فكر كيف تنوع في ترسانة وسائلك اللاعنيفة وتضاعف قدراتك.
1- خطط للنشاط، حدد أهدافه، مدته، طبيعته (هل هو رمزي يوصل رسالة فقط، أم أنه سيحقق هدفاً نهائياً).
2- خطط لحماية النشاط، حمايته من أن يتحول للعنف، سواء كان العنف الداخلي للمحتجين، أو العنف الخارجي من المخربين، أو قوى القمع. أو حمايته من أن يفشل في تحقيق أهدافه بجرأتك على تحديد شروط التقدم أو الانسحاب.
3- خطط للطواريء، وللاحتمالات الواردة لإفشال نشاطك، وتذكر أن الضربة القاتلة له هي أن تنجر للعنف، خاصة عنف السلاح والتخريب.
4- في حالة الاعتداء عليك، لا تفكر بمنطق الانتقام، فكر بمنطق ما الذي يساعدك في تحقيق أهدافك. أحياناً كثيرة يكون مسار الانتقام مختلفاً عن مسار تحقيق الأهداف، خاصة حين يراد جرك إلى التفكير كمنتقم.
5- اختبر قابلية الجماهير للمشاركة معك، أو الرضا عن ما تقوم به، فإن أردت استخدام وسيلة، قد تبدأها بعدد قليل، لكن إن ظل عدد المشاركين فيها قليلاً فاعلم أن التصويت الشعبي يرفض المشاركة معك لسبب أو لآخر، قد يكون بسبب القضية نفسها التي تدافع عنها، أو الوسيلة المستخدمة. لا تستكبر عن التراجع.. واعلم أن التصويت الجماهيري يمنحك هدية إرشادية، وليس عقوبة لك.
6- في كل خطوة تخطوها تفقد موقعك من الجمهور، كم بعدت عنه، أو كم اقتربت منه، وتذكر أن الجماهير هي حاضنة التغيير. أنت بحاجة إليهم طيلة الوقت، لا تغيير بدون دعم الجماهير.
7- لا تضع الجمهور في اختيار غير منصف، إما أن يتعاطفوا مع قضيتك بالطريقة التي تريدها، أو تعتبرهم سلبيين، فربما يتعاطفون مع فكرتك، لكنهم يختلفون مع وسيلتك.
8- احرص في كل نشاط على مخاطبة كل من نفسك، بتحريرها من الخوف وزيادة تمسكها بالقضية. الجماهير، بإيصال فكرتك لهم بشكل متحضر يدفعهم للمشاركة معك. قوى القمع، بإيصال رسالة عدم وجود صراع فعلي بين الجندي والمحتج، كلاهما ضحية النظم الفاسدة. النظام، مستمرون على طريقنا، لن نلجأ للعنف، لكننا لن نخضع.
9- من تخاطبه أكثر ينظر إليك أكثر، إن خاطبت نفسك فقط ورددت شعاراتك التي تؤمن بها وبالألفاظ التي تحب، ستكلم نفسك، إن خاطبت الجماهير باللغة التي يفهمومنها ويتقبلونها ووجهت نظرك إليهم ستكسبهم، إذا ظللت تخاطب النظام طيلة الفترة وتمعن النظر فيه فقد أدرت ظهرك للجمهور، حدد موقعك بعناية بين كل الأطراف، واهتم بأن تخاطب الجماهير، حتى وإن كنت تخاطب النظام أو قوى القمع، أوصل من طريقة تعاملك معهما رسالة للجماهير العريضة.
10- صمم نشاطك كفنان، فكر كيف ستوصل من كل وسيلة رسالة إلى كل طرف، ارسم الوسيلة على الورق كأبهى لوحة واهتم بالتفاصيل. ونفذها بعبقرية، فلوحتك تلفت بعبقريتها أنظار الجماهير وقوى القمع وخصومك. فلا تجعل لوحة خصمك تتفوق على لوحتك، فتقف أمامها الجماهير وتتركك.
11- أي وسيلة ستكرر استخدامها كثيراً سيكتشف خصومك ثغراتها، ومن ثم يتسللون إليك من تلك الثغرات. نجاح الوسيلة السابق لا يعني أنها صالحة للاستخدام في كل مرة، النجاح مرهون بقدراتك على تطوير الوسائل، وتنويعها لتبهر كل الأطراف.
12- إن لم تنجح وسيلتك فلا تتخل عن اللاعنف سريعاً قائلاً أنك جربته ولم تنجح، فكر في مدى فاعلية الوسيلة التي استخدمتها، فكر في الاستراتيجية العامة التي تنتهجها، فكر في قراءتك الكاملة للمشهد.. ربما يكون الخلل في تقديرك للموقف واختيار السبل الأنسب للتعامل معه.
13- اشكر كل من ساندك وساهم معك في إنجاح النشاط، فالشكر جزء من النشاط ينبغي خدمته بشكل جيد، ليس كلمة عابرة.
الدرس (12): إسقاط النظام
النظام هو :
مكونات: تتكون من أفراد ومؤسسات
علاقات: تربط المؤسسات المختلفة ببعضها، وكذلك علاقة الأفراد والمؤسسات.
قواعد: وهي التي تحكم العلاقات، فهناك علاقة سلطة، وعلاقة مصالح متبادلة، وعلاقة هيمنة.
يكون التغيير الجذري في النظام حين تتغير موازين القوى فيه، ويعاد توزيع السلطات، وبذلك تتغير القواعد..
شاهد الفيديو
حرب اللاعنف
تعيد الاعتبار للشعب كمكون أساسي في النظام، وتجعل منه فاعلاً مؤثراً في النظام الجديد. لذلك فهي تسعى إلى “بناء مجتمع قوي”، ولا تعبر عن نفسها بالمعنى السلبي “إسقاط النظام”، وإن كان يحدث بطبيعة الحال، فدخول الشعب في المعادلة كفاعل يعني أن موازين القوى تغيرت في النظام، ومن ثم تتم إعادة توزيع القوة في المجتمع بدرجة أو أخرى، هذا الأمر هو ما يقود بالتبعية إلى إسقاط النظام السابق، الذي لم يكن للشعب فيه حضور، حيث تتغير علاقة الشعب بالمؤسسات، وتتأسس مؤسسات جديدة تعطيه القدرة على الرقابة، وتتغير القواعد التي تحكم هذه العلاقات.
ملحوظة:
تغيير الأفراد فقط: ليس تغييراً في النظام.
العبرة بتغيير العلاقات والقواعد التي تحكمها، فإن قلنا أنه قبل التغيير لم تكن هناك علاقة فعالة للشعب في اتخاذ القرار، فإن التغيير يعني وجود مؤسسات شعبية، وقواعد جديدة تعطيها سلطة أعلى تمكنها من التأثير الفعال في صناعة القرار.
أي أن التغيير الجذري مرهون بتغيير القواعد والعلاقات، حتى لو بقي الأفراد، بينما تغيير الأفراد مع بقاء العلاقات وقواعدها لا يعتبر جذرياً، ومن الناحية العملية قلما يحدث أن تتغير القواعد دون الأفراد، حيث يطلق على ذلك : “التحول”، أن يتحول أفراد النظام إلى تبني قواعد جديدة للحكم ويكونوا شركاء في التغيير، وهو أمر نادر الحدوث وإن كان ممكناً. لكن الغالب أن يحدث التغيير من خلال “الإجبار اللاعنيف”، لا التحول الطوعي والاقتناع بضرورة التغيير.
شاهد الفيديو
تدريب
اختر أي نظام من النظم ولنقل النظام التعليمي وقم بالتالي:
حدد مكونات النظام (الأفراد والمؤسسات والهيئات التي تكون النظام).
حدد العلاقات القائمة التي تربط تلك المؤسسات.
حدد القواعد التفصيلية التي تحكم كل علاقة.
حدد طبيعة الشكل المستقبلي الذي تريده للنظام ومن ثم مواطن الخلل التي تريد عمل إصلاحات فيها أو تغييرات جذرية.
ضع استراتيجية للتعامل مع أهداف مشروعك لخلق النظام الجديد من خلال استهداف كل علاقة يراد إضافتها أو تغييرها، أو مؤسسات يراد تطويرها أو إزاحتها.
بذلك يكون لديك تصور عن النظام الراهن والنظام المستقبلي الذي تود الوصول إليه، وتملك المسارات التي توصلك.
التطبيق العملي
على نفس النمط السابق حدد أين تكمن الإشكالية في النظم في بلادك (نظام سياسي – اقتصادي – ثقافي – الخ)
حدد طبيعة المكونات والعلاقات التي تريد تغييرها.
حدد بناء على دراستك هل الأمر يتطلب بعض الإصلاحات أم أنه يحتاج تغييراً جذرياً.
الدرس (13): الاقتراب المباشر وغير المباشر
“هناك استراتيجيتان أساسيتان للتغيير، سواء كان تغييراً عنيفاً أو غير عنيف:
أولاً: استراتيجية الاقتراب المباشر
وتعتمد هذه الاستراتيجية على مسك الثور من قرنيه، والاصطدام المباشر. بمعنى أنها تقوم على حشد قوى الحركة التغييرية في مواجهة نقاط قوة الخصم، ومن ثم الدخول في مواجهة حاسمة تنتهي بالقضاء على قوة أحد الطرفين.
ولا يمكن أن تلجأ الحركة التغييرية المقاومة إلى هذه الاستراتيجية إلا إذا كانت كفة ميزان القوى تميل لصالحها أو على أقل الأحوال توازن ميزان القوى بينها وبين قوة الديكتاتور.
ثانياً: استراتيجية الاقتراب غير المباشر
أما استراتيجية الاقتراب غير المباشر فتتضمن المناورة وعدم الاصطدام المباشر “عدم أخذ الثور من قرنيه”، بمعنى أنها تقوم على حشد قوى الحركة التغييرية في مواجهة نقاط الضعف الخصم، إحداث فجوات في بنيان الخصم يمكن منها الولوج إلى نقاط قوته. أي أنها تعني عدم اختبار العدو في امتحان مباشر للقوة.
وهذه الاستراتيجية تتضمن عدم الاقتراب من الخصم إلا بعد أخذ الاحتياطات اللازمة لإزعاجه ومفاجأته بهدف زعزعة توازنه بهجوم غير متوقع تقوم به من اتجاهات متعددة. والواقع أن تكتيكات الاقتراب غير المباشر تفرض نفسها على أحد الخصمين المتنازعين إذا كان لا يثق ثقة تامة بأنه من القوة بحيث يستطيع التغلب على خصمه في معركة تنشب على أرض يختارها عدوه.
ويقترح ليدل هارت الاستخدام المنهجي للاقتراب غير المباشر، بمعنى التقدم نحو الخصم من اتجاهات غير متوقعة، ثم التقدم في اتجاهات متعددة والقيام بتغييرها بحيث تصرف تفكير الخصم عن الأهداف الحقيقة للهجوم.
ومن الأخطاء التي تقع فيها الحركات التغييرية الشابة والفتية استخدامها لاستراتيجية الاقتراب المباشر قبل أن تستكمل عدتها، وهو ما يؤدي إلى وأدها وهي لا تزال تحبو.
وعلى النقيض من ذلك، غالباً ما تمارس الحركات التغييرية العريقة والتاريخية – والتي مرت بالكثير من التجارب المريرة نتاج صداماتها المختلفة مع النظام – استراتيجية الاقتراب غير المباشر حتى في اللحظات المفصلية والتاريخية، والتي تحتاج إلى جرأة على اتخاذ قرار المواجهة المباشرة.
شاهد الفيديو
وفي الواقع فإن حرب اللاعنف تعتمد على الدمج بين الاستراتيجتين، وما يمكن أن ينتج عن الدمج بينهما لا حدود له. وعادة ما يستخدم الاقتراب المباشر في الحملات النهائية الحاسمة، بعد أن يكون الاقتراب غير المباشر قد تمكن من تقويض مصادر القوة التي ترتكز عليها الديكتاتوريات.”
وقد يأخذ الاقتراب المباشر شكلاً ملحمياً ثورياً كما يجري في الثورات، حيث تتقدم الحشود للمواجهة (اللاعنيفة) بشكل مباشر، في معركة تسعى من خلالها لتحقيق انتصار، وليس إثبات وجود أو تسليط الأنظار على قضية ما.
وقد يأخذ الاقتراب المباشر شكلاً رمزياً، بمعنى أنه لا يدخل في مواجهة حاسمة، ولكنه يدخل في مواجهة محدودة لاختبار القدرات، وللإشارة إلى الظلم بوضوح، مثل الأنشطة التي تقوم بها مجموعات السلام الأخضر في اعتراض بعض البوارج التي تحمل مواد مضرة بالبيئة.
شاهد فيديو مجموعات السلام الأخضر
الدرس (14): مجموعات العمل
لأن حرب اللاعنف تقوم على نظرية القوة متعددة المصادر، فإن نمط الحركة فيها يكون منسجماً مع تلك النظرية، فلا تتكرس القوة في يد شخص أو مجموعة واحدة (حتى ولو بدعوى المقاومة)، لأن ذلك ينتج في النهاية نظام الفرد من جديد، ويكون اللاعنف مجرد تقنية توصل لهدف يفترض كان المطلوب الخلاص منه.
ظهر هذا النموذج بوضوح في الثورة الإيرانية عام 1979، حيث برز قائدها الخميني، وتكرست النهاية السلطة في يد فريق بعينه، يمنع من سواه عن التشارك في إدارة البلاد. في تلك الحالة نلحظ أن اللاعنف كان مجرد تقنية، وليس منهجاً يوصل إلى نتيجة مفادها إعادة توزيع القوة من جديد في المجتمع، بناء على نظرية القوة متعددة المصادر.
لذلك تقوم حرب اللاعنف من البداية على فكرة مجموعات العمل المتنوعة، وعلى غياب القيادة المركزية قدر المستطاع. ولا يمنع ذلك من تشكل كيانات تعكس تنوع المجتمع في النهاية للتعبير عن المشروع التغييري.
هذا النمط من الفعل يمنع استلاب مشروع التغيير أو ارتهانه للخصوم، من خلال التحكم في القيادة وتطويعها، فمشروع التغيير لا تعبر عنه قيادة من مبدإه إلى منتهاه، ولكنه يعمل من خلال الأهداف، كل مجموعة متفقة على هدف موحد تتعاون من أجل إنجازه، فإن أنجز الهدف جاز لهم أن يتفرقوا إن لم يتفقوا في الهدف التالي، وبالتالي حتى لو تم تطويع بعض المجموعات ، فهناك مجموعات أخرى لا يتم تطويعها. هذه الحرية تساهم في خلق مجتمع حر، يختار معاركه دون إكراه، ويمنع السيطرة عليه مجدداً من خلال السيطرة على قياداته.
إن المنتج النهائي لمجتمع ما بعد التغيير في حرب اللاعنف هو المجتمع الحر القوي، ومن ثم يجب أن تعكس تلك الصفتين في الاستراتيجيات والتكتيكات المتبعة، فهي تشجع الحرية، وتعتمد على بناء وحدات قوية في المجتمع قادرة على اتخاذ القرار.
للاطلاع
التبعثر المدروس والتجمع السليم
يحدد ميزان القوى بين القوى المتصارعة ما إذا كانت قوى المقاومة ستتخذ موقفاً دفاعياً أو هجومياً، أو خليط بين الإثنين، وهو الذي يقرر الدخول في المعاركة الفاصلة أو تجنبه، ويقرر الكيفية التي تخاض بها المعارك الجزئية التكتيكية. وعلى حركة المقاومة أن تعي مستويات الفعل المختلفة وتدرك الآليات التي ستنتقل بها من مرحلة اختلال ميزان القوى لصالح الخصم، إلى مرحلة التعادل الاستراتيجي في ميزان لقوى، ثم إلى مرحلة التفوق الاستراتيجي عليه.[1]
وعندما لا تمتلك المقاومة القدرات على الدخول مع الخصم في معركة مباشرة، فإنها تلجأ إلى الالتفاف حوله، بإبداع استراتيجية مصممة لمواجهة النظم الديكتاتورية، ومتفوقة على استراتيجية الخصم، فتتجنب الالتحام معه في معركة مباشرة، “فعضلات الدولة أقوى من عضلات أي حزب سياسي”[2]، لذلك تعتمد الحركات في مواجهة قوة الديكتاتوريات أسلوباً يتميز بمرونة شديدة في الحركة، وقدرة على المبادرة والكر والفر، وعدم التحول إلى رد الفعل.
وتقوم فكرة التبعثر الفعال والتجمع السليم على استراتيجية الاقتراب غير المباشر، وتعني هذه الاستراتيجية (“عدم مسك الثور من قرنيه”، أي عدم اختبار العدو في امتحان مباشر للقوة، وعدم الاقتراب من الخصم إلا بعد أخذ الاحتياطات اللازمة لزعزعة توازنه بهجوم غير متوقع تقوم به من اتجاهات متعددة. وتفرض تكتيكات الاقتراب غير المباشر نفسها على أحد الخصمين المتنازعين إذا كان لا يثق ثقة تامة بأنه من القوة بحيث يستطيع التغلب على خصمه في معركة تنشب على أرض يختارها عدوه.
ويقترح ليدل هارت الاستخدام المنهجي للاقتراب غير المباشر، بمعنى التقدم نحو الخصم من اتجاهات غير متوقعة، ثم التقدم في اتجاهات متعددة والقيام بتغييرها بحيث تصرف تفكير الخصم عن الأهداف الحقيقة للهجوم.)[3]
لذلك يجب أن تنطلق الحملات والمشاريع من أكثر من جهة، وأن يولدها أكثر من مصدر، حتى يكون المجتمع قادراً على توليد المشاريع دون الانتظار أو الاعتماد على وجود قيادة مركزية، أو قائد كاريزمي، يسهل على النظام الدكتاتوري قمعه ووأد حركة المجتمع التغييرية في مهدها بالقضاء على قيادتها.
