الإعتراف الفظيع لمسؤول جزائري: “نحن آخر الأقدام السوداء” « Nous sommes les derniers pieds-noirs »

الجزائر بوتفليقة الجنرالات توفيق فرنسا الولايات المتحدة رشاد زيطوط زيتوت

في أكتوبر 2013, قام الصحفي نيكولا بو Nicolas Beau، رئيس تحرير الموقع الإخباري “موند آفكريك” Monde-afrique بنشر كتيب موثق حول التدخل العسكري الفرنسي في مالي أو التدخل الشهير بعملية سرفالserval, و التي انطلقت في شهر جانفي من نفس السنة: بابا هولاند في مالي . وقائع فشل ذريع معلن. Papa Hollande au Mali : Chronique d’un fiasco annoncé ( دار نشر بالاند) و الذي أثبت فيه أن العملية كانت مبرمجة منذ وقت طويل من طرف قادة الجيش الفرنسي.
هذا الكتاب يعج بالمعلومات التي تجاهلتها الصحافة الفرنسية: قراءة هذا الكتاب مهمة جدا بالنسبة لكل المهتمين بهذه المسألة الشائكة، وغزير بالمعلومات عن المصالح الإقتصادية غير المعلنة والتلاعبات المختلفة.

مسؤولون جزائريون مجرمون و فاسدون

من ذلك أن نيكولا بو يخوض في اللعب الجزائري المزدوج في منطقة الصحراء والساحل, فيشرح انه منذ سنوات قام جنرالات مديرية الإستعلامات و الأمن(مصلحة المخابرات التابعة للجيش) التي تحكم البلد بتسخير المجموعات الإسلامية المسلحة من أجل رسم مجالهم الحيوي أمام القوى الغربية و على الخصوص الولايات المتحدة و فرنسا. بإختصار فإن قادة الدي أر أس DRS( مديرية الإستعلامات و الأمن) قاموا بتشجيع عمليات العنف التي تقوم بها هذه الجماعات التي يتحكمون بها من أجل الظهور في أعين حلفائهم الغربيين كشركاء لا يمكن الإستغناء عنهم في مكافحة هذه الجماعات

وهم يزعمون أنهم الوحيدون القادرون على مكافحة الإرهاب في الصحراء و الساحل بنجاعة, و هذا ما أكده العقيد علي بن قدة، بوضوح في حوار أجراه معه نيكولا بو. و علي بن قدة، هو أحد الإطارات السامية في الدي ار اس DRSو يدعى سماعين الصغير لأنه كان لسنوات أحد الرجال المخلصين للجنرال سماعيل العماري المدعو سماعين. رئيس مصلحة مكافحة التجسس التابعة للدي ار اس من سنة 1990 إلى غاية وفاته سنة 2007 و أحد صانعي الحرب القذرة ضد الشعب الجزائري في سنوات التسعينات. تصريحات هذا الرجل النافذ و المتقاعد رسميا, التي أدلى بها للصحفي الفرنسي في الجزائر العاصمة بمناسبة إنعقاد ندوة لشركة سوناطراك شارك فيها الرجلين, هي من الصراحة بحيث يقف المرأ متعجبا أمامها: (يجب أن تعلم أنه في مناطق واسعة من الساحل مثلما هو الحال في الجزائر, فإن المجتمعات “تمت أسلمتها”. نحن الجمهوريون و التقدميون, نعتبر تقريبا آخر الأقدام السوداء, بإعتبارنا ندافع عن قيم مجتمعية هي الآن مرفوضة من الأغلبية. أصدقاؤنا الفرنسيون عليهم أن يتركونا نتحرك, لأننا نعرف كيف تشتغل الجماعات الإسلامية. (…) الفرنسيون يتصرفون بجنون حين يقررون التدخل في مالي. نشعر كأننا عدنا إلى سنة 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر. نحن نشهد الآن عودة الماضي الإستعماري الدفين.
يجب الذهاب بإتجاه حل سياسي في مالي و يمكننا لعب دور أساسي لتمكين الأطراف المختلفة, الحكومة في باماكو و الطوارق من الإتفاق.

