بقلــم
أحمـــد عبد الحكيـــم
11/5/2007
ما الذي نقصده بالبنية التحتية؟
مثلما استخدم هذا المصطلح في الكثير من التخصصات والعلوم1] فقد ارتأينا استخدامه أيضاً في علوم التغيير للدلالة على التجهيزات والخدمات والروافع التي يقوم عليها الحراك والبناء التغييري، وهي التجهيزات التي قد لا يلمسها عموم النشطاء والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، ولا تدخل ضمن الفعل التغييري المباشر. ويدخل في هذا الإطار التحضيرات الفكرية والتدريبية والإعلامية والاقتصادية والمشاريعية للحراك التغييري، وهي كلها تحضيرات تسبق العمل المباشر وتمهد له.
ما معالم البنية التحتية؟
حتى ندرك معالم البنية التحتية للحراك التغييري لابد أن نعلم أولاً أن الحراك التغييري يشبه إلى حد بعيد الحرب العسكرية[2]، ويكمن الفرق الرئيسي بينهما في طبيعة الأسلحة المستخدمة وفي طريقة إدارة الصراع، إذ يسوى الصراع في حالة الحرب عبر الفعل العسكري بينما يسوى في الحراك التغييري عبر الفعل السياسي والاجتماعي.
ويستلزم الفعل التغييري – مثله مثل الفعل العسكري – بنية تحتية معينة مقسمة على مجموعة من الخطوط المختلفة، وسنقسم هذه الخطوط إلى ثلاثة خطوط رئيسة:
1- الخط الأمامي: ويشكل خط المواجهة والفعل والتعرض المباشر لأدوات القيادة المتعسفة، وهو يمثل ميدان التفاعل المباشر بين أدوات الفعل الرئيسة لطرفي الصراع، فهو الخط الذي تتجسد فيه كل تجهيزات وأفكار ورؤى وأطروحات واستراتيجيات القوى التغييرية في أنشطة وتكتيكات محددة، أي أنه بمثابة رأس السهم الموجه للخصم.
ويتكون هذا الخط الأمامي الأفقي من مجموعة من المشاريع، وهي المشاريع التي تتجسد في مؤسسات أو حركات أو مجموعات عمل، والتي تشترك جميعها في كونها تحمل روح المواجهة وتتصدى للنظام القائم بالفعل المباشر، ومن هذه المشاريع:
مشاريع الحشد: وتشمل المشاريع التي تحشد الشعب أو القواعد في مواجهة القيادة المتعسفة مطالبةً بالتغيير، مثل الحركات الشعبية أو مجموعات العمل أو الأفراد ذوي القدرات القيادية الذين يحشدون الجماهير.
مشاريع حقوقية: وهي تلك المشاريع التي تسعى في اتجاه إجراء التعديلات الدستورية والقانونية، محاولةً تغيير الوضع القانوني.
مشاريع إعلامية: وهي تلك المشاريع التي تواجه دعاية النظام وتسوِّق للحراك التغييري بشكل مباشر، وكذلك تهتم بتوعية الجماهير ونشر ثقافة التغيير. سواءً كانت هذه الحركة الإعلامية متمثلة في ثنوات فضائية أومواقع على الإنترنت أو صحافة أو أفراد مستقلين… الخ
2- الخط الخلفي (الداعم): ويشكل هذا الخط الدعم اللوجيستي[3] للحراك التغييري بعمومه، إذ يقدم الدعم اللازم لمشاريع الخط الأمامي. ومن أمثلة مشاريع هذا الخط:
الدعم الفكري: والذي يتمثل في المفكرين والمراكز البحثية والمؤسسات العلمية التي تضع التصورات والأفكار وتصوغ نظريات العمل. وتجيب على أسئلة الواقع وعلى الأسئلة الحرجة والملحة المطروحة على الحراك التغييري. كما أنها تشارك في صياغة البرامج ورسم المراحل وتحديد المسارات والبدائل.
الدعم الاقتصادي: والمتمثل في إيجاد بنية مالية حقيقية من خلال مشاريع اقتصادية ضخمة توفر الدعم المالي للحراك التغييري، كما يتمثل في التجار ورجال الأعمال أو غيرهم الذين يقومون بدعم المشاريع التي تتطلبها الحركة التغييرية في مختلف خطوطها.
الدعم الفني والتقني: والذي يشمل التدريب على بعض المهارات المطلوبة بالإضافة لتوفير بعض الخدمات التي قد يحتاجها بعض أشكال العمل التغييري.
