على الرغم من أنه لم يعش إلا 44 عاما و مات في ظروف غامضة في لندن في 1977، إلا أن علي شريعتي يعتبر واحد من أعظم المفكرين المسلمين في العصر الحديث، كما يعتبر الملهم الأول للثورة الإيرانية التي إندلعت أقل من سنتين بعد وفاته، وأسقطت الحكم الشاهنشاهي الذي كان يوصف بأنه كان من أقوى الأنظمة الحاكمة في العالم ولديه جيش هو الخامس عالميا من حيث القوة وجهاز مخابرات من أقوى مخابرات العالم.
و لاتزال أفكار على شريعتي التحررية تلهم المستضعفين في كل أنحاء العالم.
ومن بين ما قيل عن شريعتي، و عن هذا الكتاب بالذات:
“يرى شريعتي بأن الأديان الوراثيّة كلّها متشابهة من ناحية أن الذي يُتّخذ وراثة وسنة واعتيادا من غير علم ولا بصيرة يكون شيئا واحدا في النهاية ويكون معرّضا للتمرّد من قبل الأجيال التالية. وإذا أمعنا النظر في كثير من القضايا المستجدّة التي تحدث في مجتمع ما – أيا كان ذلك المجتمع- الذي يتّخذ أفراده الدين وراثة من غير علم ولا بصيرة فإنه ينطبق عليها تماما ماذهب إليه شريعتي ألا وهو يكون التمرّد مصير ما ارتبط بعادات وتقاليد مؤقتة وهي ممّا لاشكّ فيه معرّضة للتغيّر مع مرور الزمن والشواهد من حولنا كثيرة .
-“إن قيمة كل واحد منّا على قدر إيمانه بنفسه ” ص30 هنا يؤكد شريعتي بأن إعلاء مستوى الإيمان بالقدرات في داخل أعماق الإنسان ينعكس بالضرورة على القيمة الفردية له بمجتمعه . النباهة يقسّمها إلى قسمين :
نباهة نفسية أو فردية ونباهة اجتماعية ويرى بأن ّ العدو الحقيقي للإنسان هو الذي يسلب تلك النباهتين و من دلائل التخلّف لأي أمة هي أنها تكون مسلوبة للنباهتين الآنفة الذكر ومغيّبة بوعيها ولا تدري بأنها مسلوبة و اتّباع الهوى لأفراد أي أمة تكون معرّضة لذهاب العقل والوعي.. ورحم الله شوقي إذ يقول :
إذا رأيت الهوى في أمّة حكماً فاحكم هنالك أنّ العقل قد ذهبا .
-المتأمّل في سير الجباهذة والعظماء من مفكرين والفلاسفة يرى بأنّ هناك مشترك بينهم وهو الوعي والفطنة والنباهة منذ الصغر ولنأخذ مثالا على أعظم شعراء العرب المتنبي قال في صباه :
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بجدودي
ويقول
أنا تِرْب الندى وربّ القوافي وسمام العِدا وغيظ الحسود
أنا في أمة تداركها الله غريب كـصالح فــي ثمود
تلك الأبيات قالها المتنبي في صباه وهي دلالة على وعي الفتى ونباهته لذا أصبح من الخالدين ومصدر إلهام لكل من أراد الحكمة والفطنة والوعي .
-يقول شريعتي :” الاستحمار أصبح في عصرنا الحالي معزّزاً بالعلم والإذاعة والتلفاز والتربية والتعليم صار فنا دقيقا ومن هنا يصعب معرفته لصعوبته ودقّته ” أي أن أي غرض يمكن استخدامه لإجل الإلهاء والاستحمار .فمعني الاستحمار كما يراه : “تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره وتغيير مساره عن النباهتين الفردية والاجتماعية ” ويرى بأن الاستحمار ينقسم إلى قسمين : استحمار قديم و استحمار حديث
لأجل تطبيق الاستحمار القديم يُستفاد من : الشعر , تعظيم الماضي …..الخ ولأجل تطبيق الاستحمار الحديث يُستفاد من : التخصص , المرأة …الخ ”
الشعر قد يكون أداة للاستحمار أي أن ماقد يكون جميلا شعريا قد يكون قبيحا ثقافيا من خلال تغلغله بالثقافة المجتمعية .إذا تشعرنت أي قيمة مجتمعية فإنها قد تكون قابلة للكذب الجمالي فبالتالي تتعرّض لزيف وخداع وينتقل ذلك الزيف لأفراد المجتمع .
تعظيم الماضي يكون أداة للاستحمار من خلال البحث عن المآسي والنزعات التاريخية وأسْر العقل بأمجاد الماضي وتغييبه عن الحاضر .
يرى شريعتي بأن إثارة قضايا المرأة يعدّ نوعا من أنواع الاستحمار إذا كان القصد إثارة قضاياها من أجل الإلهاء عن قضايا أكبر وأهم من قضايا المرأة . ويرى بأن الانغماس في التخصص والغوص فيه قد يُفقد الإنسان الدراية الاجتماعية إذ يعمل التخصص على نمو الفرد من جهة واحدة ويعطله من بقية الجهات والتخصص بلاشك مطلوب ولكن يجب أن لايعطّل الدراية الاجتماعية والنباهة الفردية .
– للاستحمار شكلان : مباشر و غير مباشر فالمباشر هو ما يحرّك الأذهان إلى الجهل و الغفلة ..أما الغير مباشر : هو إلهاء الأذهان بالحقوق الجزئية اللافورية لتنشغل عن المطالبة أو التفكير بالحقوق الأساسيّة وأداة استحمار أي شخص ترتبط بنوعه فمثلا : إذا كان شخص ما يهتمّ بـ “س” من الاهتمامات فإن العمل على زيادة اهتمامه بها يعدّ نوعا من الاستحمار شريطة أن يكون من أجل إلهائه عن المطالبة بالحقوق الكبرى …”
معلومات عن الكتاب
بين طيات هذا الكتاب سلسلة خطابات ألقاها الدكتور “علي شريعتي” في قاعة (حسينية الإرشاد) بطهران سجلت على أشرطة، ثم نقلت كتابة على الورق، بدون تغيير أو تطويل أو تقصير أو تقديم أو تأخير، فجمعت دفتي كتاب سمي (خود أعاهي استحمار) أي (النباهة الاستحمار). ونقلها هادي السيد ياسين آل باليل الموسوي إلى العربية فكان تاريخ فراغه من نقلها 3 جمادى الثاني 1399هـ، الموافق 30إبريل 1979م، وقد اجتهد أن يترجم نفس العبارات الفارسية إلى العربية بدون دخل وتصرف في شكلها وفي قوالبها، مع احتفاظه بالمعنى الكلي للمواضيع.
كتاب النباهة و الإستحمار: علي شريعتي