، يتناول ظاهرة صعود حركة الإخوان المسلمين في مصر في الآونة الأخيرة، وهو يشير إلى تأسيس الحركة عام 1928 من قبل الشيخ حسن البنا، والذي يجعل منها أطول الأحزاب المصرية عمرًا، لكنه يستدرك بأن الجماعة لم تنشأ كحزب سياسي، وإنما كدعوة تهدف إلى زرع قيم ومبادئ الإسلام لدى المسلمين من خلال الوعظ والخدمات الاجتماعية، وأنها بدأت نشاطها بدعوة المصريين لتوحيد صفوفهم في مواجهة الصهيونية والإمبريالية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ويستطرد: أنه مع نهاية عهد مبارك الذي يلوح في الأفق (تنحى مبارك بعد بضعة أيام من نشر هذا المقال)، تحولت التكهنات حول ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين ستسيطر على المشهد السياسي المصري الجديد.
ويقول الكاتب إن جماعة الإخوان باعتبارها المجموعة المعارضة الأكبر والأكثر شعبية وفعالية بمصر، فإنها لابد وأن تلعب دورًا خلاقًا في تشكيل حكومة جديدة، لكن نتائج تلك الفرضية ليست مؤكدة، فأولئك الذين يؤكدون على خطر «الطغيان الإسلامي» بنوا تصورهم على أساس أن الجماعة نشأت كحزب مضاد للنظام بهدف الاستيلاء على الحكم وإقامة حكم الشريعة، وأنها لا تتورع عن ارتكاب العنف ضد خصومها مع مواصلة عدائها للغرب والصهيونية والسامية، لكن تصوير جماعة الإخوان بهذا الشكل أصبح يبدو كصورة كاريكاتورية تظهر بعض الملامح، لكنها تتجاهل الملامح الأخرى بما يقلل من التغيرات التي طرأت على الجماعة في السنوات الأخيرة. ويضيف الكاتب أنه مع بداية التسعينيات، طالب عدد من أعضاء الجماعة بالإصلاح الداخلي (للحركة)، والعمل على مراجعة أيديولوجيتها، بما في ذلك حقوق المرأة، فيما انتقد آخرون احتكار الحرس القديم في الحركة للسلطة داخل مكتب الإرشاد، مطالبين بالمزيد من الشفافية والمساءلة، واتخاذ مواقف أكثر صرامة في التوافق مع القوانين الداخلية التي تتعلق باختيار القادة وصياغة السياسات.
ويستطرد فيكهام أنه في العام 1996 انشق بعض الإصلاحيين عن الحركة وحصلوا على ترخيص من الحكومة لإنشاء حزب جديد (حزب الوسط)، وانخرطوا مع حركات إصلاحية أخرى من تيارات حزبية مختلفة، بما في ذلك الليبراليون والعلمانيون، وكونوا عام 2004 حركة كفاية، واجتهدوا في إعداد مشاريع كإعداد ميثاق مدني ودستور في اطار استعداداتهم للوقت الذي تصل فيه حكومة ديمقراطية إلى الحكم، وتنبأ الكاتب في نهاية المقال بأن أولئك الناشطين من الإخوان المعتدلين وغيرهم من الليبراليين سيلعبون دورًا كبيرًا في صياغة الدستور المصري الجديد.
صوكتيبات وتقارير وأوراق يقوم بكتابتها باحثو المجلس أو أشخاص آخرون، وذلك تحت اسم «منشورات مجلس العلاقات الخارجية»، وكل عمل يحمل هذه التسمية هو في نظر لجنة الدراسات التابعة لمجلس المدراء، معالجة مسؤولة لموضوع دولي مهم.

http://www.al-madina.com/node/377027