إنها مشاريع متعددة من أكثر من جهة، تشكل انتشاراً استراتيجياً من المشاريع التي تعم المحتمع، وهذا التبعثر الفعال لا يعني أن أحداً خطط لكل مجموعة دورها، وضمان فاعليته هو وضوح خارطة الصراع لجميع العاملين والنشطاء، ومعرفة احتياجات المرحلة، والمساحات التي يجب بذل الجهد فيها، والمساحات الفارغة التي يحتاج من يملأها ويقوم عليها، إنها مشاريع متناثرة لا تجمعها قيادة مركزية، لكن وضوح البوصلة وتوفير الاتجاه العام يضمن فاعليتها. أما حركة المشاريع نفسها فهي ليست مدروسة من قيادة مركزية، لكنه تيار يجري بين ضفتي نهر التغيير، تلك الضفتين التي تحولان دون خروج التيار عن مساره، وتمثل الضفتين هنا خلفية فكرية مشتركة عن ثقافة التغيير، وأدوات الفعل، ووضح استراتيجية المرحلة. وفهم خارطة الصراع، ومكان كل مشروع من هذه الخارطة. للحيلولة دون إقامة مشاريع تعمل في فراغ استراتيجي.
ويستمر هذا التناثر – وإن صاحبه تنسيق أحياناً بين بعض المشاريع – حتى تستطيع قوى المقاومة من نقل قطاعات متعددة من مقعد المتفرج إلى ساحة الفعل، عبر مشروعات متنوعة تستوعب طاقات المجتمع، وتبرز في المجتمع حينها قياداته الجديدة التي أنضجها الفعل، والتي أفرزتها المشروعات. وغالباً ما تكون القيادة الفكرية للحراك في هذه المرحلة متمثلة في أصحاب الرؤى والقيادات الفكرية ومراكز الدراسات والأبحاث التي توفر اتجاه الفعل، وتتابع استجابة النشطاء، وتختبر مدى فاعلية هذه الاستجابة، فتتطور رؤى أصحاب الفكر باستجابة النشطاء ومبادراتهم، كذلك بدراسة التأثيرات المختلفة لهذه التحركات على النظام الاستبدادي.
وعندما يملأ المجتمع بقواه المختلفة الفراغات المطلوبة، تأتي الفرصة لحشد هذه القوى في فعل واحد، في حملة موحدة لتحصيل النتيجة النهائية المطلوبة وهنا تأتي لحظة “التجمع السليم”، وحينها يصبح التجمع فعالاً ويصعب استهداف قياداته، بعد أن تدرب المجتمع على العمل بدون قيادة مركزية. ويحتاج هذا التجمع عادة نوعاً من المركزية خاصة فيما يتعلق بتحديد شكل الفعل الحاسم، واستراتيجية تنفيذه، وتوفير البدائل في حالة فشله، لذلك قد تتجمع الجهود تحت إطار جبهة وطنية، تمثل قوى التغيير من خلال قيادة قادرة على القيام بدور المرحلة من تمثيل المقاومة والتفاوض في بعض الحالات.
ويحتاج هذا النوع من الفعل وهذه الاستراتيجية بنية تنظيمية في شدة المرونة، سواء داخل الحركات أو الأحزاب أو شرائح المجتمع المختلفة.
افرحوا بالحرية
يفترض في المجتمعات التي هي حديثة عهد بالحرية أن تعيش حالة من السعادة الغامرة، فكل صاحب فكرة سيكون بمقدوره أن ينشر فكرته ويدعو لها ويحشد الآخرين في سبيل تحقيقها… لكنني أرى أناساً لغتهم العبوس، تراهم متخوفين من أفكار الآخرين أن تنتشر بدلاً من أن يفكروا في كيفية نشر أفكارهم، يولولون ليل نهار … “التتار قادمون”.. يفكرون في العقبات التي تحول دون انتشار أفكار خصومهم… يشكلون جهاز أمن الأفكار… وهيهات أن تخترع عقبة تعرقل فكرة…
كم حاولت الديكتاتوريات حجب أو عرقلة أفكار التغيير، كانت الأفكار تتسرب من أياديها، وهذه هي طبيعة الأفكار، التجربة تعلمنا أن الفكرة الأصلح إن قُيضت لها عزائم ووسائل فعالة فإنها تقهر أي فكرة ضعيفة. فمن ذا الذي يقدر على حجب الأفكار إلا بالأفكار؟! فلا تخش من استفحال أمر فكرة لا تروقك… ولكن انظر هل فكرتك أنت قابلة لأن يستفحل أمرها؟!
الحرية فرصة تتجاور فيها الأفكار وتتعارف، من تدعوهم إلى أن يغيروا أفكارهم، أو يبتلعوها في بطونهم ولا يحدثوا بها أحداً، يريدون منك ذلك أيضاً، من أدراك أنك صاحب النظرة الثاقبة وأنهم حفنة من الأغبياء؟! فما تراه تشدداً يرونه تمسكاً، وما تراه تحللاً يرونه تحرراً، في أجواء الحرية نتناقش.. لا لنقنع الآخرين أولاً بل لنفهم أفكارهم وكيفية تشكلها، فالحرية فرصة نراجع فيها أفكارنا من جذورها خاصة عندما تقف جميعها على منصة واحدة فتظهر الدميمة من الفاتنة.
فور أن تُقتح نوافذ الحرية يجب أن ننتبه أن – معظمنا – يحمل أفكاراً مشوهة، تشكلت في ظل مناخات اضطهاد تُعذب فيها الأفكار فتصرخ وتلجأ إلى أعلى النبرات، كانت ترفع الصوت كي تتحدى… ومع أول استنشاق لنسمات الحرية قد نجدنا نمارس نفس السلوك… لا بأس… فالقادم أفضل… تلاقينا وارتباطنا -كبني آدمين- ورؤية العالم الجديد كفيل بضبط أفكارنا بل وتغييرها..
الحرية تجعلنا نرتبط بالإنسان أكثر… فالديكتاتوريات تعزل الأفكار عن بعض وتشعل الخصومة بين معتنقيها… حتى إنك عندما ترى خصومك يأكلون ويشربون مثلك تتذكر أنهم بشر… هم ليسوا مخلوقات دخيلة على الجنس البشري، في النهاية من تختلف معه شخص تمسك بأفكار أو سيطرت عليه أفكار، وبالتالي لا تنبغي معاقبته… ربما يجب تحرير عقله فقط!! وهذه مهمة ممكنة جداً في مناخ الحرية..
افرحوا بالحرية… واعملوا بها ولها، انشروا أفكاركم وبشروا ببرامجكم، فإن كنتم لا تملكون سوى تشويه أفكار غيركم وسب معتنقيها فهنيئاً لخصومكم… ما أحوجهم إلى أمثالكم ممن يوحد جبهتهم ويكسب أفكارهم مزيداً من التعالي!!
فن بناء الجسور
لو أن مجموعة من الناس يقفون على ضفة نهر، ويريدون الانتقال إلى الضفة الأخرى، لكنهم لا يجدون وسيلة تنقلهم، ولا يستطيعون العبور سباحة حيث أن النهر اشتهر بأساطيره المميتة. ووقف الجميع أمام النهر لا يدرون ماذا يفعلون. قام أحدهم وقفز في النهر… ظن المشاهدون أنه سيقع فريسة للموت، لكنه استمر في السباحة، حتى وصل إلى الضفة الأخرى سالماً، فتشجع الناس من بعده على نفس الفعل، وبذلك بنى جسراً من العزيمة وكسر الخوف، وتمكن الآخرون من بعده من إنهاء هذه المرحلة ليبدأوا المرحلة التالية بعد عبور النهر.
وتقوم مجموعات العمل ببناء الجسور التي تقوي شوكة حركات التغيير وتضعف من قوة النظام، وتقوم بكسر المزيد من الخطوط الحمراء لتتقدم قوى التغيير من خلفها. فعلى سبيل المثال حينما يحظر نظام ما والاحتجاج على ممارساته، فإن تحرك مجموعة عمل نحو الشارع ولو بأعداد رمزية يوحي للجمهور العريض بإمكانية الفعل، وتشكل هذه التحركات جسراً جديداً يُبنى، ويقتنع الجمهور والقوى التغييرية المترددة والمحجمة أن النزول إلى الشارع أمر ممكن. كذلك بعض المواقع على الإنترنت التي تبدأ منفردة لتصنع جسراً لاستخدام الإنترنت في مواجهة النظام ودعم الحركات التغييرية، هذا الجسر يشجع الكثيرين بعد ذلك على استخدام الإنترنت كساحة من ساحات المواجهة. وهكذا يمكن بناء جسر تلو جسر لتعبيد الطريق أمام القوى المقاومة لتفقد النظم الديكتاتورية خطاً أحمر آخر يتم تدميره.
يتضح من (شكل (1)) كيف أنه توجد خطوط حمراء تحول بين حركات التحول ومجموعات العمل (ج1، ج2، ج3،…)وبين أن تصل إلى أهدافها، هذه الخطوط الحمراء قد تكون مصادر القوة للنظام مثل الشرعية والمال والقمع …الخ، وهي بالأساس تشكل حاجزاً نفسياً يمنع المجتمعات عن التفكير في المقاومة، كما أنها تحدد سقف مطالب الحركات.
نلاحظ في شكل (2) أن المجموعة (1) قررت أن تجرب اختراق أحد الخطوط الحمراء، واضعة في اعتبارها إما النجاح أو الفشل، ويظهر من شكل (3) كيف أنها عندما نجحت في كسر أحد الخطوط الحمراء تقدمت في المساحة التي اكتسبتها بإقدامها بقية المجموعات والحركات.
وقد تتمكن نفس المجموعة (1) من كسر خط جديد، أو قد لا تتمكن، فقط جرأت المجموعات الأخرى على كسر الخطوط الحمراء مؤكدة لهم إمكانية الفعل.
لم تتقدم نفس المجموعة (1) وإنما بنت جسراً عبرت عليه مجموعات أخرى، وهنا فكرت المجموعة (2) أن تقوم بالمبادرة لكسر خط جديد كما في شكل (4)، وبالفعل كسرت خطاً جديداً تقدمت على إثره بقية المجموعات كما في شكل (5)، ويلاحظ في الشكل أنه كلما كسرت خطوط حمراء، كلما تشجع الناس لتكوين مجموعات جديدة نوعية، فهنا تظهر مجموعتين جديدتين (5) و(6) استحثهما فعل السابقين.
وهكذا يتقدم مشروع التغيير بفعل المجموعات التي تبني قدرة المجتمع على الفعل، وتستحثه للتجربة، وتخفف العبء فلا تتحمله حركة أو مجموعة بمفردها، وتستمر عملية بناء الجسور حتى كسر آخر خط أحمر. ليصل المجتمع بقواه المختلفة إلى هدفه، وهو التحرر من الاستبداد.
رفع سقف التحدي السياسي
وعادة ما تكون التحديات سبباً قوياً للتطور، ولأسلوب مجموعات العمل دور كبير في تطوير أداء المجتمع، والارتفاع به إلى الأداء النوعي، فظهور أي مجموعة جديدة تقوم بعمل نوعي يخلق تحدياً خارجياً للمجموعات الأخرى، ويدفعها هذا التحدي إلى التطوير والحرص على التميز.
ففكرة مجموعات العمل لها دور كبير في تحريك الحركات والأحزاب التي تخفض سقف حركتها ومطالبها، أو تمارس أداءً سياسياً ضعيفاً، وظهور مجموعة عمل جديدة بمبادرة جديدة جريئة ونوعية يمثل تحدياً خارجياً للحركة أو الحزب، ويمثل عامل ضغط داخلي، فيضغط أفراد الحركة أو الحزب على قياداتهم، ويطالبون بالقيام بأعمال شبيهة، وبأنهم الأحق بالقيام بهذا الدور.
إن هذا التفاعل الذي يتولد بفعل مجموعة عمل لا يقوم فقط بتحريك شرائح المجتمع الخاملة، بل يؤثر كذلك في الحركات التي تخشى من تفلت أفرادها منها، لذلك تبادر بفعل يليق بمكانتها في عيون أفرادها، وفي عيون المراقبين. لذلك يرفع أسلوب مجموعات العمل من سقف المطالب، ويقوي حدة التحدي السياسي.
وتقتضي طبيعة الصراع مع النظام الدكتاتوري أن يتدرب الشعب على أسلوب فرق العمل لبناء الجسور التغييرية. التي تشجع الآخرين على القيام بدورهم ببناء جسر جديد. وبذلك تمضي مسيرة التغيير عبر جسور المجموعات المتنوعة. وتكون الروح السائدة بين المجموعات هي روح الشراكة الاستراتيجية، وليست التبعية. فالكل شريك في صناعة التغيير.
ملاحظات مهمة:
· مجموعات العمل التي تأخذ على عاتقها كسر الخطوط الحمراء قد تتحطم هي على متاريس إحدى هذه الخطوط.
· قد تنجح مجموعة في كسر خط من الخطوط الحمراء، وينتهي دورها التاريخي بذلك. ولا تسعى لكسر بقية الخطوط، بل قد تقوم بتفكيك نفسها بعد ذلك. ويدخل أفرادها في مجموعات جديدة لعمل جديد، مدركين أنهم كمجموعة مترابطة لن يؤدوا أكثر مما فعلوه، لكنهم قد يجيدون بأشكال أخرى.
· تعجز أي مجموعة عادة عن احتكار كسر الخطوط، فقد تنجح مجموعة في كسر خط، لكنها لا تنجح في كسر الخط الذي يليه، بينما تنجح أخرى في ذلك. ولذلك قدرة مجموعة ما على كسر أحد الخوط الحمراء لا يعني قدرتها على كسر كل الخطوط.
· يتخوف البعض من أن أسلوب فرق العمل يؤدي إلى فوضى.. وهذا التخوف وإن كان صحيحاً في حالة “الكفاح العنيف”…غير أنه ليس كذلك في حالة “اللاعنف”. فهي تحتاج إلى مساحة كبيرة من التدريب على الحرية، ومجموعات العمل صمام أمان حتى يجد الناس متنفساً لتحقيق ما يريدون بشكل غير عنيف وبمساحة واسعة من الحرية تطلق الإبداعات، وهو تدريب لبناء مستقبل مجتمع حر، يُحترم فيه عقل كل عامل، وتنتعش معه فاعلية الحراك السياسي. وتنضج قيادات جديدة تمارس عملاً سياسياً يقبل بالتعددية.
كما أن هذا الأسلوب وليد استراتيجية “التبعثر الفعال والتجمع السليم”. والذي استلزمته طبيعة الصراع مع النظام الدكتاتوري، فهذا التبعثر الملتزم بسياسات حركة اللاعنف مناسب لهذه المرحلة التي يطلب فيها تحريك الجماهير ونقلهم من مقعد المتفرج إلى الفاعل، وبعد فترة من الحراك الذي يخرج من “مصادر متعددة مع وحدة الهدف”، فإن تجميعه يحدث بشكل تلقائي عندما تجتمع المعارضة على أجندة محددة في لحظة فاصلة تستدعي تكوين جبهة قوية، وهو الأمر الذي لا ينبغي استعجاله قبل أن يصل الحراك الشعبي إلى النقطة الحرجة، التي يرجى بعدها إعادة ترتيب الأوراق، وتجمع هذه المجموعات “المبعثرة” في عمل حاسم ونهائي “مدروس”، وليس عملاً مناوراً.
إن لمجموعات العمل المتناثرة (التبعثر الفعال) دوراً فعالاً في مرحلة من مراحل الصراع، وهي أداة من أدوات الصراع. وتكوين الجبهات (التجمع السليم) كذلك أداة من أدوات الصراع، وكل أداة منهما تخدم مرحلة معينة، وإن لم تستخدم كلتاهما في الوقت المناسب وبفاعلية؛ تخسر قوى التغيير أداة قوية من أدواتها.
ولا شك أن قوى التغيير المتصدية لهذه الرسالة العظيمة، بحاجة إلى التدريب على مثل هذا النوع من العمل، وأن تخوض تجارب تدريبية صغيرة قبل أن تصل إلى اللحظة الحاسمة النهائية في حرب اللاعنف، ويجب أن تثق في الشعب وأنه يستطيع أن يشارك بشكل متحضر في الحراك التغييري، وأن هناك الكثير من العقول الرائدة القادرة على الفعل والمساهمة في إحداث التغيير. وأن الناشطين الأحرار يتسمون بالتصرفات الواعية ويدركون ماذا يفعلون، وتحركهم في الساحة سيكون دافعاً لعجلة التغيير.
وسواء قررالغيورون أن يدعموا حركات التغيير بشكل مباشر (الانضمام)، أو أن ينشئوا فرق عمل داعمة فإن روح العمل في فريق تضمن قوة النشاط المطلوب لإسقاط النظم الديكتاتورية.
التغيير وفن التتابع
يتطلب التغيير وعياً بسباق التتابع، حيث يقطع كل متسابق مسافة أو مرحلة محددة ثم يسلم الراية لمن يليه، لينطلق هو بالعصا حتى ينجح المشروع في النهاية على أيدي أناس قد يختلفون تماماً عمن بدأوه.
