تدخل، قبل قليل، على إذاعة مونتي كارلو الدولية، حول التغيرات الهائلة في جهاز المخابرات والتي توجت صراعا على السلطة دام سنوات، آخر حلقات هذا الصراع كان الإعلان اليوم عن عزل الجنرال بشير طرطاق و الجنرال رشيد لعلالي من منصبيهما و إستبدالهما بمقربين من الأركان و”الرئيس” .
إضافة إلى عزل جنرالات آخرين، بما فيهم قائد الدرك الجنرال بوسطيلة.
بسم الله الرحمن الرحيم ما نلمسه أثناء ممارسة شعائرنا التعبدية في اليوم والليلة من رسوخ يمتد عمقه ل14 قرنا والذي تعجز الحضارة الحديثة رغم التطور الهائل في الأساليب والمناهج والآليات التكنولوجية في رفع هذا التحدي لا يعكس فقط الوعي والنضج والإدراك والمعرفة بمناهج البناء الحضاري بل السمو الروحي والأخلاقي لتلك الفئة أو النخبة القائدة والمجسدة لهذا التغيير والتي مزجت بين هذين العاملين فجذرته وعمقته مما جعلته يصمد أمام كل محاولات الاستئصال أو التحريف أو الطمس عبر كل هذا التاريخ الطويل ولكنها أكتفت بتحجيم وتقليص فعاليته بتضييق وحصر مفهومنا له في تلك الطقوس فقط فلو كان تمسكنا أشمل لحافظنا عن ذلك التفوق والسمو الذي تحمله حضارتنا في كل جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية والثقافية ووو……فالانسجام التام بين القول والعمل في كل ممارسات الحياة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية ومع كل أصناف المجتمع القريب أو البعيد الصديق أو العدو العربي أو الأعجمي الفقير أو الغني الفلاح أو الطبيب جعلت الشعارات المرفوعة كالأخوة والأمانة والصدق والعدل تغرس في الأعماق ويستشعر ويذهل بها السندي عندما جاء يبحث عن أمير المؤمنين وكان في ذهنه أنه سيجده كما ترك هو أميره في قصره وحاشيته فدلوه على عمر (رضي) تحت الشجرة أو تلك الصورة الباهرة لمنبر القضاء عندما حكم بوجوب خروج جيش المسلمين الفاتحين من مدينة سمرقند لأنه لم يستأذن أو يخير أهلها فأحس بالعدل أعاجم وسط آسيا ولم تحتكره عرب عاصمة الخلافة هكذا حول الإسلام تلك المفاهيم الى مبادئ يؤمن بها ويقدسها الناس ويتمسكون بها ويحاربون لأجلها طوال هذه القرون
وإن كانت الحضارة الغربية يحق لها أن تتفاخر بعراقتها وتسخيرها في القرن الأخير هذا الكم الهائل من وسائل التكنولوجيا لخدمة الإنسان وبلورة نموذج حكم ديمقراطي قابل للتطبيق يفصل بين السلطات الثلاث يحقق التوازن والاستقرار داخل المجتمع ويسمح بالتداول السلمي على السلطة ويفكك عوامل الصراع والتصادم ويحررها ويوجهها للنمو والتطور وما يخل بهذا الجانب النظري المثالي ذلك التناقض والتخبط في الممارسات لتلك النخب المنظرة أو المؤطرة لها فتباين أنماط الديمقراطيات قد لا يكون نابع من المفهوم والمبادئ لكن في تنزه الذات واستقلاليتها من النزوات والنوازع الفردية والقومية والإيديولوجية والعرقية ووو…..أثناء تطبيق تلك المبادئ أي خلوها من ذلك السمو الروحي والأخلاقي فقد لا تلتقي المصالح القومية الفرنسية والبريطانية والأمريكية وإن كانت مشروعة لأوطانهم فيحدث البلبلة والريبة في تكريس تلك المفاهيم ويفقد الجاذبية ويولد النفور والرفض وتنحصر شعبيتها في تلك النخب المنظرة وما حدث في مصر يعد صورة جلية لذلك الانفصام بين النظري والعملي فرغم أن الشعب المصري أخذ بالمعيار الديمقراطي في الانتخاب إلا أن الدول الغربية لم تنصفه بل تنكرت وهناك من تواطأ مع الإنقلابيون ضده عكس ما فعلت مع شعوب شرق أوروبا أي رجحت المصالح القومية أو الأيديولوجية وهذا ما لم تفعله دولة الخلافة وأنصفت شعب سمرقند فأنتصر المبدأ وأسلمت المدينة بأكملها وبقوا يدينون بالإسلام الى يومنا هذا إنه الترسيخ الذي عجز الغرب عن تحديه رغم الإمكانات الحديثة والمتطورة فكلما دخل الغرب في اختبار شعبي وبمقاييسه ومعاييره هو الحديثة خسر وفشل عبر كل العالم العربي والإسلامي وأدرك أن مبادئه سطحية وغير متجذرة وعميقة رغم أن ليس كل من ينظر ويروج لها في هذه المجتمعات انتهازي أو مستبد
ولا يشذ عن تلك القاعدة ما تسلكه فرنسا فكلما حكمت مصالحها على حساب الشعارات والمبادئ المثالية التي ترفعها في تعاملها مع السلطة أو أجنحتها في الجزائر متنكرة ومتجاهلة للشعب الجزائري حقه في الاستقلال التام والكامل وطموحه في التطور والرقي كلما كرست وعمقت وجهها القبيح الإستدماري الذي تسعى لمحوه وتلميعه بشتى الشعارات وقد تضرر من ذلك حتى تلك الأجنحة التي تتقاتل عن تقديم تلك الخدمات لأنها عندما تشتد وتيرة الفتك بينها لا تجد ملجأ ومنجى من بعضها إلا ذلك المبتز وتنسى أنها من تسبب في ذلك ساعة النشوة والغطرسة ولأدل عن ذلك تباكي وتضجر قنوات وجرائد النهج الإستئصالي والإقصائي في التسعينات والتي كانت تدعم جناح توفيق الذي يتهاوى اليوم من ضعف المعارضة قد تكون اليوم صادقة في هذا الإحساس بالحسرة من هذا الضعف بل انقراض المعارضة الذي أسست له لتجرعها ألم الظلم وحاجتها لذلك المنبر في الذود عن نفسها فاليتعض اليوم من يلملم المغانم من أن يؤسس لنفس المنطق فيلقى نفس المصير فلا مخرج إلا بإرجاع الأمر كله للشعب وحده دون وصاية تحت أي مبرر والانصياع لإرادته ولو لم يهتدي لأحسن الخيارات لأن هذا المنهج بالتكرار سيرشده ويطرد المبتز ونلزمه احترامنا كما يتعامل مع الدول ذات السيادة والتي هو في حاجة إليها والتجند والتحرك وحشد كل الطاقات وكل الشعب لفرض هذا الخيار المختصر للطريق والتكلفة دون الاكتراث بالمكاسب والتضحيات.