العلاقات: وتتمثل في بناء جسور من العلاقات الضرورية للعمل التغييري سواءً في الداخل أو الخارج، وهي العلاقات التي يمكن استثمارها إيجاباً بالتفعيل أو سلباً بالتحييد حسب احتياجات وسياسات وضوابط الحراك التغييري.
3- الخط النوعي: ويمثل هذا الخط أحد الأوراق الرابحة في أيدي الحركة التغييرية إذا تم الإعداد لها بدقة، فهي التي تُكسب الحراك التغييري قوة نوعية تستطيع بامتلاكها أن تتفاوض وتملي شروطها. وفيه تحتشد أدواتالخلخلة التي تفكك النظام وتعزل لقيادة المتعسفة عن مصادر دعمها. مثل المشاريع التي تتوجه إلى الشرائح التي إذا تحركت كان ذلك إيذاناً بقدوم التغيير، أو تبني علاقات ومصالح دولية قوية تحول دون دعم المجتمع الدولي لقوى الاستبداد، وإذا عرفنا أن الناتج القومي لتركيا أقل من مبيعات شركة جنرال موتورز؛ لأدركنا حجمالقوة السياسية التي تمتلكها مثل هذه الشركات عند التفاوض السياسي.
وقد تتداخل بعض مشاريع الخط النوعي مع الخطوط الأمامية والخلفية، إذ قد تتأسس حركة مواجهة نوعية أو شبكة علاقات نوعية أو بنية اقتصادية نوعية ضاغطة أو مشاريع إعلامية نوعية، كما يتمثل في النفوذ السياسي والاقتصادي والقانوني.
ما متطلبات تأسيسها؟
إن مشاريع تأسيس البنية التحتية للحراك التغييري يمكن اعتبارها من مشاريع الصناعات الثقيلة، وهي تلك المشاريع التي توفر الأساس والأرضية لجميع المشاريع التغييرية الأخرى. والعمل على تأسيس البنية التحتية يتطلب من المؤسسات أو الحركات التي تتصدى لهذا الدور ما يلي:
أولاً: وجود استراتيجية عامة ومراحل واضحة لخوض الصراع، بحيث يتم بناء هذه البنية في ضوئها، وإلا تحركت قوى التغيير في فراغ استراتيجي.
ثانياً: تقديم مصلحة المشروع التغييري بعمومه على مصلحة التنظيم أو الحركة أو المؤسسة، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، بمعنى ألا يقتصر تفكير قيادات تلك الحركات والمؤسسات وقواعدها على مصلحة المؤسسة فقط، واعتبار نجاحات الآخرين سحباً للبساط من تحت أرجلهم.
ثالثاً: الانفتاح على عموم المجتمع بأفراده ومؤسساته وكوادره النوعية، وهو ما يعني الاستعانة بأي جهد أو خبرة أو كفاءة بغض النظر عن الانتماء الحزبي أو التنظيمي. ويتطلب هذا الانفتاح تغيير سياسة الاستعانة بالأفراد الموثوق في ولائهم للمؤسسة إلى سياسة الاستعانة بالكفاءة والأفراد ذوي القدرات العالية في إطار سياسات الحراك التغييري الكلي.
رابعاً: رسم خارطة للحراك التغييري بعمومه بحيث تتضح مناطق الفراغ ومناطق التشبع، ومدى اكتمال الخطوط الأمامية والخلفية والنوعية، ومن ثم يتم توجيه الجهود والمشاريع في اتجاه مناطق الفراغ ليتأسس حراك تغييري متوازن.
خامساً: رفع شعار الشراكة الاستراتيجية لا التبعية، أي التعامل مع عموم الأفراد والمؤسسات ومجموعات العمل في المجتمع كشركاء استراتيجيين في المشروع التغييري، لا كأتباع ينبغي عليهم التقليد والسمع والطاعة.
سادساً: غلبة الطابع القيادي – الذي تتكامل فيه شخصيات الطبيب الذي يشخص الحالة والمنظر الذي يرسم المسارات الكلية للفعل ورجل الأعمال الذي يمتلك جرأة استثمار الفرص واقتناصها – على الطابع الاحتفالي الذي يغلب عليه الاهتمام بكثرة الأنشطة والجماهير والأبنية والمؤتمرات والاحتفالات.
