بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد،،
فالوقت هو رأس مال المؤمن، وعلى العلماء الربانيين أن يبذلوا أعمارهم في الدعوة إلى الله، وخدمة الإسلام والمسلمين، وألا يشغلوا أنفسهم بسفاسف الأمور، وأن يعرضوا عما يشغلهم عن هذا الهدف الكبير. ولذلك أخذت على نفسي ألا أجيب خصما، ما دامت عداوته عداوة شخصية، وألا أرد على معنف، ما دام لا يقصد إلا التطاول على ذاتي ، فالأوقات أغلى وأثمن من أن تضيع في مثل هذا!
وقد استمعت إلى كلمة الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، ولم يحركني للرد عليه ما أفحش فيه من القول بحقي، لا ما تطاول فيه على شخصي، فهذه ليست المرة الأولى للرجل، ولو أردتُ أن أتتبعه لفعلت، ويكفي أن حافظ عصرنا( الكومبيوتر)، كما سماه أخونا الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله، وما استحدث له من برامج، كفيل بالرد على مثله، فزيارة متأنية إلى مواقع ( اليوتيوب) كافية للتعريف بالرجل، وكما قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا } [الأعراف:58]. وصدق الشاعر الذي قال:
ملكـــــــنا فكان العفـــــــو منا سجية … فلما ملكتم سال بالدم أبطـــــــحُ
وحللتمو قتل الأسارى وطالما … غدونا على الأسرى نمنُّ ونصفحُ
فحسبكــــمو هـــــذا التفاوت بيننا … وكل إناء بالذي فيه ينضــــــــــــحُ
ولكن الذي دفعني لكتابة هذه الأوراق مع كثرة الأعباء، وتعدد الشواغل: بيان الحق من الباطل، وصحيح الإسلام من افتراء أهل البهتان، بعيدا عن التدليس والتلبيس، وليِّ أعناق النصوص ، فكان علينا أن نفضح هذه الافتراءات التي افتراها، وتلك الأكاذيب التي ادعاها،حتى لا ينخدع عموم المسلمين بهذا الهذيان، ولا يغتروا بذلك البهرج، وبخاصة أنه صدر من رجل يُظن فيه العلم، يجيد التزييف، ويتقن المراوغة، وقد نصب نفسه– واأسفاه- متحدثا باسم الإسلام.
دفعني إلى ذلك ما أخذه الله تعالى على العلماء الربانيين من ميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران:187 ].
ودعاهم سبحانه إلى البيان والبلاغ، فقال:{ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [الأحزاب:39].
وحذرهم من كتمان البينات والهدى، فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[ البقرة:159-160]
وهذا ما بايع الصحابةُ عليه النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث عبادة بن الصامت، المتفق عليه:” بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم”.
وقفات لا بد منها:
وهنا لا بد لي أن أقف عدة وقفات، أراها ضرورية، لتوضيح المواقف، وإبراز حقائق الشخصيات.
أولا: أود أن أشير إلى أني لم أسمع باسم علي جمعة في حياتي، إلا عن طريق الإخوان الذين هاجمهم،، وهم أول من أبرزوه وأظهروه للناس، فقد اختاره أخونا العالم، الباحث، الداعية، القانوني، الشرعي العلامة: الدكتور جمال عطية، ليتولى بعده إدارة مكتب (معهد الفكر الإسلامي) في القاهرة. وقد لقيته في ماليزيا، وكان شديد الحفاوة بي، والإشادة بشخصي وبعلمي وبكتبي. ولقيني بعد ذلك في مؤتمرات عدة، فكان على هذا المنوال.
ثانيا: حينما عُين مفتيا أصابه ما أصابه من السعار، فأفتى بفتاوى شاذة، لا تصدر عن تحقيق، ولا علم دقيق، ولا دين وثيق. وقد لامه إخوانه عليها، مثل اعتبار النقود الورقية غير شرعية، وأجاز فيها التعامل بالربا، وأباح للمسلم بيع الخمر ولحم الخنزير، وما قيل عن الاغتسال باللبن، إلى غير هذه الفتاوى الشاذة.
إن العلماء المخلصين تقودهم نصوص الكتاب المحكم، وصحيح السنة النبوية المشرفة، واجتهادات الصحابة والتابعين، والأئمة المتبوعين، وتدقيقات علماء الأمة المحققين، إلى جوار الرغبة العميقة في معرفة مراد الله عز وجل. فلهذا يديمون النظر في كتابه، ويجهدون النفس في اتباع سنة رسوله، فيأتمرون بأمره، وينزجرون بنهيه، ويتبعون كتابه، ويقتدون برسوله صلى الله عليه وسلم، لا يقدمون بين يدي الله ورسوله رأيا ولا مصلحة، ولا يدفعهم إلى فتوى: رغبة ولا رهبة.
وقد قال تعالى: { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ } [الرعد:17 ]. وقال سبحانه: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [الأنبياء:18 ].