الجمهوريون و التقدميون… هذا الإدعاء الفارغ سيدفعنا إلى الإبتسام إذا نسينا أن ال”نحن” يريد به المتحدث مجموعة من الضباط السامين الضالعين جميعهم, أو المشاركون في ارتكارب جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية في سنوات التسعينات التي كان الجزائريون ضحيتها, و كان الإستيلاء على ثروة المحروقات هدفها. مجرمون و فاسدون لا يمتون طبعا بصلة إلى “الجمهوريين” و لا إلى “التقدميين”, كما إدعاه أيضا كثير من مرددي دعاياتهم في فرنسا, الذين يخدمون العلاقة التاريخية المشبوهة القائمة على الفساد, و التي تجمع بين النظام الجزائري و دوائر إقتصادية, إعلامية, و سياسية في فرنسا

و في المقابل فإن الإعتراف بالغ الأهمية, حين يرى “سماعين الصغير” نفسه ومن معه, آخر الأقدام السوداء, فالرجل هنا يقول الحقيقة, خاصة إذا علمنا أن مصطلح الأقدام السوداء كان يعني على الخصوص المعمرين الأكثر ثراءا, فالجزائريون في معظمهم ينظرون إلى هؤلاء و حلفائهم الذين ازدادوا ثراءا على حساب الشعب الذي يحتقرونه, كذلك فعلا.

ياسمينة مثلا, جزائرية تعيش في فرنسا, تشهد على ذلك سنة 2001 فقد كتبت بعد أن عادت من رحلة قادتها إلى الجزائر: ” في الجزائر العاصمة, لم يعد هناك أي وجود للطبقة المتوسطة. هناك فقط الأغنياء و الفقراء. المجموعة الأولى : سيارات فارهة, فيلات مطلة على البحر, مطاعم و فنادق يعتبرون سادتها الذين لا ينازعهم فيها أحد. يعيشون في عالم آخر, هناك عالمين. و لكن عالمين لا يبغيين, لا يشاهد أحدهما الآخر.. الأمر مدهش حقا. الأغنياء لا يتحدثون إلا الفرنسية.. يعيشون و يتكلمون تماما كما كان المعمرون الفرنسيون يفعلون قبل الإستقلال: أفراد الشعب, يطلق عليهم هؤلاء “البونيول” !

نفس الصدى نجده عند الصحفي سيد أحمد سميان حين تحدث عن نادي الصنوبر سنة 2005, هذه الإقامة الشاسعة الفائقة التأمين و الواقعة على بعد 20 كيلومترا غرب الجزائر العاصمة, حيث تقطن طائفة كبيرة مما يسمى النخبة منذ سنة 1990 : “إنه حصن, قلعة منيعة تنقطع فيها “النومونكلاتورا” , وتبعد نفسها نهائيا عن حقيقة مجتمع تجهل عنه كل شيئ. إنها أيضا الغرفة الأمامية للسلطة. ثكنة فاخرة ترسم فيها مخططات المعركة. الحجرة الخلفية للمؤامرات السياسية. دولة موازية. منطقة حرة. رمز لإنحطاط الجزائر بعد الإستقلال. إمارة تحت حكم ذاتي. مستعمرة توسعية…

“نادي الصنوبر هو في الأصل شاطئ جميل و وديع, محاط بغابة رائعة من الصنوبر البحري جعلت منه فرنسا مكانا لإستجمام الطبقة البورجوازية الإستعمارية. سمح نادي الصنوبر للمعمرين من الإستمتاع بمناخ جنوبي و الإستلقاء تحت خيوط الشمس, دون الشعور بوجود شعب يحترق غضبا في الطرف الآخر, و دون أن يعرفوا أن هذا الإحتراق لم تكن الشمس سببه, بل إحتقاره الكبير لهم. نصف قرن بعد ذلك, هجرت فرنسا المكان و لكن “معمرين” آخرين إحتلوها, منذ الإستقلال. إحتقار آخر بسط أجنحته و أعاد صنع نفس عجرفة من سبقوا في تقليد كاد يضاهي الأصل. و لم يغادر الغضب صدور السكان الأصليين “البونيول”( كما يسمي سكان إمارة نادي الصنوبر سكان الجزائر الحقيقية). فمازال هذا الغضب لم يفتر, بل إنه اليوم أقوى من أي وقت مضى.

نظام إستعماري في نهاية عمره

غضب للأسف لا يجد من متنفس إلا القيام بأعمال شغب لا تصب في أي مجرى سياسي, من أجل السكن, العمل, ضد الحقرة (الظلم).. منذ سنة 2002 تنتشر مظاهر الشغب في في كامل البلد, و منذ 2010 أصبحت أشد عنفا و أكثر عددا, ترافقها أعمال تخريب للمؤسسات العمومية (المدارس, المستشفيات, أقسام الشرطة…) أو صدامات مسلحة بين عصابات متناحرة, تصل أحيانا إلى حد إراقة الدماء كما حدث في غرداية شهري ديسمبر 2013 و جانفي 2014 أو في قسنطينة و تيبازة في شهر جانفي الفارط.

