حركة رشاد ضمن حراك 22 فبراير 2019

أمانة حركة رشاد – 15 أغسطس 2020

1. مقدمة

لم تحقّق الثورة السلمية (الحراك) التي بدأها الشعب الجزائري في 22 فبراير 2019 كل أهدافها بعدُ، لكنها فاجأت العالم أجمع بانتهاجها طريق اللاعنف وتمسّكها المطلق بهذا النهج، وفاجأت الجميع أيضًا بسعة نطاقها ومدّتها وتنوّعها ووحدة صفوفها ووضوح مطالبها السياسية. لقد شاركت حركة رشاد، مثل العديد من منظمات المجتمع المدني وملايين المواطنين العاديين غير المنضوين إلى أيّ تنظيم أو جمعية أو حزب، في الحراك منذ بدايته. وإذا كان بوتفليقة قد أُجبر فعلًا على الاستقالة والعديد من وزرائه وأنصاره يقبعون اليوم في السجن بسبب تورطهم في قضايا فساد مهولة، فإنّ طبيعة النظام لم تتغيّر ومطلب الحراك الأساسي “دولة مدنية، ليست عسكرية” لم يتحقق بعدُ. وكلّ المؤشرات تبيّن أنّ النظام القائم يحاول منذ بضعة أشهر، مستغلًا على وجه الخصوص الوضع الحساس الذي فرضته أزمة كوفيد-19، كسر الحراك، وسعيًا منه إلى تنفيذ هذا المخطط، يستخدم كالعادة حملات القمع، من خلال تكثيف سلسلة الاعتقالات التي تطال النشطاء وإصدار أحكام قضائية ضدهم، فضلًا عن تشجيع – وأحيانًا إطلاق – حملات الدعاية والتشهير التي تهدف إلى تشويه سمعة الحراك. ويقوم خطاب النظام أساسًا على شقين: أولهما تعميق الخلافات الأيديولوجية، والثاني التلويح بالتهديد الخارجي عبر اتهام شخصيات الحراك بالعمالة لدول أجنبية. إذا كان أحمد أويحيى، رئيس الوزراء الأسبق المسجون حاليًا، قد هدّد الجزائريين بـ “سَوْرَنة” البلاد (تحويل الجزائر إلى سورية أخرى) حيث تتحوّل حسب قوله “أزهار الحراك” في نهاية المطاف إلى “أنهار من الدماء”، فإنّ النظام الحالي يستخدم نفس أسلوب التخويف الوظيفي، عن طريق اللعب من جديد بورقة إذكاء الانقسامات والتوترات التي تسبّبت في مأساة التسعينيات. وفي هذا السياق تحديدًا، يمكن فهم حيثيات وأبعاد الحملة الشرسة التي انطلقت في الأشهر الأخيرة ضد حركة رشاد. إنّ الهدف من هذه الورقة هو الإجابة على بعض الأسئلة المتعلقة بهذه الحملة.

2. حركة رشاد

رشاد حركة سياسية (ليست حزبًا) تأسّست في أبريل 2007، تسعى إلى المساهمة في تغيير جذري في الجزائر، لإحداث قطيعة مع الممارسات السياسية السائدة منذ الاستقلال وتحرير الشعب الجزائري من كل وصاية. وتعمل الحركة على إرساء دولة القانون، دولة مدنية تحكمها المبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد. إنّ الحركة مفتوحة لجميع الجزائريين والجزائريات، مع احترام اختلافاتهم، وتحظر جميع أشكال التطرّف والإقصاء والتمييز وتتبنّى منهج اللاعنف لإحداث التغيير [1]؛ ويحدّد ميثاق الحركة قيمها ومبادئها [2].

إنّ قضايا الدولة المدنية والرقابة الديمقراطية للقوات المسلحة، وأجهزة المخابرات على وجه الخصوص، من أولويات حركة رشاد، وذلك منذ نشأتها. وسبق أن قدّمت الحركة مقترحات ملموسة لوضع حدّ لهيمنة العسكر على المؤسسات المدنية للدولة والمجتمع [3].

تعتبر رشاد أنه يتعيّن على المواطنين والمواطنات، المتحرّرين من وصاية النظام القائم، استخدام حقهم الأساسي في حرية التجمع، لتنظيم أنفسهم والعمل من أجل التغيير الذي لا يمكن تحقيقه إلا من طرف مجتمع مدني مهيكل ومستقلّ وقويّ بحسه الوطني الأصيل.

