إستغرب المتابعون أن تكون هذه افتتاحية صحيفة سعودية تصدر في لندن !!
كتب غسان شربل افتتاحية
صحيفة (الحياة) اللندنية (السعودية) تحت عنوان “المستشار حليف الإعصار” وهي مقالة جريئة وتستحق الصحيفة عليها وساما لأنها تنبه الحكام العرب عما هم غافلون عنه وسط الأعاصير التي تجتاح المنطقة
غسان شربل
الإفراط في الطمأنينة قاتل في زمن التحولات الكبرى. والإفراط في الذعر يفتح باب التخبط والانهيار. والاعتقاد أن الحريق بعيد أفضلُ السبل لاستيراده. والارتباك ليس غريباً. إننا نواجه كدول ومجتمعات ما لم نتوقعه. وما لم يخطر في بال المحللين. وما لم يجرؤ المستشارون حتى على التفكير فيه.
العقاقير القديمة لا تصلح لمعالجة «الأمراض» الجديدة. لا يكفي أن تغلق النوافذ. هذا كان يصلح للرياح العادية والعواصف العابرة. إغلاق النوافذ لا يعفيك من الإعصار. لم تتدرب الحكومات على مواجهة هذا النوع من الأخطار. إننا ببساطة أمام إعصار غير مسبوق. لا يستطيع مخفر حدودي أن يعتقله. الجيش بأسره لا يستطيع صدّه. مدير الاستخبارات لا يستطيع اعتقاله. لا يخفف من اندفاعته هجاءُ الإعلام الرسمي.
العقاقير القديمة لم تعد صالحة. اتهام الإعصار بأنه جزء من مؤامرة خارجية لا يردعه. لا تتسرب الأعاصير الى دولة إلا إذا عثرت على ثقوب حقيقية في بنيتها ونهج حكومتها وخلل في التركيبة والسياسات. يجدر بالعربي أن يشاهد ما تفعله الأعاصير في بلدان بعيدة. تقتلع الأشجار وسطوح المنازل. تقتلع علامات الطرق وأسماء الشوارع. تقتلع المخافر الحدودية وتتدفق. تقلب السيارات وتقطع خطوط الكهرباء والهاتف. هذه مسألة تفوق قدرة أجهزة الإطفاء والدفاع المدني. الإعصار يضرب في الصميم. يهزّ الركائز فيرتجف ما كنّا نعتبره صلباً وراسخاً وشامخاً.
في زمن الإعصار لا يكفي إغلاقُ النوافذ. أوّل مقوّمات الصمود أن يتصالح الحكم مع الشعب. وفي الوقت المناسب وقبل اندلاع الزلزال. والمصالحة تعني الاستماع العميق والاستباق والتجاوب مع التطلعات المحقة والمطالب. مع حقوق الناس في الخبز والكرامة والحرية والمشاركة في صنع مستقبلهم. حقهم في العيش في ظل مؤسسات تُؤتمن على المصائر. لا يجتاح الإعصار دولة لم يتسبب الحكم فيها في تسهيل انقضاضه عليها. الاستبداد والقهر والتمييز والتهميش والفقر والفساد عواملُ تستدعي الإعصار وتضاعف قدرته على التدمير.
الإفراط في الطمأنينة بالغ الخطورة. أوّل الأخطار النومُ على بخور التقارير. والاعتقاد أن ما كان صالحاً قبل عقد يصلح الآن. وأن الانتظار أفضل مستشار. وأن المسكّنات أرقى أنواع المعالجات. وأن الاستمرار هو ضمانة الاستقرار. والحقيقة أن ما كان صالحاً لم يعد كذلك. المريض مختلف والأمراض جديدة. حماية الاستقرار تكون بالتغيير ولو على مراحل. بفتح النوافذ على المكونات ومخاوفها ومطالبها. بإشراك المواطن العادي في بناء غده. بانتهاج سياسة جريئة ومرنة ومتحركة ومبادرة. قليل من الخسائر يعفي من الخسارة الكاملة لاحقاً.
ليتنا نعرف ما قال المستشارون للحكام الذين دهمهم الإعصار. ليتنا نعرف ما دبّجه قادة الأجهزة قبل وصوله. سألت السيد المستشار إنْ كان نَصَحَ الحاكم فأجاب مبتسماً: «كنت أحاول أن أمرّر إشارات خجولة وبعيدة لكنها لم تستوقفه. والحقيقة أنه اختارني لأمدحه لا لأنصحه. أشعرني منذ اللحظة الأولى بأنه يعرف ما لا أعرف. وبأنه جائع دائماً الى المزيد من المدائح».
يخطئ الحاكم حين ينام على حرير التقارير ومدائح المتملقين. الطمأنينة المفرطة تعني انتظار الانهيار. والمستشار الذي أعماه الولاء الكامل حليفٌ للإعصار.
http://www.h-alali.org/j_open.php?id=547fdc10-49e9-11e2-9a5d-b02bc766aa20