قبل ثلاثة أعوام وبالضّبط فجر الأربعاء 21 مارس حاصرت قوات ما يسمّى مكافحة الإرهاب الفرنسيّة، شقّة في مدينة تولوز لثلاثين ساعة، قبل أن تقتل محمّد مرّاح ذي 23 عاما، وهو فرنسيّ مسلم من أصل جزائري.
حبست فرنسا أنفاسها، ومن ورائها الكثيرون في العالم الذين كانوا يتابعون الأحداث عبر فضائيّات عالميّة، كانت تنقل على المباشر، آخر لحظات من حياة “الجهادي الإرهابي، المرتبط بالقاعدة، الذي ركًع فرنسا”، كما وصفه الإعلام الفرنسي…
بل “أرعب العالم أجمع بعد أن قتل ثلاثة أطفال يهود بدم بارد ذنبهم أنّهم يهود”.
كان من قبل ذلك، قد قتل على- تفرّق- ثلاثة عسكريّين فرنسيّين، إثنين من أصل جزائري والثّالث مغربيّ الأصل، ناهيك عن جراح خطيرة أصابت رابعا من أصل إفريقي.
كان محمّد مرّاح، الإسلامي القاتل على وصف الإعلام العالمي، “يقتل باحترافيّة شديدة بمسدس عن قرب، وفي يده الثّانية كاميرا لتصوير العمليّة وهو يمتطى درّاجة ناريّة…”.
وقد بدأ أوّل عمليّة يوم 11 مارس بقتل العسكري ذي الأصل المغربي.
لمدّة عشرة أيام بلياليها، ساد رعب عظيم في فرنسا كلّها وبشكل خاصّ في مدينة تولوز، حيث يقتنص،”إسلامي جهادي يكره الغرب واليهود”، ضحاياه.
في الأثناء وخاصة بعد مقتل الأطفال اليهود، ملأت تصريحات رجال السّياسة ومشاهير الفنّ… الجوّ صخبا واستنكارا وتنديدا، “بإرهاب إسلاميّ يقتل البراءة في كلّ مكان”.
وتنافس الرّئيس ساركوزي ومنافسه فرانسوا هولاند على منصب الرّئاسة في تلك الأثناء، على من يزايد على الآخر في إدانة، “وحش قاتل مرتبط بالجهاد العالمي وقد أرعب، فرنسا، قلب الحضارة وحقوق الإنسان…”، وتسابقا كلاهما على زيارة أسر الأطفال اليهود وقادة الجالية اليهوديّة مستنكرين “اللاّساميّة ومعادة اليهود” وقال ساركوزي إنّها “مأساة وطنيّة”.
علّق المرشّحون الرّئيسيّون للانتخابات الرّئاسيّة حملتهم الانتخابيّة ونكّست الأعلام في فرنسا ووقفت البلاد كلّها دقيقة صمت.
وتبارى المحلّلون والإعلاميّون و”الخبراء في الإرهاب و الإسلام”… على القنوات وفي الإذاعات والمنشورات… في تفسير “ظاهرة الإرهاب الإسلامي التي أصبحت تطال العالم أجمع…” و”مجانين الله الذين يهدّدون البشريّة قاطبة”.
وحسب وكالة الأنباء الفرنسيّة، فقد “تبنّت مجموعة تابعة لتنظيم “القاعدة” الهجمات التي نفّذها فرنسي جزائري الأصل في جنوب غربي فرنسا واسفرت عن مقتل سبعة اشخاص بينهم ثلاثة عسكريّين وثلاثة اطفال يهود، وذلك في بيان نشر على الانترنت.وقال البيان الذي يحمل توقيع “سريّة طارق بن زياد كتيبة جند الخلافة”. انّه “في يوم الثلاثاء 19 آذار (مارس) انطلق احد فرسان الاسلام اخونا +يوسف الفرنسي+ (…) في عمليّة هزّت اركان الصهيو صليبة في العالم كلّه”.واضاف البيان الذي تمّ بثّه على موقع “شامخ” الذي يبثّ عادة بيانات تنظيم (القاعدة) “نحن نعلن مسؤوليتنا عن هذه العمليّات المباركة”.
من جهته قال محامي محمّد مرّاح عن موكله بعد أن قتل،”إنّه يدّعي أنّه جهاديّ ويقول إنّه ينتمي إلى تنظيم القاعدة…لقد قال إنّه يريد الانتقام لأطفال فلسطين والانتقام من الجيش الفرنسي بسبب التدخّلات الخارجيّة.” وأضاف،”لقد ذهب إلى باكستان وأفغانستان قبل عامين واتّخذ منهج التطرّف فجأة، يبدو أنه أراد أن تكون له مشاركة سياسيّة”.
اعتقلت كلّ أسرة محمّد مرّاح بما فيها والدته وآخرين من جيرانه وأصدقائه، وحتّى بعض ممّن تحدّث معهم يوما عند باب المسجد، الذي كان قد بدأ يرتاده أشهرا فقط قبل ذلك، بعد أن “ترك” الرّقص وموسيقى الرّاب.
أحرقت مساجد عدّة، وتعرّض مئات المسلمين لاعتداءات عنصريّة، وسادت حالة من الخوف في اوساط أكثر من 6 ملايين مسلما من سكّان فرنسا، والذين راح أكثرهم يحاول أن يبرّر “أنّ الإسلام بريء من هذه الأعمال الاجراميّة”.
وتهاطلت رسائل التّعزية من زعماء المسلمين في فرنسا على أسر اليهود القتلى… ورسائل مواساة من حكّام عرب على قادة فرنسا…”في مصابها الجلل وخطبها العظيم”
وذهب بعض “المسلمين” داخل فرنسا وخارجها، وبتشجيع هائل من الإعلام الفرنسيّ إلى التهجّم الشّديد على “الدّين الإرهابيّ الذي يأمر أتباعه بقتل الأبرياء”.
بعد عام على “جرائم تولوز الإرهابيّة”، قال وزير الدّاخليّة الفرنسيّ مانويل فاز، الذي يرأس حكومة فرنسا اليوم، إنّ “فرضيّة الذّئب المتوحّد الشّهيرة لا تنطبق على مرّاح”.
وما زالت لحدّ اليوم تحليلات “الخبراء” الفرنسيّين تبحث في خلفيّات “القاتل والتطرّف والإرهاب والإسلام…”
محمّد العربي زيتوت