سقوط “صانع رؤساء الجزائر”- تمهيدا لمرحلة ما بعد بوتفليقة؟

لا حديث في الجزائر حاليا سوى عن خبر إحالة الرّجل القويّ- الجنرال توفيق -على  التّقاعد ،قرار وإن تمّ التّمهيد له عبر سلسلة قرارات سابقة أعفت شخصيات كبيرة في جهاز المخابرات إلاّ أنّ إسقاط “الرّجل الأسطورة” هزّ الدّاخل الجزائري.

قد يكون رئيس المخابرات الجزائريّة المقال – محمّد مدين المعروف بـ”الجنرال توفيق” – الشّخصيّة العسكريّة الوحيدة التي لا يعرف الجزائريّون شكلها؛ إذ لم يعثر له سوى على صور معدودة وغير واضحة تماما. لكنّ الجزائريّين يعلمون حجم النّفوذ الذي كان يحظى به مدين لدرجة أنّ فئة كبيرة منهم كانت تعتبره أقوى رجل في الدّولة، وهذا ما جعله يلقّب بـ”الرّجل الأسطورة”، إلى أن جاء خبر إحالته على التّقاعد أمس (الأحد 13 سبتمبر/ أيلول)، بقرار من الرّئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة.
إقالة رئيس المخابرات الجزائريّة قرار اعتبره بعض المراقبين حلقة أخيرة من حلقات صراع الأجنحة الذي تخوضه منذ سنوات القوى المتحكّمة في الجزائر، كما يقول محمّد العربي زيتوت. ويضيف الدّبلوماسيّ الجزائريّ السّابق والعضو المؤسّس في حركة رشاد المعارضة في حوار أجرته معه DWعربية: “الذي يحصل الآن في الجزائر هو صدام متصاعد بين الأجنحة، وهو ليس بجديد. وقد بدأت آخر فصوله سنة 2010 وتجدّد في 2013، حيث أُسقط عدد من الجنرالات والشّخصيات المقرّبة من توفيق كما تمّ تقليص صلاحيات هذا الأخير.”

الدّعم الفرنسي الأميركي وإسقاط مدين
وفي اعتقاد العربي زيتوت فإنّ الصّراع على السّلطة في الجزائر تقوده ثلاثة أجنحة هي قيادة أركان الجيش، والرّئاسة والمخابرات: “عندما يكون الرّئيس قويّا فإنّه يُخضِع المخابرات وقيادة الأركان وهذا ما حدث مع الرئيس الأسبق هواري بومدين. وعندما تتحالف المخابرات وأركان القيادة يخضع لها الرئيس. أما حاليا فقيادة الأركان هي الطرف الأقوى.

إلى أيّ حدّ سيخلط اعفاء توفيق الأوراق السّياسيّة في الجزائر في ظلّ التّحدّيات التي تواجهها البلاد؟

لكن كان هناك اعتقاد سائد بشكل كبير في الجزائر بأنّ محمّد مدين كرئيس للمخابرات، هو الحاكم الحقيقيّ للجزائر، فما الذي حصل حتّى يتمّ اختيار هذا التوقيت لإبعاده من قيادة واحدة من أقوى المؤسّسات في البلد؟
عن أسباب اختيار توقيت إقالة مدين يقول زيتوت: “أوّلا هناك نوع من الدّعم من قِبل فرنسا والولايات المتّحدة لقيادة الأركان  وهو مهمّ، فقد أعطى الضّوء الأخضر لإسقاط جنرالات داخل الرّئاسة ،منهم قائد الحرس الجمهوري وهو ما مهّد الطّريق بالتّالي للإطاحة بتوفيق خاصّة وأنّ الضّربات التي تلقّاها مؤخّرا كسرت هيبته التي كانت قريبة إلى الأسطورة وتحديدا بعد تصريحات سعداني التي كانت بإيعاز من بوتفليقة بينما بقي توفيق متخفّيا وساكتا.”
أمّا سعداني؛ فهو الأمين العامّ لحزب جبهة التّحرير الوطني الحاكم، عمّار سعداني، الذي خرج إلى الاعلام في فبراير/ شباط من العام الماضي وهاجم رئيس المخابرات وقتها محمّد مدين وطالبه بالاستقالة واتّهمه بالتّقصير في مهام حماية البلد. وحينها زلزلت تصريحات سعداني الجزائر؛ فقد كانت  المرّة الأولى التي يتجرّأ فيها أحد على انتقاد الرّجل الذي كان يلقّب في الشّارع الجزائريّ بـ”ربّ الجزائر” استنادا إلى مقولة منسوبة إلى مدين نفسه.

تخطيط لمرحلة ما بعد بوتفليقة؟
من جانبه يرى رشيد أوعيسى أستاذ العلوم السّياسيّة في جامعة هامبورغ بألمانيا أنّ إعفاء مدين من رئاسة المخابرات هو نتيجة سلسلة مشاكل ومنافسة بين الأجنحة السّياسيّة الجزائريّة؛ “لكن لا يمكن ربط الإطاحة بهذا الرّجل النّافذ ببداية تحوّل ديمقراطيّ أو ما شابه ،لأنّ الأمر كلّه مجرّد صراع حول السّلطة داخل الجزائر وهنا يتعلّق الأمر بمحاولات جناح بوتفليقة إخضاع جهاز المخابرات له.”

