صناعة الصنم…الإعلام القاتل والمخادع

   في مثل هذا اليوم، الخامس من يونيو من عام 1967، هاجمت إسرائيل، وهي الكيان الغاصب الذي زُرِع في قلب الأمة، سوريا والأردن ومصر، وفي ظرف 6 ساعات حطمت القوة الجوية المصرية، التي كانت الدعاية الرسمية آنذاك تصفها بأنها لا تُقهر، وفي الأيام الموالية إحتلت سيناء، كما احتلت الجولان، وما كان قد بقي من فلسطين، بما فيها القدس، وفي ظرف ستة أيام أحكَمَت سيطرتها على تلك المناطق، وهزمت جيوشا عربية عدة.

   وفي حين كانت إسرائيل تعبث في الأرض والسماء العربية، كان أحمد سعيد، في إذاعة صوت العرب، يتحدث عن الإنتصارات المتتالية الساحقة للجيش المصري، وإسقاط العشرات من الطائرات وتدمير القوة الإسرائيلية البرية والجوية، التي حققها الجنود الأشاوس بقيادة الزعيم المُلهم، الذي لا يقهر، جمال عبد الناصر. وكانت الصحافة العربية، خاصة المصرية و السورية، تنشر أخبار الإنتصارات، الوهمية، المتتالية للجيوش العربية التي”راحت تزحف على تل أبيب”، و”تسقط عشرات الطائرات للعدو” ، و”تلحق هزيمة تاريخية بالصهيونية و الإمبريالية العالمية” ووو… كثير من الدعاية الفارغة و الكاذبة التي ملأت صحافة الطغاة.

   كان عبد الناصر، قبل ذلك، قد جعلت البروباغاندا الرسمية منه شبه إله، بل أن أحدهم قال مدحا فيه، كما قال شاعرٌ أندلسي من قبل:

” ما شئت أنت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار “

   كان يُصور على أنه زعيم الأمة بلا منازع، مُلهم الجماهير، صانع الأمجاد، المنتصر بلا قتال، الذي سيرمي اليهود الغزاة في البحر…
وهو ما جعله يحكم فلا مُعقب لحكمه، ويستبد فيُوصف بمعبود الجماهير، ويقتل و يسجن ويعذب الأحرار، فيوصف بقاهر الأعداء…

   وعلى رغم الهزيمة النكراء، والتي سُميت خداعا بالنكسة، أُخرِجَت الجماهير، عندما زعم التنحي، لتهتف بحياته وبضرورة بقائه لأنه ،القائد الذي لا يعوض، “ومثله لم تلد النساء”، حتى وإن حُطمت الأوطان وأهينت كرامة الإنسان، وأذِلت أمة بأكملها.

   إن الذي جعل من عبد الناصر، ومن معه، وأمثاله عبر التاريخ من قبله ومن بعده، يفعلون ما يشاؤون فلا يُحاسَبون، ولا يُسألون، هو ما أسماه المفكر العظيم مالك بن نبي  ” عندما تغرب الفكرة، يبزغ الصنم “. غابت الأفكار وتقدم الأفاكون والمادحون الكاذبون الصفوف، فإذا بهم يُهلكون الرجل ومعه الأوطان.

   إن الحاكم، أي كان، ملكا أو رئيسا، سلطانا أو أميرا، بشرٌ في نهاية المطاف، وإن عدم محاسبته ومساءلته من المحكومين، أو ممن يمثلهم، تجعل منه جبارا، طاغيا، متكبرا، عنيدا، يستبد بالأمر ولا يُورِي الناس إلا ما يرى.

   وهو وقد فعل، فسيؤول الأمر إلى الكارثة، حتى وإن أحسن عملا، أو هزم عدوا، أوأغنى فقيرا… إن الكوارث الناجمة عن الإستبداد ستلحق بالشعب والوطن عاجلا أو آجلا.

   إن القابلية للإستبداد تتشكل من الخضوع والخنوع، وتتعاظم بالخوف والرياء، وتكبر مع الأيام، فتصنع وحوشا بشرية تملأ حياة الناس يأسا وبؤسا وفسادا، وتُمهد الطريق للإستعمار الخارجي.

