“المسلمون …الغزاة”

الصّورة تعبّر عن سلوك عدوانيّ لدى كثير من سكّان بلدان أروبا الشّرقية، فمن رومانيا إلى بولندا مرورا ببلغاريا والمجر وتشيكيا…ينتشر عداء هائل للمهاجرين المسلمين الهاربين من أهوال الحروب والقهر والاستبداد…
على الرّغم من أنّ شعوب هذه البلدان تعرّضت هي بدورها لقهر روسيّ دام أكثر من 70 عاما، عندما كانت الامبراطوريّة السّوفياتيّة تحتلّ أكثر أجزاء أروبا الشرقيّة باسم المعسكر الاشتراكي، وقد و صل القهر الرّوسيّ أحيانا إلى سحق شعوب هذه البلدان بالدّبّابات كما حدث في 1956 بالمجر و1968 بتشكيا وسلوفاكيا.

أعتقد أنّ ما يفسّر السّلوك العدوانيّ لأكثريّة هذه الشّعوب هو الاستعمال المزيّف للتّاريخ من طرف بعض السّياسيّين وصانعي الرّأي العام…حيث يُستحضر الوجود العثمانيّ في بعض هذه الدّول، التي لم تكن قد وجدت بعد بشكلها الحالي، والذي كان في بعض فتراته، بلا شكّ، قهرا واستغلالا…يستحضر للتخويف من المسلمين حتّى عندما يكونون هاربين بأطفالهم من أهوال وفضائع قلّ نظيرها، وليسوا فرسانا على ظهور خيولهم جاؤوا فاتحين أو مستعمرين…
رئيس المجر وصل إلى حدّ اعتبار، بضعة عشرات من الآلاف، من المهاجرين المسلمين خطرا إسلاميّا زاحفا يتهدّد الاتحاد الأروبي، الذي يتجاوز عدد سكّانه 508 مليون نسمة.

تحدّث بألم على هذا “الغزو الإسلامي”،  فتردّد صدى ماقال في عواصم أروبيّة شرقيّة أخرى.

فهل كان انزاعجه حقّا من “غزو إسلاميّ” أم من مناصب عمل كانت مضمونة لأبناء شعبه قد تضيع عند الجار العملاق ألمانيا؟

ألمانيا التي تسبق الأروبيّين دائما بخطوة كبيرة، فقد فتحت أبوابها مشرعة وقالت هل من مزيد،؟ وهي تدرك أنّ المهاجرين الجدد هم كنز ثمين سيساهم في دفع اقتصادها القوىّ أكثر ويضمن بقاءه متربّعا على عرش أروبّا ومزاحما لكبار هذا العالم، في هذا الزّمن المعولم والذي تخشى ألمانيا أن تفقد مكانتها بسبب شعب يشيخ ولا يتوالد بنفس الوتيرة.

يفرّ أكثر هؤلاء المعذّبين في الأرض من طاغية سوريا، الذي يلقى دعما روسيّا متصاعدا منذ اليوم الأوّل لإطلاقه الرّصاص على ما يفترض أنّهم أبناء شعبه،  الذي طالبه بإصلاحات في الجمهوريّة التي ورثها عن أبيه، والذي كان قد سبقه في إجرام تعجز الأقلام عن وصفه…
ولعلّ مدينة حماة التي سُحقت سحقا كاملا في عام 1982 من أكثر الأمثلة التي تؤرّخ لحقبة سوداء بشعة عاث فيها الأسد الأب خرابا في سوريا،  ولبنان أيضا.

عندما أتى الأروبيّون للبلاد المسلمة فقد جاؤوها قاهرين منذ الحروب الصليبيّة التي تزعّمتها الكنيسة وابنتها البكر فرنسا قبل حوالي ألف عام…وكذلك ظلّوا يأتون غزاة مدجّجين بآخر ما توصّلت إليه آلة حربيّة غاشمة بدأت في العصر الحديث باستدمار فرنسيّ بشع للجزائر هدف إلى استئصال أهلها كما فعل أروبيّون بِيض مع هنود أمريكا ابتداء من القرن السّادس عشر…
جاء الفرنسيّون يومها زاعمين أنّهم يحملون “رسالة حضاريّة للبرابرة والقراصنة الهمج”…
فأمعنوا قتلا وتشريدا وفتكا…ب”الأهالي” الذين وجدوا أنفسهم أنّهم إرهابيّون وفلاّقة وخارجون عن القانون… عندما راحوا ينتفضون، بالبارود، على عسكر فرنسا في منتصف الخمسينات.

ومازالت بعض القوى الغربيّة ومعهم الرّوس، يحتلّون مباشرة أو عن طريق عملائهم من سفهاء المسلمين، يحتلّون بلدانا بأكملها، علنا أو خفية، وكثيرا مايكون ذلك باسم الحرب على الإرهاب الذي اصبح موضة بها تُقهر الشّعوب وتُنهب…، وعندما يفرّ بعض هؤلاء المستضعفين من ديكتاتوريّات دمويّة  (للغرب دور كبير في نشوئها وارتقائها وبقائها) يُتّهمون  بأنّهم غزاة…

ديكتاتوريّات ناهبة وفاسدة،  ترفض أن يلجأ إليها المهجًرون من السّوريّين لرغبتها في تقديمهم كعبرة لشعوبها، التي  تنتفض حينا شوقا للعدل والحرية…وتخمد حينا آخر خوفا من المصير السوريّ.

 

محمّد العربي زيتوت