وحدهما القمع و إعادة توزيع الريع من طرف “آخر الأقدام السوداء” الذين يسيرون الجزائر حاليا, هما من يمنعان هذه الفوضى الإجتماعية المذهلة من أن تتطور نحو صوملة البلد. لأن “النظام” هو حقا في آخر عمره: القادة العسكريون و المدنيون “الجانفيون نسبة إلى إنقلاب شهر جانفي 1992 ) يموتون الواحد بعد الآخر في أسرتهم. غير محاسبين على جرائمهم, و دون أن يستطيعوا تحقيق الإستقرار الدائم للنظام المافياوي القائم على الفساد و الثراء الذي صنعوه منذ سنة 1980 لكي يستطيعوا توريث مقاليد الحكم لأبنائهم. (و بالمناسبة فإن عددا لا يستهان به من هؤلاء الأبناء اختاروا العيش بعيدا عن الجزائر لكي ينعموا في هدوء بالثروات الطائلة التي جمعها آباؤهم )

ليس فقط الدولة الجزائرية لم تعد موجودة إلا كهيكل لإدارة لم تبقى منها إلا الأطلال و لم تعد تحقق النفع المرجو من وجودها(إلا فيما يخص قوات القمع ) و لكن المسيرين لم يعودوا قادرين على تنظيم عملية ترميمية للواجهة الشبه ديمقراطية بتغيير رئيس “دمية” بقي في منصبه مدة 14 سنة. وهو منذ سنوات في حالة غيبوبة أو يكاد. (ثلاثة أشهر قبل الإنتخابات الرئاسية المقررة في 17 أفريل 2014, يجهل السكان الأصليون (الآنديجان) كل شيئ عن المترشحين لهذه الإنتخابات التي ستكون مزورة لا محالة, على صورة (إنتخابات ناجيلان) سنة 1948 و جل إنتخابات الجزائر المستقلة التي كانت الإنتخابات المذكورة مصدر إلهام لها.

ولكن, و في التصريح المدهش لسماعين الصغير الذي أسر به إلى نيكولا بو , الشيئ الأكثر دلالة هو حقا تأكيده الذي يعرفنابالعقلية السائدة عند المقررين الحاليين و الذين تعاقبوا على التواطؤ معهم منذ سنوات 1980, أنهم آخر الأقدام السوداء. مع هذا الشرح: (نحن ندافع عن قيم مجتمع لا تحظى برضا الأكثرية. أصدقاؤنا الفرنسيون عليهم أن يتركونا نتحرك, لأننا نعرف أكثر من غيرنا كيف يفكر الإسلاميون)
إنها فعلا المرة الأولى التي يتحدث فيها هكذا بكل صراحة, وليس في الخفاء كالعادة , شخص نافذ في هرم الدي ار اس لعب علاوة على ذلك, دورا هاما في القلب من شبكة الفساد الفرنسية-الجزائرية, إلى صحفي فرنسي عن مشاعره و مشاعر أمثاله الفياضة نحو القوة الإستعمارية القديمة.
رسالة مزدوجة (مشفرة طبعا) إلى “أصدقائنا الفرنسيين”

الرسالة التي أراد إيصالها إلى باريس مزدوجة.
فمن جهة, هو يظهر لهم تذمر “المقررين” من عدم إشراكهم بما يكفي في المتابعة الدولية للأزمة في مالي, وكذلك بعض الإنزعاج من عدم وجود قنوات كثيرة للإتصال من الجانب الفرنسي كما كان عليه الحال في سنوات (1980 إلى 1990) أجمل السنوات التي عرفتها الشراكة (الإيديولوجية, السياسية, المالية, و التعاون على الفساد) على أعلى مستويات ال”فرانس آلجيري”, و تشهد على ذلك أيضا اللهجة المعادية لفرنسا التي تجدها في بعض مواقع الإنترنت التي أنشئت حديثا و المعروفة بقربها من الدي ار اس.

و أكثر ينيوية, الرسالة الموجهة إلى “أصدقائنا الفرنسيين” من طرف قادة جهاز الدي ار اس , و التي تعني في جوهرها: ” نحن في خندق واحد معكم, خندق الرسالة الحضارية التي حملها الإستعمار الفرنسي, الرسالة التقدمية للمعمرين الذين كنتم ولازلتم تحملونها إلى بلدنا. بأشكال أخرى, ولكن بالنسبة للسكان الأصليين “آنديجان” فأتركونا ندير شؤونهم, فنحن نحتل الموقع الأفضل و نعتبر أكثر كفاءة منكم في هذا الشأن”
هو خطاب موروث مباشرة من الخلفاء, والباشاغوات, و الآغات, الذين كانوا يساعدون الضباط الفرنسيين ضمن “المكاتب العربية” والتي أنشئت مبكرا منذ 1844 و كان دورها حفظ النظام و الإدارة في الجزائر الإستعمارية في القرن التاسع عشر- و التي تطورت فيما بعد إلى أشكال أخرى حتى سنوات حرب التحرير.