في بعض مراحل التغيير تجد الناس تبحث في المكان الخطأ عن الفاعلين الذين سيديرون دفة الأحداث، فيلومون الكيانات القديمة التي مارست دوراً مهماً في مرحلة سابقة، متوهمين أنها المنقذ الذي سيكمل المشروع للنهاية، فيجلدون تلك المجموعات بالمطالب، ويرفعون سقف توقعاتهم منها، ولم ينتبهوا إلى أن تلك الكيانات ليست سوى أدوات كانت صالحة لمرحلة محددة وربما لا تصلح لمرحلة أخرى قد تتطلب أدوراً ذات طبيعة مختلفة، وأدوات ذات خصائص مختلفة.
قد يقولون لكن هذه الكيانات لا زالت حاضرة، عليهم أن يتسائلوا، هل هي حاضرة تقوم بأعمال حيوية وفعالة، أم أنه حضور من ينتظر تكريمه في الميدان بعد أن أنهى مهمته؟!
إن سباق التتابع يعلمنا أن المجتمع كله شريك في صناعة التغيير، وأن كل مرحلة لها رموزها وصناعها، وأن الجميع مسئولون عن قطع الأشواط والمراحل، وعلى كل كفاءة أن تتصدر المشهد حين تأتي المرحلة التي تبرز فيها الحاجة إلى كفاءاتها.
عندما يُرى أحدهم يصارع الغرق في البحر؛ فإن المجتمع يتحرك بشكل طبيعي، فشخص يقوم بالتنبيه بالخطر فيصرخ في رواد الشاطيء، لكنه لا يحسن السباحة فيأمل أن يتلقف صرخته سباح ماهر، فإذا سمع السباح الصرخة بدأت مرحلته ليخلع ملابسه في عمل بطولي مقتحماً الأمواج، فإذا حمل الغريق إلى الشاطيء بدأ دور متقنو الإسعافات الأولية.
سنلحظ هنا أن الذي صرخ في البداية قام بدور أساسي هو التنبيه، لكن بعد إخراج الغريق قام بدور ثانوي وهوالمشاركة في حمل الغريق مع كثيرين.
لذلك يمكن لمن كان يقوم في مرحلة بدور أساسي محوري أن يتحول في مرحلة أخرى إلى دور ثانوي داعم، فليس بالضرورة أن يظل في الصدارة دائماً في كل مرحلة، فمن تصدر في مرحلة الخطوط الأمامية يمكن أن يربض في الخطوط الخلفية في مرحلة أخرى، فلكل مرحلة أهلها.
والمجتمع الطبيعي يعلم أنه يمتلك من الطاقات الكامنة ما لو تفاعلت سوياً لقدمت أروع الأمثلة في التغيير الحضاري، وأن كل هذه الطاقات شريكة في إحداث التغيير، وأن لكل منها وقته كي يتم تفعيلها.
أما الذين يشكون أن التغيير لم يؤد إلى نتائجه النهائية، ويصرخون ليل نهار.. أين ذهب التغيير؟! ويطالبون غيرهم بأن يتم التغيير على أكمل وجه وهم متفرجون؛ فهؤلاء لا يعون جيداً طبيعة التغيير الشعبي، هم أقرب إلى أولئك الملأ الذين اجتمعوا على الشاطيء يصرخون في المنقذ… كيف أخرجت الغريق من الماء ولم تسعفه؟ لقد انهالوا عليه ضرباً حتى أدموه.
لكن في الحقيقة ليسوا هم وحدهم المخطئين، فبعد أن أنهى المنقذ مهمته، أخذ يصيح في الناس.. أنا بطل.. أنا بطل… فسألوه أن يتم مهمته فأبى أن يخبرهم أنه لا يفهم في الإسعافات الأولية، هو مجرد سباح جريء ماهر، تعذر عليه أن يخبرهم أن دوره قد انتهي، خشي أن يخطف الأنظار شخص آخر، فحاول إسعاف الغريق مقترفاً معظم الأخطاء التي تحذر منها الإرشادات الأساسية للإسعافات الأولية، ومات الغريق في يده… نعم … هو من قتل الغريق!! ترى هل نصف هذا السباح بالمنقذ أم القاتل؟! لقد لعب الدوريْن!!
إن التغيير مسئولية شعب بأكمله لا يمكن أن يلقيها أحد على الآخر، كما لا يصح أن تكون جريمة يلاحق بها من بدأوه وضحوا من أجله، وأتموا مرحلتهم على أكمل وجه، لنرى البعض يصرخ فيهم.. وماذا بعد؟! كذلك لا ينبغي أن يستعلي أصحاب المرحلة الأولى على من سواهم قائلين لهم أنتم لم تشاركوا معنا وليس لكم مكاناً اليوم، سنتم السباق وحدنا للنهاية.. هم بذلك أقرب إلى قاتل الغريق.
المجتمعات الواعية تعلم أن التغيير هو فن تتابع الأدوار، وأن مشاركة الجميع مطلوبة وإن اختلفت توقيتات المشاركة، المهم أن يشارك الجميع في عزف السيمفونية كل في وقته المناسب، ولا بأس أن يعلو صوت آلة موسيقية مقابل خفوت صوت آلة ثانية أو اختفاء صوت ثالثة.. يجب احترام ذلك كله، المهم أن يعرف كل فرد أو حزب أو مؤسسة متى يبدأ دوره ومتى ينتهي. ومعرفة توقيت الانتهاء لا يقل أهمية عن معرفة توقيت البدء!!
إذا سمعت صوتاً نشازاً في معزوفة التغيير فاعلم أن هناك عدم احترام للأدوار، وأن اللعب “بالصاجات” أصبح هو المهيمن.
الدرس (15): البنية التحتية للحركة التغييرية
ما الذي نقصده بالبنية التحتية؟
مثلما استخدم هذا المصطلح في الكثير من التخصصات والعلوم1] فقد ارتأينا استخدامه أيضاً في علوم التغيير للدلالة على التجهيزات والخدمات والروافع التي يقوم عليها الحراك والبناء التغييري، وهي التجهيزات التي قد لا يلمسها عموم النشطاء والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، ولا تدخل ضمن الفعل التغييري المباشر. ويدخل في هذا الإطار التحضيرات الفكرية والتدريبية والإعلامية والاقتصادية والمشاريعية للحراك التغييري، وهي كلها تحضيرات تسبق العمل المباشر وتمهد له.
ما معالم البنية التحتية؟
حتى ندرك معالم البنية التحتية للحراك التغييري لابد أن نعلم أولاً أن الحراك التغييري يشبه إلى حد بعيد الحرب العسكرية[2]، ويكمن الفرق الرئيسي بينهما في طبيعة الأسلحة المستخدمة وفي طريقة إدارة الصراع، إذ يسوى الصراع في حالة الحرب عبر الفعل العسكري بينما يسوى في الحراك التغييري عبر الفعل السياسي والاجتماعي.
ويستلزم الفعل التغييري – مثله مثل الفعل العسكري – بنية تحتية معينة مقسمة على مجموعة من الخطوط المختلفة، وسنقسم هذه الخطوط إلى ثلاثة خطوط رئيسة:
1- الخط الأمامي: ويشكل خط المواجهة والفعل والتعرض المباشر لأدوات القيادة المتعسفة، وهو يمثل ميدان التفاعل المباشر بين أدوات الفعل الرئيسة لطرفي الصراع، فهو الخط الذي تتجسد فيه كل تجهيزات وأفكار ورؤى وأطروحات واستراتيجيات القوى التغييرية في أنشطة وتكتيكات محددة، أي أنه بمثابة رأس السهم الموجه للخصم.
ويتكون هذا الخط الأمامي الأفقي من مجموعة من المشاريع، وهي المشاريع التي تتجسد في مؤسسات أو حركات أو مجموعات عمل، والتي تشترك جميعها في كونها تحمل روح المواجهة وتتصدى للنظام القائم بالفعل المباشر، ومن هذه المشاريع:
مشاريع الحشد: وتشمل المشاريع التي تحشد الشعب أو القواعد في مواجهة القيادة المتعسفة مطالبةً بالتغيير، مثل الحركات الشعبية أو مجموعات العمل أو الأفراد ذوي القدرات القيادية الذين يحشدون الجماهير.
مشاريع حقوقية: وهي تلك المشاريع التي تسعى في اتجاه إجراء التعديلات الدستورية والقانونية، محاولةً تغيير الوضع القانوني.
مشاريع إعلامية: وهي تلك المشاريع التي تواجه دعاية النظام وتسوِّق للحراك التغييري بشكل مباشر، وكذلك تهتم بتوعية الجماهير ونشر ثقافة التغيير. سواءً كانت هذه الحركة الإعلامية متمثلة في ثنوات فضائية أومواقع على الإنترنت أو صحافة أو أفراد مستقلين… الخ
2- الخط الخلفي (الداعم): ويشكل هذا الخط الدعم اللوجيستي[3] للحراك التغييري بعمومه، إذ يقدم الدعم اللازم لمشاريع الخط الأمامي. ومن أمثلة مشاريع هذا الخط:
الدعم الفكري: والذي يتمثل في المفكرين والمراكز البحثية والمؤسسات العلمية التي تضع التصورات والأفكار وتصوغ نظريات العمل. وتجيب على أسئلة الواقع وعلى الأسئلة الحرجة والملحة المطروحة على الحراك التغييري. كما أنها تشارك في صياغة البرامج ورسم المراحل وتحديد المسارات والبدائل.
الدعم الاقتصادي: والمتمثل في إيجاد بنية مالية حقيقية من خلال مشاريع اقتصادية ضخمة توفر الدعم المالي للحراك التغييري، كما يتمثل في التجار ورجال الأعمال أو غيرهم الذين يقومون بدعم المشاريع التي تتطلبها الحركة التغييرية في مختلف خطوطها.
الدعم الفني والتقني: والذي يشمل التدريب على بعض المهارات المطلوبة بالإضافة لتوفير بعض الخدمات التي قد يحتاجها بعض أشكال العمل التغييري.
العلاقات: وتتمثل في بناء جسور من العلاقات الضرورية للعمل التغييري سواءً في الداخل أو الخارج، وهي العلاقات التي يمكن استثمارها إيجاباً بالتفعيل أو سلباً بالتحييد حسب احتياجات وسياسات وضوابط الحراك التغييري.
3- الخط النوعي: ويمثل هذا الخط أحد الأوراق الرابحة في أيدي الحركة التغييرية إذا تم الإعداد لها بدقة، فهي التي تُكسب الحراك التغييري قوة نوعية تستطيع بامتلاكها أن تتفاوض وتملي شروطها. وفيه تحتشد أدواتالخلخلة التي تفكك النظام وتعزل لقيادة المتعسفة عن مصادر دعمها. مثل المشاريع التي تتوجه إلى الشرائح التي إذا تحركت كان ذلك إيذاناً بقدوم التغيير، أو تبني علاقات ومصالح دولية قوية تحول دون دعم المجتمع الدولي لقوى الاستبداد، وإذا عرفنا أن الناتج القومي لتركيا أقل من مبيعات شركة جنرال موتورز؛ لأدركنا حجمالقوة السياسية التي تمتلكها مثل هذه الشركات عند التفاوض السياسي.
وقد تتداخل بعض مشاريع الخط النوعي مع الخطوط الأمامية والخلفية، إذ قد تتأسس حركة مواجهة نوعية أو شبكة علاقات نوعية أو بنية اقتصادية نوعية ضاغطة أو مشاريع إعلامية نوعية، كما يتمثل في النفوذ السياسي والاقتصادي والقانوني.
ما متطلبات تأسيسها؟
إن مشاريع تأسيس البنية التحتية للحراك التغييري يمكن اعتبارها من مشاريع الصناعات الثقيلة، وهي تلك المشاريع التي توفر الأساس والأرضية لجميع المشاريع التغييرية الأخرى. والعمل على تأسيس البنية التحتية يتطلب من المؤسسات أو الحركات التي تتصدى لهذا الدور ما يلي:
أولاً: وجود استراتيجية عامة ومراحل واضحة لخوض الصراع، بحيث يتم بناء هذه البنية في ضوئها، وإلا تحركت قوى التغيير في فراغ استراتيجي.
ثانياً: تقديم مصلحة المشروع التغييري بعمومه على مصلحة التنظيم أو الحركة أو المؤسسة، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، بمعنى ألا يقتصر تفكير قيادات تلك الحركات والمؤسسات وقواعدها على مصلحة المؤسسة فقط، واعتبار نجاحات الآخرين سحباً للبساط من تحت أرجلهم.
ثالثاً: الانفتاح على عموم المجتمع بأفراده ومؤسساته وكوادره النوعية، وهو ما يعني الاستعانة بأي جهد أو خبرة أو كفاءة بغض النظر عن الانتماء الحزبي أو التنظيمي. ويتطلب هذا الانفتاح تغيير سياسة الاستعانة بالأفراد الموثوق في ولائهم للمؤسسة إلى سياسة الاستعانة بالكفاءة والأفراد ذوي القدرات العالية في إطار سياسات الحراك التغييري الكلي.
رابعاً: رسم خارطة للحراك التغييري بعمومه بحيث تتضح مناطق الفراغ ومناطق التشبع، ومدى اكتمال الخطوط الأمامية والخلفية والنوعية، ومن ثم يتم توجيه الجهود والمشاريع في اتجاه مناطق الفراغ ليتأسس حراك تغييري متوازن.
خامساً: رفع شعار الشراكة الاستراتيجية لا التبعية، أي التعامل مع عموم الأفراد والمؤسسات ومجموعات العمل في المجتمع كشركاء استراتيجيين في المشروع التغييري، لا كأتباع ينبغي عليهم التقليد والسمع والطاعة.
سادساً: غلبة الطابع القيادي – الذي تتكامل فيه شخصيات الطبيب الذي يشخص الحالة والمنظر الذي يرسم المسارات الكلية للفعل ورجل الأعمال الذي يمتلك جرأة استثمار الفرص واقتناصها – على الطابع الاحتفالي الذي يغلب عليه الاهتمام بكثرة الأنشطة والجماهير والأبنية والمؤتمرات والاحتفالات.
سابعاً: معالجة الكثير من الأفكار القاتلة التي تحول دون تحول فعل تلك المؤسسات من الهم الداخلي التنظيمي إلى الهم العام للمشروع التغييري، وهي تلك الأفكار التي تناولنا الكثير منها في كتاب “زلزال العقول”[4].
هذه المستلزمات تمثل أهم المتطلبات التي تحتاجها المؤسسة التي تتصدى لدور تأسيس وتفعيل البنية التحتية للحراك التغييري.
وأخيراً
وهنا لابد من التنويه إلى أنه ينبغي ألا تنشغل الحركات التغييرية بالعمل المواجه وتغفل عن الإعداد لمثل هذه الأعمال النوعية. إذ أنه باستقراء الكثير من التجارب التغييرية التي فشلت نجد أن غالبية الحركات والقوى التغييرية كانت تتركز في بداية الحراك التغييري في الخط الأمامي، وتعتبر ما سواه من الخطوط الخلفية أو النوعية على هامش الحراك التغييري، وهو ما يؤدي إلى اتساع الجبهة الأمامية واتساع خط المواجهة دون وجود دعم حقيقي يدعم هذه الجبهة ويضمن استمراريتها ويمدها باحتياجاتها الفكرية والإعلامية والفنية والتقنية وغيرها.
واستكمال هذه البنية التحتية وملء الفراغات الموجودة بخطوط الحراك التغييري قد لا يكون مرتبطاً بعامل الزمن بقدر ارتباطه بوعي قادة الحركات والرأي العام بهذه المساحات، وكذلك فشل النظام في التعامل مع الأوضاع، وردود أفعاله التي تؤدي إلى زيادة الاحتقان.
ملاحظات مهمة
– إن الحركة التغييرية لا يمكن أن تكتفي بالخطوط الأمامية، خاصة أنه كلما اشتد وقع الأحداث وتسارعها، لا يجد القائمون على الخطوط الأمامية الوقت أو القدرة أو التأمين اللازم للقيام بالأدوار الأخرى الهامة، سواءً على مستوى الفكر والمال.
– تتداخل أحياناً الأدوار بين الخطوط، فمثلاً الحركة الإعلامية قد تقوم بعمل مواجه، وفي نفس الوقت تقوم بعمل داعم يشمل نشر الوعي وثقافة التغيير. والعمل الاقتصادي قد يدخل في الخطوط النوعية كورقة رابحة تضغط، أو في نطاق الخطوط الداعمة كتمويل يصل إلى أصحاب المشاريع التغييرية.
– على الحركة التغييرية ألا تكون منزوعة المخالب. فيجب أن تفكر في الورقة الرادعة في حالة التخطيط لاستئصال شأفتها. هذه المخالب (الخطوط النوعية) قد تكون في شكل قوة جماهيرية حاشدة، أو تأييد عالمي لها، أو قوة من شبكة العلاقات النوعية، أو أية قوة نوعية تختارها الحركة التغييرية. وبذلك تستطيع الحركة أن تتفاوض مع النظام وقتما تشاء، وحينها بإمكانها أن تملي شروطها، وإذا لوحت بيدها أثناء التفاوض بدت مخالبها.
– لا يمكن الاستغناء عن أي مساحة من مساحات أو خطوط العمل المذكورة سابقاً، وبذلك يجب أن تعي جميع القوى التي تسعى للتغيير أن المشروع أكبر من طاقات كل منها منفردة، كما أن كل خط من الخطوط يحتاج العديد من المؤسسات والحركات وفرق العمل المتنوعة، حتى تزداد مساحة التشتيت للنظام، في ظل وحدة الهدف.
– العمل في إطار هذه الخطوط لا يتطلب الارتباط العضوي التنظيمي بمؤسسة بعينها؛ بل كلما تحركت فرق عمل صغيرة في بعض هذه الخطوط كان ذلك أكثر تأميناً لها وللحركة التغييرية. لأن من يسعون إلى العمل في الخطوط النوعية يجب أن يدركوا أن محاولة الدخول إلى هذه المناطق عالية التكلفة.
