ديغول.. فهمتكم – هولاند.. لم تفهموني

الأربعاء 25 ديسمبر 2013

جاء ديغول إلى الجزائر في 1958 ثم في ديسمبر 1960، فوجد أمامه نساء حراير، ورجالا فيهم حرارة الغيرة على البلد، لغتهم مفهومة وسمعهم صاف وفهمهم رزين، هؤلاء أتاحوا لفرنسا فرصة أن ترى النار الحمراء في عين الصفراء (منطقة جنوبي الجزائر)، والرصاص الساخن في عين الباردة (منطقة شرقي الجزائر)، وذل الدرك الأسفل في جبل زكار العالي، وحرقة الشمس في ثلج جرجرة، هناك كان الجنود الفرنسيون يتعلمون من الفقراء كيف تنسج البندقية المجد، وكيف يلون الدم مرسم الحرية، وكيف تفيض وديان الشهامة لتجرف جيش الظلم في الجرف (معركة شهيرة في الثورة)، هناك تعلم جنود فرنسا وفرانسوا، الذين سلموا باريس هدية جميلة لهتلر عام 1940، كيف تصان الأرض ويحفظ العرض، وكيف يكون الدفاع عن الوطن.

في الشهر نفسه وبعد الخمسينية، جاء هولاند إلى “الفردوس الضائع”، فوجد في شارع زيغوت يوسف من يقبل يده، ووجد في شارع العقيد عميروش بلدا مريضا في كل شق وجانب، ونظام ينتج الأمراض كلها، ينتج الغلاء والبلاء والزحمة والقلق، ويرفع الرحمة عن عباد رب الفلق، ينتج القرحة والحڤرة والحرڤة، ووجد في مرادية ديدوش مراد، رئيسا مريضا التأم حوله “عمار وزمّار”، من المعتوهين بالسلطة ومرضى التوحد في العزيز، الهائمين على وجوههم وألسنتهم بالعشق في “الرابعة”، ووجد في شارع الدكتور سعدان حكومة غارقة بوزيرها الأول والأخير في حكايات “افتح يا سمسم”.

في بداية حكمه نهاية الخمسينات، سلم ديغول بالأمر الواقع، وقال للجزائريين “فهمتكم”، لأن في ديغول بعضا من شرف الهزيمة أمام أيقونة الحرية العربي بن مهيدي، وفي 2013 يطلق خلفه هولاند سبّة ونكتة سمجة في حق الجزائر، لم يعتذر الرجل لأن فيه بعضا من قيح الوقاحة، وليس فيه شرف الاعتذار، فقال للجزائريين “لم تفهموني”.

من غرابة الأقدار أن ديغول لم ينجب هولاند، والعربي لم ينجب عبد القادر.

الجزائريون الذين عرفهم ديغول ليسوا هم ذات الجزائريين الذين عرفهم هولاند، هذا ما تخبرنا به الحكمة الشعبية الجزائرية التي تنطبق تماما على واقع الحال وحال الواقعة، “قال الابن لأبيه يا بابا حڤرونا، فرد الأب: يا ابني.. لقد عرفونا”.

-عثمان لحياني
في جريدة الخبر 25-12-2013

Comments (3)
Add Comment
  • محمّد

    إن تولوا فسيأتي الله بقوم وعد منجز، وإن تولوا فإنّ الله يستبدل سنة لا تتبدل ، وإن تولوا فإنّ حسبك الله وهو الكافل والكفيل بالوكيل والنصرة والعدد وجيل لم يتلوث بنجاسة اسمها فرنسا.