3. اللاعنف

قبل حتى تشكيل الحركة بوقت طويل، شرع من سيقومون بتأسيسها، في عمل فكري معمّق حول الاستراتيجيات والأساليب التي يمكنها أن تُحدث التغيير في الجزائر. ومنذ الوهلة الأولى، وقع الاختيار على اللاعنف الاستراتيجي، وتبع ذلك دراسة مفصلة لجميع تجارب التغيير التي عرفتها البشرية تقريبًا. تعدّدت وتنوّعت المراجع التي تمّت دراستها بهذا الشأن، فشملت رؤى ومواقف دعاة اللاعنف وأيضا منتقديه، سواءً تعلّق الأمر باللاعنف العقائدي أو اللاعنف الإستراتيجي [4]. وتـمّت دراسة النصوص الكلاسيكية لسون تزو (Sun Zhu)، ولابويسيه (La Boétie)، وثورو (Thoreau)، وتولستوي (Tolstoi)، إلخ، والنصوص الدينية (القرآن الكريم، الإنجيل، إلخ)، بالإضافة إلى الكتابات والتجارب الحديثة: غاندي (Gandhi)، لوثر كينغ (Luther King)، مانديلا (Mandela)، مالكوم إكس (Malcolm X)، هولمز (Holmes)، شارب (Sharp)، غالتونغ (Galtung)، جودت سعيد، آش (Ash)، دولتشي (Dolci)، كامارا (Camara)، ناجلر (Nagler)، ديلينجر (Dellinger)، أرندت (Arendt)، إلخ. وأكدت رشاد على خيار اللاعنف منذ تأسيس الحركة في 2007، سواءً في ميثاقها أو في الآلاف من مداخلات أعضائها في وسائل الإعلام وفي كافة إصداراتها وبياناتها الصحفية. بالإضافة إلى ذلك، أنتجت الحركة سلسلة من الأفلام الوثائقية تشرح فيها الأسلوب اللاعنفي [5] وتقدم أيضًا حجج الحركة ضد البدائل الأخرى مثل استخدام العنف أو الانقلاب أو التدخّل الأجنبي أو التغيير من خلال التوغل في “مؤسسات النظام القائمة”. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ الإستراتيجية اللاعنفية التي اعتمدتها رشاد اعتُبرت في البداية نهجًا طوباويًا ليس له أيّ فرصة للنجاح في العالم العربي المعتاد على الانقلابات والتمرّدات المسلّحة. إلّا أنّ الثورات العربية في أواخر عام 2010 أثبتت أنّ اللاعنف ليس ممكنًا في هذه المنطقة من العالم فحسب، بل هو فعّالٌ أيضًا. لكن لا بد من الإشارة إلى أنّ الأنظمة العربية التسلّطية التي فوجئت في البداية بالثورات الشعبية اللاعنفية، واجهت الوضع من خلال حبك وشن ثورات مضادة (الانقلاب في مصر والتدخّلات الخارجية والعنف المسلّح في سوريا وليبيا). وبالموازاة مع ذلك، كثّفت أبواق هذه الأنظمة من حملات التشهير سعيًا إلى تشويه سمعة النهج اللاعنفي، وتقديمه على أنه “من صنع وتوظيف القوى الغربية” الساعية إلى زعزعة استقرار الدول العربية. فبالنسبة لهذه الأبواق، المقاومة اللاعنفية “دليل” على الخضوع لمصالح الولايات المتحدة! إنّ رشاد تدحض بقوة هذه الأطروحات المنتشرة التي لا تخدم في نهاية المطاف سوى الأنظمة التي لا تعير أدنى اهتمام لمصالح شعوبها، وهي أنظمة تدور، دون أدنى شك، في فلك قوى أجنبية. وتظلّ رشاد مقتنعة أكثر من أيّ وقت مضى بأنّ النهج اللاعنفي ليس مجرّد ضرورة تاريخية، نظرًا للتكلفة المدمّرة الناجمة عن العنف السياسي في المنطقة، لكنه أيضًا الأكثر ملاءمة للتغيير الجذري، ويحظى هذا النهج بدعم شعبي قوي في الجزائر، ممـّا يضمن وحدة البلد وسيادته.

