كتاب إلياس لعريبي، الذي يتطرق فيه لجهاز المخابرات الجزائرية الذي يسمى منذ 4 سبتمبر 1990 بالدي أر أس، وهو الذي نشأ و ترعرع تحت إمرة أحد كبار المجاهدين، العقيد عبد الحفيظ بوصوف، الذي وضع “حجر أساسه” مع بدايات الثورة، قبل أن يتوسع في بناءه عندما شغل منصب وزير التسليح والإتصالات العامة في الحكومة المؤقتة إبتداء من سبتمبر 1958.
و كان العقيد بوصوف قد أزيح عن السلطة نهائيا من طرف العقيد هواري بومدين في صائفة1962، عندما ساند بوصوف الحكومة- الشرعية- المؤقتة ضد جيش الحدود، الذي زحف على الجزائر العاصمة أياما بعد إعلان الإستقلال.
وقد ظل بوصوف بعييدا عن السلطة و الحياة العامة حتى وفاته في 1982.
يتطرق الكتاب لمختلف المراحل التي مر بها “الجهاز”، بعد بوصوف وصولا للفريق محمد مدين المدعو التوفيق، مرورا بقاصدي مرباح، يزيد زرهوني، لكحل عياط، و محمد بتشين.
يعتبر الكتاب من بين أفضل الكتابات، القليقلة جدا، عن الجهاز الذي ظل يرعب الجزائريين، و لايزال، لما يزيد عن نصف قرن خاصة منذ إنقلاب 92 عندما حوله الثنائي توفيق -إسماعيل العماري إلى أداة مركزية لخوض الحرب القذرة.
للأسف الكتاب كتب بالفرنسية و لم يترجم، فيما أعلم، إلى العربية بعد.
السلام عليكم ورحمة الله
نشر الكتاب ضمن منشورات معهد الهقار الشهير منذ مدة وقد ظل الكتاب من المواد النادرة التي تشرح الواقع والوقائع التي أحاطت بهذه الأداة التي نشرت الخراب والقتل والدمار وفعلت بالجزائريين ما فعلت وإلى الله المشتكى.
كتب الكتاب بلغة سهلة في متناول القارئ ، وقد اتسعت دائرة التحليل لتشمل شخصيات ظلت لعقود طويلة ملفوفة بالغموض والسرية ، كما اعتمد الكاتب على الترجمة والتوثيق مما أعطى الكتاب قيمة علمية تجمع إلى الثقة بالمادة البعد عن التحليل والاستنتاج المبني على الخيال الذي يعمل على نسج خيوطه كثير من الواهمين.
ومن النقاط الجميلة في الكتاب أنّ القارئ فور انتهائه من القراءة سيشعر بالمرارة والألم من ضياع الثورة ومستقبل البلد وعودة الجزائر إلى حظيرة طاعة المستعمر عبر بوابة التعاون والشرعية التي قدمتها فرنسا مقابلا لنجاح الانقلابيين وبقائهم على رأس سلطة وهمية أفسدت البلاد والعباد وأضاعت على البلد فرصة النهوض والتقدم التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء.
أنصح من يقرأ الكتاب أن يتمهل كثيراً في الحكم على الأفكار فليس للمؤلف سوى التوثيق والتحليل ، فهو لا يقدم محاكمة لشخص معين ولا لجهة معينة بل يقدم الوقائع والإثبات تلو الإثبات على خطورة هذه الأداة القمعية ودورها الغامض في قيادة البلد والشعب إلى الهاوية.
ولا ينتظر الكاتب من القارئ أن يحكم له وأن يقتنع بما فيه بقدر ما يوجه نظره بطريقة جدية إلى الزوايا الخفية التي غلفت منظومة الحكم في الجزائر تلك المنظومة التي تخلصت من المجاهدين الأحرار والشرفاء وقتلت وفتكت بكل المخلصين لتؤسس دولة دخلت كتب الأرقام العالمية في الفساد والظلم والنهب وكرست الحماقة والرداءة بواسطة عملاء من الحركى والموالين والمصلحيين الذين توج مشروع تسليمهم البلاد إلى فرنسا رئيسٌ اختارته محافل الماسونية في فرنسا البلد الأم.