  • ابو صفوان

    السلام عليكم اخي الكريم

    ان الاشكالية لم تكن في يوم من الايام تتعلق بالثورة بل في المحافظة على مكاسب الثورة. فسواء جاء ديغول او هولاند الى الحكم فالطبقة السياسية في فرنسا رغم اختلاف توجهاتها ومستوى حنكتها وذكائها فانها تبقى فعالة وقادرة على ربح الرهان كلما تعلق الامر بمصالح فرنسا العليا. فسواء جاء الاشتراكيون او اليمينيون الى الحكم فالثابت يبقى الحفاظ على نفوذ فرنسا وقوتها في الخارج واما المتغير فهو كل ما يتعلق بالشؤون الداخلية من سياسة عمل وتعليم ووو. وما ينطبق على فرنسا ينطبق كذلك على امريكا وبريطانيا وغيرهما كما نرى اليوم فيما يتعلق بالصين والهند وروسيا وغيرها
    لقد فكر ثوارنا وقادتهم الكرام في كيفية القيام بالثورة لنيل الاستقلال فقط واغفلوا ما هو اصعب واخطر والمتمثل في حماية مكاسب الثورة من حفاظ على الدولة وبناء مؤسسات قوية وقادرة على توفير كل اسباب الرقي والازدهار.
    وهذا ما حدث ويحدث اليوم في تونس وليبيا ومصر واليمن اذا لم ينتبه اخواننا لمخاطر المتطفلين على الثورة ومكاسبها من فلول النظام واصحاب المصالح والانتهازيين. لقد اقام الرسول ص الدولة في المدينة وما ان استتب له الامر حتى قام بمحاربة كل من اراد ويريد وأد هذه الدولة من سيد قبيلة او صاحب جاه اومال او شعر او لسان سليط ومن يريد الاطلاع على هذا فليرجع الى كتب السيرة المعتمدة فليتأمل فيها جيدا. كذلك اذا اطلعنا على حيثيات نشأة دولة الاتحاد السوفيستي لرأينا كيف قام الحزب البلشيفي بقيادة لينين ولم يتوانى لحظة في اعطاء الامربتصفية الامبراطورنيكولا الثاني وعائلته وكل من كان له نفوذ من اكابر القوم وسادته قد يجهض ولادة الدولة الشيوعية التي عمل واصحابه من اجل تأسيسها. ونرى اليوم كيف تقف امريكا في وجه كل من تسول له نفسه تقويض اسس النظام الرأسمالي الليبيرالي حتى ولو بخلق الاحداث التي تبرر بها هجومها الكاسح على الافراد والدول وكيف تقوم الصين في الدفاع باستماتة عن نظامها الشيوعي وان مالت الى تطبيق النظام الرأسمالي فيما يخص الشق الاقتصادي منه.
    وسواء قبلنا ام ابينا فوجود ادعياء فرنسا في دواليب الحكم والادارة بحجة الكفاءة اوالاتقان غداة الاستقلال كان كافيا ان يقضي على استقلالية الدولة في اتخاذ القرار وبناء مجتمع ينعم بالحرية والعدل. فالقضية لاتتعلق بجيلنا بقدر ما هي تتعلق بجيل الثورة الذي ظن بان الواجب هو في تحقيق الاستقلال دون استيعاب انه لا يمكن تحقيق الاستقلال بعيدا عن بناء دولة قوية تتحقق فيها المساواة والعدل كما جاء ذلك في بيان اول نوفمبر. من السهل الآن القول بانه كان الاولى ان يقف من حملوا السلاح لكل المتربصين بدولة ناشئة مثل الجزائر حتى يحافظوا على مكاسب الثورة علما بان عملا مثل هذا كان يتطلب وجود النظرة الاستراتيجية التي تستشرف المستقبل وتعي دروس التاريخ وعبر الماضي.
    لقد مارست الانظمة المتوالية والتي حكمت الجزائر كل انواع التضليل والتعتيم عبرالاعلام الثقيل والمناهج التربوية الخاضعة من اجل ابعاد الشعب عامة والمعارضين خاصة عن ممارسة السياسة التي تحرر الفكر والوجدان وتبني دولة الحق والعدل والمساواة وجعلت كل من يجازف بذلك مصيره السجن او القتل او النفي. فلا يحق لك الا ان تكون مواطنا طائعا وخانعا وخاضعا للاوامر الفوقية لا غير. هذه الممارسات السياسوية خلقت اجيالا لا تفهم في السياسة عامة ولا تفقه حقيقة النضال السياسي البناء. فكانت النتيجة اننا عندما صحونا وجدنا انفسنا امام وحوش من ابناء فرنسا وقد جسدوا وبامتياز نظرية القابلية للاستعماروسيطروا على دواليب الحكم واصبحوا اصحاب الامر والنهي والقرار.
    انا لا اوافق الكاتب فيما ذهب اليه في خاتمة المقال واعتقد بان جيل اليوم هو اكثر وعيا وفهما من جيل الامس وانه قادر على ايجاد التغيير الذي يستطيع ترجيح الكفة لصالحه متى تحققت بعض الامور والاسباب. وببساطة كان على جيل الامس ان يحمل السلاح ضد مستعمر يخالفه في الدين والعقيدة وهذا من السهل فعله، اما جيل اليوم فحربه لا يمكن ان تكون بنفس الوسيلة بل بقوة الفكر والحجة والنضال اللاعنفي ضد حكام يشبهوننا في كل شيء ولكنهم دعاة على ابواب جهنم لا يحسنون سوى التخريب والتغريب والمزيد من الاستبداد والفساد.
    وحتى لا نقع في نفس الخطأ فعلينا بالعمل الجاد والدؤوب من اجل بناء قاعدة فكرية، قوية وصحيحة تحملنا على النضال السياسي والكفاح اللاعنفي لبناء دولة راشدة تكون ذخرا لنا وللاجيال القادمة.
    وشكرا.