4. الإسلام والإسلاموية

يحتلّ الإسلام مكانة مركزية في المجتمع الجزائري وفي تاريخ الجزائر، فهو الدين الذي تنتمي إليه الغالبية العظمى من الجزائريين والجزائريات، ويعتزون بالانتساب إليه، وبالتالي فمن الطبيعي والشرعي أن تعتبر رشاد الإسلام عنصرًا أساسيًا من العناصر المكونة لهوية المجتمع الجزائري. لكن هناك فرق بين هذا الطرح وما يُروّج له من انخراط مزعوم للحركة في أجندة “إسلاموية”. في الواقع، غالبًا ما يتمّ التلويح بهذا المصطلح المرتبط بإشكاليات سياسية وأمنية مختلفة، في محاولة لتشويه سمعة جهات فاعلة مختلفة وإقصائها من الحياة السياسية والجمعوية والفكرية والثقافية وحتى الرياضية. فوفق هذا المنظور، غالبًا ما يُستعمل مصطلح “الإسلاموية” كمرادف للثيوقراطية أو إنكار حقوق الإنسان أو رفض الديمقراطية أو حتى الإرهاب.

يُلاحَظ أيضًا أنه في بعض الدول الغربية، تكون تهمة “الإسلاموية” أحيانًا تعبيرًا عن كراهية حقيقية للإسلام، ونوعًا من التلاعب الدنيء، وعمليات الخلط على غرار “المسلم هو إسلامي محتمل وبالتالي إرهابي في طور التكوين”.

أما الديكتاتورون العرب، فقد اعتادوا على التلويح بالتهديد “الإسلاموي” وإلصاقه بكل من يهدّد أنظمتهم غير الشرعية، ويتطوّعون لخدمة أسيادهم الأجانب، من خلال التسويق لأنفسهم على أنهم الحصن المنيع ضد “الإسلاموية”. ومن هذا المنطلق، ترفض حركة رشاد أن توصف بأنها “إسلاموية”، أولًا لأنها تعترض من حيث المبدأ ولا تسمح لأيّ طرف آخر بأن يلصق بها اسمًا مثيرًا للجدل نظرًا لما يحمله من شحنة سلبية، ثم لأنّ هذا الاسم ليس له أصل في ثقافتنا الإسلامية، فالتسمية التي تتماشى مع ديننا الحنيف هي “مسلم” وليس “إسلاموي”، وأخيرًا لأنّ ما تحيل إليه هذه التسمية المشحونة يتعارض مع رؤية رشاد.

في الواقع، إذْ تؤكد رشاد على مكانة الإسلام في المجتمع الجزائري، فإنها، في الوقت نفسه، ترفض الثيوقراطية وتعمل من أجل احترام حقوق الإنسان وحمايتها وتحظر استخدام الإرهاب، وتعتبر من جهة أخرى، أن الدولة يجب أن تُدار من قِبل سلطة مدنية منتخبة بحرّية، وأنّ قوانين الدولة يجب أن يصوّت عليها من قِبل ممثلي الشعب المنتخبين أيضًا بالاقتراع العام. ونذكّر أنه في السياق الجزائري، وتحديدًا أثناء الحرب الأهلية في التسعينيات، بذل النظام قصارى جهده لتعميق الانقسامات بين “الديمقراطيين” و”الإسلاميين” و”الوطنيين”، عملًا بالأسلوب المعروف: فرّق تسد. وتعتبر رشاد أنّ غالبية الجزائريين والجزائريات مسلمون ووطنيون وديمقراطيون في نفس الوقت، وبالتالي على الفاعلين السياسيين بمختلف مشاربهم، الارتقاء إلى مستوى هذه التوصيفات وعدم الوقوع في فخ الانقسام والإقصاء، لأنه لا يمكن لأيّ شخص أو هيئة أو تنظيم، أن يخوّل لنفسه احتكار أحد هذه المكونات.

إنّ مشروع رشاد هو امتداد لمشروع إعلان أول نوفمبر 1954، وهدفها إقامة دولة يسودها العدل والحكم الراشد، يمثّل الإسلام فيها مكوّنًا أساسيًا من مكونات المجتمع الجزائري. ومن البديهي أنّ المجتمع والدولة التي تطمح إليها الحركة تحترم حقوق جميع المواطنين والمقيمين بلا استثناء ولا تمييز، بما في ذلك غير المسلمين. إننا نرفض الدولة الثيوقراطية، لكننا نرفض أيضًا المزايدات التي تصبو إلى تشويه حقيقة تمسّك الجزائريين وافتخارهم بالإسلام بحجة “الخطر الأصولي”.

