تواجه المجتمعات بعد سقوط الديكتاتور تحدي ما يطلق عليه “فلول النظام”، ويندرج تحت هذه الفئة من المجتمع كل من ارتبط بعلاقات ولاء قوية للنظام القديم، وهو الولاء الذي قد يكون منبعه أيديولوجي أو مصلحة شخصية أو فئوية، وقد يكون منبعه الخوف من عدم القدرة على التكيف مع النظام الجديد المجهول المعالم، والذي هو بمثابة عالم جديد تماماً بالنسبة لهم. ومن ثم فإنهم يبذلون أقصى ما يستطيعون من أجل العودة إلى الإمساك بمقاليد الأمور، أو عرقلة عملية التحول وانتقال السلطة، أو على الأقل من أجل إعادة بناء النظام الجديد ليكون متوافقاً مع معايير ومواصفات النظام القديم.
وخطر “الفلول” يكمن في أنهم ليسوا مجرد مجموعات يمكن أن تتراجع إذا ما هزمت في الانتخابات، فهي مجموعات تخريبية تسعى لإفساد بناء النظام الجديد. أضف إلى ذلك اعتقاد الكثير من المنتمين لهذه الفئة أن قوتهم المنظمة أعظم من قوة الشعب، ومن ثم فليس أمام الجماهير إلا أن ترضخ لإرادتهم. لذلك فإن قصرالتعامل معها على منطق العزل السياسي غير كاف، فهو قد يحرمها من الطغيان السياسي، لكنه لا يقوض إمكاناتها التخريبية. لذلك فإنه لابد من تحديد منهجية للتعامل مع هذه الفئة، ولابد من رسم استراتيجية واضحة تعين الجماهير على شن “معركة الفلول”، بحيث تنتقل من خانة رد الفعل إلى المبادرة..
دراسة الدوافع
وفي البداية يمكننا تصنيف دوافع “الفلول” إلى ثلاثة دوافع كبرى:
1. دافع أيديولوجي: فلو كان حزبهم يحمل رسالة فكرية، وأيديولوجيا كثيفة، فإنه لن يستسلم بسهولة، وربما يقاوم حتى الموت، ولكنهم سيكونون أكثر منطقية في التفكير، ويمكن مناورتهم وتوقع ردود أفعالهم.
2. الخوف من المصير: أما إن كانت تجمعهم حالة من الخوف أو الرعب من النظام الجديد، وما يمثله من خطر على حريتهم أو حياتهم أو مصالحهم فسيكونون أكثر وحشية في التعامل، ولن تخضع ممارستهم السياسية للتفكير المنطقي، ومن ثم لا يمكن في كثير من الأحيان توقع ردود أفعالهم لغياب التفكير المنطقي وغلبة حالة الرعب أو الخوف.
3. المصالح: أما إذا كان تجمعهم حول تحقيق مصالح شخصية فسيكون التعامل أسهل كثيراً، سواء بتلبية المصالح أو حرمانهم منها بحسب الحالة.
لذلك كانت دراسة الدوافع مهمة لتحديد منهجية التعامل، وتحديد مدى الخطر الفعلي، ومدى القدرة على توقع ردود أفعالهم.
الشرائح
وعلى الصعيد العملي – بعد دراسة الدوافع- يمكن تقسيم بقايا النظام القديم من حيث سلوكها إلى ثلاث شرائح:
شريحة (أ): تعلن الحرب وتحاول إفساد الحياة العامة.
شريحة (ب): تورطت في الفساد بشكل كبير لكنها تريد تحويل ولاءها للنظام الجديد، إما إيماناً به أو استسلاماً له.
شريحة (ج): كانت منضمة للنظام السابق فقط بدافع المصلحة الشخصية، وربما الخوف من عواقب المعارضة. وقد يكون موقفها موال للثورة بشكل كبير. فلم يدفعهم للانضمام للحزب سابقاً إلا الطغيان واحتكار الفرص، فكان ذلك ملاذهم.
