أم أن الغرق في اليم قد أذن؟

يمر اليوم شهرا كاملا على ما وصف أنه “موجة ثالثة للثورة المصرية” والتي قيل أنها حدثت يوم 30يونيو، حين خرج بضعة مئات من الآلاف من المحتجين- وصوروا على أن عددهم جاوز33 مليون؟- إلى ميدان التحرير بدعم واضح من قوى سياسية وعسكرية عارضت أول رئيس منتخب في تاريخ مصر الحديث. والتي أعقبها، ثلاثة أيام بعد ذلك، الإطاحة بالرئيس وبالدستور و بمجلس الشورى، أي كل مؤسسات الدولة المنتخبة، من قبل وزير الدفاع ومجموعة من جنرالات الجيش و الشرطة النافذين.
لقد كانت كل القوى التي شاركت في الإنقلاب، بشكل أو بآخر، تتصور وتصور القضية على أنها “بضعة أيام و يستقر الوضع، وتعود الحياة إلى طبيعتها، وينتهى الإنقسام الذي أحدثه الإخوان ورئيسهم في جسد الشعب المصري”، وأنهالت التبريكات من قوى داخلية و إقليمية و دولية لم تخف أبدا كرهها الشديد لنظام الحكم الذي أفرزته 5 إنتخابات حرة جرت في ظرف سنتين في مصر ما بعد مبارك وآله وصحبه.
مبارك الذي كان يرعى مصالح القوى الكبرى و الصغرى على حد سواء، و على رأسها أمن إسرائيل المقدس.

على رأس هذه القوى إمارات الخليج، التى تحكمها كمشة أسر صنعتها بريطانيا التي احتلت المنطقة في القرن 19 وترعاها أمريكا منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، والتي سارع حكامها إلى تقديم أكثر من 12 مليار دولار- وماخفي كان أكثر- في الساعات الأولى التى أعلن فيها عن الإنقلاب، وأيدته صراحة، بل ولم يخف بعض المقربين من الأمراءالفاسدين أنهم حرضوا عليه وخططوا له وشاركوا فيه.
وتحدثت أنباء أن كبارالقوم سكبوا كؤوس الشمبانيا حتى الفجر، بل و إمتدت الإحتفالات ليالي و أياما دون إنقطاع، خاصة في إمارتي دبي و أبو ظبي قلب الثورة المضادة، وحيث يقيم كثير من أكابر مجرمي العرب في هذاالعصر.
من الجهة الأخرى سالت دماء بريئة، ظن الآمرون بسفكها أنها ستخرص وتخيف شعبا أخضعه المستبدون منذ مئات السنين بالحديد والنار .
بدت الحسابات خاطئة خطأ رهيبا، فكلما أريقت الدماء زاد المعتصمون، وتعاظمت المظاهرات و خرج الكبار والصغار رجالا و نساء، في تحد صارخ للرعب الذي أراده الإنقلابيون، والتي كانت آلته الإعلامية تحرض، وبعنصرية قل نظيرها، على مزيد من القتل و الثبور لهؤلاء “البرابرة و الظلاميين المتخلفين عن ركب التقدم والحضارة والذين يجب أن ننهيهم من أرض مصر إلى الأبد”
بدى العالم الخارجي بين متفاجئ ومعجب حتى الإثارة، لشموخ ورقي المعتصمين السلميين في أكثر ساحات أرض الفراعنة، أو قل أرض الكنانة.

بدى الغرب الرسمي منزعجا وهو يرى أن شعوبه في أكثرها، تتعاطف مع “أصحاب الساحات المسالمين”، خاصة و أن بعض كبار صانعي الرأي العام أعربوا صراحة أن “حكوماتنا تخون مبادئا وقيمنا من أجل مصالح قصيرة النظر”.
ولكن ماأغضبه أكثر، أن الأمر لم يجر كما خطط له ولا كما صوره الكثيرون، و أن الإنقلابيين يرتكبون مجازر ترعب الضمير الإنساني، وتقدم الأصوليين في أبهى صورة لم يحلموا بها من قبل، وهم الذي ظن العالم أنهم أعداء الحضارة والبشر… خاصة منذ سبتمبر 2001.
يسارع الغرب إلي إنقاذ الإنقلابيين من أنفسهم وهو يراهم ينتحرون و ينحرون مصالح الغرب على أعتاب الأهرامات، دون أن يدركوا عواقب ذلك خاصة و أنهم هددوا اليوم من أن الدبابات قد تسحق “الساحات التي أصبحت خطرا على الأمن القومي”.
يدرك الغرب أنهم ولو يفعلون فإن مصر ستغرق في بحار من الدماء، تكون معها دماء سوريا لعبة أطفال، ويدرك أيضا أن ذلك سيؤذن بنهاية مصالح الغرب وينهي عصابات الخليج إلى الأبد حيث يوجد”كنز العالم”.
وسيتصدر كبار”المتشددين من الأصوليين المشهد و المستقبل حتماعلى المدى المنظور”
يجاهد الغرب في منع أصدقاءه و حلفاءه، حتى لا نقول عملاءه، من فعل ذلك.
فهل يدركهم أم أن الغرق في اليم قدأذن؟

محمد العربي زيتوت