في مثل هذا اليوم قبل 19 عاما، كنت أقود سيارتي متوجها للبيت و بجانبي صديق فاضل وقد دعوته للعشاء، إسمه الرائد محمد… من جهاز المخابرات، و كان قد عُين، قنصلا في ليبيا و لكنه إضطر أن ينتظر عدة أشهر في طرابلس، قبل أن يوافق نظام القذافي على فتح أول قنصلية جزائرية، رسميا، في مدينة سبها في الجنوب الليبي.
كان الرائد محمد في بداية الخمسين من العمر، ذوخلق رفيع، شديد الحياء، إذا حدًث شعرت بنبرة الصدق في كلامه، على عكس الكثير من زملاء له في مكتب المخابرات بالسفارة.
كان يزورني بشكل دائم في مكتبي، ليرتشف قهوة و يحدثني بحزن شديد عن “الكوارث التي تتجه لها الجزائر”، و عن “جهل بعض القادة العسكريين الذين يخوضون حربا بشعة ستحطم المجتمع و الدولة” …
في البداية لم أكن أعلق كثيرا على ما يقول، خشية من أن يكون في الأمر خدعة، الهدف منها معرفة رأيي في الحرب التي كان يدور رحاها آنذاك ، و ما إذا كنت معاديا “للدولة”.
ولكن مع الأيام تأكدت من صدق الرجل.
أثناء الطريق قال، و صوته يكاد يختنق، بعد أن سألته ما الذي يحزنه كل هذا الحزن و “كأن سقف المكتب قد سقط؟”.
“ياليت، يا سي محمد، كنا سنموت و ننتهي من حياة الذل هاته التي نعيشها”، و أضاف، و قد دمعت عيناه،”لقد أُعلن اليوم عن كارثة في الجزائر”، و تعجبت “ما الذي حدث؟ لقد تابعت الأخبار و ليس هناك أمر جديد، ما عدا الأخبارالمعتادة؟”.
“لقد عَينَ أحد أخبث و أجرم الضباط في الجزائر نفسه، في أعلى رتبة في الجيش، أستحدثها خصيصا لشخصه، لقد رفًع اللواء المجرم محمد العماري نفسه إلى رتبة فريق”. و أضاف،”إن الثورة التي مكنت أحد أشد أعداء الجزائر، والذي كان يقاتل لكي تبقى الجزائر فرنسية، من أن يصبح في أعلى رتبة في الجيش و قائد له، هي ثورة قد سُرقت من أصحابها و سيتم العبث بها و بأهلها وبالوطن”، أو هكذا قال، بلغة دارجة هي أقرب للفصحى.
و قد كان…
لقد كانت الثورة الجزائرية واحدة من أعظم ثورات البشر في القرن العشرين، هزمت إمبراطورية إجرامية، أهلكت كل شيء، و ظنت أنها قد إستعبدت الجزائر و أهلها إلى الأبد، وأن لن يقدر عليها أحد.
و لكن عزيمة الأحرار، و قد توكلوا على ربهم، و أستعانوا بشعبهم، أمكنت من طرد الإستعمار الغاشم، مذموما مدحورا.
غير أن الثوار لم ينتبهوا إلي بقايا الكولون، وقد تسللوا على حين غفلة، و أمسكوا بزمام السلطة، فهاهم يحدثون دمارا هائلا و خرابا شاملا وفسادا متعاضما، في أرض الشهداء و الإستشهاد.
محمد العربي زيتوت
نعم الأخ محمد العربي …لم أسمع عن هذا الهالك إلا الشر……
و ها هو هلك و لا نسمع عنه خبرا و لو لعشرة ثوان و إن ذكر اسمه إلا و جاءت في أذهاننا صورة القتل و الخيانة و الجور…..
لكن ؟؟؟؟؟؟ هل من قلوب حية للبقية و التابعين؟؟؟؟