الشريحة (أ)
خصائصها:
· متورطة في الفساد بشكل كبير وهي الرموز الفعلية له.
· تقود عمليات التخريب والإفساد.
· لها أدوات قادرة على تنظيمها وتسخيرها لتحقيق أهدافها.
· مصممة على العودة والسيطرة على الدولة بنفس العقلية القديمة.
· مصممة على العناد وشن حملات مضادة ومحاولات بث الفرقة والخوف في المجتمع.
منهجية التعامل معها:
تقتضي منهجية التعامل مع الشريحة (أ):
· ردعها عن طغيانها.
· حصرها في أضيق دائرة.
· التخلص منها من خلال محاكماتها على فسادها وأساليبها القذرة التي تبث بها الخوف والذعر في الشارع، وتفسد الحياة.
الوسائل المقترحة
· تعليق صورهم في كل مكان (خاصة دوائرهم الانتخابية) ورفع شعار wanted أو مطلوب للعدالة.
· نشر القوائم في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.
· تحميلهم المسئولية المبدئية عن أي اضطراب يحدث يشتبه في ضلوعهم فيه، فهم المتهم الأول.
· المقاطعة الاجتماعية: عدم السلام عليهم أو البيع والشراء منهم الخ.
· عزلهم من مناصبهم، كإدارة الجامعات والمؤسسات الكبرى.
· المقاطعة الاقتصادية: حصر مصالحهم ومقاطعتها بشكل كامل. وتهديد مصالحهم في الخارج عبر إقناع شركائهم بالتخلي عنهم.
>. حملة تستهدف الشركاء برسائل واتصالات وحملات ضغط، تجبرهم على التخلي عن دعم هذا الشخص، حيث يشعرون أن تحالفهم معه يعرض مصالحهم وسمعتهم للخطر.
· مخاطبة ذويهم وإظهار فساد ما يقومون به، وذلك في المدارس والأعمال التي يوجد بها ذوييهم، على أن يسعى الخطاب إلى التأثير فيهم لا تفجير غضبهم. لأنهم هم من سيضغطون على رموز الفساد.
· ضرب أدواتهم بقوة، “كالبلطجية”، وهذا عمل تقوم به الشرطة بالتعاون مع لجان شعبية، بحيث يفقدون أدواتهم تدريجياً، إما لأن أدواتهم تتخلى عنهم، أو لأنه تم تقويضها فعلياً.
· رفع دعاوي قضائية ضد تهديداتهم وممارساتهم. وهذا يتم من خلال حملة يشنها المحامون تستهدف كل رموز الفساد.
الشريحة (ب)
خصائصها
· متورطة بالفعل في الفساد السابق.
· لديها رغبة في تحويل ولاءها.
منهجية التعامل معها:
· الحيلولة دون تحولها إلى الشريحة (أ) نتيجة الضغوط عليها.
· الاستفادة منها في كشف أسرار الشريحة (أ) والتعاون مع الأجهزة المختصة (الشعبية والحكومية) من أجل الإيقاع بها.
· استيعابها “بحذر” في النظام الجديد.
الوسائل المقترحة
· عمل تسوية معها بخصوص ثروتها.
· الاكتفاء بمحاكمات التطهير النفسي والاعتراف بالخطأ ثم الصفح مع رد النسبة الأكبر لخزينة الدولة، ويمكن أن يمارسوا أدوراً سياسية أو يمنعوا عنها لأجل معلوم. (يمكن تطبيق العزل الجزئي أو الكلي. والعزل الكلي هو أن يتم حرمانهم من المشاركة العامة في كل المجالات، أما الجزئي فقد يقتصر على مجال دون آخر، أو على قطاع في مجال دون آخر، كالسماح لهم بتشكيل الأحزاب، مع عدم السماح بالترشح لمدة محددة.
· دفعهم للمساهمة في بناء البلد اقتصادياً. على ألا يكون لهم السهم الأكبر في المؤسسات، وهو الذي يمكنهم من السيطرة على المؤسسات.
