تتمّة الجزء الأوّل: الصّراع على السّلطة في الجزائر:تاريخه وخلفيّاته 1/2
سرعان ما انضمّ للهجوم، بارونات الصّحافة الفركوفونيّة الصّادرة في الجزائر، و التي كثيرا ما تساهم في رفع وتيرة الصّراع وتضبط إيقاعاته كطبّال في فرقة موسيقيّة مبتدئة.
في ذات الوقت كان وزير الدّفاع الأسبق نزّار يصدر كتابا هاجم فيه مسيرة “الرّئيس”بوتفليقة، وكان الفريق العمّاري قد “أقنع” رئيس وزراء بوتفليقة، علي بن فليس، من أنّه هو وأصحاب القرار الآخرين قد وقع اختيارهم عليه، فاستعدّ بن فليس للرّئاسة بالاستقالة من رئاسة الحكومة بعد أن عاد من زيارة باريس حيث فُرش له البساط الأحمر كرئيس للجمهوريّة الجزائريّة القادم.
لكن كان ل”ربّ الدزاير”، الجنرال محمد مدين رأي آخر، فقد سئم من الفريق العمّاري الذي كان “بجهله وحمقه” كثيرا ما يفسد ما يقوم به بوتفليقة لصالح كبار العسكر، فكان قراره أن يساند “الرّئيس” بوتفليقة فيتخلّص من العمّاري الذي كان يربك السّلطة العسكريّة الخفيّة بخرجاته الإعلاميّة المدوّية التي تظهر الصّراع للعلن.
كان من نتائج ذلك أيضا أن يتخلّص من قيادة الأركان باعتبارها الشّريك الثّالث والأكبر في السّلطة….كان توفيق يريد إعادة بناء السّلطة بحيث تكون كما بدأت في 62، مدنيّة الشّكل عسكريّة المضمون، وأن يكون هو الرّأس الكبرى للعسكر فيها.
في رئاسيات أبريل 2004 كان له ذلك، فقد أعطت الإدارة المدنيّة التي يشرف عليها وزير الدّاخليّة، الرّئيس الأسبق للمخابرات، يزيد زرهوني، أكثر من 85 بالمائة من الأصوات للرّئيس بوتفليقة بمباركة رجال توفيق الذين يملأون الإدارات الجزائريّة رغبا ورهبا.
في حين أنّ مرشّح قائد الأركان، علي بن فليس، سُحق سحقا حيث لم تتعدّ نسبته – الأصوات التي أعطيت له – 7 بالمائة. ..كان من آثار تلك الهزيمة المدوّية أن أطيح بالفريق العمّاري، وليتحقّق لبوتفليقة وتوفيق ما أرادا ، وهو تقاسم السّلطة بلا ثالث بينهما.
لم يدم ذاك طويلا فقد ألمّت الأمراض بالرّئيس من مرض الكلى المزمن الذي كان يعاني منه حتّى قبل ترئيسه، إلى سرطان في المعدة مرورا بأمراض أخرى مرتبطة بزمن – السّيجار والويسكي- أي الزّمن الذي كانت فيه”الجزائر مكّة الثوّار” و”قبلة الأحرار”، كان من نتائج ذلك أنّ الشّقيق الأصغر للرّئيس وأكثرالأشقّاء الأربعة دهاء، التروتسكي النّقابي، سعيد بوتفيلقة يصبح هو الرّئيس الفعلي تدريجيا، وهو الذي تفنّن في سنين الجامعة في آواخر السبعينات كيف يكون شيوعيّا في النّهار ورأسماليّا في اللّيل.
على الرّغم من أنّ هناك شائعات تقول- أنّ سعيد بوتفليقة كان هو أيضا ضحيّة لجرائم رجال توفيق في منتصف التّسعينات حين اعتقل وعذّب عذابا نُكرا، بُعيد اغتيال رئيس جامعة باب الزوّار أين كان يُدرّس -..غير أنّ ذلك ليس مؤكّدا، لكنّ المؤكّد أنّه كان يريد أن يظلّ شقيقه هو الرّئيس حتّى لو كان دستور 96 يحدّد عهدة الرّئيس في اثنتين لا ثالث لهما وكانت مهمّته هي إقناع الشّريك الأوّل محمّد مدين بذلك، خاصّة وأنّ قائد الأركان الجديد قايد صالح كان قد اختاره بوتفليقة بعناية بحيث يكون له سندا في صراع ضروس كان يتوقّعه.
كان اختيار أحمد قايد صالح قد تمّ بدهاء، ففي الوقت الذي كان الفريق محمّد العمّاري قد طلب في بداية 2004 احالة قائد القوّات البرّيّـة قايد صالح على التّقاعد، باعتباره قد “تجاوز السّتين بعدّة أعوام” ناهيك عن أنّه “خشين الرّأس وفاسد أخلاقيّا ّوماليّا”، في ذاك الوقت كان بوتفليقة يرتّب كي يخلف صالح العمّاري نفسه، كانت هناك كراهية متبادلة بين الجنرالين وكان بوتفليقة يعرف ذلك، وكان صالح كثيرا ما يجد نفسه بعيدا عن القرارات الهامّة، وكان يعرف أنّ السّبب في ذلك يعود إلى “أنّه من عسكر بغداد” أي ممّن تكوّنوا عسكريّا في المشرق، في حين أنّ أصحاب القرار كلّهم تقريبا، ضبّاط سابقون في الجيش الفرنسي.
