الثورة المضادة و الاتحاد السوفيتي لماكسيموف 1935
حتى وقت قريب اعتبرت الثورة الفرنسية العظمى 1789 – 1793 المثال الكلاسيكي عن الثورة و الثورة المضادة . و ما يزال الكثيرون حتى اليوم يعتقدون أن فترة حكم اليعاقبة كانت هي الفترة الثورية , على الرغم من سلسة الإجراءات المعادية للثورة التي تبنتها الجمعية الوطنية في تلك الفترة , و أن سقوط اليعاقبة يؤشر على بداية الثورة المضادة . يفهم بالتالي أنه لا يمكن أن توجد ثورة مضادة طالما كان الحزب الذي جاءت به الثورة ما يزال في السلطة . تبدأ الثورة المضادة , كما قيل لنا , مع سقوط الحزب و الطبقة التي تقود الثورة , مع انتصار حزب أكثر اعتدالا , و مع تصفية الإنجازات الثورية . و يترافق الأخير عامة مع سقوط الحزب الحاكم كما جرى في الإطاحة باليعاقبة .
ما يزال هذا المقياس المعياري القديم يطبق على تقييم اتجاهات و مسارات الحياة الروسية . “الاشتراكيون الدولتيون” , الأساتذة الجامعيون الليبراليون “المثقفون” , و حتى الأشخاص المتعلمين العاديين , رغم أنهم جميعا يعارضون البلشفية بقوة , لكنهم يتمسكون بفكرة أن هناك ثورة ما تزال تجري في روسيا السوفيتية . من خلال اعتقادهم بالتشابه الكامل مع الثورة الفرنسية فهم لا يريدون أن يقروا بفكرة أنه يمكن للحزب الثوري أن يتحول إلى حزب معادي للثورة . إنهم يعتقدون أن “تجاوزات السياسة البلشفية” تعود إلى الصعوبات الطارئة في بناء الاشتراكية , و التي ستؤدي على المدى البعيد إلى إبطاء حركة الثورة و لكن ليس إلى إيقافها تماما . هذه هي الفكرة الخاطئة التي يجري اليوم كشفها مع تقدم الأحداث في روسيا السوفيتية بحيث أنه في القريب العاجل وحدهم السذج سيتمسكون باعتقاد كهذا .
إذا , ما هي الثورة ؟ الثورة هي الإطاحة بالنظام السياسي و الاقتصادي السائد الذي يقوم على الاستغلال . إنها تعني بناء نظام جديد يرفع إلى أعلى مستوى رخاء القسم الأعظم من الجماهير , و الذي ينتج أقصى قدر من حقوق الإنسان و الحرية , التي تستبدل أخلاق السادة الكنسية و الدولتية بأخرى تقوم على الحرية و المساواة و التضامن .
كانت الثورة الروسية في باديتها ثورة بهذا المعنى . بين عامي 1917 – 1918 كانت روسيا أكثر البلاد حرية في العالم . حرية التعبير , الصحافة , التجمع , الدعاية , الحرية في مجال البحث العلمي , و في التعليم , أثبات الذات الفردية – كانت هناك حرية غير محدودة تقريبا في كل مجال من مجالات الحياة . حل النشاط العفوي و المبادرة الحرة مكان القانون , و انتعشت الإدارة الذاتية المحلية في شكل السوفيتيات , كانت الدولة كما تمثلها طبقة الموظفين المعينين تتلاشى كالدخان .
كانت العبودية الاقتصادية تتهاوى : جرى تدمير الرأسمالية , و استبدلت تدريجيا بتنظيم الصناعة وفقا لمصلحة المستهلكين . أصبح العمال مشاركين نشيطين أو فعالين في العملية الصناعية , الحياة الاقتصادية , ممثلين من قبل لجان المصانع و منظمات أخرى مشابهة , كانوا ينظمون أنفسهم على أساس الفيدراليات الصناعية الحرة , و على أسس التنظيم الكوموني للمنتجين و المستهلكين .