– أجهزة الدولة الرئيسة مثل الشرطة والجيش والإعلام ليست خصماً للمعارضة، وتسعى المعارضة كلما ازدادت مساحة الاحتجاج الأفقية إلى استقطاب عناصر من هذه القوى النوعية إلى صفها. وعادة ما تتم هذه العملية بشكل تلقائي كلما ازدادت عاصفة الاحتجاج، وعمت البلاد.
التطبيق العملي
قم بتشريح حركتك (حدد خدوطها الأمامية والخلفية والنوعية)
حدد نقاط الضعف فيها. وكيفية استكمال نقاط الضعف في كل خط.
قم بتشريح المشروع التغييري ككل (حدد خطوطه الأمامية والخلفية والنوعية من حركات ومشاريع ومؤسسات)
حدد نقاط الضعف فيها. وكيفية استكمال نقاط الضعف في كل خط.
الدرس (16): فهم منطق القمع
يعد القمع من التحديات الكبرى التي تواجه الحركات الشعبية في التغيير، وهو أداة رئيسة تستخدمها النظم الاستبدادية لتخويف الناس. يونقسم القمع إلى أنواع:
قمع لفظي: بالإهانة.
قمع بدني: بالذرب والتعذيب.
قمع معنوي: بالترويع.
قمع اقتصادي: بالفصل مع العمل.
قمع اجتماعي: بالتشويه وخلق عزلة اجتماعية.
كل هذه أشكال من أشكال القمع.
وليست الفكرة في مواجهة القمع، هي الرد عليه، بل إجهاض الهدف من ورائه، وفي الفيديو التالي توضيح للفكرة
الدرس (17): رفع تكلفة القمع على الخصم
تنظر المقاومة اللاعنيفة إلى أن كل قنبلة غاز أو رصاصة مطاطية أو حية هي هدية للمقاومة، تتمكن من خلالها من زيادة مواردها البشرية والمادية الخ. حيث يزيد تعاطف الناس مع أولئك الأبطال الذين لا يحملون سوى عدتالة قضيتهم ولافتاتهم.
والفكرة هنا أقرب للاعب كرة القدم الذي تتم عرقلته في منطقة الجزاء من قبل دفاع الخصم، ترى هل هذه العرقلة عقوبة أم هدية؟!
لا يسعى المقاومون إلى العقوبة، بل يسعون لكسب رجال الأمن قدر المستطاع، لكنها إن حدثت فهم مستعدون لها، وللتعامل معها بأفضل شكل يرفع تكلفتها على الخصم.
ولا يفكر المقاومون في كسر أداة القمع بقدر ما يفكرون في كسر منطقها، فإن أراد القمع إثناءهم عن عمل أصروا عليه وقاموا به، وإن أراد إظهارهم كمخربين أظهروا سلميتهم بوضوح. وقد تناولنا ذلك في الدرس السابق.
إن الاستبسال ومواجهة الموت بصدر عار يعكس قوة لا جبناً، حينها تكون المواجهة السلمية خطة لا ضعفاً، واستراتيجية توقع الخصم في الفخ ليفكك هو نفسه بنفسه، حين تتحول الولاءات داخله. وتكثر الانشقاقات.
وكلمة السر هنا هي “الكاميرا”، فهي التي تضمن أن يكون التصدي الباسل لعنف القمع وضرب أروع الأمثلة في الشجاعة جزء من خطة، وليس عملاً لا معنى له. في مواجهة المدفع تقف الكاميرا دائماً.
التطبيق العملي
قم بورشة عصف ذهني مع مجموعتك للتفكير في كيفية رفع التكلفة على الخصم، سواء في التعاطف الشعبي أو الدولي أو خلخلة معسكره، وتحول الكثيرين لمعسكرك. فمواجهة القمع تتطلب فناً، كيف ستصمم اللوحة التي سيشاهدها العالم.
الدرس (18): لماذا لا نواجه العنف بالعنف
فيلم يعرض قصة ضابط شرطي وكيف تأثر بالمقاومة بسبب أهله
للاطلاع
كيف تتعامل مع رجل القمع
حتى تحدد كيف تتعامل مع رجل القمع، يجب أن تحدد كيف تنظر له، وهل يمكن أن يصبح له دور في مشروعك أم لا؟ ومن هو رجل القمع؟! ولماذا يكرهك؟ وهل حقاً يكرهك؟! أم أن أحداً أقنعك بهذا تماماً مثلما فعلوا معه؟!
إن مدخل التعامل مع رجل القمع أن تفهم من هو، وكيف يراك؟ وهل قضيتك تمسه سلباً أم إيجاباً؟ وهل تحسن عرضها له أم تجعله يكفر بها؟ خاصة أنه في ظل الديكتاتوريات يكون في بيئة تجعله يكفر بكل ما حوله، باعتباره خطراً عليه.
عادة ما يُعبأ مستوى الجنود في قوات القمع ذهنياً على أن من أمامهم عدو يريد أن يفتك بهم، وبالتالي فالجندي في البداية متربص، وهو أيضاً قلق مرتبك، على عكس ما تبدو صورته في الزي الخادع، خائف من قيادته من جهة، ومن بطش المحتجين من جهة أخرى!! أضف إلى ذلك أنه ربما ترك أهله .. خطيبته.. أمه .. لعله يعيش أسوأ أيامه!! فأنت كابوس جاثم على صدره، تماماً مثلما تراه كابوساً مزعجاً.
إن المحتجين (خاصة الصفوف الأولى المواجهة) يلعبون دوراً مهماً في رسم صورة المحتجين لدى قوى القمع، إما أن يؤكدوا لهم الصورة السائدة المخيفة أو يغيروها. لذلك تبدأ معركة محلها العقل، يعمل أبطالها جاهدين على تغيير نظرة رجل القمع للمحتجين بل ومشروع التغيير برمته، مع يقينهم أن جندي القمع في النهاية سيمتثل للأمر وقتما يصدر له، لكن هذا لا يعني أن القصة انتهت بمجرد توجيه الأمر.
يشاع أن رجل القمع في النهاية يستجيب للأوامر العليا، فهو أداة، وبالتالي فمحاولة إقناعه بأي شيء غير مجدية، وإظهار الود له يدل على ضعف سيستثمره لاحقاً، لأنه فور أن يأتيه الأمر بالاشتباك سينقض كالثور الهائج. يبدو هذا الكلام مقنعاً عند النظرة الأولى، حين نقرر أن نرى البشر آلات شرسة، لكن بنظرة أدق ستجد قوات الأمن ليست آلات – وإن كان يراد لها أن تكون كذلك، هي مجتمع كامل خلف الزي الرسمي، مجتمع بشري فيه الفرح والألم، وفيه جلسات السمر والمواقف المتأزمة، فيه الكثير من العلاقات الإنسانية خاصة بين المستويات الدنيا (الجنود)، كما أن درجة رضا هذا المستوى عن القيادة المباشرة أو العليا متفاوتة، كما أن تأثرهم ببعض حاضر طول الوقت، فالتمكن من تغيير موقف رجل واحد من رجال القمع، كفيل بإحداث هزة وسط الصفوف، ولو على الصعيد النفسي، خاصة إن كان هذا الرجل محبوباً وسطهم إما لأنه شهم أو مرح أو صاحب خلق.. الخ.
تقوم فكرة اللاعنف على نزع أداة القمع من الديكتاتور، وخلق المجتمع القوي الذي يقوم فيه كل قطاع بدوره، ولا يستثنى من ذلك القطاع الأمني، حيث يحول ولاءه لخدمة المجتمع لا الديكتاتوريات. ولا يتم هذا التحول في الولاء إلا بتحرر في العقول، في نظرته الكلية لما يجري. وهذه مهمة أساسية لقوى التغيير، فكما تعمل لتحرير عقول الجماهير، فإنها تعمل على تحرير عقول قوى القمع. وهذا هدف استراتيجي في حرب اللاعنف.
وعملية تحرير عقول قوات القمع تكمن صعوبتها في أن تلك القوات في الغالب مبرمجة على النظر للمحتجين بشكل معين، في الغالب يتسم بالعداوة الشديدة، لذلك يلجأ المحتجون أحياناً إلى المبالغة في مظاهر سلميتهم، كالحوار المباشر معهم، وتقديم الطعام لهم، وتقديم الماء مع كتابة شعارات على الزجاجات من قبيل .. “أخي.. اشرب لقد تعبت من الوقوف اليوم”.. حوار مستمر يجريه المحتجون مع قوات القمع لتغيير نظرتهم أولاً، ومحاولة كسبهم من جهة ثانية. هم لا يخاطبون النظام، بل يخاطبون إخوانهم في المعسكر الآخر.
هذا النموذج تكرر في محاولات عدة، ففي الثورة الصربية عام 2000 حرص المحتجون على كسب رجال القمع، ومحاولة منهم لتقليل التوتر قدموا النساء والأطفال وكبار السن وقدامى المحاربين في الصفوف الأولى، بحيث لا تتوتر قوات القمع أو تُستفز.
هدف هذه الإجراءات هو تغيير التصور وتحرير عقل رجل القمع، وهي قد لا تؤتي ثمارها من أول مرة، فبعد كل نشاط للمحتجين يدور حوار داخلي في معسكر القمع، هذا يقول إنهم يخادعوننا، فيرد آخر هل رأيت تلك العجوز؟! هل تتصور أنها جاءت لخداعنا؟! ثم يقول ثالث.. أي عجوز ألم تر الشباب يسبنا بأسوأ الألفاظ؟! وفي خضم هذا الحوار يأتي أمر الاشتباك، فيتحرك الجنود لينفذوا للتو، فإن تأكدت لديهم الصورة حتى وهم يقمعون، يعودون أدراجهم بعد انتهاء اليوم ليتناقشوا، أو ليسترجع كل منهم ذكريات اليوم على حدة، سيبرر كل منهم لنفسه ما قام به، مستعيناً ببعض المشاهد التي رآها، هذا ألقي عليه زجاجة حارقة، وآخر سب أمه بأفظع الكلمات، لكنه في المقابل يتذكر مشاهد أخرى، عجوز يقول له “يا ابني .. أنا في عمر أبوك”.. وأم تخاطب نخوته… إنها رسائل متباينة تصل إلى قوى القمع، بعضها يؤكد النظرة العدائية، والبعض الآخر ينفيها تماماً، ومئات الرسائل بين هذه وتلك.. من يتبنون أسلوب اللاعنف يعلمون أن دورهم هو تأكيد رسائل محددة حتى لا تضيع في فوضى الرسائل، ولا يجزعون من استمرار استجابة قوى القمع للأوامر، فهم يعتبرون أن تنفيذ الأوامر يعطيهم المزيد من الفرصة للتفاعل معهم وتأكيد رسالتهم، ودورهم التفنن في ردود الأفعال التي تزيد مشاهد تألم قوى القمع مما ارتكبته، في مقابل مشاهد تبرير ما فعلوه.
تتسرع قوى التغيير أحياناً، وتقول لقد جربنا وسائل مشابهة ولم تُجْد، هؤلاء لا يشعرون ولن يتأثروا كثيراً بسلميتنا، لكن الحكم أن وسائلهم لم تؤت أكلها سابق لأوانه، فتجربة الوسائل لا تعني أن تلمس أثرها مباشرة، أنت تراه يمارس نفس السلوك، لكنك لا تدري ما يجري في عقله، ولا تدري شيئاً عن الحوارات الداخلية التي تدار في معسكر قوى القمع. وربما يأتي في اليوم التالي ليقف أمامك باحثاً عن أجوبة بعينها في سلوكك، فإما أن تؤكد له ما يدور في باله من أفكار قديمة، أو تنتصر للتصورات الجديدة التي بدأت تغزو عقله. لذلك كان كل نشاط في فلسفة اللاعنف قائم على تحرير العقول.
إن النشاط ثم القمع ثم العودة لإجراء الحوار عبر أنشطة جديدة يمكن اعتبارها سلسلة متصلة لمخاطبة قوى القمع، هدفها في النهاية أن يتحرر ذلك الجندي وينحاز بدوره للمطالب العادلة. وكلما أفرطت القيادة في توجيه أوامرها بالقمع، وأفرط المتظاهرون في التعبير السلمي وإيضاح قضيتهم ومدى عدالتها وإصرارهم على استمرار ذلك الحوار؛ شعر “مجتمع القمع” بالبون الشاسع بين سلوك القيادة وسلوك من يفترض أن يقمعهم، وحينها تتضاءل المبررات التي تسول له فعله من المشهد.. هذا ما يُحدث لاحقاً تطوراً في موقف أفراد ثم مجموعات من مجتمع القمع، قد يكون بشكل مباشر كأن تبدأ موجات الامتناع عن قمع المحتجين، أو بشكل غير مباشر كأن يأخذ شكل التباطؤ في تنفيذ المهام، أو تقديم معلومات خاطئة.
إن تحديد شكل التعامل مع قوات القمع يخضع للاستراتيجية المتبعة، ماذا تريد منهم؟ وهل يمكن إقناعهم بلعب دور غير الذي يقومون به؟! كذلك يخضع لطبيعة تلك القوات، هل هي قوات قبلية عائلية أم طائفية أم تمثل الشعب بتنوعه. فكلما كانت قوات القمع تمثل الشعب؛ كان تحرير عقلها أكثر إمكانية، لأن القضايا التي تشغل الشعب تحيط بهم في بيوتهم عبر آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم. وقوى القمع من أسر متباينة في الطبقات تمثل المجتمع العادي.
كانت ثورة الخميني من الثورات التي جسدت تلك المعاني بوضوح حين أطلق نداءه المشهود للمتظاهرين: ”لا تهاجموا الجيش في صدره، ولكن هاجموه في قلبه”، إذا صدرت إليهم الأوامر بإطلاق النار عليكم، فلتعروا صدوركم، فدماؤكم والحب الذي ستظهرونه لهم وأنتم تسلمون الروح لبارئها سوف يقنعهم؛ فدماء كل شهيد ناقوس خطر يوقظ آلافاً من الأحياء”.. هذه كانت نصيحة الخميني للثوار في إيران عام 1979… ترى هل كان الخميني جباناً أم استراتيجياً حكيماً؟؟
الدرس (19): كيفية التعامل مع العنف
لا تفعل أبداً ما يتمنى خصمك أن تفعله (نابليون بونابرت)
فلا يدفعنك خصمك إلى العنف ليظهرك في مظهر المخرب أو الإرهابي. تمسككك بضبط النفس وحصار العنف هو جزء من خطتك، وليس دلالة جبن أو استسلام.
قبل كل شيء وكما ذكرنا في الدرس السابق فإن الكاميرا هي أداة أساسية في التصدي للقمع، وإبطال مفعوله.
أولاً: من تكتيكات تجنب العنف
– تتصدر الأنشطة الاحتجاجية مجموعة من الشباب المدرب على ضبط النفس والتحاور مع الشرطة بلطف، وإجراء حوار معهم.
– تجنب أي أشكال من التعابير الاستفزازية كالسب. أنت في النهاية تريد كسب الطرف المقابل ولا تعتبره في ذاته خصمك، هي أداة تريد عزلها عن الخصم.
– تجنب الأشكال الاستفزازرية في النشاط التي تزيد من حدة التوتر، لذلك من المهم التأكيد على السلمية بشتى الطرق وليس بالكلام فحسب، مثل الغناء، ورفع اللافتات الساخرة، خاصة عندما لا تكون المعركة هي معركة تعبير عن موقف وإنما كسب تأييد.
– توفير الأطعمة والأشربة لجنود القمع (حتى ولو كانت قد سبقتها اشتباكات) ويكتب على زجاجات المياه عبارات من قبيل .. ( أخي.. أعلم أنك تعبت من الوقوف.. وأنك لا تريد أن تستمر في هذه المأساة ضد إخوانك).
– تقديم غير المتشنجين في الصفوف الأولى مثل الضباط المتقاعدين وكبار السن والنساء.. (هذا الأمر لا يستمر في حالة حدوث اشتباكات وإنما هدفه منعها والتأثير على الجنود القمع).
– الجلوس أرضاً.
إن الفكرة باختصار تقوم على كيف سيتم إجراء حوار مع جنود القمع من خلال الأنشطة.
– الدعوة للأنشطة بصيغة يكون رد فعل القمع عليها غير مبرر. وبالتالي يوضع الخصم في موضع لا يتمكن معه من استخدام العنف. فعلى سبيل المثال بدلاً من الدعوة للتظاهر تكون الدعوة للبقاء في البيوت. وتمتلك وسائل اللاعنف ترسانة كبيرة من وسائل العمل غير المباشر.
في حالات الاشتباك والقمع المفرط
من المهم الثبات في الخطوط الأمامية لأنها إن انهارت هوت معها بقية الخطوط، وصمودها يعكس استمرار المقاومة. إن صمدت ولم تذعن أوصلت رسالة للشعب والعالم كله أننا لن نقاتل ولكننا لن نخضع.
كان غاندي لا يميل إلى أشكال الحماية، غير أنه بتطور الأسلوب تطورت معه أساليب الحماية، فيمكن للمجموعات الأمامية أن تمنع عن نفسها الخوف من خلال حماية جسدها، كما أن ذلك يقلل من غضبها ودفعها إلى الرد بعنف مضاد. وأشكال الحماية كثيرة مثل نظارات وقاية العين وأقنعة الغاز والدروع التي تقي الجسد أو مجموعة كبيرة من المتظاهرين.
في بعض التجارب كان إذا اشتد الهجوم خر المتظاهرون ساجدين، هذا يرفع من معنوياتهم كما يؤثر في جنود القمع. إن إظهار روح المقاومة المتفائلة فن، والثبات وعدم الإذعان مع عدم اللجوء للعنف المماثل فن أيضاً..