ولكنها وقفات سريعة، لا يقتضي المقام فيها الإطالة، لأبين للمسلمين ما بثه ذلك الرجل من ضلال، وما نفثته الأبواق عنه من آثام.
إن مدرسة الشيخ علي جمعة مدرسة مفضوحة، وقد سار على منهج معلوم للكافة، وقد تبنى هذه الطريقة الشيخ البوطي رحمه الله، والشيخ حسُّون في سوريا، وغيرهم كثيرون في مصر وخارجها.. إنها تسير في ركب السلطان حيثما حل أو ارتحل، وتقف مدافعة عنه: تسبح بحمده، وتمجد أفعاله، وتبرر خطاياه، وتلتمس الأعذار لفظائعه ، وتتمحل الأدلة الشرعية لجرائمه ، وهم ينظرون إلى الشعوب كالرعاع، الذين لا حقوق لهم، ولا قيمة لآرائهم، وما عليهم إلا أن يسيروا كالقطيع، حيث أراد الراعي، ولو إلى الذبح!!
كنت أتمنى أن يقوم الشيخ علي جمعة بمناقشة العلماء فيما قال، أو مواجهة الذين خاض في أعراضهم في وقت يستطيعون الدفاع عن أنفسهم فيه، لا أن يجهر بمعاداة من لا يستطيع الدفاع عن نفسه. فليس من صفات النبيل أن يسكت عن خصمه، حتى إذا وقع في مأزق أمطره بالشتائم، ولا من سمات الفارس، أن ينتهز غيبة قرينه، فيسارع إلى الاعتداء على حرماته، ولا من خصال الأصيل، أن يتشفى فيمن خالفه!!
الشيخ علي جمعة وثورة يناير:
مازالت الأجيال تذكر يا شيخ علي – لم يصبها الخرف أو الزهايْمر- موقفك من ثورة يناير، ودفاعك المستميت عن الرئيس مبارك، الذي عينك في منصب الإفتاء، وقد سجل التاريخ دعوتك لثوار 25 يناير بالعودة إلى بيوتهم، وتحريمك الخروج على الحاكم المزور مبارك، ونعتك له بالحاكم الشرعي للبلاد، مع أن البلاد والعباد يضجان لله بالشكوى من الفساد الذي نخر في مصر، والظلم الذي أتى على الأخضر واليابس في عهده!
وقتها وضعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضعه، وخاطبت به من ليس أهله، حين قال صلى الله عليه وسلم: ” من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه”.
بهذا الحديث أبحت دماء كل ثوار 25 يناير، لمن أرادوا أن يقتلوهم. ولكن الله تعالى تعالى حفظهم وحماهم. ونجا هؤلاء الثوار بفضل الله سبحانه، ثم بفضل العلماء الواعين لدينهم، الواثقين بربهم، الذين أفتوا الناس بالحق، وزجروهم عن الباطل.
استخدمت الحديث الصحيح في غير موضعه، ووضعت أحاديث أخرى في غير مكانها، حين دعوت إلى الخمول وترك الكفاح والنضال، حتى يظل من عينك مفتيا في سدة الحكم، مستشهدا بحديث ” أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك “. وأحاديث أخرى.
وتحدثت عن مبارك بقولك: بطل الحرب والسلام.. البطل .. الزعيم.. الحاكم الشرعي.
وتحدثت عن حكم مبارك المزور الذي أبغضه الخلق قائلا: ما الذي سيبقى بعد إسقاط الشرعية؟ ستبقى فتنة عمياء صماء بكماء!!
ثم أفتيت من موقعك مفتيا للديار المصرية، قائلا: يا شباب مصر، دعوا الشرعية تعمل، فالخروج على الشرعية حرام حرام حرام.
وقلت للثائرين، في تبجح جامح: وقد تبين أمام العالم كله: أن الأغلبية من الشعب مع مبارك! هكذا وفق التقارير التي كانت تأتيك من أجهزة المخابرات وأمن الدولة ، والتي يأتيك مثلها الآن لتقول: إن الشعب كله مع السيسي!!
وقلت عن أسباب الثورة: هناك شيطان أوقع هذه الفتنة!
وأن مصر محسودة، والناس في غيظ من مصر؛ لأنها على ناصية!!!
وقلت عن الثوار: الشرع الشريف ضد الفتنة، وهؤلاء أصحاب فتنة، يتكلمون بفتنة، لأنهم يهرفون بما لا يعرفون.
وأفتيت بجواز ترك صلاة الجمعة حماية لنظام مبارك، وكعادتك: نسبت ذلك إلى جميع مذاهب المسلمين.
وعندما سئلت عن فتواي بوجوب النزول إلى الشوارع، والتظاهر ضد طغيان مبارك، أجبت بأنني غائب عن البلاد، غائب عن إدراك الواقع الآن، وأنني أستمع إلى قناة الجزيرة، لأنني في الدوحة، في مغمز سياسي معيب!!
