محمد شركي من نافلة القول أن اشتعال الثورات العربية من المحيط إلى الخليج ، كان نتيجة مباشرة لطول مدة الشعور بالنكسات ، وتكريس الأنظمة العربية لوضعية الانبطاح أمام الغرب بزعامة الولايات المتحدة الراعية الأولى للكيان الصهيوني ،الذي يقف وراء كل النكسات خصوص بعد سقوط المعسكر السوفياتي، والذي لم يقدم للشعوب العربية شيئا يذكركما قدمه للكيان الصهيوني باستثناء استغلال ثرواتها ، وتسويق الأسلحة للأنظمة الفاسدة الموالية له مقابل تصدير المعسكر الأمريكي والغربي الأسلحة للأنظمة الفاسدة الموالية له . وكانت عملية تسليح الأنظمة العربية ليس من أجل مواجهة الكيان الصهيوني، بل من أجل حماية أنظمة فاسدة ترعى مصالح هذا المعسكر أو ذاك . وبتفكك المعسكر السوفياتي اضطرت الأنظمة الفاسدة التي كانت ترعى مصالحه إلى استبدال جلودها كما تفعل الثعابين لتتحول من خدمة المعسكر السوفياتي إلى خدمة المعسكر الأمريكي. وأمام وعي الشعوب العربية ، وخاصة شباب هذه الشعوب بحقيقة الأنظمة التي تحكمها اندلعت الثورات التي حاول البعض فصلها عن سياقها العام الحقيقي ، وهو طول زمن الانتكاسات ، وطول تسلط الأنظمة الفاسدة على هذه الشعوب ، وطول انبطاح هذه الأنظمة الفاسدة أمام القوى الغربية ،التي رجحت دائما كفة الكيان الصهيوني على كفة الشعوب العربية . وكانت الثورات العربية مفاجأة بالنسبة للغرب الذي كان يعول كثيرا على استمرار استبداد الأنظمة العربية لخلق وضع على الأرض يدجن الشعوب العربية ، ويجعلها تطبع مع الكيان الصهيوني بواسطة الأنظمة الفاسدة التي كرست الشعور بالهزيمة ،وبالعجز أمام واقع الاحتلال الصهيوني لشرعنة التطبيع مع بشتى الوسائل بما فيها المناهج الدراسية والبرامج الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية . وبعدما انكشف تهافت خرافة محاربة الإرهاب ـ ولم يكن الإرهاب المقصود سوى التخوف من عودة الوعي إلى الشعوب العربية بمؤامرة الغرب ضدها بمساعدة الأنظمة الفاسدة ، وعلى يدها ـ اندلعت الثورات العربية السلمية بعدما سحبت البساط من تحت أقدام الغرب بطابعها السلمي المخالف للطابع المسلحة الذي كانت تتبناه جهات متورطة في خدمة الطرح الغربي عن قصد أو عن غير قصد بخصوص ما يسمى محاربة الإرهاب . وأمام الثورات العربية السلمية سقط قناع الأنظمة العربية المستأجرة لدى الغرب ، وتورطت في جرائم ضد الشعوب ، وهو ما أحرج الغرب ، وجعله يغير من تأييده لتلك الأنظمة تحت ضغط الشارع العربي ، ومطالبتها بالرحيل ، أوالمشاركة في الإطاحة بها. فالأنظمة الفاسدة التي كان ولاؤها للغرب منذ البداية استفادت من امتيازات: إما الفرار كما هو شأن النظام التونسي ، أو استفادت من الاعتقال الصوري كما هو شأن النظام المصري ، أو استفادت من التوقيع على اتفاقيات مشبوهة كما هو شأن النظام اليمني . أما الأنظمة التي كان ولاؤها للمعسكر السوفياتي ، والتي اضطرت لتغيير جلدها بعد سقوطه، فلم يتردد الغرب في التخلص منها كما هو شأن النظام الليبي ، وكما يراد بالنظام السوري. ولقد باتت المؤامرة ضد الثورات العربية واضحة حيث يسخر الغرب أنظمة عربية لم تعرف بلدانها حراكا على غرار حراك غيرها من أجل إطفاء جذوة الثورات العربية الساخنة كما هو الشأن بالنسبة لأنظمة الخليج التي تحاول إفراغ الثورة اليمنية من مضمونها عن طريق ما يسمى المبادرة الخليجية التي تحاول مساعدة إفلات رأس النظام اليمني من العقاب بالرغم من تورطه في سفك دماء الشعب . ونفس الأسلوب تنهجه أنظمة الخليج مع الثورة المصرية حيث تحاول هذه الأنظمة التسويف من أجل إنقاذ رأس النظام المصري بعدما فشلت محاولة دفع فدية مقابل إطلاق سراحه ، وشهدت على ذلك زيارة رأس النظام البحريني له مع أنه قيد الاعتقال ، وقد سقطت عنه صفة الرئاسة . ويبدو المجلس العسكري المصري متورطا مع الأنظمة الخليجية من أجل إجهاض ثورة الشعب المصري وكل الثورات العربية لصالح الغرب .وانكشف أن الجيش المصري وبسبب قيادته المشبوهة قد انحرف عن مبادئه ، وهي : الدفاع عن مصر ، وعن فلسطين ، وعن الوطن العربي ، واحتراف التنكيل بالشعب مقابل توفير الحماية للحكام المستبدين و إعداد من يسد مسدهم وفق الأجندة الغربية ، وهو ما يفسر لقاء المجلس العسكري بقادة الكيان الصهيوني . وليس الجيش المصري وحده المنحرف عن مبادئه بل غيره من الجيوش العربية التي صار اختصاصها هو قمع الشعوب العربية الثائرة ، وإعداد الحكام المستبدين الفاسدين وحمايتهم . والغرب لا يريد أن تحكم الشعوب العربية نفسها بنفسها ، مع أنه يتظاهر بذلك ، وإنما يريد استبدال أنظمة نافقة كانت ترعى مصالحه بأنظمة فاسدة مثلها تستطيع مخادعة الشعوب العربية بشعارات ديمقراطية زائفة تمكن لها لتحل محل سابقتها الفاسدة . وهذه هو التآمر الذي خطط له بعد مفاجأة الثورات العربية للغرب وللأنظمة العربية الفاسدة التي تجرب كل الأساليب التي تمكنها من الالتفاف على ثورات الشعوب .
Source : http://www.oujdacity.net/national-article-54183-ar/