ظنوا أنهم قد أسقطوا الشعب …. ظنوا أنهم نجوا….

397
في نهاية ديسمبر 91 وجد كِبار أقطاب النظام أنفسهم أمام مُعضلة حقيقية، فها هو الشعب يريد إسقاط النظام بالإنتخابات، بعدما أراد ذلك بالثورة الشعبية في أكتوبر 88. “إذن الجزائر لن تتحمل إلا أحدنا، فإما أن يَسقط النظام أو أن يَسقط الشعب”.و أُتُخِذ القرار ” لن نَسقُط، سنحافظ على السلطان و ليَسقُط الشعب “، فكانت الإعتقالات و التعذيب و الإغتيالات و القتل و السجون و المجازر … بعبارة واحدة، كانت الحرب ا

لقذرة في أبشع تجلياتها.لكن مع نهاية التسعينات، بدا واضحا أن استراتيجية الإستئصال الجسدي لم تنفع كثيرا، على الرغم من مئات الآلاف من الضحايا من قتيل و جريح و مُهجَر و مُعذَب…

فتغيرت الخطة نحو استئصال آخر، و بشكل ناعم هذه المرة، يرتكز على نشر الفساد في كافة أشكاله و صوره، و على أوسع نطاق. و لكي يتحقق ذلك، لا بد من إيجاد جيش من المفسدين على رأسهم ” الرئيس “، تُعطى لهم الحرية الكاملة في إفساد المجتمع كله إذا إستطاعوا.

فكانت – على سبيل المثال لا الحصر – حملة الأيادي النظيفة، التي أَعلن عنها أويحيى نفسه، و التي بمقتضاها تم إزاحة عدد هائل من المسؤولين الأكِفاء و النُزهاء من الإدارات الإقتصادية، بما فيها الشركات الوطنية و المحلية، و استُبدلوا بمن أثبتوا فسادا ظاهرا. كما تم تَعيين قُضاة معروفين بفسادهم في هرم السلطة القضائية المركزية و المحلية. و على رأس الولايات و الدوائر عُين من هم معروفون بشدة الفساد، و ” انتُخِب ” المنتَخَبون في كافة المستويات على أساس الرداءة و الفساد و الولاء، و في نفس الوقت كان قد وَصل على رأس محافظات الشرطة و قيادات الدرك أولئك الذين ارتكبوا جرائم بشعة في التسعينات.

و بذلك وُجِد ما يحتاجه النظام من مسؤولين لا كفاءة لهم و لا ضمير و لا أخلاق، مهمتهم الأولى توريط أقلية في النهب تحت مُسميات مختلفة، و طحن الأغلبية العظمى من الشعب الذي أصبح همه الأكبر توفير ضرورات الحياة من مَلبس و مأكل و دواء، هذا لِمن كان محظوظا و وجد عملا و سقفا يأويه، و اضطُر بعض أفراد الشعب الى المشاركة في مشروع الفساد العظيم تحت تبريرات مختلفة أهمها ” حَقُنا في أموال البترول “.

تمكنت بذلك المخابرات العسكرية، التي هي دولة داخل الدولة، من إيجاد طبقة سياسية و إدارية و إعلامية بالغة الفساد، تُحركها كيفما تَشاء و متى تَشاء، تَرفع منهم من تَشاء الى أعلى المناصب فتَفتَح لهم ملذات الأرض، أو تَهوي بهم الى جحيم الدنيا إذا أرادت.

كانت استراتيجيتُهم تقول ” دَعهم يَنهبون، دَعهم يَفسُقون، دعهم يَسرِقون، دَعهم يَرتَشون، دَعهم يُفسِدون…، هكذا سنُخضِعهم، و بهم سنُخضِع الجميع “.

حتى بَدَا الشعب الجزائري في زمن الثورات العربية و كأنه خارج الزمان و خارج المكان، مُغيب العَقلِ و الفِعلِ على حد سواء.

و ظنوا أنهم قد أَسْقطوا الشعب…

و ظنوا أنهم قد نجَوا…

التعليقات مغلقة.