بعد نجاح ثورة يناير:
وبعد نجاح ثورة يناير، إذا بالشيخ علي جمعة نفسه، أصبح من رجال الثورة المغاوير، ورأيناه في حوار مع إحدى المذيعات، يتحدث بلسان الثائر: رفيق الكفاح، وشريك النضال، قائلا: الحمد لله لقد آتت الثورة المصرية ثمارها في فترة قصيرة، والثورات عندما تحدث لها ما بعدها … إلخ.
وفي لقاء آخر، تحدثت عن المظاهرات بأنها واجبة شرعا، وأنها نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هكذا أصبحت الفتنة العمياء الصماء البكماء: ثورة مباركة لها ما بعدها!! وهكذا أضحت المظاهرات العبثية التي لا طائل من ورائها نوعا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يجب على المسلمين القيام به، وبات هذا الشيطان الذي أوقع هذه الثورة، وقد نجح في سعيه وقد بدت ثمار عمله!! أي تلون هذا الذي يقوم به ذلك الرجل؟!
انقلاب 30 يونيه والجنرال علي جمعة المتحدث العسكري..
ثم ما أن انتشرت مدرعات الجيش ودباباته في شوارع مصر، وما أن تم لهم ما أرادوا من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، بالقوة المسلحة، بالجنود المدججين من تحت، وبالقناصة المدربين من فوق السطوح العسكرية المحيطة، وبالطائرات التي تضرب المعتصمين المدنيين من فوق، مع إسالة الدماء، وإزهاق الأرواح، وإحراق الجثث، واعتقال الشرفاء، وإصابة المخلصين، حتى ظهر الانقلاب الدموي على حقيقته، وحتى بدا الحكم العسكري على طبيعته الدموية التدميرية، لكل ذي عينين.
واستفاق كثير ممن غُرر بهم من المصريين، فشاركوا إخوانهم أنصار الشرعية المطالبة بحقوقهم، كما تنبه كثير من أبناء العرب والمسلمين الأحرار في بلادهم، لما يجري في مصر، من ضرب الجيش المصري بأسلحته أبناءه من الشعب المصري، الذي رآه الناس طوال شهر رمضان: صائما قائما، قانتا متهجدا، كما انتفض العالم الحر: في أفريقيا، وآسيا وأروبا، وأمريكا، وأستراليا، وهم يشاهدون الجثث المتفحمة، والأشلاء المتناثرة، والرصاص الذي صُبَّ على المعتصمين صبا، لا لشيء إلا أنهم أرادوا حريتهم، ودافعوا عن إرادتهم، التي سلبها العسكر منهم، ثم وضعها تحت حذائه، فلما فشل الانقلابيون من تسويق انقلابهم في الخارج، سعوا إلى تسويقه في الداخل، ومع إعراض المصريين عن تصريحات المتحدث العسكري، لكثرة سقطاته، وتبيَّن كذبه، لا أدري: هل تم تعيين الشيخ علي جمعة متحدثا عسكريا أزهريا، أم هو تطوع بذلك؟!
فهو يصف الشرطة بالأبطال الشرفاء، وقد علم المصريون: كبيرهم وصغيرهم كيف تكون بطولة الشرطة، ومتى يظهر شرفها؟! والجميع يعلم أنها ليست في أقسام الشرطة، وفي زيارات منتصف الليل!
ولم يسلم من هذه البطولة وذلك الشرف إلا من سار في ركابهم، ونسج على منوالهم!!
وتحدث الجنرال علي جمعة عن تفاصيل فض الاعتصام بالقوة وكأنه قائد عملية الفض، أو أن الإحصاءات الدقيقة من غرفة العمليات المركزية تحت يده، وعندما سُئل عن ذلك قال: هذه شهادة سكان رابعة العدوية!!
انظر إليه وهو يصف الاعتداء المسلح من المتظاهرين السلميين الذي أوقع 75 قتيلا في صفوف قوات الأمن المسالمة، التي لا ذخيرة معها، وقد جلس ضباطها على الأرصفة، واضعين أيديهم على خدودهم، لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، في حالة إحباط وإعياء!!
ثم أكمل وصفهم بأنهم فرسان، لا يعرفون الغدر أو الخيانة، إنما ينفذون الأوامر، ولم تكن الأوامر قد صدرت لهم حتى الساعة الواحدة أو الثانية بعد الظهر!! وأن قوات الجيش والشرطة لديهم الكثير من القتلى والجرحى، لا يعلنون عن أعدادهم للحفاظ على الروح المعنوية للجنود.
وأكد الجنرال علي جمعة: أن الجيش والشرطة مع هذا تعاملوا مع المتظاهرين برفق شديد للغاية!!
هكذا يكذب الجنرال علي جمعة، وقد رأى الناس مشاهد القنص والقتل، وإلقاء الغازات الحارقة والسامة على المعتصمين، وشاهدوا حرق جثثهم، منذ ساعات الصباح الأولى، وتجريف الشهداء بالجرافات، كأنهم قطط أو كلاب، ونقلهم ليدفنوا بلا تجهيز ولا تكفين ولا صلاة، كما هو شأن أهل الإسلام. شاهدنا ذلك عبر الفضائيات الحرة، والإعلام الصادق، لا الإعلام المصري الكاذب الأفاك!