5. رشاد والجبهة الإسلامية للإنقاذ

تعتبر حركة رشاد أنّ ما حدث في 11 يناير 1992 هو انقلاب على إرادة الشعب أدخل الجزائر في حرب أهلية مروعة ستظل جراحها مفتوحة لعقود قادمة. لقد فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي حزب سياسي معترف به قانونًا، فوزًا عريضًا في جميع الانتخابات التي شاركت فيها، وخاصة انتخابات 26 ديسمبر1991، التي أجهضتها القيادة العسكرية. وبصفتها حزبًا سياسيًا، من الطبيعي الاعتراض أو حتى مناهضة خياراتها وبرامجها، ومن حق كل من لا يشاركها أفكارها وتوجهاتها أن يحاربها سياسيًا. لكن لا يُقبل حظرها بشكل تعسفي أو حرمانها من انتصاراتها الانتخابية من قِبل سلطة غير شرعية أو طغمة عسكرية. بعد تبيين هذه النقطة، تحرص حركة رشاد على توضيح أنها لا تربطها أيّ صلة عضوية بالجبهة الإسلامية للإنقاذ ولا تدّعي الانخراط في برنامجها. وبكلّ تأكيد، فإنّ رشاد لا تنوي أن تنوب عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو عن أيّ حزب آخر، لأنّ رشاد ببساطة ليست حزبًا سياسيًا معنيًا بالمشاركة في التنافس الانتخابي. وأخيرًا، تعتبر رشاد أنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ مازال لديها قادة معروفون وحضور واضح في المجتمع، وبالتالي فمن حقها، كأيّ تيار فكري آخر، أن تنشط سياسيًا. قد يجادل البعض ويتحجّج بأنّ أحد الأعضاء المؤسسين لرشاد كان في السابق مسؤولًا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومن ثمّ يدّعي بأن رشاد ليست سوى “جبهة إسلامية للإنقاذ – مكررة”. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ العضو المعني، مراد دهينة، الذي انضم بالفعل إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد فترة طويلة من حظرها، احتجاجًا على انقلاب يناير 1992 وعلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تلته، لم يكن قبل ذلك عضوًا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولم يترشح في قوائم الحزب في أيّ انتخابات، كما غادر الجبهة الإسلامية للإنقاذ نهائيًا في 2004، أي قبل حتى تشكيل حركة رشاد عام 2007.

6. الهُوية الوطنية والعَلمانية

تؤمن رشاد بأنّ لكل مجموعة بشرية، صغيرة كان أم كبيرة، الحق في استخدام وتطوير ثقافتها ولغتها أو لهجتها. إن دولة القانون تحترم الشعب بكل تنوّعه لأنها مؤسّسة على الشرعية الشعبية. ونأمل أن نشهد اليوم الذي تدعم فيه دولتنا جميع الخصوصيات الثقافية التي تتكوّن منها الأمة الجزائرية وتشكّل ثراءها. تستند الهوية الجزائرية، التي مُزجت عبر قرون من التاريخ، في المقام الأوّل إلى الإسلام والأمازيغية والعروبة، وقد استفادت من روافد أخرى، بدرجة أقلّ، من ديانات وثقافات وحضارات أخرى. من هذا المنطلق، تدعو رشاد إلى احترام وترقية مقوّمات هويتنا الوطنية، فهي ملك للمجتمع الذي يقع على عاتق جمعياته ومنظماته ومؤسساته الحرة الأخرى، مهمة الحفاظ عليها وتنميتها خدمة للصالح العام. لكن لا ينبغي بأيّ حال من الأحوال أن تُداس مقومات الهوية أو يتمّ احتكارها من قِبل السلطة السياسية القائمة، فالدولة غير مخوّلة بفرض قراءة أو نهج يتعلق بالعناصر المكوّنة لهويتنا. وهذا ما يقودنا إلى توضيح نقطة أخرى، محلّ جدل ساخن تتعلّق بالعَلمانية.

