فتغيرت الخطة نحو استئصال آخر، و بشكل ناعم هذه المرة، يرتكز على نشر الفساد في كافة أشكاله و صوره، و على أوسع نطاق. و لكي يتحقق ذلك، لا بد من إيجاد جيش من المفسدين على رأسهم ” الرئيس “، تُعطى لهم الحرية الكاملة في إفساد المجتمع كله إذا إستطاعوا.
فكانت – على سبيل المثال لا الحصر – حملة الأيادي النظيفة، التي أَعلن عنها أويحيى نفسه، و التي بمقتضاها تم إزاحة عدد هائل من المسؤولين الأكِفاء و النُزهاء من الإدارات الإقتصادية، بما فيها الشركات الوطنية و المحلية، و استُبدلوا بمن أثبتوا فسادا ظاهرا. كما تم تَعيين قُضاة معروفين بفسادهم في هرم السلطة القضائية المركزية و المحلية. و على رأس الولايات و الدوائر عُين من هم معروفون بشدة الفساد، و ” انتُخِب ” المنتَخَبون في كافة المستويات على أساس الرداءة و الفساد و الولاء، و في نفس الوقت كان قد وَصل على رأس محافظات الشرطة و قيادات الدرك أولئك الذين ارتكبوا جرائم بشعة في التسعينات.
و بذلك وُجِد ما يحتاجه النظام من مسؤولين لا كفاءة لهم و لا ضمير و لا أخلاق، مهمتهم الأولى توريط أقلية في النهب تحت مُسميات مختلفة، و طحن الأغلبية العظمى من الشعب الذي أصبح همه الأكبر توفير ضرورات الحياة من مَلبس و مأكل و دواء، هذا لِمن كان محظوظا و وجد عملا و سقفا يأويه، و اضطُر بعض أفراد الشعب الى المشاركة في مشروع الفساد العظيم تحت تبريرات مختلفة أهمها ” حَقُنا في أموال البترول “.
تمكنت بذلك المخابرات العسكرية، التي هي دولة داخل الدولة، من إيجاد طبقة سياسية و إدارية و إعلامية بالغة الفساد، تُحركها كيفما تَشاء و متى تَشاء، تَرفع منهم من تَشاء الى أعلى المناصب فتَفتَح لهم ملذات الأرض، أو تَهوي بهم الى جحيم الدنيا إذا أرادت.
كانت استراتيجيتُهم تقول ” دَعهم يَنهبون، دَعهم يَفسُقون، دعهم يَسرِقون، دَعهم يَرتَشون، دَعهم يُفسِدون…، هكذا سنُخضِعهم، و بهم سنُخضِع الجميع “.
حتى بَدَا الشعب الجزائري في زمن الثورات العربية و كأنه خارج الزمان و خارج المكان، مُغيب العَقلِ و الفِعلِ على حد سواء.
و ظنوا أنهم قد أَسْقطوا الشعب…
و ظنوا أنهم قد نجَوا…