في الصورة التالية هذا المتظاهر يجري حواراً مع نفسه.. مع المتظاهرين الآخرين.. مع جنود القمع…مثل هذه الصور هو ما يعلق بالذهن المقاوم، ويصبح مصدر إلهام، وبإكان أي شخص أن يغير سلوك مجموعة بأكملها، إن أحسن اختيار دوره وموقعه.
للاطلاع
الوقاية من قنابل الغاز
كيفية الوقاية من آثار الغازات المسيلة للدموع
تستخدم المواد الكيميائية فيما يعرف باسم الغازات المسيلة للدموع في جميع بلدان العالم[1]، حيث تحتاج قوات مكافحة الشغب إلى السيطرة على الأوضاع والعودة إلى الاستقرار الذي تزعزعه أنشطة المحتجين على الممارسات الدولية.
وتحكم تحركات قوات مكافحة الشغب مجموعة من القوانين، والإرشادات التي تصدر إما محلياً أو عالمياً. ويعتبر الجهل بهذه القوانين والإرشادات سواء من العاملين بها، أو من الجماهير التي تستخدم ضدها الإجراءات القمعية، من أكبر العوامل التي تؤثر في استقرار المجتمع ونمائه وتقدمه.
ومن هنا كانت هذه الدراسة المتواضعة لأحد وسائل السيطرة على تحركات الجماهير المدنية، وحيث أن فلسفة الدراسة في الأكاديمية تتمشى مع الدساتير والأعراف والقوانين الإنسانية، التي تضمن للإنسان حرية التعبير عن الرأي، فإن وقاية الجسد من الأذى المادي من أولويات الآدمي المصر على ممارسة حقه الدستوري في إبداء الرأي. فكما أن للعقل الحق في أن يفكر، وللفم أن يتكلم، وللفرد أن يعبر، فإن من حق الجسد أن يكون محمياً ضد الأذى الذي تشرعه القوانين للحفاظ على الأمن والاستقرار.
بداية يجب الانتباه إلى أن الكثير من الوسائل التي تستخدمها قوات مكافحة الشغب ليست مصممة للإيلام الشديد، وإنما تهدف إلى الإلهاء والتخويف[2].
ولإبطال مفعولها يجب أولاً فهم طريقة عملها، والأضرار الناتجة منها [3]. فالمعرفة هي أول خطوة نحو امتلاك القوة ووضع الأمور في نصابها. فالذي يوقف المتظاهرين هو خوفهم وعدم يقينهم بالغلبة والافتقار إلى المعرفة، وليس بطش الوسيلة المستخدمة ضدهم، فلا يتعدى رذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع سوى أن يكونا وسيلتي تخويف وتهديد.
مواد الغازات
تعمل الغازات المسيلة للدموع على تهييج الأغشية المخاطية في العين والأنف والفم والرئتين، مما يسبب البكاء والعطس والسعال وصعوبة التنفس، عن طريق استخدام أربعة مواد شائعة، وهي رذاذ الفلفل الأسود، وثلاث مواد أخرى تعرف برموز اللغة الانجليزية: [4]CR, CS, CN
الوقاية
ومن الناحية العملية فإن الوقاية دائماً خير من العلاج، ويمكن الوقاية من آثار الغازات المسيلة للدموع عن طريق:
1- استخدام الأقنعة الواقية ضد الغازات، وهي أفضل وسيلة للوقاية من آثار المواد المسيلة للدموع.
2- منديل أو قطعة قماش مبللة بالماء أو بالخل لحماية الأنف والفم، وهذه سرعان ماتفقد أثرها لدى التعرض المكثف للمواد الكيميائية، ولذا يحتاج المتعرض للغازات إلى عدد منها، كما يحتاج إلى استخدام نظارات مثل نظارات السباحة لحماية العين.
3- ارتداء قفازات نظيفة لمساعدة المصابين في التخلص من آثار القنابل المسيلة للدموع.
4- غسل الوجه مسبقاً بالصابون المصنع من زيت الزيتون.
5- ارتداء ملابس ضد الماء تغطي أكبر قدر ممكن من الجسم.
أما أثناء الإصابة
1- يجب عدم الارتباك أو الخوف أو القلق حيث أن أضرار القنابل المسيلة للدموع وقتية ولا تدوم. والقلق والاضطراب يعمل على فتح مسام الجلد مما يسمح للمزيد من المواد الكيميائية بدخول الجسم.
2- عدم لمس الوجه أو فرك العين لتجنب إعادة التلوث إلى العين.
3- عدم بلع هذه المواد بل المبالغة في بصقها حتى تطرد المادة الكيميائية من الفم والأنف.
4- الانطلاق إلى مساحة من الهواء النقي وتجنب التعرض إلى الأماكن الملوثة، أو البقاء في مهب الريح الذي يخمل الغازات، مع إبقاء العينين مفتوحتين واليدين مفرودتين حتى يزيل الهواء المواد الكيميائية العالقة بالملابس والجسم، والتنفس ببطء وبعمق.
بعد الإصابة
5- يجب تطهير الجروح بماء بارد، وتجنب الماء الساخن لجعل المسام مغلقة، حتى لا تتسرب المواد الكيميائية إلى الجلد.
6- فرك مكان التلوث بقوة بصابون زيت الزيتون، أو زيت الشلجم الكندي واتباع ذلك بالكحول.
7- الحرص على عدم انتقال المواد الكيميائية من الشعر إلى الوجه عن طريق الاستحمام مثلاً.
8- استبدال الملابس الملوثة بأخرى نظيفة. والابتعاد عن الأماكن المغلقة حتى لا تتلوث. فإن التلوث يلتصق بالأماكن المغلقة لأسابيع.
9- وضع كل ما تلوث في حقيبة مفتوحة للهواء.
10- إزالة عدسات العين اللاصقة بيدين نظيفتين، وطلب المساعدة في ذلك إذا لزم الأمر.
11- يمكن للفريق المسعف أن يقوم بتحضير عدد من المواد لإسعاف المتعرضين للغازات، مثل بودرة محلول معالجة الجفاف عند الأطفال، وتذويبها في لتر ماء، ووضعها في زجاجات رشاشة، لاستخدامها لتطهير الفم بالمضمضة والبصق، والعين بالرش فيها من جهة الأنف في اتجاه الخد، ويمكن استعمال قطنة طبية مع هذا الرذاذ لمسح العين من ناحية الأنف إلى ناحية الخد، ويمكن أيضا استعمال مادة MALOX والتي يستعملها مرضى قرحة المعدة بعد خلطها بمقدار مماثل من الماء واستخدامها بنفس الطريقة. ويمكن استخدام المراهم الطبية المعدة لمثل هذه الأمور.
12- يجب على الفريق المسعف إدراك أن فتح العين سيؤدي إلى زيادة الألم لحظياً قبل رشها، وعليه أن يُحَذر المصاب قبل بدء العلاج.
13- بعد ذلك يمكن استخام قطرة TOPIRAMATE للعناية بالعين، ويُمنع استخدامها للمصابين بمرض المياه الزرقاء، واذا اشتدت الاصابة فلابد من مراجعة طبيب العيون.
14- الذهاب إلى الطبيب إن لزم الأمر.
نحو المعرفة
كانت هذه إشارة سريعة إلى ضرورة الإحاطة والمعرفة بالقوانين والإجراءات الضامنة للحفاظ على النظام في المجتمع، ومنها كما ذكر هنا الاستخدام المشروع دولياً للغازات المسيلة للدموع.
فكما أن التشريعات الدولية تؤمن الحفاظ على النظام والاستقرار، فإنها تضمن للفرد حرية التعبير، ولاتجرمه لأخذ الحيطة في الحفاظ على سلامته. ومن هنا يتمكن المشاهد لساحة الحراك السياسي من مراقبة الديناميكية في علاقة النظام الحاكم بالمجتمع المحكوم بما يضمن صحة المجتمع ونمائه وتقدمه.
وكما تتفنن قوى مكافحة الشغب في وسائلها، والتدريب عليها، وتوفير الغطاء الأخلاقي والقانوني والدولي لها، فإن على القوى المدنية في المجتمع أن تتلقي دورات متخصصة محلياً وعالمياً في الدفاع عن النفس، والإسعافات الأولية، والتعرف على القوانين والتشريعات، وممارسة تدريب النشطاء ورعايتهم وإسعافهم، والانضمام إلى فرق عالمية مثل فريق “براها الطبي” الذي يتكون من نشطاء دوليين في واشنطن وسياتل ولوس أنجلوس ولندن وكندا، حيث يقدم هذا الفريق دورات تدريبية متخصصة في الإسعافات الأولية، والتعامل مع الأسلحة الكيميائية (الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل)، بالإضافة إلى تقديم الرعاية الطبية في الشوارع أثناء التظاهرات، وشعارهم في ذلك “لن يتمكن أحد من إخراج أي مقاوم من الشارع طالما أنه يود ذلك”.
كتاب الدروع الواقية من الخوف
التطبيق العملي
ورش عصف ذهني حول كيفية تصميم النشاط بشكل غير مستفز وتأكيد الشكل الحضاري بأكثر من طريقة
ورش عصف ذهني حول كيفية إجراء حوار دائم مع قوات القمع ليس عبر الكلام فحسب ولكن الممارسات.
ورش عصف ذهني حول تطوير أساليب الحمابة.
ورش عصف ذهني حول أشكال العمل غير المباشر التي تحول دون الاشتباك فتفقد آلة القمع وظيفتها.
الدرس (20): حدود الرد
في بعض تجارب التغيير استخدمت قوات القمع العنف المفرط إلى حد كبير، حتى يصبح رد الفعل الطبيعي في وعي الإنسان هو الرد، لكن السؤال حتى وإن بلغ الأذى مداه وكانت الحاج ماسة للرد ولو من أجل فقط البقاء، فما حدود هذا الرد.
يرى البعض أن اللاعنف يجب أن يلتزم تماماً بعدم الرد أياً كان، وهذا يصلح في حالات الحركات المدربة تدريباً عاليا على ضبط النفس، والتي تؤمن أنها لن ترد بأي شكل حتى لو فنيت تماماً، وتعتبر ذلك قوة وإرادة وشجاعة، ويكون تأثيرها على الخصم عال في عمليات الانشقاق الداخلي.
ويرى آخرون أن في حالات الحركات العفوية سيضطر البعض للرد من فرط القهر، وفي هذه الحالة بدلاً من القول لا ترد تماماً يفضل أن تعطي الإنسان مجالاً محدوداً للتنفيس عن رغبة العنف داخله، والهدف هنا ليس العنف، وإنما حصاره حتى لا يندلع بشكل واسع.
يتوقف الأمر على طبيعة هذا العنف المفرط، لقد صنفت انتفاضة الحجارة في فلسطين بأنها ثورة لاعنيفة، ولقب طفل الانتفاضة بأنه يتحدى الموت وهو أعزل، والسبب أنه يقاوم الدبابة بالحجارة.
أي أن مستوى الرد هنا يتوقف على طبيعة العنف وحجمه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتفوق عنف المقاومة على عنف الخصم لا في الكم أو النوع، إن أرادت أن تظل مقاومة لا عنيفة، كأن يمسك الخصم بعصا، ويمسك المقاوم اللاعنيف بزجاجة حارقة، في هذه الحالة لم يعد هو المقاوم اللاعنيف.
إن الفكرة تقوم على أن يشهد المجتمع وهو الأهم بالحق الأخلاقي للمقاوم بالرد بالطريقة التي استخدمها، وفي حدود الدفاع عن النفس لا العدوان، وإلا تحولت معركة التغيير إلى معركة تخريب.
في هذا الدرس حديثنا منصب على العنف المفرط الذي يحصد الأرواح بدم بارد، وليس المقصود به العنف الطبيعي الذي تمارسه قوات مكافحة الشغب، من ضرب بالعصي أو قنابل الغاز أو حتى رصاص مطاطي، لأن في هذه الحالات أدوات الحماية التي تناولناها في الدرس السابق تكفي، والحاجة للرد غير ملحة.
شاهد فيديو يتحدث عن حالات العنف المفرط
وعلى المتظاهرين أن يعلموا أن هناك شعرة فاصلة قد تحولهم من أبطال إلى مخربين، إن لم يحسنوا الدفاع عن أنفسهم. والعقل البشري قادر على توليد بدائل باستمرار تحول دونه والعنف. فكر البعض في حالات العنف الشديد والمداهمات غير الآدمية للمنازل أن يستخدموا أسلوباً جديداً، من شأنه أن يمسك برجل القمع المفرط أو المخرب دون إلحاق أي أذى به، وهو ما يسمى بسلاح خيوط العنكبوت، حيث يمكن المقاوم من الإمساك بالمعتدي دون إيذائه، وقد يتم ذلك في نفس حالات التصدي للبلطجية أو من يثيرون العنف داخل المجموعة.
لا زالت الفكرة محل نقاش في وسط المهتمين بتكنولوجيا اللاعنف، وتقليص حدود القمع، فحتى هذه الشباك إن استخدمت في حالات عنف عادي، قد تتحول في نظر البعض إلى سلاح إجرامي من قبل المقاومين، ربما في حالات القمع المفرط الذي يحصد الأرواح بشكل دموي يكون هناك كلام آخر.
تدريب:
تعرض بالنقد لفكرة خيوط العنكبوت، وادرس مخاطره وإيجابياته وفي أي الحالات يمكن استخدامه، أو الأفضل عدم اللجوء له تماماً.
سلاح “خيوط العنكبوت”
من التحديات التي تواجه حركة اللاعنف كيفية التصدي لقوات القمع بدون عنف، سواء كان قمع قوى الأمن، أو مستخدمي العنف من البلطجية والمخربين الذين يروعون الناس.
ولأننا في أكاديمية التغيير نعمل على البحث عن وسائل تضاعف قدرات الإنسان وتقلل من احتياجه للعنف في الدفاع عن نفسه، كانت هذه السلسلة المتعلقة بتطوير وسائل مواجهة القمع. أملاً أن تساهم في شحذ العقل لإبداع وسائل فعالة، تحول دون انجراره في مسار العنف الدامي.
وإن كان اللاعنف المطلق مستحيل كما يقول غاندي، فإن دورنا هو تقليص المساحات التي يُضطر المتظاهرون فيها لاستخدام العنف، حتى تتمكن البشرية – مع تضافر الجهود- في إنضاج وسائل اللاعنف، إلى أن يأتي اليوم الذي لا يجد العنف ثغرة ينفذ من خلالها للمقاومة.
وسنستعرض في هذه السلسلة “سلاح خيوط العنكبوت”، الذي يعطي المقاومة اللاعنيفة قدرات هجومية تواجه بها القمع، وتفتح بها ثغرات في السدود البشرية من قوات القمع التي تواجه المتظاهرين العزل وهذا السلاح يعتمد على استخدام الشبكاك بأدوات ووسائل متعددة تمنحها قوة وقدرة تفوق الوصف، فقوة “الخيوط” يمكن أن تتفوق على قوة “الحديد”.
وسلاح “خيوط العنكبوت” هو أحد أسلحة حرب اللاعنف، الذي تعتمد كل وسائله وتكتيكاته على استحدام الشباك، ويشتمل هذا السلاح على البندقية والمدفع الشبكي، والشباك الحرة بتكتيكات استخداماتها المختلفة.
وظيفة السلاح
عرقلة قوى القمع والتخريب.
القنص اللاعنيف لشخصيات محددة تثير الشغب أو تفرط في استخدام القمع.
تمكين المتظاهرين من اختراق حاجز أمني.
نزع السلاح من مستخدمي العنف سواء كانوا داخل المتظاهرين أو من قوات القمع أو المخربين والبلطجية.
تكبيل وتقييد من يقومون بمهام مداهمة البيوت وترويع الآمنين.
شل حركة الكلاب البوليسية والخيول التي تستخدم في مكافحة التظاهرات.
بندقية الشبكة Net Gun
تستخدم بندقية الشبكة لصيد الحيوانات، حيث تفقدها القدرة على الحركة. ويمكن استخدامها كذلك لإرباك قوى القمع والقبض على المخربين. ومن مزاياها أنها لا تسبب ألماً للكائن الذي تصوب نحوه، لكنها تعرقله وتمكنك من القبض عليه.
ويصل مدى البندقية من 3- 20 متراً، في مساحة 16متراً مربعاً في حالة حركة الهدف. ولا تتطلب البندقية ترخيصاً، حيث تستخدم في الصيد والحراسة. (1)
ويفضل استخدام الشبكة التي قطر فتحاتها 6 بوصة، فهي الأنسب إن كان الهدف إنساناً أو حيواناً مثل الكلب البوليسي. (2)
أنواع واستخدامات الشباك
بندقية الشبكة الصغيرة: تستخدم في عرقلة شخص واحد فقط، على مسافة قريبة، وهي مناسبة في حالات:
التصدي للبلطجية أو المخربين، والقبض عليهم.
مداهمات المنازل واعتقال المقاومين.
استهداف مستخدمي بنادق الغاز المسيل للدموع، أو العناصر والقيادات المتورطة في القمع.
العناصر المثيرة للشغب والمندسة داخل المظاهرات بهدف تحويلها إلى مسار عنيف، حيث يتم قنصهم بالشباك، وأخذ أسلحتهم وتكبيلهم.
شل حركة الكلاب البوليسية والخيول المستخدمة في مكافحة التظاهرات.
وهذا يتطلب مجموعات مدربة بشكل جيد في الصفوف الأمامية وفي الأماكن الحيوية المواجهة لقوات القمع.
