يقظان التقي
مع اتساع ظاهرة العنف إلى حدود غير متوقعة مع بروز فلسفة “المواطن الإرهابي العالمي” صار اللاعنف محور استراتيجيات الدول الكبرى وعلى رأس القائمة الأخلاقية التي تسعى إلى محاصرة نيران تحيط بتلك الدول وشعوب العالم كحدائق العولمة الخلفية والنيوليبرالية المتوحشة التي تندلع فصولاً متلاحقة من الأزمات العالمية وعلى المستويات كافة السياسية والاجتماعية والأمنية.
اليوم يمكن للاعنف أن يشكِّل استراتيجية كبرى سياسية أو فلسفية تنبذ استخدام العنف أكان إرهاب دولة أو جماعات أو أفراد حتى، وذلك في سبيل أهداف سوسيولوجية تواكب عمليات التغيير والإصلاح السياسي ومقاومة أشكال القهر والعنف والاحتلال.
كتاب جين شارب المقاومة اللاعنفية يدعو إلى وسائل أخرى وبدائل حقيقية من مثل كفاح اللاعنف والانتفاضة والنضال بلا عنف وبشكل مرادف للقوة ولكن بالمسالمة على نحو يحتاجه أكثر القرن الجديد، أكثر من القرن العشرين لجهة التعقيد الحاصل في رسم الاستراتيجيات الصغرى والكبرى واختلاف العناصر وموازين القوى والرأي العام العالمي الذي صار جزءًا رئيسًا من هذه التحولات في دراسات النضال بوسائل اللاعنف.
ما هي تكتيكات اللاعنف؟ كيف يعمل اللاعنف؟ لماذا اللاعنف؟ الأساليب، الحياة، الآليات، تعثر العنف، النهج السياسي أو النهج الأمني، الجماعة أو الفرد، الحقوق المدنية، قوة الجماهير أم قوة الدولة.
نماذج قديمة (الأديان الإبراهيمية الثلاثة، المهاتما غاندي، مارتن لوثر كينغ) أو نماذج جديدة في الحركات اللاعنفية والمواطنة الكوسموبوليتية أو العودة إلى قوة أفكار وعصر الأنوار العالمية بدلاً من العولمة المتوحشة؟ ثم كيف يعمل اللاعنف، ولماذا اللاعنف؟ والعنف الاستراتيجي أم البراغماتي، ودور اللاعنف منذ انهيار جدار برلين وقبله منذ العام 1989، والثورات اللاعنفية في العالم الثالث والفيليبين إلى جنوب افريقيا وإيران والهند على مساحة تزيد على خمسين بالمئة من العالم.
يقترح جين شارب في كتابه سياسةً للعمل اللاعنفي، ويعني إخراج شبه إنجيل العمل اللاعنفي إزاء غياب البحوث والدراسات المتعلقة باللاعنف على الساحة الثقاقية، ومع غياب النخبة التي مثَّلت في أوقات محددة زمن القوة الجمعية والثورية للمواطنين بمعزل عن قوة الثروات والأسلحة.
هذا ويستعرض شارب الأساليب المتاحة وتكتيكات العمل مع الأخذ بالاعتبار اختلاف الظروف السياسية والثقافية والجغرافية (نموذج الحالة الفلسطينية)، التي تحتاج إلى استراتيجية أوسع ومختلفة مع إرهاب الدولة الذي تمارسه دولة اسرائيل المحتلة للأرض والمغتصِبة لحقوق شعب على مدى ستين سنة وأكثر. لذلك، التصنيفات تبدو مختلفة عن أفكار امتهنتها شخصيات فكرية عالمية مثل تولستوي أو تيراكيلي أو ليخ فاليسا أو دورتي دي أو جودت سعيد أو حتى البرت أينشتاين وآخرون، ولسبب بسيط هو أن الأزمة الفلسطينية شديدة التعقيد، وذات ارتباطات عالمية، وللطبيعة الصهيونية نفسها التي تميل إلى التطرف إلى أقصى اليمين والعنف. وما يحصل هو أن دور القوة والانتفاضة والكفاح عناصر تتكثف في النضال بحثًا عن حلول إلى الوسائل الفعالة السلمية والديبلوماسية، علمًا أن كثيرين ينتقدون العمل اللاعنفي السياسي على غرار ما فعله الماركسي السابق تروتسكي والفرنسي فرانز فانون ومالكولم اكس وآخرون.