زيتوت: إعفاء الجنرال توفيق هو الحلقة الأخيرة من صراع الأجنحة في الجزائر.

ورغم ذلك يستغرب الخبير الجزائريّ من اتّخاذ قرار  إعفاء لجنرالٍ بهذا الحجم في وقت تعيش فيه الجزائر صعوبات أبرزها الأزمة الاقتصاديّة القادمة “لكن من الواضح أنّ النّظام حاليا يفكّر ويخطّط لمرحلة ما بعد بوتفليقة ويبعد خصومه ليخلو له الجوّ من أجل اختيار رئيس مقبل للبلاد بسهولة”، يقول أوعيسى في تصريحات لـ DWعربية.

بيان رئاسة الجمهوريّة الجزائريّة تحدّث عن إحالة مدين على التّقاعد لكنّ مصدرا أمنيّا رفيعا صرّح لوكالة فرانس برس بأنّ مدين كان قد قدّم استقالته منذ عشرة أيام على الأٌقل. وعلّق مدير ديوان رئاسة الجمهوريّة أحمد أويحيى على القرار بالقول: إنّه يندرج ضمن “تغييرات عادية تطلّبتها مرحلة ما بعد الإرهاب.”
عثمان طرطاق المدعو “بشير”، والذي شغل منصب المستشار الأمنيّ للرّئيس بوتفليقة وكان قبلها مديرا للأمن الدّاخلي بالمخابرات، هو الوجه الذي اختير ليخلف محمّد مدين. خيار عزّز التّساؤلات حول مغزى هذه الخطوة؛ فطرطاق ليس سوى تلميذ مدين وأحد أكثر المقرّبين منه. لكنّ زيتوت يفسّر ذلك قائلا “طرطاق كان ضمن الجنرالات، الذين نشروا ملفّات فساد تورّط عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه السّعيد فيها . وأحاله بوتفليقة على التّقاعد ورحل إلى فرنسا حيث كان يعيش هناك وضعا حرجا أشبه باللاّجئ، وكان مصنّفا لدى منظّمات حقوقيّة على أنّه ممّن ارتكبوا أبشع الجرائم خلال الحرب الأهليّة في التّسعينات من القرن الماضي.” وتابع الدّبلوماسيّ الجزائريّ السّابق والعضو المؤسّس في حركة رشاد المعارضة: “حين حان وقت الاطاحة بتوفيق تمّ استقدامه لأنّه يملك معلومات كثيرة وملفّات حول مدين قدّمها لتُستخدم ضدّ مدين مقابل ألاّ يُسلّم للقضاء الدّولي إذا طلبه بسبب ما ارتكبه في الحرب.”
نهاية حقبة تاريخيّة؟
يبلغ الجنرال محمّد مدين من العمر 76 عاما وشغل منصب مدير المخابرات لمدّة 25 سنة شهدت خلالها الجزائر تعاقب أربعة رؤساء جمهوريّة على الحكم و12 رئيس حكومة. ولم يسبق لمدين أن ظهر في الإعلام أو أدلى بتصريح، ويُلقّب أيضا بآخر “الانقلابيّين” على الانتخابات التّشريعيّة التي فاز بها الاسلاميّون في بداية التّسعينات وهو ما جعل البعض يرى في رحيله نهاية حقبة من تاريخ الجزائر. لكنّ زيتوت لا يتّفق مع هذا الطّرح ويقول: “حقبة الانقلابيّين لن تتغيّر إلاّ بتغيير النّظام لأنّ الأخير في النّهاية نتيجة لذلك الانقلاب. قد نكون في بداية نهاية تلك الحقبة وليس نهايتها تماما.”
الاطاحة بمدين “صانع الرّؤساء” الجزائريّين، كما يصفه زيتوت، لن يغيّر الكثير في نظام سيبقى جوهره عسكريّا ومحرّكه صراع الأجنحة في داخله، بحيث يحاول كلّ جناح فرض نفوذه واختيار رئيس البلاد. ويقول الدّبلوماسيّ الجزائريّ السّابق إنّ الجنرالات ما زالوا يمسكون بزمام الأمور، بالإضافة إلى السّعيد بوتفليقة، شقيق الرّئيس، إلى جانب 15 مليارديرا جزائريّا صاروا يلعبون دورا كبيرا في صنع القرار. دون أن ننسى المستعمر القديم فرنسا.”
لكنّ أوروبا والغرب حسب ما يقول زيتوت “يخطئون بدعم جنرالات الدّول العربيّة باعتبارهم عناصر استقرار في المنطقة، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في سوريا ومصر. لكنّ مصالح الغرب ترى في الجزائر قبل كلّ شيء بلدا غنيّا بالطّاقة وعامل حماية من المهاجرين الأفارقة وشريكا فيما يسمّيه الغرب بمكافحة الإرهاب.”

المصدر: صوت ألمانيا

Comments (1)
Add Comment
  • عبد الكريم

    .L’indigénat existe toujours . Nous vivons une période de post colonialisme
    La définition d’une armée républicaine est qu’elle n’a pas de religion . Les musulmans , par le passé ont servi dans l’armée romaine uniquement pour de l’argent., mais en aucun cas par croyance
    Merci.