هذا التجدر لتقليد التعاون مع المحتل عميق جدا في طريقة عمل الكثير من المسؤولين في الجزائر المستقلة, خاصة بعد وفاة هواري بومدين سنة 1978. و يشهد على ذلك , من بين تصريحات عديدة تشبهه, تصريح سيد أحمد غزالي, مهندس سابق, تكون في المدرسة الوطنية للجسور و الطرق في باريس , و رئيس سوناطراك من 66 إلى 77, ثم وزير في قطاعات عديدة , وأخيرا رئيس حكومة (جوان 1991 – جويلية 1992) : “لم أنتمي أبدا إلى النظام. أنا وآخرون لم نأخذ أبدا أي قرار. أقول اليوم, أننا كنا نوعا ما “حركيو النظام”. خدمناه. بنية صادقة, لأننا كنا نظن انفسنا في خدمة الدولة, في خدمة دولة معينة. لم نفهم أننا لم نكن سوى أدواته. النظام إذن ليس هو ما نرى و ما نعتقد أننا نعرف عنه. إنه يوظف الجميع, و قد وظفنا نحن أيضا”

هذا النقذ اللاذع يحمل في طياته كذب إدعاء العفة التي يحاول صاحب التصريح أن يضفيها عليه. و لا فائدة من الوقوف مطولا عند التنازلات المقدمة لقادة الدي ار اس مثلما فعل ويفعل كثير من التقنوقراط مثله. لكن ما يهمنا هنا هو الوصف الذي أطلقه على نفسه “حركي النظام” فغزالي هنا يؤكد تطابق نظام الجنرالات مع نظام “الحكام العامين” الفرنسيين أثناء الفترة الإستعمارية.

في ظل هذا الوضع, فإن ظهور الإعترافات غير المتحفظة ل”سماعين الصغير” حتى لو أراد أن يظهر بصورة الشاجب (بكثير من النفاق) لعودة الكبت الإستعماري, وهي عبارة ساهمت في إنتشارها وسائل الإعلام الجزائرية (التابعة للدي ار اس) تظهر كما لو كانت إنذارا خافتا: فرنسا الرئيس “الإشتراكي-الديمقراطي” فرانسوا هولاند, الوارث الحزين لسابقه غي مولي (1905 -1975) أحد أكثر المدافعين عن الجزائر الفرنسية, لم يقطع بعد صلته بتاريخ يسسم بنفس الدرجة المجتمعين الفرنسي و الجزائري, كما أظهر ذلك المؤرخ الفرنسي بنيامين سطورا سنة 1991 و الذي أصبح منذ ذلك الوقت مستشارا لهذا الرئيس الجبان والإنتهازي للشؤون الجزائرية (مستشار بارد, أو مستشار لا يستمع إليه؟)

ترجمة هشام بلحسين.

https://algeria-watch.org/?p=65560
المصدر الأصلي: Francois Geze
mondafrique.com/lire/politique/2014/01/25/le-terrible-aveu-dun-dirigeant-algerien-nous-sommes-les-derniers-pieds-noir

Comments (2)
Add Comment
  • karim

    Ca fait vraiment mal au coeur,entre nous frère arbi zitout,qu’attendent les hommes libre de l’interieur et de l’exterieur de ce pays d’introduire une liste de tout les noms de ces criminels sanguinaire et les traduire en justice international pour crime contre l’humanité ,c’est pas les preuves qui manque
    merçi si ARBI pour cette article,j’ai vraiment la haine
    WKILHOM RABI INCHALLAH

  • محمد

    و ماذا ننتظر بعد كل هذا و ذاك . ألم يان الآن للشعب الحر و للأحرار و الحرات أن يسترجعوا ما أخذ منهم بالغدر و الخيانة ؟
    ألم يان الآن لكل من لديه غيرة عن الوطن الأصل و من يكن حبا للوطن الأصل أن يتحرك ؟
    أين الشعب ابن الجزائر ؟ إلى أين هم ذاهبون ؟
    هل هذا الشعب ينتظر حتى تكون الدماء فطوره و غدائه و عشائه و كل لحظاته ؟
    هل هذا الشعب ناكر لوطنه و أصله و للأحرار و الشهداء ؟
    آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا قلبي و يا قلوب الأحرار كيف عساكم تصبرون و تتحملون ؟