كتاب جين شارب شديد الحساسية والأهمية ويأتي في وقته – منشورات “مركز دراسات الوحدة العربية” – إذ إن النضال اللاعنفي وفي زمن الثورات العربية والناشطة حاليًا يعطي المواطنين وسائل يستطيعون استخدامها للحصول على كراماتهم وحرياتهم والدفاع عنها ضد حكام ديكتاتوريين حاليين وفي المستقبل، في نوع من الاستراتيجية الكبرى المغايرة للاستراتيجيات السابقة إلى حد صار يسمح للشعوب نفسها أن تضع أجندة مستقبلية لأوطانها ودولها، وللانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية بعدما كانت هذه الأجندات تفرض نفسها من الخارج وعلى أيدي دول أخرى، مع الحرص على عدم المبالغة هنا لجهة استمرار حجم التدخلات والمداخلات الدولية وحجم المصالح الدولية المؤثرة في الحراك السلمي العام لأي مجموعة بشرية في وجه أي مجموعة ديكتاتورية في عالم شديد التواصل حاليًا، عالم فيروسي تنتقل منه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسرعة هائلة.
يعمل الدكتور جين شارب كباحث كبير في مؤسسة ألبرت أينشتاين في بوسطن في ولاية ماساشوستس الأميركية، وقد احتل مركز الباحث في مركز الشؤون الدولية في جامعة هارفرد لما يقارب الثلاثين عامًا، وله جملة مؤلفات ترجمت إلى ثلاثين لغة، ويتميز بمادة بحثية شمولية تجمع ما بين العلوم السياسية والقانونية والنظريات المؤسسة للعلوم السياسية وفي العلاقات الدولية، ما يجعل منها مادة مهمة جدًا في القراءة وجاذبية الربط والتحليل. أمَّا الترجمة فجاءت لخالد دار عمر وعلى مستوى المادة والدراسة التي تركز على مشكلة عامة تكاد تكون واحدة هي كيفية القضاء على النظام الديكتاتوري ومنع قيام نظام ديكتاتوري جديد.
هنا مقاطع من الكتاب:
التخطيط من أجل الديموقراطية
علينا أن نتذكر أن هدف الاستراتيجية الرئيسية في مواجهة أنظمة الحكم الديكتاتورية لا يتوقف ببساطة عند القضاء على الديكتاتورية، بل يستمر حتى يتم وضع نظام ديموقراطي، ويجعل من نشوء ديكتاتورية جديدة أمرًا مستحيلاً. يجب أن تكون أساليب النضال المختارة قادرة على المساهمة في تغيير توزيع قوى المجتمع المؤثرة من أجل تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه: القضاء على الديكاتورية، خلق نظام ديموقراطي، استحالة ظهور ديكتاتورية جديدة. من المعروف أن الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني تكون ضعيفة في ظل وجود أنظمة الحكم الديكتاتورية، وتكون الحكومة في المقابل قوية جدًا. فإذا لم يحدث تغيير في موازين القوى هذه فإنَّ الحكام الجدد يستطيعون، إنْ أرادوا، أن يكونوا حكامًا ديكتاتوريين كأسلافهم، بالتالي يجب أن نرفض أي “ثورة داخل القصر” أو أي انقلاب ضد الحكم.
يساهم التحدي السياسي في خلق توزيع عادل للقوى المؤثرة من خلال حشد المجتمع ضد النظام الديكتاتوري، كما بيَّنا في الفصل الخامس. وتحدث هذه الأعمال من خلال عدة طرق، حيث أن تطوير قدرات النضال اللاعنفي يعني أن قدرات الحكم الديكتاتوري في مواجهة أعمال العنف لا تستطيع إرهاب المواطنين وفرض الخضوع عليهم، لأنهم يمتلكون أساليب قوية لمواجهة وإعادة الديكتاتورية في فرض قوتها. أضف إلى ذلك أن حشد القوة الشعبية من خلال التحدي السياسي يعزِّز مؤسسات المجتمع المستقلة لأن الخبرة المكتسبة من ممارسة القوة المؤثرة لا تُنسى بسهولة، وستجعل المعرفة والمهارات المكتسبة أثناء النضال من الشعب أكثر قدرة على مواجهة أي ديكتاتور جديد. إن هذا التحول في موازين القوى يزيد من فرص إنشاء مجتمع ديموقراطي قوي.
المساعدة الخارجية
يعتبر تقييم الأدوار النسبية للمقاومة الداخلية والضغوط الخارجية من أجل تفكيك نظام الحكم الديكتاتوري جزءًا من تحضير الاستراتيجية الرئيسية. ناقش هذا البحث مسألة القوة الرئيسية في النضال، التي يجب أن تأتي من داخل الدولة نفسها، بحيث تصبح المساعدة الدولية حاصلاً لما يحققه النضال الداخلي.
