تتطلب مرحلة ما بعد إسقاط النظام شكلاً تنظيمياً مختلفاً عن الشكل الذي بدأت به عملية التغيير، فلكل مرحلة أدواتها التي تناسبها، فعملية الإطاحة بالنظام تتطلب قدرة على الحشد، إنها مرحلة صناعة “بلدوزر” يكسر كل ما يقف في طريقه، وبانتهاء هذه المرحلة نجد لدينا حركات ومجموعات عمل وكتلة بشرية ضخمة، كل ذلك شكل جسم “البلدوزر”الذي تصدى بكل قوة لإنجاز المرحلة الأولى.
غير أن “البلدوزر” وحده غير كاف في المرحلة التالية التي تتطلب وضع بذور بناء النظام الجديد، كذلك يصعب تصور إمكانية الاستغناء عن “البلدوزر” والقول بعدم الحاجة إليه في هذه المرحلة، لكن الطاقات المحتشدة سينفد صبرها بحكم الطبيعة البشرية وتعود إلى مزاولة حياتها اليومية، لتترك “البلدوزر” محرِّكاً بدون هيكل، ذلك المحرك الذي تمثله المجموعات والحركات التي كانت فاعلة في المرحلة الأولى. وهي بمفردها لا قيمة لها بدون شعب.
إن إتمام عملية التغيير بحاجة إلى أدوات تحل معضل تفكيك “البلدوزر” من جهة، وتوجه الناس للقيام بمسئولياتهم في المرحلة الثانية، لذلك يجب أن تستوعب تلك الأدوات طاقات المجتمع في أعمال البناء، بشكل يضمن القدرة على الاحتشاد إن لزم الأمر.
أقترح لتشكيل الأداة، أن تستوعب الحركات والأحزاب ومجموعات العمل الشباب في مشاريع البناء، بغض النظر عن انتماء الشباب لهم من عدمه، فكثيرون يرغبون في المساهمة في البناء لكنهم لا يريدون أن ينتموا إلى كيان محدد، وهم أيضاً إن تُركوا وحدهم قد لا يكون لديهم القدرة على أخذ زمام المبادرة لإطلاق مشروعهم الخاص. الطبيعي أن الحركات والأحزاب تدعو الناس للانضمام إليها، لكن ماذا عليها لو دعت الناس للمساهمة في مشاريعها بغض النظر عن الانتماء؟!
لذلك كان اقتراح العمل على تأسيس مشاريع، اقتصادية وثقافية وفنية ورقابية .. الخ، ودعوة جموع الشعب للانضمام إلى تلك المشاريع والمساهمة فيها، وفق لوائح المشروع لا التنظيم،. وبالتالي يسع الفرد أن يعمل في مشروع دعى إليه حزب ما، ثم ينتقل لاحقاً للعمل في مشروع آخر ربما لحزب آخر. وقد يجمع بين مشروعين لحزبين مختلفين، أي إنه بذلك ينتمي للمشروع الذي قرر خدمته لا التنظيم.
هذا الشكل يمكن أن يساهم بشكل كبير في خلق مجتمع قوي حر، قادر على الاختيارـ سواء بالأخذ أو الترك، وهو كذلك يسخر طاقات الكيانات المتنوعة لخدمة المجتمع واستثمار طاقاته، كما أنه يفرض على الأحزاب والحركات نوعاً من الضريبة تجاه الوطن، ويمكن أن توضع من معايير جودة الأحزاب والحركات مدى مساهمتها في بناء هذا المجتمع الحر. كما أن الحركات مستفيدة لأنها ستخلق امتداداً مذهلاً لها يضاعف قدراتها.
هناك ملايين الشباب الراغب في القيام بعمل جاد، لكنه لا يدري ماذا هو فاعل، وأين يضع جهده. إن قلت له انضم إلى الحركة “س” أو الحزب “ص” يرفض، لكن إن قلت له اعمل في المشروع الذي تريد سواء مع هؤلاء أو هؤلاء ربما يكون أقرب إلى نفسه.
فلتبادر الكيانات وصفحات الإنترنت الأكثر شعبية بإطلاق أو تبني مجموعة من المشاريع التي تخدم المجتمع، ليتم تفعيل طاقات الشعب فيها كل حسب اهتمامه، وتصبح الوحدات الفاعلة في المجتمع عملياً هي المشاريع لا التنظيمات. فهذا ليس أوان أن تقنع الآخرين قائلاً “انضم لي هذا فكري”، ولكن قل “ساهم معي في مشروعنا”. فلكل مرحلة خطابها وأولوياتها.
قد يقول قائل ولكن هذا ليس دور الأحزاب والحركات، هذا دور مؤسسات المجتمع المدني التنموية، والرد هنا أننا نصنع الأداة التي تناسب المرحلة، حيث لا ينبغي أن نبعد هيكل “البلدوزر” عن محركه.
وائل عادل
29/4/2011
http://aoc.fm/site/node/600