ليقرأ الكتاب من لم يتوفر على قراءته ففيه حقائق مرة كريهة جداً وليتفكر فيه أولوا الفهم والعقول ، ولا ينتظر الترجمة فتأخير واجب القراءة والفهم من القبائح .. وليجتهد من فهم الفكرة في إيجاد مخرج ولو على المدى البعيد لهذا الاستعمار الجديد الذي خرج من سيدي فرج وعاد عبر طائرات الحلف الأطلسي وقواعد الأمريكان في صحراء الشهادة.
إنها فرصة أن ينشر الكتاب من جديدٍ .. وكتاب كهذا لا يمكن بحال الحديث عنه في الجزائر ولا في أروقة كتب وزارة الثقافة التي لم يبق منها إلا حفلات الراي … وتلك لعمري خيانة أخرى لأمانة الشهداء وإنا لله وإنا إليه راجعون.
السلام عليكم اخي الكريم
هذا الكتاب الذي بين ايدينا هو من بين المؤلفات النادرة التي حاولت القاء الضوء على تاريخ المخابرات الجزائرية والذي من الصعب الاحاطة به للغموض الذي يكتنفه ولقلة المراجع والوثائق التي يمكنها انارة طريق الباحث عن الحقيقة المغيبة. في دولة بوليسية مثل الجزائر غداة الاستقلال والى يومنا هذا يبقى جهاز المخابرات المسؤول الرئيسي وبامتياز عن الواقع المر الذي عاشته وما زالت تدفع ثمنه الجزائر. فعوض ان يكون هذا الجهاز في خدمة الشعب ومن اجل حماية الدولة نرى اليوم مدى الخسارة الفادحة وعلى كل الاصعدة والمستويات التي اوصلنا اليها وورطنا فيها بعد ان صادر ارادة الشعب وتآمر ضد المصلحة العليا للبلاد.
بعد قراءتي للكتاب لا اكاد ان احصي حسنة واحدة تشفع لهذا الجهاز وبخاصة بعد استيلاء حزب فرنسا على مقاليد الحكم بعد رحيل الرئيس هواري بومدين. هذا الجهاز الذي كان ولا يزال في خدمة المصالح الفرنسية العليا عوض ان يخدم شعبه ووطنه والدولة التي لم يدخر اي جهد في تفكيك مؤسساتها.
يرسم لنا هذا المؤلف صورة قاتمة عن الدور الرئيسي الذي لعبه هذا الجهاز ومنذ تأسيسه في تقييد الحريات وتكميم الافواه واغتيال كل صوت حر يريد الدفاع عن كلمة الحق. باغتيال احد عمالقة الثورة الجزائرية في شخص الشهيد عبان رمضان، سن هذا الجهاز سنة سيئة ما زالت نتائجها تعيق حركتنا من اجل غد افضل . وبعيدا عن كل قناعات ايديولوجية وعقائدية ممكنة لمن اشرفوا على ادارة هذا الجهاز اوممن اكتوا بناره وتعرضوا لارهابه لا يمكننا سوى الجزم ان الولاءات والانتماءات المبنية على المنفعة الفردية والآنية كانت هي الدافع الرئيسي في تقريب هذا و ابعاد ذاك بغض النظر عن الوسائل والامكانات. اللهم الا ما تعلق بمن حمل لواء الدفاع عن شرف الامة من رجالات الثورة والمخلصين من ابناء الشعب عن قناعة بان الموت في سبيل نيل الحرية لا يقدر بثمن وبان تحرير الوطن غاية كل شريف ابي .
