محمد لفته محل
الحوار المتمدن-العدد: 3733 – 2012 / 5 / 20
(لماذا ظهر هتلر في ألمانيا؟) سؤال طرحه المثقفون الألمان بعد الحرب العالمية الثانية عن سبب ظاهرة (أدولف هتلر) وما فعله بألمانيا وأوربا من كوارث، إذ يقدر عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية 50 مليون قتيل، هذا عدا الدمار الذي لحق بالبنى التحتية لألمانيا والدول التي احتلها أو خاض الحرب ضدها، وهذا الذي جعل السؤال يستحق المناقشة لعدم تكرار هذه الظاهرة، ولمعرفة الأسس الاجتماعية والنفسية والسياسية التي أدت إلى ظهوره وصعوده والتأثير الذي مارسه على الناس وجعلهم من خلاله يؤيدوه، لأن النازية وصلت للسلطة ديمقراطيا؟، والسؤال من جهتي كعراقي وعربي يحيلني إلى (صدام حسين) بما للشخصين من تشابه في البطش والقمع والاستبداد والنرجسية، لكن مع تغير في صيغت السؤال ليصبح لماذا ظهر (صدام حسين) في العرب؟ وليس العراق لان ظاهرة الأنظمة الاستبدادية منتشرة في المنطقة العربية وأن كانت متفاوتة بالدرجة، إلا أن (صدام حسين) يعتبر الأول في الاستبداد والقمع والطغيان والإبادة، لابد أن هناك مبررات وحتميات اجتماعية ونفسية جاءت نتيجة تراكمات تاريخية أدت إلى انتشار ظاهرة القادة المستبدين في المنطقة العربية؟ لقد اعتقد الكثير بعد سقوط نظام (صدام حسين) انه انتهى عصر الاستبداد للأبد وجاء عصر الديمقراطية لان نظام الاستبداد كان مجرد صدفة فردية لن تتكرر؟ وحين تدلى (صدام حسين) بحبل المشنقة صاح المنفذون بالإعدام (سقطت الدكتاتورية) وكأن الدكتاتورية ظاهرة فردية تنتهي بموت صاحبها دون أن يعلموا أن كل شخص كان حاضرا هو بداخله دكتاتوري أصيل فما نمارسه يوميا في تربية أبنائنا وفي نقاشاتنا السياسية والدينية واختلافاتنا وخصومتنا من تسقيط وتشكيك وعدم اعتراف بالرأي الآخر هو استبداد بديل، وما مارسته الحكومة الطائفية بعد (صدام حسين) من محاربة الطائفة الأخرى والتشكيك بها كان اشد دكتاتورية منه، أي استبدلوا ديكتاتور بآخر. لأن ِكلا النظامين انعكاس لمجتمع أبوي، فالنظام الأسري في المجتمع الأبوي يماهي الإله بالأب حتى يسمى الأب برب الأسرة! ورضا الله من رضا الوالدين وغضبه من غضبهما!؟، وُسمي الرب بالأب الذي في السماء، الذي يعامل البشر كأطفال ُيقدّر ويقسّم كل شيء لهم سلفا! ثم يأتي الحاكم ليمارس أبويته الربانية على شعبه كما يحكم الأب الأسرة، ولي أمر الرعية (بحسب المنطق العربي) ف(صدام حسين) هو نتيجة طبيعية، هو جزء من منطقة تصنع الاستبداد من الأسرة التي يحكمها أب مستبد على زوجته وأطفاله، هو حصيلة تراكمات سياسية وتاريخية واجتماعية وليس ظاهرة حديثة دخيلة على الشعوب العربية وان هذا النظام لا يمكن له الظهور في أي بيئة مختلفة أي مجتمع غير أبوي، وإلا لماذا كسب هذا العدد من الملايين من المؤيدين والمحبين والمدافعين عنه؟ ومن ألافت للانتباه أن هذه الأنظمة على تنوعها تمتاز بقداسة شخوصها ونظامها سواء كانت دينية أو حتى علمانية! ترفض الحوار والاختلاف والحرية وتكرس عبادة الفرد الأوحد الرمز والضرورة؟ وإذا حاولنا معرفة قداسة الأب نجدها نظام بدوي اخذ بعدهُ المقدس على يد (محمد عبد الله) مؤسس الإسلام لترسيخ سلطته على الناس، وٌمنظّر (الدكتاتورية المقدسة) في العرب بعد أن رفض تعدد الإلهة ليكون هو الإله المعبود الأوحد من خلال التماهي بالإله مدعيا انه حبيبه! وكفر كل معارضيه وأباح قتلهم لأن قوانينه سماوية خالدة! أي أنهم معارضين الله! وسن القوانين الدنيوية لكل معارض أو مخالف أو غير ملتزم بتعاليمه، وحذرهم بعذاب (رباني) خالد بعد الموت لكل معارض أو شكاك أو محاور معه؟ وعلى هذا النظام سار جوهر الأنظمة العربية القديمة والحديثة وفق نظرية الحق الإلهي بعد أن ترسخ هذا المفهوم في نفوس الناس وعقولهم حتى أصبحت مقاومة نفسية من لدن الناس ضد أي صيغة للحكم تختلف عن هذه الصيغة الاستبدادية المقدسة لأنه صار عصاب جماعي! رغم أن هذه الناس هي الضحايا الأولى والخاسرة في هذه المعادلة! إن النظام الأبوي يجعل الناس كأطفال عاجزين تجاه الأب القائد الذي يدير أمورهم من أصغرها إلى أكبرها مع عقوبات شديدة للمخالفين ومكافئات للخاضعين وهذه الطفولية هي التي تجعل المجتمع نكوصي ساكن بلا إرادة حرة واستقلال مجتمع تابع خانع غير مبدع ولا وجود فيه للتفرد والاختلاف بل لا وجود للفرد إلا بالانتساب لأسم أبيه (أبن فلان أو لقبي كذا) ولا وجود فيه (للأنا) إلا ضمن المجموع (نحن)؟ لهذا يتعوذ الفرد من كلمة (أنا).
أن الأنظمة العربية البديلة التي أسقطت الأنظمة المستبدة ستكون بحكم الطبيعة الاجتماعية مماثلة للأنظمة السابقة لأن النظام الأبوي والتفكير القدري والأسطوري ما زالا يحكم المجتمع العربي، إن الديمقراطية كنظرية لا يمكن أن تغيير وعي الشعوب وواقعهم إذا لم تتغير ظروف الناس الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية والأسرية عبر توفير فرص العمل، إتاحة حرية التعبير، مكافحة العنف المنزلي بالقوانين، وتحديث التعليم ومناهجه، المساواة والعدالة والكرامة، احترام الإنسان كغاية بذاته، والانفتاح والتلاقح الحضاري، أن أفكار الناس لا تتغير بتغير أفكارهم وإنما بتغيير ظروفهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وإن ما وصل إليه الغرب ليس بالديمقراطية بل بتنحية الأب من الأسرة أو تقنينها ما انعكس على السياسة بالديمقراطية والتعددية الحزبية، وعلى الاقتصاد بالسوق الحر والخصخصة، وعلى الدين بانحسار سلطة القس وحرية الأديان وتعددها، وعلى المجتمع، بالمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وتقديس الإنسان كقيمة وغاية بذاته بغض النظر عن انتماءاته، أن القرن العشرين هو قرن تنحية الأب من سلطته.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=308465