كتاب “البوابة السوداء” حول محنة وعذاب الإخوان المسلمين في عهد عبد الناصر

في الأسبوع الثاني من يونيو/ جوان 1990 كنت متواجدا بالقاهرة للمشاركة في أشغال ما يُعرف باللجنة الدائمة للاعلام العربي، مع زميل لي يشغل الآن منصب الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية.
بمجرد أن وجدت وقتا نزلت السوق واشتريت مجموعة من الكتب كان بينها هذا الكتاب الذي أضعه بين أيديكم ” البوابة السوداء”.
بدأت قراءته وأنا في الطائرة التى أقلتنى للجزائر، ولم أستطع أن أضعه بعد أن قلبت الصفحات الأولى، وأكملته في ساعات و أعدت قراءته في الأيام اللاحقة.
كنت أحيانا أشعر أنني أعيش مع المؤلف، ومع المعذبين الذي كان يصور أحوالهم، وهو يروي قصصا حقيقية، فضيعة و شنيعة، عايشها وتعرض أيضا من خلالها لتعذيب، جسدي و نفسي، قل نظيره.

الواقع أن هذا الكتاب كان واحدا من بين الكتب التي أثرت في كثيرا، وعمقت مداركي من أن الأنظمة الشمولية الديكتاتورية هي خطر داهم على الوطن وعلى الدولة و على المجتمع، وقبل ذلك وبعده، خطر على الانسان الذي يجد نفسه تحت سطوتها و قهرها، وهي، مهما ادعت ومهما رفعت من شعارات براقة، فإنها في واقع الأمر شعارات كاذبة وزائفة قد تستطيع أن تخدع بها بعض الناس وأحيانا، لوقت طويل.

عمق ذلك أيضا قناعاتي من أن حكم عبد الناصر كان حكما مرعبا، تميز بالإلغاء والاقصاء والاغتيال للرأي الآخر و كثيرا ماكان تحت أبشع أنواع التعذيب، في الوقت الذي كان يزعم أنه الملهم الذي “يخوض معارك مع الإمبريالية و الرجعية و الصهيونية” “فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة”،الت ستنتهى ب”رمي إسرائيل في البحر”.
ولكن في6 يونيو/ جوان 67 سطعت الحقيقة للعالم أجمع، وهو أن “إسرائيل” مزقت مجموعة من الجيوش العربية وعلى رأسها جيش عبد الناصر، جيش الزعيم الخالد الذي لا يُقهر، وفي بضع ساعات تحطمت دعاية وغرورا وكذبا ظل يخدع به الشعوب العربية لما يقارب الـ 15 عاما.

في الـ 2007 كنت جالسا مع صديق مصري تعرض هو أيضا للتعذيب، وكنت أتحدث معه عن قضايا التعذيب في جمهوريات الرعب العربية، وقلت له أن من بين الكتب التي تأثرت بها كثيرا هو كتاب “البوابة السوداء” لأحمد رائف، فقال لي أنه صديق له وعرض علي الحديث معه، وبالفعل اتصل به وتحدثت إليه، وكم كان سعيدا بالمكالمة عندما شعر أن الناس مازالت تذكر تفاصيل كتابا كتبه قبل ثلاثة عقود من الزمن.
(توفي أحمد رائف رحمه الله سنة 2011.)

أنصح بقراءة الكتاب خاصة في هذه الظروف، في ظل عودة العقلية العسكرية لتتحكم، قهرا وقسرا، في مصر كما تتحكم في الجزائر، ولكن بتخلف أشد وأبشع مما كان سائدا في الستينات والسبعينات، وبأساليب أكثر إجراما من تلك الحقبة المظلمة والمفزعة، وبدعم دولي و عربي رسمي، خاصة من عصابات البترول الخليجية.

———-

كتاب «البوابة السوداء» أثار جدلا عند إصداره حتى إنه تم منعه فى الأسواق لأنه يحكى عن فترة اعتقالات وتعذيب كوادر وقيادات جماعة الإخوان المسلمين عام 1965 فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر،

“البوابة السوداء” تغلق بمصراعيها على شعوب بأكملها، فتحول بينهم وبين رؤية الحقائق، وتحجب عنهم حقهم في عيش كريم، وكرم العيش أن يكون للإنسان رأي في حياته، كيف يعيش، ومن يحكمه، وأن يُسمع له إن أراد الحديث، ويُمنح له الفرصة الكاملة ليُدلي برأيه فيما يشاء من أشياء. حرية في اختيار من يحكمه. حرية في اختيار من يمثله. حرية في التعبير عما يراه. حرية في اختيار النظام الذي يرتضيه. على الأقل بالرأي و الكلمة!

“البوابة السوداء” قد أوصدت على الحاكم و المحكوم على حد سواء.

“البوابة السوداء” قد أغلقت على شعب مسكين لا يكاد يجد قوت يومه، يريد أن يصل صوته إلى من يحكمه، لا تجيبه غير صرخات المعذّبين، وصفير السياط، و أصوات الزنازين وهي تغلق في عنف و صرامة.

وخلف هذه البوابة اللعينة نمت وترعرعت جرائم التعذيب التي لامثيل لها بين سائر الجرائم فلا توجد جريمة في هذا الكون تعادل تعذيب بريء و التمثيل به، ولاحتى مسيء. وإنّ النظام الذي يهدر كرامة الإنسان، لا يقوى أمام أي هجمة مهما كانت يسيرة. و إذا أردنا أن نصنع بلداً قويا وشعبا عظيماً فلنعط كل واحد حقه في حياة كريمة، و لنجعله يأمن من طرقة الليل المفزعة، و من زيارة الفجر التي تبعث الخوف و الذعر في قلوب الجميع، الرجال و النساء و الأطفال. ولن يتحقق أمن في دولة مهما ظنت نفسها قوية وقادرة إلا بقدر الحرية الذي يأخذه أفراد شعبها. أحمد رائف

إضغط هنا لقراء و تنزيل كتاب البوابة السوداء للمؤلف و المفكر الإسلامي أحمد رائف.