هذا نقاش أعقب محاضرة”الطريق إلى نوفمبر54″، إرتأى المنظمون أن يكون مختصر، حتى يفتح المجال لنقاش آخر حول الأوضاع الراهنة و التطورات المتلاحقة في جزائر اليوم.
هذا نقاش أعقب محاضرة”الطريق إلى نوفمبر54″، إرتأى المنظمون أن يكون مختصر، حتى يفتح المجال لنقاش آخر حول الأوضاع الراهنة و التطورات المتلاحقة في جزائر اليوم.
تابعت المختصر والأسئلة باهتمام كما تابعت الحلقة الأولى من الطريق إلى نوفمبر وهذه المادة في عمومها شيقة جداً خصوصاً وأن الأستاذ محمد العربي محاضر لبق يتقن فن المحاورة ويعرف جيد المعرفة مداخل الموضوع ومخارجه، والفوائد التي يستفيدها المتابع غزيرة بغير خلاف فلا يكاد المتابع ينتهي من الموضوع حتى تكون صورة الثورة ومخرجاتها واضحة المعالم. وكل ذلك من محاسن الموضوع و من حسن عرض الأستاذ محمد العربي جازاه الله تعالى بكل خير.
أعتب على من حضر ولم يسأل عن سر نسيان الشعب لكل هذه الأمور العظيمة في مدة وجيزة جداً فلم يكد ينتهي العقد الثاني من عمر الدولة الجزائرية حتى كانت ذاكرة الشعب مهيأة لتلقي كل شيء يمس بكرامة الشهداء.. ولقد كان للإعلام الرسمي نصيب واضح في تجاهل خدمات الرجال الأحرار، ونكران البعض ، وإحالة البعض على الهامش ، بل والمساهمة في تصفية الشرفاء وكانوا كثيرين وما إعدام العقيد شعباني إلا صورة سيئة يحمل وزرها بومدين ومن طبل له من حاشية الإعلاميين والعسكريين الخونة..
هل نسي الشعب ؟ أو هل كان غبياً إلى درجة أن تسرق منه ثورته بثمن بخس بعضه قرى فلاحية وبعضه جولات هنا وهناك في المعسكر الشرقي ، والبعض الآخر صناديق من كل شيء أو من لا شيء ؟ .. كل ذلك حدث .. لكن المؤكد أن الثورة سرقت لأنني أسجل بحزن عميق كلمة الشهيد لطفي الذي قال : إن الاستقلال آت ولاشك ، أما الثورة فقد ضاعت يا إخواني .. وصدق الرجل فلم ينشب إلا قليلا حتى نصب له كمين نال به الشهادة وطويت صحيفته بريئة من الغدر والخيانة ..
لقد تحدث بعض رفاق السلاح عن أن استشهاد العقيد لطفي كان مدبراً بدليل أن الكتيبة الفرنسية التي اشتبك معها كانت على علم مسبق بتحركاته ولهذا أحكمت عليه القبضة وكانت وفاة هذا القائد ثمنا لفطنته المبكرة بخطة جيش بومدين الذي كان يرى في المخلصين منازعاً قويا على السلطة القادمة..
بومدين الرجل الوهم الذي باع الأوهام للشعب الغافل استفرد بالسلطة والقرار وأراد لنفسه تجربة ناصرية قومية في الجزائر، وحسناته لا تشفع له في التكفير عن جرائم الاغتيالات السياسية التي دربه عليها بوصوف عبد الحفيظ … ولكن قضى الله تعالى شيئاً فكان ..
إننا بعد كل ما عاناه شعبنا المسكين ولا يزال يعاني من الاستعمار الجديد – وكلمة الاستعمار الجديد ليست من اختراعاتي بل أنقلها بأمانة عن الدكتور غازي حيدوسي الاقتصادي والوزير المعروف الذي استخدم هذه الكلمة في تسعينيات القرن المنصرم لما تحدث عن الوضع الجزائري – أقول : إن الشعب ما زال يعاني ، ومعاناته هذه المرة أكبر من معاناته أيام الاحتلال النصراني للبلاد ..
هل تتذكرون عنوان مسرحية شهيرة في الجزائر : الجراد راح والمـــــرّيـــــــــــــــد بـــقــــــــــى ؟
أقول بغير وجل ولا ونى : يا شعبي .. نوفمبر شعار ثورة لم تتحقق بعد .. ثورة سرقت منذ فجرها الأول .. سرقها جيش الحدود ، وتولى رعاية الجريمة نزار وجماعته .. وسلم البلاد والعباد فخامته وحكومة الاكسيلانس من دهاقنة الاستعمار الجديد ..
لم يبق للشعب سوى الرسم والأغاني الفارغة والرقص في الشوارع الذي ترعاه السكيرة كاتبة سعيد سعدي .. لم يبق للشعب إلا أن يلوح بطربوشه كما يفعل الغول الذي نزع قناع إخوانيته وأظهر للناس ديناً جديداً سماه التاج لا يلسبه إلا من كان مثله في بيع الأوطان والأديان ..
لقد استنزفت جميع القوى الخيرة في المجتمع الذي آمن بنوفمبر وعشق التحرر وداقع عن المستضعفين ، كما تولى مهمة استئصال الشرفاء والأحرار زبانية العماري ونزار وما شايعهم من البهائم الناطقة الوالغة في دماء الأبرياء ، ولم يبق لهذا البلد سوى كمشة نحل تحوم حول الحل .. ولعل الله تعالى يغني بهذا الكمشة الطاهرة عن كثير من شواري الذبان وإلى الله تعالى المشتكى.