بالنّسبة لبوتفليقة فإنّ قايد صالح يعلم أنّ العمّاري لا يريده ومع ذلك فقد أراه تقرير العمّاري الذي يقترح فيه تنحيته.
وهذا يعني أنّ بوتفليقة هو صاحب الفضل عليه، ضف إلى ذلك أن صالح سيعمل على التخلّص من كبار الجنرالات الذين كانوا يحيطون بالعمّاري في الأركان…
وقد فعل وبدأ بما يقارب العشرين جنرالا ابتداء من أوت 2004 وكان على رأس هؤلاء الجنرال فضيل الشّريف، والذي كان من أكثر الجنرالات دمويّة في التّسعينات، فقد ترأّس قوّات مكافحة الإرهاب لعدّة أعوام كما كان قائد النّاحية العسكريّة الأولى لسنوات…توفي فضيل الشّريف بعد ذلك بعامين أو ثلاثة، بعيدا عن أسرته، بعد أن أصيب بتهتّك كبديّ ناتج عن الخمر الذي كان يشربه بلا توقّف، ممّا جعله عنيفا حتّى مع أبنائه.
في حين توقّع الكثيرون أنّ بوتفليقة لن يذهب لحدّ تغيير الدّستور من أجل عهدة ثالثة، بعد أن بعث برسالة لكبار رؤوس الإدارة المجتمعين في جويلية 2008 ، قال فيها من “أنّهم ضلّوا الطّريق …وأنّ سياساته “كانت فاشلة”وأنّ “ما اعتقدنا أنّها الطّريق للجنّة لم تكن كذلك”…في نفس الوقت كان فريق من المقرّبين من سعيد في الرّئاسة يتّفقون مع مساعدي توفيق، على الصّيغة النّهائيّة للتّعديلات الدّستوريّة التي سيقرّها”البرلمان” في بداية نوفمبر2008 بالتّصفيق وقوفا بعد أن رُفعت أجور أعضائه ثلاثة أضعاف مرّة واحدة.
جرت انتخابات” ابريل 2009 وحصل بوتفليقة على أكثر من 90 بالمائة وهي نسبة أعلى من الانتخابات السّالفة، وجاءت لويزة حنّون ثانية بحوالي 4 بالمائة من الأصوات، بينما تقاسم “الأرانب” الأربعة الآخرين أقلّ من 5 بالمائة.
أيّام بعد ذلك خرجت تسريبات للصّحافة مفادها أنّ بوتفليقة يريد أن ينشئ وزارة كبرى يضع تحتها كافّة الأجهزة الأمنيّة ويضع على رأسها صديقه وزير الدّاخلية نورالدين يزيد زرهوني…وأنّ بلخادم سيرأس الحكومة القادمة…قوبل كلا الاقتراحين برفض الجنرال توفيق وكان ذلك بداية الصّراع مع الشّقيقين بوتفليقة
سيكبر الصّراع مع الأيّام و يتفجّر في بداية عام 2010 عندما بدأت الجرائد القريبة من المخابرات تنشر فضائح سونطراك الأولى، وما هي إلاّ أسابيع حتّى اغتيل أحد أكبر أعمدة المخابرات العقيد على تونسي، المدير العام للشّرطة، أحدث ذلك صدمة كبرى خاصّة وأنّ القاتل عقيد عسكريّ هو الآخر…توالت الفضائح تملأ الصّحافة وازدادت الضّغوط على بوتفليقة الذي خسر هذه الجولة من المعركة بعد أن اضطرّ أن يتخلّص من أكثر وزرائه قربا منه، نور الدين زرهوني وزير الدّاخليّة، عبد الحميد تمّار وزير الصّناعة والاستثمارات، وبشكل خاصّ شكيب خليل وزير الطّاقة والمناجم…ناهيك عن العشرات من كبار الموظّفين خاصّة في الدّاخلية والطّاقة. عملية بترٍ حقيقيّة لرجال بوتفليقة في أكثر الوزارت أهميّة.
في بداية 2013 كانت أحوال بوتفليقة الصّحيّة بدأت تزداد تردّيا، ولم يعد قادرا على مخاطبة شعبه فقد كان آخر خطاب له هو الذي اشتهر بعبارة “طاب جناني”، ولكن مع ذلك بدأ أنصاره يتحدّثون عن عهدة رابعة..
كان ذلك شيئا مزعجا بالنّسبة لكبار جنرالات المخابرات فالرّبيع العربيّ يعصف بالمنطقة وقد تهاوى بعض أكثر أنظمتها سطوة وقوّة…فكيف يعقل أن يذهب بوتفليقة لعهدة رابعة وقد تبدّى العجز عليه؟
كانت تلك مقامرة يجب أن يُوضع لها حدّ فعادت تسريبات الفساد تملأ الصّحف وتتناقلها الوسائط الاجتماعيّة التي بدأت في الانتشار آنذاك…
يتبع، الصّراع على السّلطة في الجزائر: الواقع والوقائع.
محمّد العربي زيتوت
متى تتقاعد يازيتوت وتريحنا من هذيانك الشعب مل منكم فكر في الدار الاخرة خلاص بركات