لا شكّ أنه نقاش ضروري ومفيد، لكن يجب إدارته بعقلانية واعتدال وبصيرة. فمن الضروري أن تُدار شؤون المدينة من قِبل سلطة مدنية منتخبة وهذا لا يتعارض في شيء مع تمسّكنا بالإسلام، لأنه لا يوجد في الإسلام نظام رجال دين يزعمون حكم الشعب “باسم الله”. إنّ رشاد تدعم وتدعو إلى بناء فضاء سياسي جامع يشمل الجميع، ولا يميّز بين مختلف مكوّنات المجتمع على أساس أيديولوجي أو عقائدي، ويحترم الأقليات، ويضمن التعاون السليم بين جميع الجزائريين من أجل بناء المجتمع وتشييد الدولة، كلٌّ انطلاقًا من مرجعيته. لكن ما نلاحظه هو أنّ العديد من الذين يتبنّون العَلمانية في الجزائر يُسيئون إليها في واقع الأمر أكثر مما يخدمونها. ونجد نوعًا من الاغتراب الثقافي لدى البعض، إلى درجة من التبعية جعلت “نموذجهم” الوحيد للعَلمانية هو النموذج السائد حاليًا في فرنسا. في حين أنّ أيّ فكر عقلاني ونقدي ومنفتح على العالم سيجد أن هذا النموذج هو في الواقع انحراف ورؤية شاذة، مدانة حتى في معظم الدول الغربية، حيث تقتصر العَلمانية في هذه البلدان على حماية الدين من تعسّف الدولة وضمان عدم تدخل الكنيسة في شؤون الدولة، بينما اتخذت العَلمانية في فرنسا شكلًا من أشكال التطرّف المعادي للدين، وبشكل أكثر عدائية تجاه الدين الإسلامي على وجه الخصوص.

بالنسبة لحركة رشاد، النظام السياسي الذي نصبو إليه يجب ألا يحرم المتديّن أو المدافع عن لغته أو ثقافته من المشاركة في النقاش السياسي، فمثل هذا التوجّه يشكل خطأ جسيمًا، لأنه من جهة يقيّد حرية المشاركة في النقاش السياسي، ومن جهة أخرى ينطوي على خطر إلحاق الأذى بجزءٍ من المجتمع، ممّا قد يدفعه، عاجلًا أم آجلًا، إلى التمرّد ردًا على إقصائه من المجال السياسي. إنّ السماح للمواطنين والمواطنات بالتعبير عن أنفسهم بحرية، وحتى بطرح مقترحات سياسية تتماشى مع معتقداتهم الدينية أو الثقافية، أمرٌ مشروع وضروري، وهذا ما يدافع عنه العديد من الفلاسفة المعاصرين البارزين مثل يورغن هابرماس (Jurgen Habermas) [6].

7. التوافق الوطني والممارسة الديمقراطية

اعتبرت حركة رشاد دائـمًا النقاش والتقارب بين القوى السياسية في الجزائر ضرورة مُلّحة. وحتى قبل إنشاء الحركة، شارك بعض أعضائها منذ يناير 1992 إلى جانب نشطاء سياسيين آخرين ومدافعين عن حقوق الإنسان، من خلفيات أيديولوجية مختلفة، في شتى اللقاءات والمناسبات للتعبير عن رأيهم الرافض للانقلاب وللانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تلته. وكانوا حاضرين – أو دعموا – العقد الوطني لسانت إجيديو (1995)، وشاركوا أيضًا في العديد من اجتماعات المعارضة، سواء في الجزائر [7] أو في الخارج [8]. إنّ رشاد تؤمن بالنقاش وقد عملت دائمًا على إطلاق المبادرات والاستجابة بشكل إيجابي لكل الدعوات التي تجمع كافة الجهات الفاعلة في المجتمع المدني دون إقصاء لأيّ طرف، وهذا في حدّ ذاته يشكلّ مبدأً أساسيًا لرشاد، متـمثّلًا في ​​تشجيع التشاور والتعاون مع كافة الفاعلين السياسيين وممثلي المجتمع المدني.