لقد استطاعت المخابرات الجزائرية ان تصنع الاحزاب السياسية والحكام والمسؤولين من وزراء الى نواب وان تؤثر في مجرى حياة ابسط مسؤول وان تفسد قطاع العدالة وتضلل عامة الناس بالمعلومات والشائعات المغرضة التي ارهبت المجتمع ونخرت مؤسسات الدولة. كما وجدت هذه الآلة ضالتها في شن الحرب على كل صوت حر وقلم نزيه ويد نظيفة فلم تفرق بين علماني او شيوعي او اسلامي او مجرد رجل من عامة الناس يريد الخلاص لهذا الوطن. والا كيف نفسر هذه القائمة الطويلة والسوداء من الاغتيالات التي لم ينجو منها حتى الاطفال الرضع والنساء والحوامل والشيوخ من ابناء هذا الوطن ونصارى رهبان مسالمين ناهيك عن الشخصيات التاريخية ابتداءا بعبان رمضان وانتهاءا ببوضياف.
حتى ممارسة التعذيب وانتهاك حقوق الانسان بشتى الطرق والانواع كانت لها طقوسا خاصة وكأنها فنا من الفنون الجميلة اتقن في ابداعها هذا الجهاز. حتى الحلم بغد مشرق ومستقبل زاهر لشباب في عمر الزهور وفي ظل دولة الحق والقانون صادرها هذا الملعون. حتى الفساد والخراب والدمار لم يكن له ان ينمو الا وهو يستنشق الهواء الملوث من رئة مسلولة لهذا الوحش . لقد ضاعت الجزائر بين حاكم جاهل ومستبد جبار ورجل مخابرات لا يتقن سوى لغة السياط والذبح والقتل وبقي الشعب بين مطرقة هذا وسندان ذاك لا يعرف له ملجأ ولا استقرارا.
لقد هالني ما قرأته في هذا الكتاب من مشاهد تشيب لها الولدان وان جاء مقتضبا ومختصرا جدا، قد ارجع ذلك لقلة المصادر ربما وشح المعلومات علما ان جهاز المخابرات من اصعب واعقد اجهزة الدولة. كما لم يتطرق الكتاب ايضا لمحور هام جدا يتعلق بالاتجاهات والتيارات الفكرية حتى لا اقول الاديولوجيات التي كانت الشخصيات المذكورة بين دفتي الكتاب تحملها وربما دفعت الثمن غاليا في الذود عنها. لأن هذا سوف يعيننا على فهم منطق الصراع ومعرفة الدوافع والاسباب الموجبة له.
لقد حاول الكاتب وسعيه مشكورا ان يفتح اعيننا على هول المصيبة التي المت بنا بخاتمة موجزة يقول فيها :
{ ان جهاز المخابرات هو الحاكم الحقيقي ومنذ استقلال البلاد، حيث يعيش الوطن في دوامة من الحروب الاهلية والاغتيالات السياسية والتعسف في ممارسة التعذيب والارهاب والقتل وانتهاك الحريات واستشراء الفساد وانتشار الرشوة، حيث يرى بعض المحللين ان اموال الجنرالات وخدمهم المودعة في الغرب قد بلغت اكثر من 100 مليار دولار.
ان جهاز المخابرات وعوض ان يلعب دور الحامي للوطن ولمصلحة الشعب، نراه يقوم بفعل العكس حيث يستميت في حماية نظام يخضع لأوامرالعلبة السوداء .
لقد كانت الجزائر في الستينات والسبعينات والثمانينات وتحت غطاء الكفاح ضد الامبريالية،الملجأ المثالي لأكبر الاسماء في الارهاب الدولي من امثال كارلوس، تكسومين وابو نضال…الخ حيث كانت المخابرات العسكرية تقدم لهؤلاء المأوى والغطاء وحتى العلب الليلية.
منذ شهر يناير 92 اصبح رئيس المخابرات ونائبه ينتميان الى الغرفة السوداء الشهيرة التي قامت بالانقلاب.ومنذ هذا التاريخ اصبح لهذا الجهاز اليد الطولى في تعيين المسؤولين ابتداءا من رئيس الجمهورية وانتهاء بابسط منتخب. وهذا ما اكده في خرجة اعلامية سيد احمد غزالي الوزير الاول وعضو الغرفة السوداء السابق حتى انه ذهب الى حد وصفه بانه من حركى النظام.