ولا أدري ماذا كان يريد الجنرال جمعة أن يفعله الجيش بالمعتصمين؟ هل كان الخيار أن يبيدهم جميعا بأسلحة كيماوية، أو بقنابل عنقودية؟!
وأخذ الشيخ علي يدافع عن الانقلاب العسكري، ويجمل صورته الشائهة، زاعما أنه ليس انقلابا، وهو يظن الشعوب الحرة أطفالا صغارا، يستطيع أن يستخف بعقولهم، مستدلا على ذلك بأن الجيش تحرك بناء على إرادة الشعب، وأن الشعب أيده في ذلك، وأن قائد الجيش لم يتولَّ شؤون الحكم، بل عهد إلى رئيس المحكمة الدستورية بتولي شؤون حكم البلاد.
ولعمري لقد علمت الدنيا من أقصاها إلى أقصاها أن الحاكم الفعلي في مصر هو الفريق السيسي، وما من وفد يزور البلاد إلا ويلتقيه، وما يتصل بحكام البلاد الأخرى إلا هو. وما أوقف مساعي إنهاء الأزمة سلميا إلا هو، وذلك بشهادة نائب الرئيس المؤقت: محمد البرادعي، وكذلك الوسطاء الدوليون، ثم تزعم أنه لا يحكم؟! هذا كلام قد فات أوانه، ومضى زمانه، ومضى أهله أيها الجنرال!!
ثم يتوغل في الاستخفاف بعقول المشاهدين قائلا: وليس هذا انقلابا بالمصطلح الغربي، فالانقلاب معناه استخدام القوة، للاستيلاء على الحكم، والجيش لم يستخدم القوة، ولم يستولِ على السلطة!!
وأنا أعجب كيف لصاحب عقل مستقيم أن يصدقك، وما من قرية أو مدينة في مصر، إلا وقد أصاب رصاص الانقلابيين أحد أبنائها، أو زُجَّ به في معتقلاتها، ألم تؤثر فيك دماء شهداء الحرس الجمهوري، ولا المنصة، ولا رابعة، ولا النهضة، ولا أبي زعبل، كل هذه الدماء التي تجاوزت ستة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى، الذين بلغوا حوالي العشرين ألفا، وآلاف المعتقلين، ولم يستخدم الجيش القوة؟! ولا استولى على السلطة؟! ولا أدري بأي عقل تتحدث، ومن الذي سيصدقك فيما تقول؟!
شرعية الدكتور مرسي:
وتحدث الشيخ أو الجنرال عن شرعية الرئيس محمد مرسي، قائلا: إنه لا شرعية له.
لماذا يا جنرال الأزهر؟!
• لأنه قُبض عليه! ولأن الحاكم المتغلب الذي له شوكة (الجيش) قد استولى على الحكم! وهذه هي أحكام الإسلام عنده، وليس كما يقول كهنة الديمقراطية الغربية، في زعمه!
وكأن الإسلام قد أمر أتباعه بالخنوع والذلة لكل متغلب، ونسي المفتي السابق أن علماء الإسلام، حينما تحدثوا عن إمارة المتغلب، تحدثوا عن أمر واقع قد يصعب القضاء عليه، ولم يتحدثوا عن قيم الإسلام ومبادئه، ولا عن أحكامه وتقريراته في كيفية اختيار حكام المسلمين.
وكأن المفتي السابق يريد للشرق والغرب أن يختاروا حكامهم بإرادتهم الحرة، أما المسلمون، فليس أمامهم إلا التسليم بإمارة المتغلب.
• ولأن شرعيته جاءت بنسبة 51% ولابد في الإسلام من موافقة السواد الأعظم، الذي قدره جنرال الأزهر بـ 86% ، وكأنه يحن إلى زمن الـ 99% التي عودهم عليها مبارك وجماعته من قبل!!
• لأن علماء الإسلام: الشافعي، والماوردي، والجويني، والقرافي يرون عزل الحاكم إذا لم يستطع القيام بمسؤولياته؛ لضعف في عقله أو بدنه أو خيانته، ومحمد مرسي غير قادر على إدارة البلاد، وقد ثبت فشله في الأزمات المتلاحقه، من أزمة بنزين وسولار وكهرباء في هذه السنة!
وكأن جنرال الأزهر يقيم أمور الدين والفتوى في اختيار الحاكم المسلم، بالقدرة على توفير السولار والبنزين والكهرباء، مع علم الجنرال علي جمعة بمن خلف هذه الأزمات!!
• ولأن شيخ الأزهر وبابا الأقباط والجماعة الوطنية عزلوه، وهذه إرادة الشعب، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر من الثلاثة الذين لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: “رجل أم قوما وهم له كارهون “.