سابعاً: معالجة الكثير من الأفكار القاتلة التي تحول دون تحول فعل تلك المؤسسات من الهم الداخلي التنظيمي إلى الهم العام للمشروع التغييري، وهي تلك الأفكار التي تناولنا الكثير منها في كتاب “زلزال العقول”[4].
هذه المستلزمات تمثل أهم المتطلبات التي تحتاجها المؤسسة التي تتصدى لدور تأسيس وتفعيل البنية التحتية للحراك التغييري.
وأخيراً
وهنا لابد من التنويه إلى أنه ينبغي ألا تنشغل الحركات التغييرية بالعمل المواجه وتغفل عن الإعداد لمثل هذه الأعمال النوعية. إذ أنه باستقراء الكثير من التجارب التغييرية التي فشلت نجد أن غالبية الحركات والقوى التغييرية كانت تتركز في بداية الحراك التغييري في الخط الأمامي، وتعتبر ما سواه من الخطوط الخلفية أو النوعية على هامش الحراك التغييري، وهو ما يؤدي إلى اتساع الجبهة الأمامية واتساع خط المواجهة دون وجود دعم حقيقي يدعم هذه الجبهة ويضمن استمراريتها ويمدها باحتياجاتها الفكرية والإعلامية والفنية والتقنية وغيرها.
واستكمال هذه البنية التحتية وملء الفراغات الموجودة بخطوط الحراك التغييري قد لا يكون مرتبطاً بعامل الزمن بقدر ارتباطه بوعي قادة الحركات والرأي العام بهذه المساحات، وكذلك فشل النظام في التعامل مع الأوضاع، وردود أفعاله التي تؤدي إلى زيادة الاحتقان.
ملاحظات مهمة
– إن الحركة التغييرية لا يمكن أن تكتفي بالخطوط الأمامية، خاصة أنه كلما اشتد وقع الأحداث وتسارعها، لا يجد القائمون على الخطوط الأمامية الوقت أو القدرة أو التأمين اللازم للقيام بالأدوار الأخرى الهامة، سواءً على مستوى الفكر والمال.
– تتداخل أحياناً الأدوار بين الخطوط، فمثلاً الحركة الإعلامية قد تقوم بعمل مواجه، وفي نفس الوقت تقوم بعمل داعم يشمل نشر الوعي وثقافة التغيير. والعمل الاقتصادي قد يدخل في الخطوط النوعية كورقة رابحة تضغط، أو في نطاق الخطوط الداعمة كتمويل يصل إلى أصحاب المشاريع التغييرية.
– على الحركة التغييرية ألا تكون منزوعة المخالب. فيجب أن تفكر في الورقة الرادعة في حالة التخطيط لاستئصال شأفتها. هذه المخالب (الخطوط النوعية) قد تكون في شكل قوة جماهيرية حاشدة، أو تأييد عالمي لها، أو قوة من شبكة العلاقات النوعية، أو أية قوة نوعية تختارها الحركة التغييرية. وبذلك تستطيع الحركة أن تتفاوض مع النظام وقتما تشاء، وحينها بإمكانها أن تملي شروطها، وإذا لوحت بيدها أثناء التفاوض بدت مخالبها.
– لا يمكن الاستغناء عن أي مساحة من مساحات أو خطوط العمل المذكورة سابقاً، وبذلك يجب أن تعي جميع القوى التي تسعى للتغيير أن المشروع أكبر من طاقات كل منها منفردة، كما أن كل خط من الخطوط يحتاج العديد من المؤسسات والحركات وفرق العمل المتنوعة، حتى تزداد مساحة التشتيت للنظام، في ظل وحدة الهدف.
– العمل في إطار هذه الخطوط لا يتطلب الارتباط العضوي التنظيمي بمؤسسة بعينها؛ بل كلما تحركت فرق عمل صغيرة في بعض هذه الخطوط كان ذلك أكثر تأميناً لها وللحركة التغييرية. لأن من يسعون إلى العمل في الخطوط النوعية يجب أن يدركوا أن محاولة الدخول إلى هذه المناطق عالية التكلفة.
– أجهزة الدولة الرئيسة مثل الشرطة والجيش والإعلام ليست خصماً للمعارضة، وتسعى المعارضة كلما ازدادت مساحة الاحتجاج الأفقية إلى استقطاب عناصر من هذه القوى النوعية إلى صفها. وعادة ما تتم هذه العملية بشكل تلقائي كلما ازدادت عاصفة الاحتجاج، وعمت البلاد.
http://aoc.fm/site/node/305