ان مسؤولي المخابرات وهم لا يحملون اي مشروع سياسي واقتصادي، قاموا بالسطو على مقدرات الجزائر وثرواتها مما دفع كل الجشعين في العالم باتجاهها للسعي من اجل تحقيق الربح السريع. وحتى يمنع هؤلاء المسؤولون كل انتفاضة ضدهم قاموا بتطبيق الوصفة الاستعمارية القديمة والتي شعارها { اعتقال- تعذيب- نفي- اختراق- اعتداء }. لقد قام امام المخابرات سحنوني بمساعدتهم في تحقيق هذا الهدف عن طريق تأسيس الحركة الاسلامية المسلحة في سنة 93 وبمساعدة العيايدة.
ان خلق هذه الحركة سوف يسهل على الجنرلات مهمة تسويق فكرة { الخطر الاخضر الزاحف على ابواب اوربا } في سفارات الدول الاجنبية في الجزائر كما ان خطف طائرة الايرباص واعتداءات باريس وقتل الرهبان سيدفع بفرنسا والغرب معا من اجل تحقيق تعاون افضل مع الانقلابيين . ان وصول بوش الابن الى الحكم واعتداءات 11 سبتمبر ستكون بمثابة الخبز المبارك لجنرالات الجزائر. وان الجماعة السلفية للدعوة والقتال بقيادة البارا وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب بقيادة ابي زيد سوف تسهل امكانية انشاء مكتب للمخابرات المركزية الامريكية في تمنراست ومكتب آخر للوكالة الامريكية للامن الوطني في مدينة الاليزي }.
يختتم المؤلف كتابه الجدير بالاطلاع بصرخة الرجل الذي عايش الظلم وذاق ويلاته بالقول :
{ حتى نضع حدا للقيادة الفوضوية للجزائر وحتى لا يتعرض استقلالها للخطر يصبح من الضرورة بمكان تأسيس نظام ديمقراطي مع برلمان تمثيلي نابع من اقتراع حر، يحمل على عاتقه صياغة دستور يتماشى مع الالفية الجديدة. برلمان يكون له الحق في مراقبة اجهزة المخابرات حتى نتجنب كل الانحرافات. للعلم فان هذا النظام معمول به في الولايات المتحدة منذ العام 77 وفي المانيا منذ العام 79.
لا بد على الجيش ان يبتعد عن السياسة كما عليه ان يتفرغ لمهمته الدستورية. لا يمكن له ابدا ان يعين رئيسا او نائبا من نواب الشعب. لا بد ايضا من خلق عدالة لا تخضع لشهوات الرؤساء والحكام. كما يجب الغاء التعذيب واحترام الحريات الاساسية، الفردية منها والجماعية. ان الجزائر لتستحق بفضل تضحيات ابنائها صحافة حرة، تعددية وحيوية لا اقطاعية ولا تتلاعب بها اجهزة المخابرات. لا بد على الاعلام الثقيل من تلفزيون واذاعة ان يحرر ويكون مفتوحا للمبادرات الخاصة. لا بد للجزائر ايضا ان تعالج من مرضها الاكثر استفحالا والمتمثل في الفساد والرشوة ولا يتم هذا الا باعادة الاعتبار للقيم النبيلة الضائعة وعلى كل مستويات السلطة، كما لا يمكن لملفات الفساد ان تكون بايد من يستعملها لابتزاز هذا او ذاك. ان المدانون في قضايا الفساد يجب ان تنفذ في حقهم اقسى العقوبات.
لا بد كذلك ان نتوقف عن اذلال الشعب وممارسة الاهانة في حقه من نفي وارهاب وانتحار جماعي وهجرة في قوارب الموت…الخ. ان الجزائر لتتوفر على ثروات هائلة يمكنها ان توفرللشعب حياة العز والكرامة }.
هذه محاولة متواضعة لفهم الاحداث التي تركت أثرا كبيرا في مرحلة من اهم المراحل التاريخية التي ما زالت تصنع الحدث في جزائر العصر الحديث وشكرا.