بندقية الشبكة المتوسطة: ويكمن بها عرقلة شخصين أو ثلاثة، وتستخدم أيضاً في التصدي للمخربين أو مداهمي البيوت، أو مجموعات في قوات قمع المتظاهرين.
بندقية الشبك الكبيرة: تستخدم للمسافات البعيدة، وبإمكانها عرقلة تشكيل من قوات مكافحة الشغب. ويمكن إيجاد صفوف من المدافع التي تطلق هذا النوع من الشباك، في حالة الرغبة في عرقلة أعداد ضخمة، مع مراعاة أن يكون هناك فارق حوالي خمس ثوان بين إطلاق كل شبكة، بحيث لا تتداخل الشباك، وهذا النوع من البنادق أو المدافع يستخدم في حالات:
عرقلة تشكيلات كاملة من قوى القمع أو أعداد كبيرة من البلطجية والمخربين.
الحاجة إلى خط حماية أول يتقدم التظاهرة او الاعتصام بمسافة ليحول دون تقدم قوى القمع مترجلة.
الحاجة في اختراق منطقة محاصرة بقوى القمع، حيث يتم عرقلتها بالشباك، ثم يتقدم المتظاهرون متخطين الحاجز الأمني.
وفي حالة ضرورة إحكام السيطرة يمكن إطلاق أكثر من شبكة على نفس المجموعة بحيث يتعذر عليها الخروج سريعاً من الشباك المتداخلة.
صورة لثلاثة مدافع (المثلث الأسود)على خط واحد تطلق ثلاث شباك
رسم توضيحي لستة مدافع تطلق شباكاً كبيرة، وبذلك يمكن تغطية مساحة كبيرة من الأرض عبر تكتيك “مظلة الشباك”.
البندقية العلوية: حيث تثبت في مكان عال، وتنزل الشبكة على مجموعة تمر تحتها، ويمكن استعمالها ضد قوات قمع المتظاهرين، بتعليق مجموعة من الشبكات على مسافات متباعدة فيما يمثل “فخاً” لقوى القمع. ويستخدم في حالات:
نفس الحالات السابقة الخاصة بعرقلة قوى القمع.
الحاجة إلى أفخاخ في أماكن يتم جر قوى القمع إليها، (تحت جسر – شارع ضيق) فتستخدم كفخ
الحفاظ على مكان اعتصام مفتوح، حيث يتم تأمين المكان بتعليق الشباك في حبال وإطلاقها في حالى احتلال المكان من مجموعات مثيرة للشغب أو قوى القمع.
كيفية الحصول على بندقية الشبك
من محلات بيع أدوات الصيد.
تصنيعها منزلياً. (سيتم تفصيل ذلك في موضوع منفصل)
الدرس (21): كيفية حصار العنف
نتحدث في هذا المقال عن كيفية التعامل مع العنف الذي قد يتولد في مسار التغيير. وليس المقصود هنا عنف الأجهزة القمعية؛ وإنما العنف الذي قد يتسلل إلى الممارسات التغييرية، ليصبغ مشروع التغيير بطابع عنيف.
فبالرغم من أن تولد العنف عادةً ما يبدأ كرد فعل لعنف الأجهزة القمعية أو لاستفزاز الأطراف الأخرى التابعة للنظام الديكتاتوري لجموع المقاومين، إلا أننا لن نتطرق في هذا المقال إلى ظاهرة عنف المقاومين كرد فعل، وإنما عن مبادرتهم بانتهاج العنف حتى في ظل غياب مظاهر الاستفزاز من قبل قوات الأمن التي عادةً ما تتواجد في ساحات المواجهة.
وقبل البدء في استعراض أساليب حصار العنف الجماهيري نرى أنه من الضروري تذكير الشعوب المقاومة بأن الحفاظ على أهداف التغيير مرتبط بشكل كبير بالحفاظ على مساره، فكلاهما يمكن تعرضه لمحاولات السرقة والاختراق. لذلك ينبغي أن يعيَ المقاومون أن التأكيد والحرص على الأهداف يجب أن يصاحبه التأكيد والحرص على المسار.
ويمكن تصنيف العنف الذي يتسلل إلى الأنشطة التي تدعو إليها قوى التغيير إلى:
· عنف المتظاهرين نتيجة الحماس.
· عنف قوى أخرى منظمة.
أولاً: عنف المتظاهرين نتيجة الحماس:
ويأخذ أشكالاً منها:
العنف اللفظي: ونعني به استخدام السباب والإشارات البذيئة من قبل بعض المتظاهرين المتحمسين، وهم في غالب الأمر يعبرون عن مواقفهم بالطريقة التي اعتادوا عليها، وبناء على ثقافتهم، وهؤلاء يجب ألا يعاقبوا؛ بل على مجموعات العمل المتواجدة في مسرح الفعل المقاوم مساعدتهم على تغيير أسلوبهم. وهذه المجموعات المتحمسة والجرئية يمكن لها – بروح التحدي التي يتمسكون بها – أن تتحول إلى مكون مهم في مشروع التغيير، وسنذكر بعض الاستراتيجيات العامة للتعامل مع هذا النوع من العنف على سبيل المثال:
1. إدارة الحوار: حيث يدار حوار مع المجموعات التي تمارس هذا السلوك، مع توضيح سلبيات هذه الممارسة، التي تنعكس على شكل التظاهرة ومدى اندماج عموم الناس معها. ويكون هذا الحوار ميدانياً أو استبقاياً قبل موعد التظاهرة في حالة أن المجموعات التي تمارس هذا النوع من العمل معروفة.
2. التجاهل مع أخذ الحذر: فإن لم يفلح الإقناع فلا بأس من تركهم وتجاهل ما يقومون به حتى لا يتطور الأمر ويزيد العناد. على أن يتم أخذ الحذر – من تلك المجموعات تحديداً- حتى لا يتطور العنف اللفظي إلى عنف بدني أو تخريب.
3. التشويش: كذلك يمكن تجاوز العنف اللفظي بالتشويش عليه من خلال أغنية حماسية جماعية، أو هتاف منظم، أو نشاط يلفت الانتباه. دون إظهار أن هذا رد فعل على تلك الممارسة حتى لا تتفاقم.
4. الاستيعاب: في حالة أن تلك المجموعات لها قيادات؛ يمكن في هذه الحالة استيعابها في الساحة الأساسية للتظاهرات، فكلما شعرت بالغربة مارست عملها بالطريقة التي تعودت عليها، وكلما أمكن دمجها في الفعاليات المقامة كان ذلك أدعى لانسجامها مع الجو العام للتظاهرة. وإحاطة المتظاهرين بهم أولى من تركهم على الأطراف.
5. الجدار البشري: وفي جميع الحالات حين تشارك مجموعات من المتوقع أن تثير شغباً يجب على الفرق المخصصة لأمن التظاهرة أن تتقدم تلك المجموعات كعازل بشري(بسمك خمسة صفوف على الأقل بحسب كثافة تلك المجموعات)، للحيلولة دون وقوع اشتباكات. ويراعى في تلك الفرق أن تكون على وعي كاف، وأن تطور وسائل الحوار مع مثل هذه المجموعات، وتجرب ميدانياً وسائلها، والتدريب الجيد لتلك الفرق يحول دون اشتباكها هي مع المتظاهرين الذين يمارسون ممارسات تتسم بالعنف.
العنف البدني: ويحدث في الغالب حين يكون في مقدمة التظاهرات من يريدون الاشتباك مع قوى الأمن، وللحيلولة دون اندلاع العنف يجب أن تسيطر على الصفوف الأمامية مجموعات مدربة على ضبط النفس وعدم الاشتباك، دورها عدم التصدي لقوات الأمن من جهة والتفاوض معهم، والحيلولة دون اشتباك أحد من المتظاهرين معهم من جهة أخرى.
العنف التخريبي: كإشعال النيران وإتلاف الممتلكات، وهذا يتم التعامل معه من خلال التأكد من عدم دخول أي مشارك بمواد حارقة أو أدوات يمكن استخدامها في أعمال تخريب، أو توفير لجان شعبية لحماية المنشآت دون أن تشارك بشكل مباشر في التظاهرات. وقد كانت للجان الشعبية دور بارز في ثورة مصر في هذا المجال، حين كانت تمسك بكل من يحمل أي أداة أو مادة يمكن أن تستخدم للضرر بالمنشآت أو المتظاهرين.
ثانياً: عنف تقوم به قوى أخرى منظمة:
هناك حالات أخرى يكون سبب اندلاع العنف فيها ليس حماس مجموعات من المتظاهرين، وإنما عنف ممنهج تقوم به مجموعات منظمة، هذه المجموعات قد تكون مؤمنة فعلاً بالمسار العنيف باعتباره المسار المجدي، أو تكون مجموعات تهدف إلى إفشال مشروع التغيير، كأن تكون تابعة لجهات خارجية أو لبقايا النظام السابق، أو لأطراف لا تريد استقرار الأوضاع، في النهاية سنطلق عليهم “مخربون”.
في حالة المجموعات التي تؤمن بالعنف كمسار أصيل، ستفقد أي دعم جماهيري فعلي، خاصة إن كان المجتمع يحقق سلمياً أهدافه- ولو ببطء، خاصة حين يدرك أن ثمة هدف مهم يتحقق بممارساته غير العنيفة، وهو تشكل مجتمع جديد متماسك، يتفاعل مع واقعه بأدوات جديدة، ترسخ في المجتمع وسائل متطورة للحوار السياسي وتصعيد الضغوط، وبتطوير وسائل اللاعنف وزيادة فعاليتها سينحسر ذلك المسار.
أما المجموعات التي تحمل أهدافاً لا تمت لمشروع التغيير بصلة (المخربون)، ولا تريده أن ينجح؛ فأهدافها الأساسية:
· إثارة الاستياء العام.
· إفشال الحكومة القائمة، وتوريطها في ملفات ترهقها.
. توريط المتظاهرين في أعمال عنف
هنا لا يكون العنف في حد ذاته هو الهدف، أي ليس تدمير المنشأة أو تخريبها باعتبارها هدفاً استراتيجياً. وإنما الهدف هو التأثير على الجماهير، والنيل من القوى القائمة على مشروع التغيير.
ومنع هذه الأعمال أو التعامل معها ليس مرتبطاً بقوة قادرة على تنظيم الشارع، وإنما بالقدرة الفعلية على تأمين المنشآت والتصدي لمحاولات التخريب. وهذه مهمة رجال الأمن بالدرجة الأولى. ثم كشف هويات مثيري العنف والتخريب وفضحهم أمام الرأي العام، وهذه مهمة قوى التغيير. ويمكن أن تشارك مجموعات مدربة على ضبط النفس في حماية المنشآت. كما يتم وضع كاميرات تصوير لتوثيق حالة الاعتداء في حالة حدوثها. وبذلك تكون المجموعات الإعلامية متواجدة بدورها في مواقع المنشآت الواجب حمايتها.
إن دور المتظاهرين الأساسي هو التصدي لأهداف مثيري العنف، وليس العنف ذاته، فيسعون لكسب الرأي العام حين يحاول مثيرو العنف إثارة الاستياء، ويدعمون الحكومة إن كان الهدف تعطيلها، يرجع ذلك بالطبع إلى موقف المجتمع عموماً من الحكومة ورضاه عن أدائها.
وفي حالة العنف المنظم من قوى تريد إفشال مشروع التغيير؛ يمكن لقوى التغيير أن تقوم بالتالي:
· الحفاظ على المسار اللاعنيف منذ بدايات الصراع – كعمل استباقي- حتى تُطبع الحركات التغييرية بذلك الطابع، ومن ثم لا تبذل مجهوداً في الدفاع عن نفسها أوقات الأزمات، ليس أمام المسئولين فحسب، بل أمام الشعب وهو الأهم.
· استمرار التوعية بمسار اللاعنف باعتباره الفكرة الفعالة لبناء مجتمع يتقن الحوار، وتعتبر مشاريع التوعية باللاعنف فرصة للتواصل الشعبي وتأكيد المنهج. وهذا كفيل بإعداد الجموع على ضبط النفس والإيمان بالمسار، بالإضافة إلى التبرئة مقدماً من أية شبهة ترمي إلى تلوث الحركات بالعنف.
· حصار العنف بعد اندلاعه والمبادرة إلى تقليل تكلفته، فاللاعنف قد لا ينجح في وأد العنف بشكل كامل، إلا أنه قادر على حصاره.
· الانسحاب مباشرة من الأماكن التي يندلع فيها العنف، مع توثيق ما يجري إعلامياً، ومحاولة الإمساك ببعض من يمارس تلك الأعمال لمعرفة دوافعهم وانتماءاتهم وفضحهم أمام الرأي العام. فكما يتسللون فجأة لتغيير المشهد إلى مشهد عنيف دام، يمكن الانسحاب المفاجيء لتركهم في الساحة وحدهم لا يحتمون بالجماهير.
· تتصدى المجموعات المجهزة كفرق أمنية لحماية المنشآت والتواصل مباشرة مع وسائل الإعلام لإيضاح الصورة، فلا يوجد أي متظاهر في المكان، لا توجد سوى مجموعة من المخربين، وانسحاب الجماهير مع تطوير هذه الطريقة يقي الإشاعات التي تتردد من المشاركين، حيث يحكي كل شخص قصة مغايرة. كما يقي الجماهير عواقب العنف أو الخوف من المشاركة لاحقاً. (هذا يتطلب توعية شعبية بكيفية التعامل في التظاهرات).
· مساعدة الشرطة في القيام بدورها في حماية المنشآت، خاصة عندما لا تُظهر أية عداوة للمحتجين، باعتبارها خط الدفاع الأخير وليس الأول، تجنباً لاشتباكها مع المحتجين. فالعلاقة بين الشرطة والمتظاهرين من المهم العمل على جعلها علاقة تكاملية.
· استثمار العنف وتحويله إلى حدث إيجابي من خلال إجراء حوار مع المجتمع عبر أنشطة متنوعة، ومن خلال فعاليات تؤكد التمسك بالأهداف والمسار السلمي وإيضاح ضرورة تصدي الشعب لمرتكبي تلك الأحداث، بتأكيد ولائهم لمشروع التغيير واستيعابهم لمحاولات إفشاله.
· تنوع الوسائل وتطورها، فأي وسيلة جديدة تربك الخصم لفترة، لكنه بعد فترة يتكيف معها ويكتشف ثغراتها ونقاط ضعفها ومن ثم يبدأ في استهدافها وإفشالها. والحشود الكبيرة وسيلة فعالة ومربكة، لكنها بعد فترة يمكن تسلل العنف من خلالها إن لم يكن هناك اهتمام بالتوعية بالمسار.
ويمكن إجمال القواعد الأساسية للتعامل مع العنف في النقاط التالية:
· تأمين النشاط لا يقل أهمية عن النشاط ذاته، كلاهما يجب التخطيط له.
· اللاعنف المطلق أحياناً يكون مستحيلاً، لكنه يتميز أنه يسعى لحصار العنف لا إثارته.
. كلما زادت الأعداد كان الأدعى إضفاء الطابع المبتهج الذي يقلل التوتر ويحد من التشنج، كما يعكس طبيعة النشاط التي يقوم بها المتظاهرون، وهي أبعد ما تكون عن العمل التخريبي، ويمكن في ذلك ارتداء ملابس مميزة تجذب الانتباه ولها دلالات رمزية، الكتابة على الأرض، الغناء، الخ، مع مراعاة تصوير ذلك وبثه إعلامياً.
. الاتصال مع أهالي المنطقة قبل موعد التظاهرة، وإعلامهم بالبرنامج والهدف لكسب تأييدهم. كما يمكن التواصل مع قوات الأمن في المنطقة لطمأنتهم وتنسيق حماية المنشآت معهم.
. شكر أهالى المنطقة التي استضافت التظاهرة بعد الانتهاء، وذلك من خلال كل الوسائل المتاحة، من أجل تعميق علاقتهم بمشروع التغيير، ووفاء لاحتضانهم التظاهرة. وقد يكون الأهالي هم عنصر التأمين وهم الشاهد الأساسي على ما يجري، سواء إن تمت التظاهرة بدون عنف، أو تسلل إليها مخربون.
· الوعي العام بأسلوب اللاعنف صمام أمان للمجتمع، وبذلك يتحول من ثقافة نخبة سياسية إلى ثقافة شعبية.
· في حالة الخشية من اندلاع عنف، يمكن اعتماد الأنشطة التي تتطلب أعداداً قليلة والقادرة على القيام بتأثير نوعي. (ليست كل الوسائل الفعالة في حرب اللاعنف تعتمد على الأعداد الضخمة).
· تنوع وتطور الوسائل يحول دون اندلاع العنف الذي يكون من أطراف هدفها إفشال مشروع التغيير، لأنها وسائل جديدة عليها لم تدرس ثغراتها بعد.
· بعض درجات العنف قد تتطلب تدخل الشرطة، حين يكون الأمر أكبر من طاقة منظمي التظاهرات، وعليهم التنسيق مع الشرطة في حدود التدخل، هذا بالتأكيد في حالة اقتناع منظمو التظاهرات بحاجتهم إلى الشرطة للتصدي لأعمال العنف التخريبية، وأن قدراتهم وحدهم غير كفيلة بإجهاض أي عنف. خاصة فيما يتعلق بحماية المنشآت.
· اندلاع العنف فرصة لتطوير المجتمع لاستراتيجيات وأدوات تعامله مع العنف.
كانت هذه بعض الأفكار الأولية حول التعامل مع العنف حين يتسلل إلى مشروع التغيير، سواء بفعل قوى التغيير أو قوى خارجها، يمكن تطويرها بعمل ورش عمل وتأسيس مؤسسات مجتمع مدني للقيام ببعض المهام الجزئية التي تتطلب تخصصاً واحترافاً، كالأعمال الإعلامية والتأمينية.