8. السيادة والبيئة الدولية

تحتفظ حركة رشاد بحقها في الحديث مع جميع الفاعلين السياسيين غير الحكوميين والمنظمات غير الحكومية والمفكرين في العالم العربي والغربي أيضًا. لكن تحرص الحركة دائمـًا على أن تجري هذه الاتصالات بطريقة شفافة مع احترام أهداف ومبادئ الحركة، لاسيما استقلاليتها ورفضها لأيّ تدخّل أجنبي في حاضر ومستقبل الجزائر السياسي. وبناءً عليه، فقد شارك أعضاء من رشاد في مؤتمرات ولقاءات مع نشطاء سياسيين ومن المجتمع المدني، من خلفيات أيديولوجية مختلفة (قوميين، إسلاميين، علمانيين، وغيرهم). ومن البديهي أنّ الاجتماع أو النقاش مع هذه الكيانات أو الأشخاص لا يعني بحال من الأحوال، الموافقة على جميع آرائهم أو أفعالهم. وفي هذا الصدد، إنّ الهجمات الأخيرة الموجهة ضد رشاد، التي تتهمها تارة بالعمل لـ”أجندة تركية و/أو قَطَرية” أو بالانتماء إلى تيّار “الإخوان المسلمين”، لا تستند إلى أيّ حقيقة من شأنها أن تضفي على هذه المزاعم أدنى مصداقية. فلا تقيم رشاد علاقة مع أيّ دولة كانت، وهي ترفض دائمـًا وبشكل واضح ومُعلَن أيّ تدخّل أجنبي في البلد. ولا نذيع سرًا عندما نقول أنّ الحكومتين القطرية والتركية تُقيمان أفضل العلاقات مع النظام الجزائري ولا تدعمان بأيّ شكل من الأشكال الحراك، فضلًا عن منعهما بعض أعضاء رشاد من دخول بلديهما.

علاوة على ذلك، فحركة “الإخوان المسلمين” لها ممثليها الرسميين في الجزائر، وليس لرشاد أيّ صلة هيكلية بهذا التنظيم. لكن لن نقبل أبدًا أن تستخدم دكتاتوريات الخليج ومصر، التي تشنّ حربًا ضد “الإخوان المسلمين”، خاصة منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي رحمه الله، أبواقها في الجزائر لتجريم كلّ اتصال بـ”الإخوان المسلمين”، لذا نكرّر ونقول: ليس لرشاد أيّ علاقة عضوية بـ”الإخوان المسلمين”، لكنها ترفض رفضًا قاطعًا السماح لأيّ كان أن يفرض عليها أو يمنعها من الاجتماع أو النقاش مع هذه الجهة السياسية أو تلك.

ثمة موضوع آخر تتداوله نفس الدوائر التي تشنّ حربًا هوجاء ضد رشاد، هو دعم رشاد المزعوم لـ”عدوان الناتو على ليبيا”. وهنا تجدر الإشارة أولًا إلى أنّ رشاد دأبت على إدانة التدخّل الإمبريالي لحلف شمال الأطلسي في العالم العربي، وأيضًا المشاركة الموثّقة للجيش الجزائري في مناورات وتمارين الناتو، بحضور الجيش الصهيوني. إنّ ثورة 2011 في ليبيا هي ثورة مواطنية ضد دكتاتورية، ومن هذا المنطلق أشادت بها رشاد. وقد زار بعض أعضاء رشاد ليبيا في عام 2011 بدعوة من أصدقاء ليبيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، يحظون بسمعة جيدة واحترام واسع [9]. وسواء تعلّق الأمر بليبيا أو بسوريا، فقد شجّعت رشاد دائمًا محاوريها على ترسيخ نضالاتهم في نهج اللاعنف، مع استنكارها في الوقت نفسه التدخّل الأجنبي الذي كان السبب الرئيسي لانحراف الثورات اللاعنفية والدفع بالبلدين في حروب أهلية مروعة.

9. تمويل رشاد

رشاد لا تقبل التمويل من أيّ حكومة أو أشخاص غير جزائريين. وتعتمد الحركة في تمويل أنشطتها على تبرّعات ومساهمات أعضائها وتشجّعهم أيضًا على دفع زكاة أموالهم للمحتاجين (خاصة السجناء السياسيين وعائلاتهم). وبينما يبذّر أقطاب النظام مبالغ طائلة من أموال الشعب وخزينة الدولة، ويصرف بعض أتباعهم ملايين اليوروهات في الملذات وتلبية الشهوات، نراهم يتجرؤون ويسمحون لأنفسهم دون حياء باتهام حركة مثل رشاد بأنها تموَّل من قِبل دول أجنبية، دون تقديم أيّ دليل يُثبت مزاعمهم وافتراءاتهم. إنّ الهدف من مثل هذه الشائعات واضح بطبيعة الحال، فهم يسعون إلى زرع بذور الشك في نفوس المواطنين وثنيهم عن كل مبادرة لتنظيم صفوفهم بحرية وضمان تمويل أعمالهم بأنفسهم. فبالنسبة للديكتاتوريات، هناك قاعدة جد بسيطة: كلّ من لا تموّله السلطة، ومن ثمّ، تتحكّم فيه، فهو خائن وعميل يخدم مصالح أجنبية!

