التطورات السياسية في تونس مع محمد العربي زيتوت و الطيب غيلوفي، ومتدخلين آخرين من تونس والجزائر.
أخطر ما يحدث في تونس، ليس فقط عودة عناصر النظام بن علي العائدة من الأبواب المشرعة بعد أن هربت من النوافذ، ولكن تصوير هذه العودة على أنها “رغبة شعبية عبرت عنها إنتخابات حرة”.
والحقيقة غير ذلك تماما، فهي عودة بدعم الأنظمة الطغيانية وعلى رأسها عصابات الجزائر والسعودية والإمارات بتعاون وثيق مع الإستعمار، القديم ممثلا في فرنسا، والجديد ممثلا في أمريكا أساسا.
ثم أن الإعلام البنفسجي ظل هناك، يكذب ويكذب ويكذب…حتى صدقه بعض البسطاء، فإذا أضفنا، عجزا نسبيا لدي الذين إستلموا الحكومة عن فهم طبيعة الصراع، ناهيك عما قامت به القوى الإستئصالية من تعطيل للحياة عبر التخويف والإضرابات والعصيان، تكون الصورة قد إكتملت، خاصة وأنها زُينت ببعض الأعمال “الإرهابية”، التي تركزت في الشمال الغربي أساسا حيث حدود النظام الذي خنق الجزائر وعبث بها أيما عبث.
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته:
أخي محمد العربي,
شر البلية ما يضحك……. و الله لقد ضحكت من قلبي عندما سمعت كل ما قيل عن زيارة “البجبوج” إلى الجزائر و ما سيحدث من تشاورات و تحاورات على أعلى مستوى…خصوصا بين الرئيسين …. و هنا حضرتني واقعة عشتها: في يوم ذهبت أمي (الله يرحمها) لعيادة إحدى قريباتها و ظللت في البيت بصحبة ابنة خالتي….. بعد ساعة حضرت عمة أبي (الله يرحمها) فكان حتما علينا أن نجالسها و نكلمها لحين عودة أمي….. حاولنا و لكنها كانت تبدو متضايقة أو ربما غير معنية بما نقول….. حاولت كل شيء لضيافتها و تسليتها دون جدوى …. و لحسن الحظ جاءت جدتي للزيارة كذلك …. و هات يا كلام بينهما…… كل واحدة تحكي للثانية عن الألم الذي يلمها كل يوم عند الإستيقاظ و عن وجع الظهر الذي لا يكاد يفارقها و عن كم حبة دواء في اليوم و عن آخرزيارة للطبييب… و….و……
و هنا استدارت ابنة خالتي و سألتي: “أتظنين يا ليلى أننا سنصبح نتكلم مثلهما عندما نكبر؟”….. لم يخطر السؤال على بالي قط من قبل و لهذا أجبتها : “لا …. لا أظن…. فهما كبيرتان في السن و مريضتان…” فقالت ابنة خالتي: “نحن أيضا سنصبح كبيرتان في السن و مريضتان”!!! ….نعم…… فهذه هي سنة الحياة……. فلكل فترة زمنية من عمر الإنسان صفة مميزة تجعله يتأقلم مع قدراته الجسمية و الذهنية….. فالأطفال يتميزون باللعب و الحركة و سرعة التعلم …… لأن أجسادهم في قوة و نمو….. و الشباب يتميزون بالأحلام و الطموحات و التحدي…. لأن هذا هو سن الأحاسيس الفياضة و اكتشاف الذات لصقلها و تهيئتها للمستقبل….. ثم تأتي الكهولة تلك السن التي تتبلور فيها كل ما تعلمه الإنسان…. ففي هذه السن يتبين العالم من الجاهل و النابل من الحابل…… في هذه السن يكون الإنسان أكثر اتزانا , يتحمل مسؤولياته , يحلل الأشياء قبل أخذ القرارات و يبحث عن الإستقرار في محيطه و بلده و…..و….و….و قد لخص المولى تعالى هذه المرحلة في كتابه الكريم : ” ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾…..
.و أخيرا يأتي “كبر السن” أو العجز أو الشيخوخة أو كما قال المولى تبارك و تعالى: ” وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً “…… في هذه السن تجد الإنسان راكنا أكثر إلى الهدوء…. يطيل التأمل …. يطيل التفكير….. يتكلم عن الماضي … يتكلم عن الزمن الذي ولى …. و عن المرض الذي أتى…. و قلة هم الذين يظلون ناشطون …. شفا الله الجميع و أماتنا على طاعته و أكرمنا بحسن الخاتمة…. آمين….
و هذه المقدمة الطويلة العريضة لأثبت لكم أن كل ما يدور بين الرئيس المريض بوتفليقة ,إذا ما كانت له القدرة على الكلام و بين الرئيس السبسي إذا عرف كيف يتحكم في “طاقم أسنانه”, سوف يكون عن المرض و الأدوية ……..و صدق من قال “شر البلية ما يضحك”….. عجوزين من القرون الغابرة (مع احترامي لكل شيخ و عجوز) يتحكمان في مصير شعبين أكثر من نصف تعدادهما شباب …..
أخي محمد العربي:
لقد حسبت لك نقطة لصالحك في تدخلك هذا… فبمجرد أن انتهيت من التأكيد على أن “نغمة” الحرب ضد الإرهاب هي التي ستعزف سمفونيتها من الآن فصاعدا في تونس و إذا بذلك المسمى أحمد ونيس ( من فصيلة الموالين للحكام ) يؤكد صحة كلامك و تنبؤاتك و يذهب إلى أبعد من هذا فيكذب علنا على الملأ و على المباشر حين يدعي أن بوتفليقة كان في تونس …… فكل شيء يهون في سبيل الأمن و الآمان حتى القيم و الأخلاق…… و كل سلاح مقبول في محاربة الإرهاب حتى الكذب و النقاق…….
و لكن “من يرهب من”؟؟؟!!!
فأوباما ضد الإرهاب و لكنه يأمر بقصف الأبرياء ….. و نتنياهو ضد الإرهاب و لكنه يرعب الأطفال و النساء …… و بشار ضد الإرهاب و لكنه يرمي البراميل على الرجال و الإماء …… و كل حكام العرب و المسلمين ….. حتى تلك الدولة التي قالت أن قوامها الإسلام و منهجها الشريعة فإذا هي تقتل و تذبح و ترعب و ترهب……. و كأن العالم أصبح في سباق و منافسة : من يقوم بأبشع إرهاب و أفظع رعب ….. و كأننا أصبحنا نعيش في عالم يستمد قوته من الدم مثل “الدراكولا”….. فالكل يعتدي و يزهق الأرواح و يسيل الدماء ببرودة أعصاب ثم يدعي أنه على حق و أن ما يقوم بهذا إلا لإرساء السلام و إفشاء الوئام و بعث الأمن و الأمان و ذلك باسم الحرية و الديموقراطية…..باسم الدين و التمدن …… و لبناء الحضارة الإنسانية بقتل الإنسان و قهره من أجل مصالحهم……
و للقصة بقية ما دامت أنهار الدماء تسيل مددا ليكتب بها التاريخ مهزلة حكام بلادي …….