جمعة الشوارع الخالية.. السلمية تتجذر – نجيب بن حيمر


بشوارع خالية تثبت السلمية تجذرها كثورة في الوعي جاءت من أجل إنقاذ الجزائر الوطن والإنسان، وتحول التوقف عن التظاهر، وهو قرار المتظاهرين أولا وأخيرا، إلى إنجاز جديد يضاف إلى مكاسب السلمية كخيار استراتيجي واع ينخرط فيه الأكثر صبرا ووعيا وإبداعا في سبل النضال من أجل دولة القانون والحريات.
قبل أسبوع كان النقاش حول قرار وقف المسيرات يسيطر على أحاديث المتظاهرين والمناضلين الملتزمين بالثورة السلمية الذين لم يبرحوا الشارع منذ 22 فيفري 2019، وكان النقاش في حد ذاته إشارة إلى أن تجذر ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر هي من أهم المكتسبات التي تحققت بفضل السلمية، ولم يكن الإجماع سهل التحقيق لأسباب تتعلق بالخوف على انطفاء شعلة السلمية وبسبب الغموض الذي تسببت فيه الخيارات المترددة للسلطة التي لم تتخذ أي إجراءات عملية تتناسب مع خطورة الوضع، وهو ما شجع كثيرا من الجزائريين على الاستخفاف بالوضع والاستمرار في عاداتهم التي درجوا عليها في الظروف العادية، فقد قال عبد العزيز جراد في بحر الأسبوع إن الذين يريدون الخروج للتظاهر أحرار في ذلك وعليهم أن يلتزموا بإجراءات السلامة، وحتى خطاب عبد المجيد تبون يوم 17 مارس غلبت عليه لهجة التطمين وكانت خلاصته “الوضع تحت السيطرة”.
لم يمنع هذا التشويش على الصورة الحقيقية أبناء السلمية من فتح النقاش بكل مسؤولية حول خيار تعليق المسيرات، ولم تمنع الهجمات المركزة التي قامت بها الحكومة وإعلامها المنحاز ضد الحراك، في استغلال سياسي فاضح لأزمة صحية خطيرة، من أن يتركز النقاش على موضوع حماية المجتمع من خطر داهم لا يملك النظام الصحي أدوات مواجهته دون انخراط واع من جانب الجزائريين جميعا، وفي الغالب الأعم لم يتم التمييز بين الجزائريين على أساس موقفهم من الحراك أو السلطة أو الانتخابات، بل تم طرح الموضوع باعتباره قضية صحة عمومية تواجه أزمة عالمية غير مسبوقة.
إذا كانت الدعوات الأولى إلى تعليق المسيرات قد أعطت أصحابها فضل السبق والشجاعة فإن العمل الميداني الذي قام به الملتزمون بالسلمية هو الذي حول هذه الدعوة إلى موضوع نشاط ميداني شاهدناه من خلال النقاشات التي جرت قبل مسيرات الجمعة السادسة والخمسين وعلى هامشها، والعمل التحسيسي الذي قام به الطلاب في الثلاثاء الأخير عندما أصدروا بياناتهم عشية يوم مظاهرتهم الأسبوعية والتي دعت إلى تعليق المسيرات ولم يكتفوا بذلك بل نزلوا إلى الشوارع للتحسيس بخطورة الوضع وإقناع الأكثر تمسكا بالتظاهر بالتخلي عن هذا الخيار غير العقلاني، ولا يمكن لأحد إنكار الأثر الذي تركته تلك النقاشات التي استمرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في قلب كفة الرأي العام لصالح تعليق المسيرات وفي رسم صورة المدن الجزائرية وهي خالية تماما من المظاهرات في هذه الجمعة.
تخبرنا جمعة الشوارع الخالية بأن الثورة السلمية استطاعت بعبقريتها أن تتجاوز مسألة التمثيل، وأن تجعل كل فرد فيها صاحب رأي مؤثر، وقد أطاحت الخلافات في الموقف من مسألة تعليق المظاهرات بالأكاذيب التي تروجها السلطة وأتباعها والتي تزعم أن السلمية مختطفة من طرف أحزاب أو أشخاص في الداخل أو الخارج، بل وأثبتت أن غياب قيادة لا يمنع من الحوار والنقاش الحر والتوصل إلى توافق، ولنا أن نتخيل ماذا بوسع الجزائريين تقديمه من بدائل وحلول لبناء جزائر المستقبل لو توفرت لهم الحرية التي من أجلها قامت السلمية وستستمر، إن الإجابة عن هذه التكهنات تقدمها لنا إبداعات الشباب الذي قاد حملة توعية وتحسيس فاقت بكثير كل ما فعلته وسائل الإعلام العمومية والخاصة مجتمعة، وفي كل مدن
الجزائر ظهرت حملات تطوع للقيام بكل ما من شأنه المساهمة في وقف زحف الوباء.
لقد وضعت أزمة كورونا السلمية كمقابل للنظام، وأظهرت أن ما يجري في الجزائر حركة تاريخية لا يمكن تعطيلها بمجرد تعليق التظاهر الذي هو مكسب حققته السلمية بالوعي بعد أن فشل النظام في بلوغه بالتهديد والتضليل والقمع.
نجيب بن حيمر
20 مارس2020