هكذا كانت إنجازات هذه المرحلة الثورية عظيمة و خالدة . لكن ما هي الثورة المضادة ؟
هل هي فقط محاولة لإعادة البلد إلى دولة ما قبل الثورة , لاستعادة امتيازات الطبقات و الأحزاب القديمة ؟ هذا هو التعريف الكلاسيكي للثورة المضادة , لكنه ليس تعريفا كاملا أو دقيقا حيث أنه ليس لدينا في روسيا السوفيتية ثورة ضد الثورة , و لا استعادة لسلطة الطبقات و الأحزاب السابقة . لكن على الرغم من ذلك لدينا ثورة مضادة فعلية .
في روسيا السوفيتية ألغيت كل الحريات . جرى نفي المدافعين عن الحرية و سجنهم و حتى إعدامهم . و جرى إلغاء الحكم الذاتي المحلي . و عاد الحكم الاستبدادي “للبيروقراطية” إلى الحياة من جديد . ماذا عن نظام جوازات السفر الذي تم إدخاله بنسخ النظام القديم لحكم البوليس و العسكر ؟ ماذا عن الحظر الذي فرض على أي نشاط سياسي يخرج عن “الخط العام” للديكتاتور , و عن حل جمعية قدامى البلاشفة , و عن سجن الأعضاء المرموقين في الحزب لأقل بادرة على استقلالية التفكير ؟ أليست هذه ثورة مضادة بالمعنى الحقيقي للكلمة ؟
لا يوجد أي بلد آخر في العالم تطبق فيه عقوبة الإعدام بهذا الشكل الواسع كما في روسيا السوفيتية : السرقة , السلب , ابتزاز المال , القتل – لقد عوقبت جرائم عادية بوحشية القرون الوسطى . حتى الأطفال لم يستثنوا من تطبيق العقوبة الأقصى . أليست هذه ثورة مضادة في أكثر أشكالها عريا ؟
في روسيا السوفيتية استبدلت الديمقراطية الصناعية بتراتبية هرمية مستمدة من نمط المنظمات الرأسمالية . ظهرت طبقة حاكمة صاحبة امتيازات جديدة إلى الوجود – البيروقراطية التي لا تملك ملكية خاصة بها , لكنها تملك في يدها سيطرة كاملة على الإدارة .
هذا كله هو جوهر الثورة المضادة نفسه , رغم أنه لا يتطابق مع التعريف الكلاسيكي لها . لدينا هنا خاصية جديدة : حزب ثوري يتبلور في طبقة بيروقراطية . فيما تتشدق بالشعارات الثورية فإن الطبقة المشكلة جديدا تعزز تدريجيا وظائف طبقتها , دورها و امتيازاتها .
كل هذا ليس صدفة بحتة في تقدم الثورة . إن تشويهات كهذه في الثورة , التي تنتج , كما فعلت في روسيا السوفيتية شكلا شريرا من الثورة المضادة , لا توجد أسبابها في “الضرورة التاريخية” , لكن في نفس مبدأ الاشتراكية الدولتية , و خاصة الماركسية الاستبدادية . إن تأييد الديكتاتورية هو ضد الثورة , ض الحرية , و ضد التقدم الإنساني .
إن عملية التحرر من الأوهام فيما يتعلق بروسيا السوفيتية , الواضحة جدا من طرف العديد من الثوريين المخلصين , هي فقط في بداياتها . ستنمو قريبا إلى موجة قوية موجهة نحو أهداف و أغراض جديدة . ستكون هذه هي أهداف الشيوعية التحررية , أهداف حركة جديدة , تقوم بإحياء آمال البروليتاريا العالمية و تؤدي إلى نضال حازم ضد الديكتاتوريات من كل الأنواع – الحمراء , السوداء و الرمادية – و نحو أقصى حرية تقوم على المساواة الاقتصادية .
غ . ماكسيموف الطليعة المجلد 11 , العدد 5 أكتوبر تشرين الأول نوفمبر تشرين الثاني 1935
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن //struggle.ws/revolt.html
التعليقات مغلقة.