كيف تؤكد الحركة سلميتها

“السلمية” ليست شعاراً تردده الحركة لتؤكد تمسكها بالعمل السلمي، وليست لوحة تُرفع لإثبات حسن النوايا، وإنما يجب أن تكون أوضح من ذلك لتشمل عمق ثقافة الحركة وتركيبتها وطبيعة المنضمين لها. خاصة أن الأنظمة الديكتاتورية عادة ما تلجأ إلى نعت الحركات السلمية بالإرهاب، وربما تلفيق تهم العنف والتخريب لها، حتى ينفض الجمهور عنها ويكفر بها.

على الناحية الأخرى تسعى حركات التغيير إلى كسب الجماهير، التي عادة ما ترفض الانضمام أو مساندة حركة “إرهابية” – بحسب وصف الأنظمة، تعتمد العنف في كفاحها من أجل تحرير الأوطان من الاستبداد.

هنا تبرز الحاجة إلى أن تهتم الحركة بتأكيد صبغتها السلمية من اليوم الأول، وسد الثغرات التي قد تمكن النظام من استهداف الحركة بآلته الدعائية. وعملية سد الثغرات تجعل مجرد الحديث عن اتهامها بالتخريب والعنف مدعاة للسخرية من قبل الجماهير. كمن يتهم غاندي بأنه وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وتصميم شكل الحركة يتطلب فناً ومهارة كتصميم الأزياء، كيف سترتدي الحركة فستاناً يبهر الناظر، من حيث الأناقة، وبديع الألوان، واحترام تقاليد المجتمع. كيف ستبرز مفاتن سلميتها التي تخلب الأنظار. قد تكون الحركة بالفعل سلمية، لكن علامة “السلمية” في هيئتها الظاهرة لا تتعدى زراً صغيراً تخبئه ياقة فستانها العريضة، حينها تقول الحركة “نحن سلميون سلميون”، لكن الزر لا يكفي للتعبير عن السلمية، فهو عرضة للوقوع في أية لحظة، ناهيك عن إمكتنية رؤيته أو الانتباه إليه.

الفن هنا أن تكون “السلمية” هي اللون الأساسي للثوب، بل هي الصبغة العامة لتصميم الثوب، هي لب “الموضة”، ولا تصبح مجرد إكسسورات مكملة للثوب، العبقرية أن تكون جزءاً من نسيجه لا حلية طارئة عليه يمكن تغييرها.

وعندما ترتدي الحركات ثوباً جديداً بتصميم جديد يعكس أخلاقها وميولها، فهذا يعني أنها تعيد تعريف هويتها. ولتعيد الحركات السلمية تعريف نفسها، سنسرد بعض الوسائل التي تتعلق بتغييرات في بنية الحركة، وأخرى تتعلق بأنشطتها.

أولاً: مستوى بنية الحركة

إن لم تكن الروح السلمية واضحة من بداية التأسيس، فربما يكون قد انضم للحركة من يتفقون في أهدافها، لكنهم قد يجنحون إلى العنف، خاصة وأنهم لم يجدوا في الحركة إنكاراً واضحاً.. في مثل هذا النوع من الحركات يتطلب الأمر تغييرات بنيوية في الحركة من خلال:

1-وجود مكون ثقافي عن العمل السلمي يتدارسه أعضاء الحركة بشكل دوري، مثل تدارس كتابات اللاعنف المتنوعة، بالإضافة إلى الدورات التثقيفية. وتهتم بالحركة بنشر أهم الأدبيات التي تعتمد عليها في عملها.

2-استبعاد أصحاب الميول العنيفة، من خلال إعادة التعريف بالحركة وثقافتها وفلسفتها وشروط الانضمام لها والانفصال عنها. حتى ولو أدى ذلك إلى تقليل عدد أعضاء الحركة بانسحابات واسعة، لأن آخرين ممن كانوا يشكون في توجه الحركة -سينضمون للحركة بناء على التعريف الجديد الواضح.

3-وضع لائحة منشورة تبين مركزية التمسك بالسلمية، وتسن قوانين تكافيء من يبدعون في تطوير العمل السلمي أو يتمكنون من حصار عنف، كما تكون هناك عقوبات متدرجة لمن يجنحون للعنف.

4-وجود مجموعة أو قسم في الحركة يتركز دوره في تطوير وسائل الاحتجاج والتصعيد والتعامل مع القمع.

5-الاهتمام بالدورات المتخصصة في ضبط النفس خاصة لمن يتصدرون الصفوف الأمامية، أو من تكون مهامهم حماية التظاهرات.

ثانياً: مستوى الأنشطة

كذلك من المهم أن تعكس الأنشطة التي تمارسها الحركة مدى تجذر ثقافة العمل السلمي لديها، ومدى حرصها على نشرها، ويمكن في سبيل ذلك اعتماد عدة وسائل مثل:

1-نشر ثقافة اللاعنف بشكل منهجي علمي بين الناس من خلال دورات تدريبية وأفلام ومسارح وحملات متنوعة.

2-إصدار نشرات دورية تؤصل لمفهوم اللاعنف وأحدث استراتيجياته وتكتيكاته.

3-إنتاج أفلام وأعلانات وكتابة روايات خاصة بثقافة العمل السلمي.

4-عقد مؤتمراً سنوياً برعاية الحركة لاستعراض أهم ما وصل إليه العمل السلمي من وسائل للاحتجاج أو التصعيد أو مقاومة القمع.

5-عمل معارض صور دورية حول اللاعنف ووسائله.

6-دخول ثقافة الحركة في المدرسة والجامعة من خلال مواد تبسيطية تتناسب مع كل عمر من أجل تأسيس جيل يستوعب العمل السلمي بشكل واضح. وبذلك يكون للحركة دور في تنمية المجتمع من خلال نشر ثقافة التغيير بدون عنف.

7-عمل مناورة سنوية تستعرض بشكل تمثيلي أحدث ما توصلت إليه الحركة من وسائل الاحتجاج والتعامل مع القمع، في مشاهد تحاكي ما يمكن أن يحدث في الطبيعة.

8-إصدار دوريات توجه خطابها إلى الشرطة وتوزع على مقارها.

9-الاعتماد على التكتيكات التي تستهدف خلق حوار مستمر مع الجماهير. فلا تدير الحركة ظهرها للجمهور وهي تخاطب النظام.

كانت هذه الوسائل المنتقاة خطوة نحو جعل “سلمية” ليست كلمة تقال أو شعاراً يُرفع، بل تصبح محركاً أساسياً للحركة. حينها يصعب اتهام مثل هذا النوع من الحركات بالإرهاب، أو تشويه صورتها أمام الناس. كما أنها تسهم بدور كبير في تأسيس مجتمع مدني يدير صراعاته السياسية بشكل متحضر.

وائل عادل

24/6/2012

http://aoc.fm/site/node/842