   إن التخلص من القابلية للإستبداد هو الكفيل وحده بأن لا نُستعبد، من الداخل أو من الخارج، أو منهما معا.

 

محمد العربي زيتوت

إسرائيلالقابلية للإستبدادسورياصناعة الصنمعبد الناصرفلسطينوالأردنومصر
Comments (3)
Add Comment
  • محمد المصرى

    رائع يا أستاذ محمد نرجو الإستمرار فى فضح هؤلاء الخونة الحمقى اليساريين

  • امين امين

    احسنت

  • احمد

    موضوع رائع – عندما قامت اسرائيل بقصف الطائرات المصرية و التيى الحقت بالهزيمة النكراء كان من المفروض ان يقوم الشعب بشنق عبد الناصر و قائد جيشه عبد الحكيم عامر في ميدان التحرير و عبد الناصر نفسه كان يظن ان الشعب سيلتحم ضد الجيش لتطهيره لكن رد فعل الشعب المصري كان العكس و هذا بعد خطاب التنحي ( مسرحية عبد الناصر لاستعطاف الشعب ) هذا الخطاب الذي كتبه (محمد حسنين هيكل) فخرج الشعب في ربوع العالم العربي يهتفون بعبد الناصر ( رغم انه مهزوم) ان كل هذا دليل ان الشعوب العربية متخلفة جدا و ليست منطقية فالزعيم المهزوم يقومون بتمجيده و يحبونه اما الرئيس المنتصر مثل انور السادات يشتمونه و يصفونه باقبح الاوصاف ( بسبب كامب ديفيد ) مع ان بعد وفاة انور السادات اغلبية القادة العرب جلسو في طاولة التفاوض مع الكيان الصهيوني ( من المحيط الئ الخليج) لكن انور السادات هو الزعيم الوحيد الذي حارب اسرائيل و من وراءها امريكا و هزمها عسكريا و مخابراتيا و سياسيا – للاسف الشعوب العربية لازالت متخلفة مادامت تميل للعاطفة اكثر من المنطق – فشعوبنا العربية المتخلفة لا تفكر بمنطق فمثلا الرئيس هواري بومدين الذي يمجده الشعب الجزائري مع انه افشل رئيس مر علئ الجزائر لكن الجزائريين يمجدونه لانهم متاثرون بالكاريزما التي يتمتع بها بومدين فقط ( يلقبونه الموسطاش ووووو) رغم ان هذا الموسطاش هو اسوء رئيس لازلنا نعيش الماساة بسبب سياساته الدكتاتورية للحكم الفردي فهو الذي وضع ضباط فرنسا في المراكز الحساسة و هو صاحب مشروع الدولة داخل الدولة ( المخابرات) و هو الذي قتل الفلاحة بنزع الارض من صاحبها الذي يخدمها ( سياسة الاشتراكية الفاشلة) بل بومدين صرف الملايير علئ قضايا دول اجنبية و لم يصرفها عن شعبه ( كان هذه الاموال ملكه الخاص او تركها له ابوه ) – هذا دليل ان الشعوب العربية تمجد رؤساءها بالكاريزما ( ينضرون الئ الشكل و طريقة كلام الرئيس و ماذا يلبس الخ) و لا ينضرون الئ افعال الرئيس و يحللونها منطقيا و مع هذا لازالت الشعوب العربية تعيش تخلف بعيدون الاف السنوات الضوئية عن الشعوب التي تعيش حياة منطقية و عادية ( اوربا و امريكا و الصين) للاسف الامر يحتاج الئ عشرات السنين من العمل الاصلاحي و الاجتماعي و التربوي حتئ تاتي الثمار المتمثلة في جيل جديد واعي سياسيا و فكريا ( قد يكونو احفادنا او اولاد احفادنا) هذا اذا عملنا نحن من اجلهم لان بناء الدول تكون بعمل الجيل الحالي من اجل اجيال الغد يعني جيل يعمل من اجل الجيل القادم و اذا نمنا نحن فاولادنا سنترك لهم دولة تعيش اسوء الاحوال ( كما فعل اباءنا الذين سكتوا في الانظمة السابقة و بسببهم اصبحنا نعيش هذه الحالة الصعبة)