10. الخلاصة

كان الهدف من هذا المقال إعادة التأكيد والتذكير بمواقف حركة رشاد، في وقت تحاول فيه القوى السياسية الحليفة الفعلية للسلطة الحالية، تقسيم الحراك. ومن ثَـمّ حرصنا على الرد على الاتهامات الباطلة التي لا أساس لها، بكل شفافية، وفي الوقت نفسه، رفضنا اتخاذ موقف اعتذاري. لا يخفى على أيّ متتبّع لمسار الحركة، أنها تنشط بشفافية، وأساليبها وأهدافها مشروعة وقانونية ومشرّفة. ونؤكّد أنّ أكثر ما يزعج الأنظمة الاستبدادية هي قوى المجتمع المدني التي تتحرّر من وصايتها وتنظّم صفوفها من أجل إحداث التغيير. ولا يساورنا أدنى شك أن هذه النقطة بالذات هي التي تفسّر تكالب النظام وتوابعه وشنّهم حربًا شرسة ضد رشاد. ويبدو جليًا أنّ النظام بات يخشى أن تلتحق هياكل منظمة وحرّة أخرى لتنضمّ إلى مسار النضال من أجل التغيير، وهو بالضبط ما تدعو إليه رشاد، أي ​​تشجيع المواطنين والمواطنات على تنظيم أنفسهم في هياكل (جمعيات، أحزاب، نقابات، نوادٍ، وغيرها من التشكيلات) تكون حرّة وتدعم الحراك، ومن شأن ذلك أيضًا أن يقدّم أفضل ردّ وصدّ لأيّ محاولة من أيّ جهة كانت للاستيلاء على الحراك أو تحريف مساره. نحن على قناعة بأنّ مثل هذه الهياكل، الحرّة والمواطنية، ستكون في المستوى لإرساء أرضية مناسبة لتنظيم نقاش بينها والتوصّل إلى توافق ورسم خارطة طريق من شأنها تحقيق التغيير الذي ينشده الشعب الجزائري. من الضروري، بطبيعة الحال، مناقشة الجوانب الأيديولوجية والمشاريع الاجتماعية، لكن تظلّ الأولوية الحالية تتمثل في توحيد جميع القوى الحرّة لضمان:

  • الحق في حرية اختيار الحكام وإقامة الضوابط والتوازنات؛
  • الرقابة الديمقراطية الفعلية من قِبل ممثلي الشعب على القوات المسلّحة والأجهزة الأمنية؛
  • استقلال القضاء؛
  • حرية الإعلام؛
  • التوزيع العادل لثروات البلاد.

الإحالات

[1] https://rachad.org/?page_id=6

[2] https://rachad.org/?p=1202

[3] https://rachad.org/?p=33

[4] اللاعنف العقائدي يدعو إلى انتهاج اللاعنف من حيث المبدأ (ديني أو أخلاقي) بينما اللاعنف الاستراتيجي يتبنّى اللاعنف لأنه يشكل أضمن طريق لتحقيق هدف التغيير وهذا دون الإحالة بالضرورة إلى جانبه الأخلاقي.

[5] https://www.youtube.com/playlist?list=PLeQmfqtiCnlCgmgK_ZmqsXL6MPRKv1IMN

[6] https://www.ssrc.org/publications/view/habermas-and-religion/

[7] http://aljazair24.com/national/29295.html

[8] في عام 2000 مع لويزة حنون وعلي يحيى عبد النور وعبد الحميد براهيمي ومحمد حربي وآخرين. وفي 2008 مع عبد الحميد مهري وصلاح الدين سيدهم ولهواري عدي وأحمد بن محمد ورشيد معلاوي وآخرين. اجتماعات مختلفة في 2018-2019 مع أحزاب  FFSو FIS و HMS و RCD ، إلخ.

[9] من بينهم فتحي تربل، المدافع عن حقوق الإنسان الذي عمل بشكل ملحوظ في قضية مذبحة سجن بوسليم حيث أعدِم أكثر من 1000 سجين في 1996.