إن مجتمعاً يعتمد التظاهرات كوسيلة أساسية للضغط السياسي يجب أن تتطور فيه تلك الوسيلة، حتى تصبح وسيلة احترافية لا وسيلة هواة، والحاجة إلى التجديد يدق ناقوسه العنف المنظم. بغض النظر عمن وراءه، فالخصوم السياسيون لن ينتهوا، وتسلل العنف إلى مشهد التغيير يدق أجراس وجوب الانتقال إلى العمل المدروس المتطور.
والرسالة المهمة التي ينبغي الانتباه إليها عندما يتسلل العنف إلى مسار التغيير – دون مبررات حقيقية كالقمع المفرط- أن المجتمع كله مسئول عن تطوير استراتيجيات وآليات لحماية مساره السلمي، وهو ليس مساراً مرتبطاً بحدث ثوري بقدر ما هو مرتبط بتأسيس ثقافة جديدة في المجتمع، هي التي ستحدد كيفية الحوار السياسي فيما بين مكونات هذا المجتمع.
إن اندلاع العنف يمكن رؤيته كفرصة لوضع لبنة جديدة في المجتمع القوي، فهو لا يعكس تحدي اليوم، بل تحدي المستقبل، كيف سيتمكن المجتمع من بناء قدراته على إدارة صراع السياسي بشكل حضاري مقدماً النموذج للعالم؟ ولأن الحاجة أم الاختراع فإن أحداث اندلاع العنف تبشر باختراع قادم، حين تتخصص مجموعات أكاديمياً وميدانياً في مجال (أمن المجتمع القوي)، حيث تطور استراتيجيات ووسائل خاصة بالتأمين الشعبي لأي نشاط، كما سيكون لها دور بارز في كل الأنشطة في المجتمع التي يُتوقع فيها احتكاكات بين الشعب، ولا يراد إقحام جهاز الشرطة فيها.
الدرس (23): حملات المقاومة
أولاً: تعريف الحملات
تتكون حملات المقاومة من سلسلة من الأنشطة الهادفة إلى تحريك المجتمع نحو الإيجابية ونبذ السلبية وتوجيه الرأي العام لاتخاذ موقف بناء إزاء قضية ما، والضغط على النظام ليتخذ موقفاً استجابة للإرادة الشعبية.
ثانياً: أنواع الحملات
· الحملة الجزئية: وتكون غالباً في المراحل الأولية في حياة المقاومة، وتستهدف قضية من القضايا التي تهم المجتمع، مثل قضية البطالة، أو الاعتراض على قانون جائر، وتتدرب المقاومة خلال هذه المرحلة على ممارسة العمل، وإحسان الفعل، وإتقان التخطيط والتحليل، وبناء التضامن المطلوب بين فصائل المقاومة وشرائح المجتمع، حتى تحين ساعة التغيير الشامل المنشود.
·الحملة الشاملة: وحين تنجح المقاومة في حشد وتفعيل طاقات المجتمع بكامله، ليصبح مستعداً لحمل رسالته، والدفاع عن إرادته، تأتي مرحلة التخلص من الديكتاتورية وبناء المجتمع السياسي المدني كحلقة طبيعية في سلسلة البناء.
ثالثاً: أهداف الحملات
إن إدارة حملات المقاومة ينبغي أن تنبع من رؤية كلية لخارطة الصراع… وبذلك يمكن النظر إلى أهداف الحملة كالتالي:
· الهدف الأساسي: إن هدف الحملة الأساسي والنهائي هو تحويل ميزان القوة وتحريرها من يد الأقلية الديكتاتورية الحاكمة إلى يد الأغلبية المحكومة.
· الأهداف المرحلية: أما الأهداف المرحلية أو الفرعية فيمكن تحقيقها عبر نشاط أو عدة أنشطة فرعية. حيث تتمكن من إنجاز هدف واحد أو عدد من الأهداف بحسب نوع النشاط ومناسبته للمرحلة التي تمر بها حركة المقاومة.
ونذكر من هذه الأهداف على سبيل المثال لا الحصر:
1- بناء قدرة المجتمع على الفعل عبر استخدام النشاط كوسيلة للاحتكاك بالجمهور وإدارة حوار معه لإقناعه بضرورة مشاركته في الصراع لبناء المجتمع المدني.
2- البحث عن الشرائح المختلفة في المجتمع، والمفاتيح أو القضايا التي تهمها وتُقوي لديها الاستعداد لخوض الصراع من أجلها. وهنا قد تتناول الحملة قضية اجتماعية لتصل بها إلى الأحياء الشعبية مثلاً، ويكون شعار الحملة ملامساً لآلام وآمال الجماهير، بهدف تحريك فئات وشرائح المجتمع نحو المشاركة الفعالة في الصراع المدني.
3- تقويض قوة النظام باستهداف مفصل من مفاصل قوته، مثل نزع الشرعية عنه، أو إقناع أدوات القمع التي يستخدمها مثل الشرطة والجيش بأنها تحمي نظاماً لن يكتب له البقاء. وأن حركة المقاومة تتزايد، والمشاركين فيها هم أبناؤهم، وإن مكانهم الطبيعي مع أبنائهم والجماهير وليس ضدهم. هذا إقناع لا يتم عبر الكلام فحسب، بل يتم عبر الأنشطة التي تلامس همومهم وتلبي احتياجاتهم، ويزداد المشاركون فيها يوماً بعد يوم.
رابعاً: عوامل نجاح الحملات
هناك عدة عوامل تؤدي إلى نجاح الحملات نذكر منها:
التخطيط والتقويم
يجب أن توضع الحملات ضمن خطة كلية ولا تصبح عملاً ارتجالياً يتساءل بعده المشاركون.. إلى أين؟؟!!.. وبعد انتهاء الحملة يجب تقويمها ومعرفة مدى نجاحها في تحقيق أهداف المرحلة والاستفادة من التجربة وعدم تكرار الأخطاء.
التدريب
يجب أن ُتستخدم الحملات كوسيلة لتدريب الجمهور على أعمال اللاعنف، وعلى تأكيد رفض العنف كأسلوب للتغيير، ورفض إرهاب النظام وسرقته لإرادة الشعب، بأسلوب متحضر معتمد على سياسة حرب اللاعنف. حيث (تصمم الأعمال الأولى في حملة تقويض النظام الديكتاتوري لمحاورة الرأي العام واختباره، ومحاولة التأثير عليه، ولتحضير المواطنين لنضال مستمر من خلال اللاتعاون والتحدي السياسي)[1]
التدرج وعدم الاستعجال
ينبغي بدايةً القيام بحملات جزئية تهدف إلى خلق حوار مع الجمهور لنقله من مقعد المتفرج إلى الفاعل، وتدريبه بحيث يكون مستعداً لحملة شاملة حاسمة، إذ أنه (من الصعب تفكيك مصادر قوة نظام الحكم الديكتاتوري بشكل كامل وسريع في المراحل الأولى من النضال، لأن هذا يتطلب أن يقوم المجتمع ومؤسساته – والتي كانت تعاني في الماضي من السلبية – برفض تام وتحد مفاجئ للنظام عن طريق استخدام اللاتعاون الجماهيري الواسع. لذلك فإن محاولة القيام بحملة سريعة من اللاتعاون الكامل أو التحدي الشامل تعد نوعاً من الإستراتيجية غير الواقعية لحملة مقاومة في مراحلها الأولية).2]
الرمزية
وللرمزية ثلاثة معان يجدر بنا أن نشير إليها:
الأول: الرمزية في شكل العمل: مثل عمل عزاء أو لبس السواد اعتراضاً على قرار ما.
الثاني: الرمزية في مدة العمل: أن يكون العمل رمزياً أي لفترة محددة ومؤقتة. مثل الاعتصام أو الصيام عن الطعام لفترة محددة بدلاً من الإضراب عن الطعام
وعن المعنيين السابقين يقول جين شارب: (تأخذ الأعمال الأولى من اللاتعاون والتحدي لسياسي شكل أعمال أو احتجاجات رمزية من اللاتعاون المحدود أو المؤقت)[3]
الثالث: الرمزية في أسلوب العمل: إيصال رسالة ضمنية لتحريك الجماهير، على سبيل المثال: إن انتزاع الحرية لن يتم بتفويض قلة من أبناء المجتمع تقوم بالنضال نيابة عنه، وإن العمل الذي يحتاج جهود معظم فئات المجتمع لا يمكن أن يتم بإلقاء مسئوليته على عاتق القلة. وهنا يكون هدف النشاط إعلام الأغلبية السلبية من الجمهور بأن اللاتعاون ممكن إذ قمنا به نحن الأقلية الإيجابية، وإن مشاركة الأغلبية ضروري لكي يؤتي العمل ثماره المطلوبة، فإذا استهدفت المقاومة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين مثلاً وكان عددهم ستة أفراد، فإن الاكتفاء بتحرير نصفهم يعطي هذه الرسالة: أن الاستجابة لمطلب إطلاق سراح المظلومين ممكن، وأنه لو تضافرت جهود أكبر فسنتمكن من منع النظام من استخدام أداة الاعتقال للضغط على حركة المقاومة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأعمال الرمزية لا تهدف إلى القضاء على الأنظمة الديكتاتورية، حيث إنها غير موجهة في هذه المرحلة إلى النظام، ولكنها موجهة إلى الجمهور لبناء قدرته على الفعل.
الفاعلية وتتابع الأنشطة
تعتمد فاعلية الحملة على تواصل أنشطتها وتتابعها، وليس عدد الأنشطة أو الأعمال في الحملة هو الذي يحدد مدى قوتها، بل إن إدراك طبيعة المرحلة التي تمر بها الحركة التغييرية هو الذي يملي نوعية النشاط المطلوب، فالأنشطة التي تتم في مرحلة بناء القدرة تختلف في فاعليتها وما هو مستهدف منها عن الأنشطة التي تتم في المراحل النهائية.
ويعد تفعيل شرائح الأطفال والنساء من الوسائل الناجحة لتبليغ رسالة النشاط المتحضر واللاعنيف ووضع النظام الديكتاتوري في مأزق. هل يبطش بالأطفال والنساء أم يترك النشاط ينمو؟! كذلك يؤدي تفعيل شرائح الأطفال والنساء إلى الضغط على المجتمع كي يتحرك، فهاهم الأطفال يتحركون فما بال الكبار مستسلمون؟! وقد يتحرك أبناء المسؤولين والموظفين في أجهزة القمع مما يقنع أفراد هذه الأجهزة بأن مكانهم مع ذويهم في الشعب وليس ضدهم.
التصعيد
إن الحملات يجب أن تبدأ تدريجياً في اتجاه التصعيد كما يرى غاندي، حتى لا تفقد فاعليتها. أما إذا بدأت بشكل قوي ثم ضعفت فهذا أمر خطير ينذر بفشل الحملة، وهو ما يحدث عندما تلجأ المعارضة لحملات قوية ثم تضعف ويبدو للناظر من بعيد أنها تلاشت.
ورغم أن التأثير السياسي للحملة قد يكون هو الأسرع، إلا أن تغيير سلوك الناس من الطاعة والإذعان إلى مقاومة الظلم والقمع هو الأهم.
الاستمرار والانقطاع
(تقع وطأة النضال على قطاع أو أكثر من المواطنين خلال تنفيذ حملات المقاومة، ثم يتحول عبء النضال إلى مجموعات أخرى في مراحل لاحقة، بحيث تحصل فئات من المواطنين على فرصة للاستراحة والتقاط الأنفاس بينما تستمر المقاومة بجهد قطاعات أخرى، فمثلاً يقوم الطلاب بتنفيذ إضرابات احتجاجًا على قضايا تعليمية، ثم يقوم القادة الدينيون والتيار الديني بالتركيز على قضايا الحريات الدينية، ثم يقوم عمال سكك الحديد بإبطاء حركة القطارات، ويقوم سائقو التاكسي والحافلات بإبطاء حركة المواصلات وسيارات الشرطة، ثم يقوم الصحفيون بتحدي الرقابة من خلال نشر المقالات الممنوعة، وتقوم قطاعات الشرطة المتعاونة مع المقاومة بتقديم تقارير حول فشلها في إيجاد واعتقال أشخاص مطلوبين من أعضاء المعارضة .إنه تقسيم مدروس لحملات المقاومة حسب نوع القضية المطروحة وحسب مجموعات السكان.)4]
إن ذلك يتيح استمرار الحملة دون أن يرهق كل فئات وشرائح المجتمع في نفس الوقت.
التركيز على فاعلية الحملة
تعتمد فاعلية النشاط على قدرته على خلق حوار مع الجمهور ومع النظام، وإلا فلن تعدو الحملة أن تكون دعاية وضجة إعلامية، لا يلبث الناس أن يعودوا بعدها إلى منازلهم، ولما يتغلبوا على عقد الخوف والإذعان والسلبية بعد، لذلك فإن إبقاء الحوار مستمراً والاتصال بالجمهور شرط أساسي لنجاح الحملة.
ويتم الحوار قبل وأثناء وبعد الحملة، فقبل الحملة يتم الدعوة إليها وإقناع الجمهور بالمشاركة، وبعد الحملة يتم الحديث عنها وشرح الفائدة منها عبر كل الوسائل الممكنة، أما أثناء الحملة فيجب أن تنمى الاتصالات الشخصية، وتبنى العلاقات الاجتماعية، ويهتم بالصداقات.
التعاون وتقدير الجهود المختلفة
إن نجاح الحملات في تحقيق الأهداف المرجوة يستدعي عدم تحقير أي دور لأي مجموعة، أو أن تتصور إحدى جماعات المقاومة أنها قادرة على التغيير بدون التعاون مع الحركات الأخرى، أو بدون تفعيل المجتمع ككل، أو أن المكاسب التي حققتها أعظم من أن يتم التفريط فيها فتتخلى عن الرؤية النهائية أوعن شركائها في حركة المقاومة، وكلها نقاط سيحاول النظام في إحدى جولات الصراع استخدامها والتلاعب بها.
وفي النهاية – إن أحسنت المقاومة التخطيط والتنفيذ والتعاون- ستتفاعل الحركات ومجموعات العمل المختلفة تفاعلاً حيويا وفعالاً حتى يكاد أصحاب المقاومة لايصدقون أنهم تمكنوا من إقامة هذا البناء.
الدرس (24): خارطة التكتيكات
هذه المادة من كتاب “خارطة العمليات والتكتيكات” أكاديمية التغيير
تستخدم هذه الخارطة كأداة تخطيطية للحملات، من خلال تحديد طرفين أساسيين في الصراع
أولاً: تحديد الأطراف المختلفة
ويتم ذلك من خلال رسم هيكل الخريطة المتكون من خط وثلاث دوائر وشعار، كما في الشكل التالي :
تحديد الأطراف
ثم تحدد عناصر الخارطة التفصيلية من خلال الخطوات الست التالية:
1.رسم الطرفين المباشرين في الصراع(العلاقة المركزية المباشرة) ويرسمان كصندوقين على طرفي الخط المستقيم (الضحية ـــــــــ الجلاد)
2. تحديد الأطراف ذات الاتصال الدائم المباشر بكل طرف (العائلة، الأصدقاء، زملاء العمل، رؤساء العمل، الشركاء، …الخ) وترسم هذه الأطراف كأشكال بيضاوية في الدائرة الأولى (المدار الأول) بلون يميزها.
3. تحديد الأطراف غير المباشرة على المستوى المحلي (الإعلام، القضاء، مراكز حقوق الإنسان، …الخ) وترسم هذه الأطراف على شكل مثلثات في الدائرة الثانية بلون آخر يميزها.
4. تحديد الأطراف غير المباشرة على المستوى الدولي (وسائل الإعلام العالمية، المؤسسات العالمية لحقوق الإنسان، لجان هيئة الأمم المتحدة …الخ)، وتُرسم هذه الأطراف على شكل دوائر داخل حدود الدائرة الثالثة بلون ثالث يميزها.
5. تحديد “أنت” (فريقك أو منظمتك …الخ) وموقعك على الخريطة بحسب قربك أو بعدك من طرفي الصراع. وترسم من خلال شكل يعبر عنك ويميزك عن بقية الأشكال كشعارك (رمزنا له هنا بالشمس).
6. تحديد الأطراف المرتبطة بك بشكل مباشر أو غير مباشر ولم تُكتب سابقاً.
ثانياً: تحديد طبيعة العلاقات
في ضوء أنواع العلاقات السابقة يتم مد الأسهم بين الأطراف للتعبير عن طبيعة العلاقات الموجودة بالفعل.
بعد ذلك يتم تحديد الهدف المطلوب إزاء كل علاقة، فبعض العلاقات سيكون المطلوب استثمارها، أو تنشيطها وتفعيلها، أو تحييدها، أو تدمير فاعليتها، أو تجاهلها واستبعاد فاعليتها.
ثالثاً: تحديد التكتيكات
بعد ذلك يتم تحديد العلاقات التي ستُستهدف مع تحديد التكتيكات المناسبة، ويتطلب هذا:
·إدراك جيد لطبيعة التكتيكات.
·مراجعة قاعدة بيانات ترسانة التكتيكات للاختيار منها أو استلهام أفكار لابتكار تكتيكات أخرى.
·توفير عدد كاف من التكتيكات يتناسب مع السلوك المطلوب إزاء كل علاقة (تعزيز – تدمير – تحييد).
·اختيار التكتيكات القادرة على التأثير في المساحات الفارغة والعلاقات غير المستهدفة بعد في الخارطة.
ويتم رسم التكتيكات على الخارطة في شكل هندسي كالمستطيلات الزرقاء ويمد منها سهم أسود متقطع.