وهل يُعزل الرئيس المنتخب من الشعب في الدولة المسلمة من أحد القساوسة، أو بعض العلمانيين، أو شيخ الأزهر الذي عينه مبارك؟! ومعهم ( بانجو) و(برايز)
هل هذه هي الجماعة الوطنية التي يحق لها أن تولي وتعزل؟!
هل هذا ما قاله الجويني والماوردي والقرافي والغزالي وغيرهم، ممن تشبعت بذكر أسمائهم، ولم تذكر ما قالوا؟!
هل الرئيس مرسي كان عاجزا عن إدارة البلاد، أم أن مؤسسات الدولة العميقة، وأنت أحد رجالها، كانت تحاول وضع العراقيل أمامه، وصناعة الأزمات بين يديه؟!
وتحدث علي جمعة عن توصيف الواقع في مصر، فتحدث عن 32 مليون مصري نزلوا الميادين، في مقابل 600 ألف من الإخوان المسلمين، و200 ألف من أنصارهم. وأن الجيش انحاز لرأي جماهير المصريين السلميين، وحماهم من بطش هؤلاء الإرهابيين المسلحين، ويرى المدافعين عن الشرعية يستغلون الدين استغلالا مقيتا، وأنهم جهلة لا علاقة لهم بالإسلام، وأن قيادات التحالف ضد الشرعية عقلها منحرف، وهم كبار السن (60-70) سنة، يخدعون الشباب، ويفهمونهم أن هذه مؤامرة على الإسلام، وأن الاعتصام هو طريق الجنة! ، ويصدرونهم لحتفهم، بينما يختبئون وهم ويحاولون الفرار من نفس المصير، وادعى أنه يعرفهم ويعرف مصائبهم!! ثم يصف هؤلاء الشباب الذين ذهبوا إلى رابعة والنهضة بالبله والحمق!!
وأستعير كلمات الشيخ علي الطنطاوي وهو يصف أترابهم: (هؤلاء الشباب الذين نشؤوا في طاعة الله، وبشّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ممّن يظلهم عرش الله يوم لا ظل إلا ظله. شباب عرفوا الإسلام وتمسكوا به، أمّوا المساجد على حين يؤم أترابهم الملاهي والمراقص، وصفّوا أقدامهم في هدآت الليل على حين يسهر أولئك في الخزي والعار، وناجَوا ربهم في خلوات الأسحار على حين ينام أولئك نوم العَجْماوات، وحملوا -في سبيل الله- مِن ظلم الظالمين ما تنطحن تحته الرواسي، فما لانوا ولا استكانوا، ولا كفروا بالله مُذ آمنوا به، ولا ضاقوا بمحن الأيام منذ استعذبوا لذائذ الطاعات)ا.ه.
هكذا كذب هؤلاء الأفاكون الكذبة وصدقوها، وأشاعوا الباطل وتشبثوا به. ليست هذه الملايين التي ذكرها الجنرال علي جمعة ومن شايعه إلا في أوهام الانقلابيين، الذين يصغِّرون الكبير، ويكبِّرون الصغير!!
ولو كانوا صادقين لأقدموا بهذه الملايين، على الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب، التي دعاهم إليها الرئيس مرسي، ففازوا بمجلس الشعب، وسحبوا الثقة من الرئيس، ولكنهم قوم بهت وكذب.
وهؤلاء القادة الذين وصفهم بالهَرَب والاختباء، هم من قدموا أبناءهم، وفِلذات أكبادهم ثمنا للحرية، فقدم الدكتور بديع ولده، وقدم الدكتور البلتاجي ابنته، وحفيد الشهيد حسن البنا، وقدم غيرهم الكثير والكثير، لا كما زعم الجنرال علي جمعة!
وتحدث عن مسلحين، والعالم يشهد، عبر شاشات الفضائيات الشريفة، وعبر تغطيات الإعلاميين الصادقين، وبشهادة الوفود المختلفة: أن الاعتصامات كانت سلمية، وأن الانقلابيين فشلوا في جر المعتصمين إلى المواجهة المسلحة، وقد سمعنا جميعا قول المرشد: ثورتنا سلمية، وستظل سلمية، وسلميتنا أقوى من الرصاص! ولكن الجنرال لا يصدق إلا تقارير المخابرات العسكرية، وأنباء أمن الدولة!
فتوى الدكتور جمعة بقتل المتظاهرين:
وكانت الطامة الكبرى بفتوى قتل المتظاهرين، وكأن الجنرال علي جمعة: المتحدث العسكري من الأزهر، يعيد ما فعله في عصر مبارك، ويدعو الدعوة ذاتها، وهي قتل المتظاهرين، وحجته أن انقلاب 30 يونيو الذي انحاز فيه الجيش إلى الشعب، وأصبح المصريون لحمة واحدة، ولكنّ هؤلاء المتظاهرين خرجوا على المسلمين وهم جميع، وخرجوا بسلاحهم، يشقون عصا المسلمين بالسلاح، فهم خوارج.