يمكن بذل الجهود لتسخير الرأي العام العالمي، كتتمة متواضعة، ضد أنظمة الحكم الديكتاتورية بناء على أسس إنسانية وأخلاقية ودينية. ويمكن أيضًا بذل الجهود من أجل الحصول على عقوبات ديبلوماسية وسياسية واقتصادية تفرضها الحكومات والمنظمات الدولية على أنظمة الحكم الديكتاتورية. فقد تأخذ هذه العقوبات شكل فرض حصار اقتصادي، وفرض حظر على بيع الأسلحة، وخفض مستويات الاعتراف الديبلوماسي أو قطع العلاقات الديبلوماسية، ومنع المساعدات الاقتصادية، ومنع الاستثمار في الدولة التي تحكمها أنظمة حكم ديكتاتورية، بالإضافة إلى طرد ممثلي الحكومة الديكتاتورية من مختلف المنظمات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة. أضف إلى ذلك أننا نستطيع توجيه المساعدة الدولية، المتمثلة في تقديم الدعم المالي والإعلامي، مباشرة إلى القوى الديموقراطية.
وضع استراتيجية رئيسية
يعمل مخططو الاستراتيجية الرئيسية على وضع أفضل خطوط عريضة لسير النضال بعد اجراء تقييم للوضع، حيث تغطي هذه الخطوط الحاضر، وتمتد إلى التحرر في المستقبل، وإلى مؤسسات النظام الديموقراطي. وعلى هؤلاء المخططين أن يسألوا أنفسهم عددًا من الأسئلة أثناء وضع الاستراتيجية الرئيسية، حيث تشكِّل هذه الاسئلة (بشكل محدد أكثر مما مضى) أنواع الاعتبارات المطلوبة لوضع استراتيجية رئيسية لنضال يستخدم أسلوب التحدي السياسي. تتمثل هذه الأسئلة في ما يلي:
– ما هي أفضل طريقة للبدء بنضال طويل الأمد؟
– كيف يستطيع الشعب الواقع تحت نير الاضطهاد أن يحشد الثقة الكافية بالنفس والقوة لكي يتحدى نظام الحكم الديكتاتوري ولو بشكل محدود في البداية؟
– كيف يمكن زيادة قدرة المواطنين على تطبيق اللاتعاون والتحدي، مع مرور الوقت ومع الخبرة المكتسبة؟
– ما هي أهداف سلسلة من الحملات المحدودة لاستعادة السيطرة الديموقراطية على المجتمع والتضييق على الديكتاتورية؟
– هل هناك مؤسسات مستقلة عايشت الديكتاتورية ويمكن استخدامها في النضال من أجل الحرية؟
– ما هي مؤسسات المجتمع التي يمكن استعادتها من سيطرة الحكام الديكتاتوريين، أو ما هي المؤسسات التي يجب انشاؤها لتلبية احتياجات الديموقراطيين، وخلق أجواء من الديموقراطية حتى في ظل استمرار نظام الحكم الديكتاتوري؟
– كيف نستطيع تطوير القوة التنظيمية للمقاومة؟
– كيف يمكن تدريب المشاركين؟
– ما هي المصادر (المالية والمعدات… إلخ) اللازمة أثناء الصراع؟
– ما هو نوع الرمزية المؤثرة في حشد الشعب؟
– ما هي أنواع العمل التي تزيد في إضعاف مصادر قوة الحاكم الديكتاتوري وقطعها، وفي أية مراحل تستخدم؟
– كيف يستطيع الشعب المقاوم أن يستمر في الإصرار على التحدي أو يحافظ في الوقت نفسه على الانضباط اللاعنفي الضروري؟
– كيف يستطيع المجتمع أن يستمر في تلبية حاجاته الأساسية خلال مسيرة النضال؟
– كيف يمكن الحفاظ على النظام الاجتماعي خلال الصراع؟
– كيف تستطيع المقاومة الديموقراطية أن تستمر في بناء القاعدة المؤسساتية في المجتمع في مرحلة ما بعد الديكتاتورية، عندما تقترب ساعة النصر، لكي تسهل عملية التحول (من الديكتاتورية إلى الديموقراطية)؟
لا توجد خطة استراتيجية موحدة لكل حركات التحرر ضد أنظمة الحكم الديكتاتورية، لأن كل حركة تسعى إلى القضاء على نظام حكم ديكتاتوري معين، وتسعى إلى بناء نظام ديموقراطي، تختلف عن حركات التحرر الأخرى. ولا يوجد وضعان متشابهان تمامًا. ولكل نظام ديكتاتوري خصائصه الفردية. كما تختلف أيضًا قدرات الشعوب. على مخططي الاستراتيجية الرئيسية للنضال وفق أسلوب التحدي السياسي أن يكون لديهم فهم عميق، ليس فقط بوضع الصراع المحدد الخاص بهم، بل أيضًا بأساليب النضال المختارة.