· الاعتماد عليهم في تفكيك المنظومة التي تقوم عليها “الشريحة أ”. من خلال التقارير والمعلومات.
· زيارات وفود شعبية لأهم الشخصيات لطمأنتهم على احتضان الشعب لهم.
. حملة اتصالات هاتفية ورسائل نصية ترحيبية بهم.
الشريحة (ج)
خصائصها
· ليس لها ولاء فعلي للحزب، وتتمنى لو انضمت للثورة.
· ساكنة وليس لها نشاط فعلي ضد الثورة.
· ليس لديها أدوات فعلية لإفساد الحياة السياسية والاجتماعية ولا تسعى إلى ذلك.
منهجية التعامل معها
· استقطاب هذه الشريحة للثورة.
· قبول اعترافها بالخطأ، وتشجيعها على ممارسة أدوارها الطبيعية سواء السياسية أو الاقتصادية. مع تأكيد الاحتفال بها بعد تحريرهم من قبضة الحزب.
· الاستفادة منهم في الحصول على بعض المعلومات حول الشريحة (ب).
الوسائل المقترحة
التواصل معهم. وإعلان قبولهم في ممارسة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية .. الخ، وتأكيد أن العداء لأئمة الفساد. وليس لأشخاص، فالثورة أتت لتحريرهم لا إقصائهم.
إرشادات
· التمييز بين الشرائح يحول دون توحد الحزب القديم، أو شعوره بالمصير المشترك القلق، إنه يعطي الفرصة للتصدع والتحول، ويعزل الشريحة (أ) وحدها، فالثورة لا تعادي أفراد الحزب القديم وتريد أن تقيد حريتهم، وإنما تعادي أئمة الفساد فقط، وتصفح عن من أكره لسبب أو لآخر. وتفتح له باب العودة إلى المجتمع. ويمكن زيادة عدد الشرائح وإعادة تصنيفها بشكل مفصل أكثر، فكلما أمكن تفتيت معسكر الفلول في الذهن أولاً أمكن تفتيته في الواقع لاحقاً.
· الدقة في التصنيف وعمل القوائم، بحيث لا يتحول البريء إلى مجرم. الهدف هو حصر المجرمين فعلياً، لا صناعة مجرمين جدد.
. عمل ملف لكل رمز يراد الضغط عليه ويشمل هذا الملف: اسمه، سكنه، عائلته، مصالحه، شركاؤه، مراكز قوته، نقاط ضعفه، موقعه في شبكة الفساد، ذو سطوة أو مجرد منفذ، الغرض المطلوب (مقاضاته، تحييده، كسبه)، الاستراتيجية المتبعة (ضغط، فصله عن شركاؤه، الخ)، الوسائل التي سيتم استخدامها، ردود فعله المتوقعة، الخ… هذا الملف يساعد في اتخاذ القرار.
· “معركة الفلول” مشروع يستحق أن تنتدب مجموعات عمل نفسها له، وأن يتركز عملها حوله، وأن تبدع الوسائل الفعالة لكسب هذه المعركة. التي تنتهي بمحاكمة أئمة الفساد، وعمل عزل جزئي (في بعض المجالات) أو كلي لغيرهم، ودمج البعض الآخر في النظام الجديد.
· التنسيق مع الجهات المسئولة عن الأمن قد يكون أحياناً مهماً جداً نظراً لتوفر المعلومات لديهم، وقدرة التدخل في بعض الحالات التي تتطلب التدخل المباشر، فهي معركة تستنفر كل أجهزة الدولة، وعليها أن تتضافر من أجل اجتياز تحدي “الفلول”.
· العفو في بعض المستويات يحول دون تفاقم الإجرام، وتضخم الشريحة “أ”، أحياناً يجدر توفير مخارج ورمي أطواق نجاة، هي في الحقيقة أطواق تحكم السيطرة عليهم.
أحمد عادل عبد الحكيم
وائل عادل
5/10/2011
http://aoc.fm/site/node/657