ثم ادعى أنهم مسلحون، وأنهم يبدؤون الجيش والشرطة بإطلاق الرصاص، فوجب على الشرطة والجيش التعامل معهم بالرصاص، بل لو أطلق أحد من هذا الفريق النار على قوات الأمن، فإنه يحل لقوات الأمن قتل الجميع!
ومجرد حملهم للسلاح، وإن لم يصوبوه نحو الجيش والشرطة يقتضي اتخاذ ما يلزم تجاههم، وإن كان بالرصاص. ونقول للجيش المصري: اضرب ودافع عن نفسك، ولا تخف.
هكذا قال الجنرال علي جمعة، الذي زعم أنه رأى المتظاهرين وهم يحملون السلاح، ورآهم وهم يبدؤون بإطلاق الرصاص، بينما جنود الشرطة والجيش المسالمون الشرفاء لا يملكون ذخيرة للدفاع عن أنفسهم! وكذب الشيخ علي جمعة والله، فلم يكن هؤلاء الشباب يحملون سلاحا قط، من أي نوع: لا بندقية ولا مسدسا، ولا سيفا، ولا سكّينة، ولا عصا، ولا حجرا. هكذا رأيناهم، ورآهم كل من كان معهم، وقد رفعوا أيديهم إلى السماء، لا تحمل شيئا.
ثم يفتي الشيخ علي جنود مصر بقتل خيرة أبنائها، وأشرف من فيها، وأزكى من فيها. حينما نستمع إلى أسماء الشهداء، إذا بهذا أستاذ في الجامعة، وذاك طبيب، وهذا عالم أزهري، وذلك مهندس، وهذه معلمة، وتلك إعلامية، وأخرى طبيبة! هؤلاء هم البله والحمقى في رأي الجنرال علي جمعة!
وهم أنفسهم الذين كان يأمرهم بالرجوع إلى بيوتهم في ثورة يناير.
هذا هو الشيخ علي جمعة الذي لم يتغير، هو هو، مناضل في جانب النظام العسكري، عدو لكل من أراد أن يرفع رأسه!!
وقفة علمية مع الشيخ علي جمعة:
كان الواجب على الشيخ علي جمعة أن يرى تلك الأزمة الحالكة، وهذا المنعطف الخطير، الذي تمر به مصر، فيؤثر الحق، ويقول الصدق.. يتكلم بما شهدت به آيات القرآن الصريحة، وبما نطقت به نصوص السنة الصحيحة، وما قاله أهل العلم الثقات، وأن يذكر قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }[ الأحزاب:70].
وقوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة:119 ].
فالله تعالى يأمرنا بتغليب لغة السداد والصدق، والتصالح والوئام وحفظ الأنفس، لا لغة الشقاق والنزاع وإراقة الدماء، وآيات القرآن الكريم تحثنا على ذلك، قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الحجرات:10]. وقال عز وجل: { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ الأنفال:1]. وقال سبحانه: { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ }[النساء:114].
لكن الشيخ الجنرال علي جمعة رمى كل من يخالفه الرأي، ويعارض الانقلابيين، فجعلهم من الخوارج، الذين يجب قتالهم، والبغاة الذين يتقرب إلى الله باجتثاثهم؛ مستغلا في ذلك عدم معرفة كثير من الناس لمعنى هذه الألفاظ، وإن وقر في قلوبهم بغضها، وتأكد في أنفسهم استبشاعها.
هؤلاء ليسوا بغاة ولا خوارج:
والبغاة في اللغة، من البغي، يقال: بغى على الناس بغيا: أي ظلم واعتدى، فهو باغ والجمع بغاة، وبغى: سعى بالفساد، ومنه الفئة الباغية.
وعرف الفقهاء البغاة بأنهم: الخارجون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل، ولهم شوكة.
فالبغاة لهم شوكة ومنعة، وليس لهؤلاء شوكة ولا منعة ، وإنما هم أُنَاس عُزْل ، تلقَّوا بصدورهم العارية طلقات الأعيرة النارية ، وتمَّ إشعال النيران فى أجسادهم المطعونة، التي كان يجب مداواتها، فتم قتلها أو إحراقها.
والبغاة هم الخارجون على الإمام العادل القائم بأمر الله تعالى ، وليس الأمر هكذا هنا ، كما علم الجميع.
وهؤلاء لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ ، ولا ترويع الآمنين ، فَيكون ُحكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ طَرِيقٍ ، فيواجهوا بالسلاح ، بل كانوا دعاة أمن وسلام.
قال ابن عابدين متحدثا عمن وقف في وجه ظالم: ” فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ بِهِ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ. وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ، عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ”.
والخوارج يوجبون قتال المسلمين، ويستحلون دماء أهل العدل، ويسبون نساءهم وذراريهم؛ لأنهم في نظرهم كفار. فالخوارج من خرج بالسلاح على الإمام العادل، وعلى من معه، مستحلين دماءهم وأموالهم. وهؤلاء لم يخرجوا بالسلاح على أحد، ولم يستحلوا دماء أحد ولا أمواله، ولا سعوا إلى سبي نساء مخالفيهم، حتى يوصفوا بذلك؛ بل هؤلاء يدافعون عن حقهم الذي سلبه: من خرج على الإمام بقوة السلاح، لذلك قلت: إن الذين خرجوا على الرئيس مرسي هم الخوارج.