هناك أسباب جيدة تدعو إلى الكشف عن استراتيجية النضال الرئيسية بعد أن يتم إنجازها بشكل متروٍ ومتأن، حيث أن الأعداد الكبيرة من الناس المطلوبة مشاركتهم تكون أكثر رغبة وأكثر قدرة على العمل عندما تكون على دراية بالمفهوم العام وبالتعليمات المحددة للاستراتيجية الكبيرة. وسيكون لهذه المعرفة وقع إيجابي على معنوياتهم وعلى رغبتهم في المشاركة، وعلى التصرف كما ينبغي. وبالتالي، تصبح الخطوط العامة للاستراتيجية الرئيسية معروفة للحكام الديكتاتوريين، وقد تؤدي معرفتهم بخصائصها إلى استخدام أساليب أقل همجية في الرد عليها، لأنهم يعرفون أنها ستعود سلبًا عليهم من الناحية السياسية. ويمكن أيضًا أن تساهم معرفة خصائص محددة بالاستراتيجية الرئيسية في إثارة نزاع وارتداد في داخل معسكر النظام الديكتاتوري نفسه.
في الوقت الذي يتم تبني خطة الاستراتيجية الرئيسية للقضاء على الديكتاتورية وبناء النظام الديموقراطي، على المجموعات الموالية للديموقراطية أن تصر على تنفيذها، ولا يسمح إلا في حالات نادرة الانطلاق بالنضال من الاستراتيجية الرئيسية الأولية. وعلى المخططين أن يعملوا على تغيير الاستراتيجية الرئيسية عندما تكون هناك أدلة كافية على فشلها، أو عندما تتغير ظروف النضال بشكل جذري. على أية حال، يحدث هذا التغيير فقط بعد إجراء إعادة تقييم أساسي، وعند وضع وتبني خطة استراتيجية رئيسية جديدة أكثر ملاءمة.
آليات أربع للتغيير
بالرغم من الخلافات بين حالة وأخرى من حالات اللاعنف، إلا أنه يمكن القول إن ثمة أربع آليات عامة للتغيير من خلال اللاعنف. هذه الآليات هي: التحول Conversion، التكيف Accommodation، الارغام اللاعنفي Nonviolent Coercion، والتحلل Disintegration.
في حالة التحول، فإنه نتيجة لممارسات حركة اللاعنف، يتبنى الخصم جانبًا من وجهات نظر الحركة ويقر بأن أهدافها مقبولة وجيدة. أما في حالة التكيف، فإنَّ الخصم يقرر تقديم بعض التنازلات للحركة، وهي عادة ما تكون تنازلات محدودة لا تمتد إلى حدوث تغيير جذري في موقف الخصم. ويلجأ الخصم إلى تقديم هذه التنازلات عندما يدرك أن من مصلحته أن يفعل ذلك. وقد يهدف الخصم من وراء ذلك إلى قطع الطريق على انشقاق داخلي أو تقليل خسائره أو تفادي وقوع كارثة أكبر، أو لإنقاذ ماء الوجه. وهذا النمط من التغيير عن طريق اللاعنف هو الأكثر شيوعًا. ويعد التكيف مماثلاً للارغام اللاعنفي والتحلل من حيث أن هذه الآليات الثلاث تحوز النجاح من خلال تغيير الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لا من خلال تغيير مواقف الخصم ذاته كما هو الحال في التحول، ففي هذه الآليات الثلاث، تتغير علاقات القوى القائمة بحيث يتغير الوقت بأكمله. وفي حالة الارغام اللاعنفي، يتم احراز النجاح وتحقيق الأهداف رغمًا عن الخصم وضد إرادته. ويصبح هذا ممكنًا عندما تنجح حركة الكفاح اللاعنفي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في قطع مصادر قوة الخصم بدرجة كبيرة، أي عندما تصبح إرادة الخصم مقيدة تمامًا. ويحدث هذا لأسباب عديدة أهمها ما يلي:
1. عندما يصبح التحدي الذي يواجهه الخصم جماهيريًا واسع النطاق بحيث يصعب السيطرة عليه من خلال القمع.
2. عندما يصبح النظام مشلولاً.
3. عندما تتقلص قدرة الخصم على تطبيق القمع وتنفيذ سياساته بسبب حدوث تمرد واسع من جانب الجيش أو البوليس، أو الرفض الواسع النطاق للمساعدة من جانب البيروقراطية، أو رفض التعاون من جانب قطاعات جماهيرية واسعة من المواطنين.
ورغم هذا، فإنَّ الخصم يظل في هذه الحالة يمتلك من القوة ويظل موجودًا كجهاز. أما فيما يتعلق بالتحلل، فإنه يحدث عندما يتم قطع مصادر قوة الخصم بالكامل بحيث لا يمكنه البقاء والاستمرار بعد ذلك. وفي هذه الحالة لا يبقى هناك جهاز متماسك يستطيع حتى قبول الهزيمة. بعبارة أخرى، فإنَّه في هذه الحالة تكون قوة الخصم قد تحللت ببساطة.
إزاحة مصادر القوة
يمكن لحركة اللاعنف أن تقلص من مصادر القوة السياسية للخصم، وذلك على النحو التالي:
1. السلطة: يعد اندلاع حركة اللاعنف في حد ذاته وما تمثله من تحد دليلاً على أن سلطة الخصم قد تقلصت. ويمكن لحركة الكفاح أيضًا أن تبعد عن الخصم باطراد أعدادًا ممن كانوا يؤيدونه. وفي وقت من الأوقات، يمكن أن يتحول ولاء المواطنين بوضوح من الخصم إلى سلطة بديلة قد تكون حكومة الظل المنافسة.
2. الموارد البشرية: يمكن للحركة اللاعنفية الواسعة النطاق أن تقلص أو تقطع الموارد البشرية اللازمة لقوة الخصم السياسية وذلك عن طريق منع الطاعة العامة والتعاون من جانب المواطنين الذين يشغِّلون آلة النظام ويحافظون على استمراره. ويشكل تزايد أعداد الرافضين للتعاون مع الخصم مصدرًا لمشاكل ضاغطة كثيرة له. وفي وقت من الأوقات يمكن أن يتخلى عن الخصم مؤيدوه التقليديون الأمر الذي يساهم في تقليص قوته أكثر. ويؤثر تقليص الموارد البشرية بدوره في مصادر القوة الأخرى (مثل المهارات، المعرفة، والموارد المادية). وهكذا يصبح الخصم بحاجة إلى مزيد من القوة في الوقت الذي تتقلص فيه إلى حد كبير قدرته على الفرض أو الإكراه. وإذا استمرت المقاومة في التصاعد في الوقت الذي تضعف فيه قوة الخصم، فمن المؤكد أن النظام يمكن أن يصبح بلا قوة تمامًا.
3. المهارات والمعرفة: يمتلك بعض الأفراد أو الجماعات مهارات ذات أهمية خاصة مثل المديرين والفنيين والمستشارين. وبطبيعة الحال، فإنَّ رفض هؤلاء مساعدة الخصم ودعمه يضعف من قوته، وبالإضافة إلى الرفض الصريح للتعاون، فإنَّ مجرد تقليله أو تقديمه بشكل مبتور عن عمد، يعد أمرًا هامًا.
4. العوامل الكامنة: يمكن للحركة اللاعنفية الواسعة النطاق أن تعدِّل من عادات الطاعة والولاء للسلطة.
5. الموارد المادية: يمكن للحركة اللاعنفية أن تقلص أو تقطع الموارد المادية المتاحة للخصم، مثل: السيطرة على النظام الاقتصادي، ووسائل النقل والاتصالات، والموارد المالية، والمواد الخام، وما شابه ذلك.
6. العقوبات: تتأثر قدرة الخصم على فرض العقوبات أيضًا من جراء اندلاع اللاعنف. فمن ناحية، يمكن أن تصبح امدادات السلاح للخصم مهددة من جراء رفض دولة أجنبية بيع السلاح له أو من جراء حدوث اضرابات في مصانع الذخيرة أو في نظام النقل. ومن ناحية ثانية، يمكن أن يتقلص عدد مواقع القمع، البوليس والجيش، من جراء تراجع أعداد المتطوعين أو رفض المجندين أداء الخدمة. ويمكن أن تتقاعس قوات البوليس والجيش عن تنفيذ الأوامر بكفاءة، أو رفض تطبيقها تمامًا، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى وقوع الإرغام اللاعنفي أو إلى تحلل قوة الخصم.
http://maaber.org/issue_september11/books_and_readings1.htm