وقد قال لي أحد الإخوة: إنك حين تشبه هؤلاء بالخوارج فأنت ترفع من شأنهم؛ لأن الخوارج مع عصيانهم وبغيهم كان عندهم دين، وهؤلاء يحاربون الدين بالكلية. سئل علي رضي الله عنه عنهم: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل فما هم؟ قال: هم قوم أصابتهم فتنة، فعموا وصموا، وبغوا علينا، وقاتلونا فقاتلناهم.
مدى شرعية ثبوت إمامة المتغلب:
وما حاول الجنرال علي جمعة أن يوهم الناس بأنه إجماع المسلمين، وقول كافة المذاهب بأن شرعية الرئيس مرسي قد انتهت بتغلب الجيش، ليس من الأمانة العلمية؛ بل جمهور العلماء على غير ما يقول. قال الماوردي: اختلف أهل العلم في ثبوت إمامة المتغلب وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار، فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته، وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامته لا تنعقد إلا بالرضا والاختيار.
وفي قول للشافعية: يشترط لصحة إمامة المتغلب استجماع شروط الإمامة.
كما يشترط الشافعية أيضا: أن يستولي على الأمر بعد موت الإمام المبايع له، وقبل نصب إمام جديد بالبيعة، أو أن يستولي على حي متغلب مثله. أما إذا استولى على الأمر وقهر إماما مولى بالبيعة أو بالعهد فلا تثبت إمامته، ويبقى الإمام المقهور على إمامته شرعا.
إثم من خرج على الإمام الشرعي المنتخب
وهؤلاء الانقلابيون هم البغاة الذين يجب مناصرة الإمام بالتصدي لهم، كما قال الفقهاء:
“إذا اجتمع المسلمون على إمام، وصاروا آمنين به، فخرج عليه طائفة من المؤمنين، ولم يكن ذلك لظلم ظلمهم إياه، ولكن لدعوى الحق والولاية. فقالوا: الحق معنا، ويدعون الولاية، ولهم تأويل ومنعة، فهم أهل بغي، فعلى كل من يقوى على القتال مناصرة الإمام عليهم. قال ابن عابدين: ومن البغاة الخوارج”. ويقول ابن قدامة: إذا خرجوا على الإمام فهم فساق.
بل إن ما قامت به أجهزة الدولة العميقة، وما أظهرته للإعلام، بما يطلق عليه حركة (تمرد) نوع من البغي، الذي ينبغي على المسلمين مواجهته، لذلك إذا تكلم جماعة في الخروج على الإمام ومخالفة أوامره، وأظهروا الامتناع، وكانوا متحيزين متهيئين لقصد القتال، لخلع الإمام وطلب الإمرة لهم، وكان لهم تأويل يبرر في نظرهم مسلكهم دون المقاتلة، فإن ذلك يكون أمارة بغيهم.
ولو كانوا خوارج لا يجوز أن يعاملوا كذلك
قال الشافعي : رحمه الله تعالى : ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم، لم يحلل بذلك قتالهم؛ لأنهم على حرمة الإيمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم، فيما بلغنا، أن عليا رضي الله تعالى عنه بينما هو يخطب إذ سمع تحكيما [ أي: لا حكم إلا لله. وكانوا يقولونها تعريضا به] من ناحية المسجد: لا حكم إلا لله عز وجل، فقال علي رضي الله تعالى عنه: كلمة حق أريد بها باطل. لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء، ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.
وذكر الشافعي رحمه الله بسنده: أن عديا كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: إن سبوني فسبوهم، أو اعفوا عنهم، وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم، وإن ضربوا فاضربوهم .
قال الشافعي : رحمه الله تعالى وبهذا كله نقول.
فهل هذا ما تعاملت به أجهزة الأمن مع المعتصمين أيها الجنرال.
الكذب على الأموات
ومما أرى الجنرال علي جمعة يتلبث به: الكذب على الأموات، الذين لهم مكانة في قلوب المصريين، ليصل إلى غايته، فقد ادعى أن الشيخ الشعراوي رحمه الله كان يبغض الإخوان جدا!!
مع أن قول الشيخ الشعراوي عن جماعة الإخوان المسلمين معروف محفوظ، حينما قال: شجرة مباركة ما أعظم ظلالها، ورضي الله عن شهيد استنبتها، وغفر الله لمن تعجل ثمرتها.
• التزييف في نقل النصوص
ومما يتميز الشيخ علي جمعة به: التزييف في نقل النصوص، حتى يصدقه الناس، ومن ذلك حديثه عن الجيش المصري، فقد ذكر حديث ابن الحمِق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” تكون فتنة أسلم الناس فيها – أو قال: خير الناس فيها – الجند الغربي ” قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر”. ونسب الحديث إلى صحيح مسلم، والحديث في مستدرك الحاكم، ومسند البزار، ومعجم الطبراني الأوسط، من حديث عبد الله بن صالح، عن أبي شريح المعافري، عن عميرة بن عبد الله المعافري، عن أبيه، عن عمرو بن الحمق، وهذا الحديث تفرد به عبد الله بن صالح كاتب الليث، وعميرة بن عبد الله المعافري وأبوه: مجهولان، كما قال الذهبي في (ميزان الاعتدال)، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: حديث منكر.
أما الحديث الذي جاء في صحيح مسلم فيه مدح أهل الغرب، فهو من حديث سعد بن أبي وقاص، مرفوعا: ” «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق، حتى تقوم الساعة»”.
فلم أرَ من الشراح من جنح إلى ما جنح إليه الشيخ علي جمعة.
فقيل: المراد بهم العرب. والغَرْب: الدلو الكبيرة؛ لاختصاصهم بها غالبا.
وقيل: المراد القوة والشدة والجد، وغرب كل شيء حده.
وقيل: المراد الغَرْب من الأرض، الذي هو ضد الشرق. فقيل: المراد أهل الشام. وقيل: الشام وما وراء ذلك. وقيل: أهل بيت المقدس.
قال القرطبي: أول الغرب بالنسبة إلى المدينة النبوية هو الشام، وآخره حيث تنقطع الأرض من الغرب الأقصى. وهنا تدخل مصر في الحديث.
• أخطاؤه اللغوية الفاحشة، حيث ذكر التلبيس، والتلاعب بالألفاظ، وذكر أن من التلبيس جاء إبليس. وهذا خطأ بيِّن يعرفه طلاب المرحلة الإعدادية، فإبليس مشتق من مادة (أبلس) وهي تعني اليأس؛ لأنه آيس من رحمة الله، وفي قول آخر: إنه لفظ غير عربي، فهو لفظ أعجمي، ولم أجد في معاجم العربية ما يفيد بأن إبليس مشتق من التلبيس، فالتلبيس من مادة (لبس) !!
• ومن أعجب ما قال إلى الذين كانوا يعارضون شيخ الأزهر والبابا تواضروس في رابعة: ربنا وقف مع من؟! وقف مع فضيلة الإمام التقي النقي، ابن الناس الصالحين! يقصد شيخ الأزهر، وليس هذا رأيه الحقيقي فيه!!
هكذا يقولها، ليشكك الناس في ربهم، ويزيلهم عن دينهم، وكأن جولة أخذها أهل الباطل تعني أن الحق معهم، وكأن ساعة ابتلاء للصادقين، وتمحيص للمؤمنين، تعني أن أهل الإيمان قد ضلوا، أو أن أهل الضلال على صراط مستقيم!
وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الكرام البررة على باطل حينما تعرضوا لأذى المشركين في مكة؟! أم كانوا على ضلال مبين حينما انكسروا أمام المشركين في أحد؟! أم كان التتار أتقياء بررة وهم يقتلون المسلمين في بغداد، ويمزقون حضارتهم؟! وهل كان الصليبيون على مثل الحق الذي أنتم عليه، يا جنرال الأزهر، حينما ذبحوا أهل عكا وما جاورها من إمارات المسلمين؟!
لعل جنرال الأزهر لا يعلم معنى الابتلاء الذي لم يجربه، فالله تعالى يخاطب المؤمنين الصادقين: { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [ العنكبوت:1-3] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول، كما في حديث سعد بن أبي وقاص: ” أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل،يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة”.
معنى الوكيل
وقد سُئل سيدنا الحسين عن معنى الوكيل في قوله سبحانه وتعالى (حسبنا الله ونعم الوكيل) فقال: الوكيل أن الله خلقك قبل أن تسجد له بهذا الجمال والقوة، فكيف لا يكون مشفقاً بك ورحيماً بك ويعمل لك ما فيه الخير حينما تسجد لله سبحانه وتعالى، فهو أحسن إليك قبل أن تسجد له، فكيف يكون تعامله معك وأنت تسجد لله تعالى وكيف لا يكون نعم الوكيل وكيف لا يكون هو اللطيف الخبير.. والأمور الثلاثة التي رأها سيدنا موسى رؤي العين في عالم الغيب، كشفه الله سبحانه وتعالى له، وتبين أنه الخير، فهؤلاء الذين جمعوا تحويشة العمر لصناعة سفينة وحينما جاء سيدنا خضر وعيّب هذه السفينة، كم تألموا، ولا ندري كم دعوا على الرجل الصالح، ولما ذهبوا إلى الطرف الآخر وجدوا أنه لو كانت سفينتهم سليمة لأخذت واغتصبت، فكم شكروا الله على هذا العيب، وكم تحولت النقمة إلى النعمة.
شكرا على الموضوع. ربنا أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.