يجب ألا يغفل النشطاء ومجموعات العمل عن رسم أدوارهم على الخارطة، وتحديد علاقاتهم التي سيستثمرونها، والمخاطر التي سيتعرضون لها.
بعد رسم الخارطة في نسختها النهائية قبل الشروع في التنفيذ يتم تحويلها إلى خطة عمل Action Plan من خلال استخدام أي شكل مناسب من الجداول التي تستخدم في هذا المجال:
بعد ذلك يتم حصر التكتيكات التي تم تحديدها في الخارطة، ووضعها في جدول زمني واحد.
تدريب
استخدم خارطة التكتيكات في الحالات التالية
لك صديق معتقل تود الضغط من أجل الإفراج عنه.
وزير فاسد تسعى لإسقاطه بضغط شعبي سلمي.
كسب تأييد رمز مشهور ليناصرك في برنامجك الانتخابي
الدرس (25): خلق المعضلة
عند التخطيط للحملات من المهم التفكير في كيفية وضع خصمك في معضلة، بحيث يكون أي رد فعل ضدك يقوده نحو مشكلة أكبر، عندما طلب غاندي من الهنود أن يخرجوا جميعاً للصلاة في نفس الوقت، أراد وضع النظام في معضلة، إن تركهم فهذا يعني تحقق الإضراب العام، وإن قمعهم فسوف يظهر كنظام مجنون يقمع أناساً خرجوا للصلاة.
كيفية تصميم المعضلة:
حدد قضية تعني عموم الناس
اكتب ثقافة الناس إزاي هذه القضية
حدد النشاط الذي ستقوم به
صمم النشاط بحيث يكون في أفضل شكل حضاري وتأكد من إتخاذك كافة الإجراءات اللازمة لحصارك لعنف النشطاء أنفسهم.
حدد ردود الأفعال المتوقعة للخصم
ارجع لتصميم النشاط وأضف عليه الجزئيات التي ستجعل أخذ رود الأفعال بهذه الطريقة المعتادة أمر غير مقبول
مثال:
القضية: التي تريد تحريك الناس من أجلها هي قضية البطالة
ثقافة الناس: الناس متعاطفة مع تلك القضية كما أنها لا تمانع من الهجرة، كثيرون يتمنون أن يجدوا أقرب فرصة للسفر.
النشاط: التقدم بأعداد كبيرة لسفارة محددة لتقديم طلبات الهجرة.
رد الفعل المتوقع: اتهام النظام للناس بالتجمهر، لكن هذا غير صحيح لأنهم بالفعل متجهين لاستخراج أوراق الهجرة.
رد الفعل المتوقع: إن تركهم ستعرب السفارة عن استيائها، وإن قام باتهام المحتجين بأنهم يسدون الطريق، في هذه الحالة يتم العودة لتصميم النشاط ووضع بند يتعلق بتنظيم المرور والسير بحيث لا يزعج الناس ويقطع الطريق على الخصم. وإن قمعهم فسيزداد الاستياء لأن خؤلاء ليسوا متظاهرين سياسيين.
في هذه الحالة وقع الخصم في معضلة فهو لا يستطبع مقاضاة الناس قانونياً لأنهم جادين في طلب استخراج الأوراق، كما أنه إن قمعهم سيثير الاستياء العام فشباب يود الهجرة بحثا عن الرزق يتم معاملته بشكل غير إنساني.
وهكذا يمكن إدارة النشاط بشكل فعال وبدون عنف ويعطي نتائج أكبر من الهتافات والعمل الاحتجاجي.
للاطلاع
50 نقطة حاسمة في الكفاح السلمي
تدريب
حدد مع مجموعتك إحدى القضايا التي ستتحرك من أجلها، وصمم معهم النشاط بحيث يضع الخصم في معضلة.
الدرس (26): تحديد الأهداف
لا توجد حرب بلا أهداف، لذلك كان من الضروري تحديد أهداف الصراع السياسي بدقة، ثم تحديد الاستراتيجيات التي تقود إلى تحقيق تلك الأهداف. ويتم ذلك من خلال تحديد الهدف العام وهو في الغالب يأخذ صيغة عامة خطابية مثل دولة الحريات، وهذا الهدف بحد ذاته غير كاف، فيجب تحويله إلى أهداف إجرائية كما سيتبين:
مثال:
الهدف العام: بناء نظام سياسي تعددي.
الأهداف الإجرائية:
الإطاحة بالنظام الديكتاتوري.
تسليم السلطة للشعب.
الحيلولة دون عودة الديكتاتوريات.
تحديد معايير إنجاز كل هدف
هذه المعايير هي التي:.
تشرح الأهداف تفصيلياً لتوضح المقصود منها إجرائياً.
تجعل الأهداف قابلة للقياس.
كل هدف يجب أن تحدد له معايير الانتصار، أو معايير النجاح، بحيث تتمكن قوى المجتمع من قياس مدى نجاحها. وتتمكن من محاسبة قادة التغيير. ولا يكون النصر ادعاء؛ بل واقعاً تحكمه معايير متفق عليها.
بعد انتهاء هذه الخطوة تكون الأهداف الكبرى للمقاومة قد حُددت، وهي الأهداف النهائية التي ستصل إليها بنهاية كفاحها. وهي التي ستبني عليها خططها العملية (وليست الأهداف العامة التي كُتبت في الرؤية المستقبلية).
التطبيق العملي
حدد مع مجموعتك الهدف العام للتغيير.
حدد الأهداف الإجرائية
حدد معايير الإنجاز.
الدرس (27): تحديد عقدة الصراع
لا تكون الأهداف العملية التي سيتم إبداع مسارات لتحقيقها هي ذاتها الأهداف العامة للتغيير، والتي تمثل الهدف النهائي لخوض الصراع عند النجاح، مثل تحقيق العدالة الاجتماعية ، والحريات، الخ.
يبدأ التفكير بعد تحديد هذه الأهداف في البحث عن الأسباب التي تحول دون تحقيقها، لماذا لا يتحقق ذلك على أرض الواقع.
بعد ذلك يبدأ تقليل عدد الأسباب قدر الإمكان حتى يمكن استهدافها، وذلك بالبحث عن العقدة المركزية، التي إن حلت ينبني عليها حل بقية العقد. ويمكن أن تكون هناك أكثر من عقدة يتم استهداف بعضها معاً أو على التوالي.
مثال:
في حالات الاستبداد، ما الذي يمنع تحرك الشعوب من أجل بناء نظام سياسي تعددي؟
الديكتاتورية
القمع
الفرقة
الدعم الخارجي للديكتاتوريات
سلبية الشعوب
الخوف
ضعف الموارد
قلة الوعي
الخ
بعد حصر هذه المجموعة من الأسباب يتم اختيار أهمها والتي يترتب البقية عليها. في هذه الحالة يمكن القول أن عقدة الصراع تكمن في:
إفقاد آلة القمع فاعليتها
بناء مجتمع قوي يمتلك أدوات التغيير السياسي
سنجد أننا استبعدنا الدعم الخارجي للديكتاتوريات باعتباره ليس العقدة الأساسية، فربما لو تحرك الشعب تغير الموقف الدولي، وبالتأكيد تدرس كل حالة بخصوصية وتحدد عقدها. لكن في هذه الحالة الافتراضية نقول أن مشروع التغيير سيسير على مسارين:
مسار العمل والتفكير في كيفية إفقاد آلة القمع فاعليتها.
ومسار إيجاد أدوات حشد الجماهير ودعم العمل التغييري (بناء مجتمع قوي). ويمكن الرجوع إلى درس البنية التحتية للحركة التغييرية
(الدرس 15)
وتصبح بذلك هاتين هما عقدتا الصراع التي سيتم استهدافهما والعمل عليها فعلياً.
للاطلاع
الوضع معقد جداً
حدد العقدة… وأبدع الحل
بدأ صديقي يشرح لي الصعوبات التي تواجهه وهو يتعلم قيادة السيارات في مدرسة متخصصة، كان عليه أن ينظر إلى المرآة الأمامية ليرى القادمين من الخلف، ولابد أن يعير نظراته بين الحين والآخر للمرايا الجانبية، وأن يحسن تقدير المسافة بين مقدمة السيارة والسيارة التي تتقدمها، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، فهناك ناقل السرعات الذي طالما أعجزه وحار في حفظ طريقة استخدامه، ناهيك عن التحكم في عجلة القيادة، أما استخدام الإشارات فأمر غالباً ما ينساه، وكم غافله مؤشر الحرارة والوقود ليكتشف نفسه قاب قوسين أو أدنى من توقف السيارة عن العمل، أما القاصمة فكانت أن يبتلى بشخص ثرثار يجلس جواره. ضاق صديقي ذرعاً بعد ثلاثة أيام من التعلم، صرخ في معلمه: “مستحيل أن تتركوني أقوم بكل هذا بمفردي… الوضع معقد جداً”. أخبرته أن يتريث، ولا يتسرع بقرار ترك مدرسة تعليم قيادة السيارات، وأن ينظر إلى من حوله، فهاهن بنات ونساء يقدن بشكل عفوي، وها هم شباب دون الثامنة عشرة يحسنون القيادة. فبالتدريب سيكتسب تلقائية القيادة، ويحسن التعامل مع هذا الوضع المعقد. إن القيادة في ظل الأوضاع المعقدة من أهم سمات القادة، فندب الواقع، واتهامه بالتعقيد أمر ينزع صفة القيادة عن مدعيها، وهل أشرقت إطلالة القادة على الوجود إلا لأنهم يمتلكون رؤية معالجة هذا الواقع المعقد؟! أليست المواقف المعقدة هي التي تستدعي وجود القادة؟؟! وإلا فما جدوى ادعائهم التميز على من حولهم إن كانوا يصرخون مثل عامة الناس “الوضع معقد جداً”. في المؤسسات المتطورة عندما يتقدم شخص ما للقيادة فيها، فإنه يتقدم برؤية، ويستعرض برنامجه الذي سيميزه وسيتمكن به من اختراق تعقيدات الواقع وتفكيكها. فهو يطرح نفسه كقائد لأنه يمتلك رؤية تعبر بالمؤسسة من نفق يحتويها وتنطلق إلى فضاء رحب، أما من يجلسون على مقعد القيادة بالخطأ فيهولهم الموقف ويفاجأون أن قيادة السيارة – في البدايات- لا تحقق المتعة المتوهمة، حيث يستمع السائق إلى الموسيقى الناعمة، متنقلاً بمرونة من حارة إلى أخرى، ومن سرعة إلى سرعة، بل هناك الكثير من الأمور المعقدة المتشابكة التي يمارسها قائد السيارة قبل أن يصل إلى مرحلة القيادة بتلقائية، والاستمتاع بأداء ما يبدو معقداً. إن القعود عن الفعل، أو تبرير القفز في المكان بحجة تعقيد الواقع أشبه بعتاب طالب اللغة الإنجليزية لمعلمه الذي لم يكتب كلمة واحدة بالعربية في الامتحان، ولطالب الكيمياء الذي يطعن في العلم المليء بالمعادلات، ولطالب الرياضيات الذي يندهش من لغة الأرقام. وللممثل المذهول والمتسائل أنى له بالتمثيل والجمهور يتتبع كل خطوة له على خشبة المسرح، ولمصارع الثيران الذي نظر إلى الثور الهائج، والجمهور المحتشد، وإلى ملاءته الحمراء ثم صرخ… “الوضع معقد جداً”. فهل كان سيحتشد الجمهور إلا ليشهد كيف سيصرع البطل مصطلح التعقيد؟! ترى لو كان الثور أليفاً، يأكل من يد صاحبنا، هل سيستحق لقب المصارع البطل؟؟!!وهل كانت الآلاف ستنفق إلا من أجل نظرة إليه وهو يسفك دم التعقيد ويطأه بقدمه في ثبات؟! “الوضع معقد جداً” … يوم تخرج من فم القائد فإنها تعني رفع الراية البيضاء في وسط المعركة.
والاعتراف بتعقيد الواقع أمر محمود إن كان المراد منه فهم الواقع للتعاطي معه بوعي، لأنه يُبعد الإنسان عن السذاجة في تفسير ما يدور حوله، وهو كذلك جدير بجعل المرء يفكر بمستوى ومنهجية قادرة على قهر هذا التعقيد، وأن يتدرب على تفكيك المعادلات الصعبة، كالطالب الذكي المتمرس الذي يعشق تحدي المسائل الرياضية المعقدة، فيصيح مختالاً.. “أنا لها”.. أما المسائل البسيطة فيحيلها إلى البسطاء. والتعاطي مع الواقع المعقد يتطلب نمطاً متطوراً من التفكير، وهذا لا يعني أن الحل سيكون بالضرورة معقداً، بل قد يكون في قمة البساطة، فخبراء تفكيك الواقع يحددون أولاً ما يسمى بعقدة الموقف، أو عقدة الصراع، وتعني ما هي العقدة التي إذا تم حلها ستُحل بقية العُقد؟ فها هم رواد الفضاء يواجههم تحدي الكتابة في الفضاء، فانعدام الجاذبية أعجز الحبر عن الانسياب من القلم، وبدأت وكالة الفضاء “NASA” دراساتها حول كيفية التعامل مع الوضع المعقد بمحاولة تطوير قلم يكتب في الفضاء، وتكلفت الدراسات ما يزيد على المليون دولار، إلا أن الروس فككوا تعقيد الموقف بحل بسيط، وهو استخدام القلم الرصاص، لأنهم أحسنوا تحديد عقدة الموقف.. فليست العقدة في كيفية إجبار القلم الحبر أن يكتب رغم أنف قانون الجاذبية، لكن العقدة كانت كيف نكتب في الفضاء، بغض النظر عن مصير القلم الحبر.* كم من أوضاع معقدة فككتها أدوات بسيطة، لأن التحدي الكبير ليس في توافر الأداة، بل في توافر العقل المشبع بنمط التفكير الثائر على الواقع، المتمرد على الهزيمة، المستعصي على الانبطاح، فالعقل إن آمن بقدرته على فك التعقيد أبدع أدوات البطولة، وهل كانت النهضة في الصين التي عانت من احتلال أكثر من دولة لها وغرقت في الفقر والتخلف إلا حجة على بني الإنسان المهزومين؟! وحرِّر عقلك من وهم العقد بنظرة إلى اليابان المتألقة التي دمرتها الحرب وحاولت تشويه نفسية شعب، بل وتأبى الأرض أن تستقر بها فتجتاحها الزلازل، لكنها في النهاية تقدم نموذجاً لعبقرية الإنسان القادر على فك العقد. إنه قرار يعكس قدرة العقل، إما قرار خطابي هارب يحيل العجز عن التفكير إلى الواقع المعقد، أو قرار علمي جريء …”ستبدأ عملية التفكيك” على عشاق التحولات الحضارية إدراك أن العقد غالباً ما كانت حتمية الوجود في حياة الأمم، وأنها ليست الشبح المخيف بل التحدي المستفز، فيتعرفون عليها جيداً بشكل علمي، ثم يبدأون بتفكيك العقدة الرئيسة، لتتوالي حركة الدومينو، وتُحَّل العقد صاغرة، وتُفتح بوابة المستقبل، وليس بالضرورة أن وسيلة تفكيك الواقع المعقد ستكون معقدة، المهم ألا يُشل العقل وتصيبه هلوثة العقد، فيضرب عن عملية التفكير متوهماً أنه أوتي الحكمة قائلاً… “الوضع معقد جداً”.
————-
* للرجوع إلى تفاصيل اختراع قلم للكتابة يستخدمه رواد الفضاء يمكن زيارة موقع الوكالة الفضائية NASA http://history.nasa.gov/spacepen.html
التطبيق العملي
حدد عقدة الصراع في مشروعك
حدد مسارات التعامل معها.
الدرس (28): مسارات التصدي للظلم
من كتاب “خارطة الصراع” أكاديمية التغيير
تتعدد الاختيارات أمام المجتمع للتفاعل مع الأوضاع التي يفرضها عليه النظام السياسي الديكتاتوري، فبعد أن تتم دراسة الواقع وتحديد عقدته، يقرر المجتمع إما أن يقاوم لتحقيق أهدافه وأحلامه، أو ييأس ويستسلم لمشاريع النظام.
مسار الإصلاح الداخلي: في حالة أن الواقع الموجود يمكن التعامل معه، فهو مقبول بالكلية، وكل المطلوب تحسينات وتعديلات في النظام، وطبيعة النظام تسمح بإمكانية عمل هذه التسحينات.
أما إن كان الواقع غير مقبول ولا يمكن فيه إصلاح النظام من داخله تكون هناك عدة مسارات:
مسار اليأس:
أ) قد يؤدي اليأس إلى الاستسلام، بسبب قسوة الممارسات القمعية. فتتخبط قوى المجتمع المقاومة في حالة من الفراغ يفرضها النظام الذي يسن القوانين المنظمة لعملية الصراع السياسي، والتي تعمل دائماً في صالحه، فيُحَرِّم على المقاومة الممارسات غير المقيدة بهذه القوانين، ويعاقبها بقسوة إذا كسرت هذه القوانين. فتستسلم المقاومة بشكل مباشر مذعنة إلى النظام وخادمة له. وقد تستسلم بشكل غير مباشر عبر ممارسة المعارضة المقننة ضمن الهامش المسموح به، وهو استسلام مقنع يوهم الأتباع بالحركة والبذل، لكنها حركة في المكان، تعكس حالة من دوران المقاومة في حلقة مفرغة نتيجة جهلها بقواعد الصراع السياسي، وقوانين التغيير داخل المجتمعات.
وقد يكون الاستسلام عبر اعتزال العمل السياسي تماماً، واليأس من إمكانية التغيير.
ب) أما وجه العملة الآخر لخيار الاستسلام فهو اللجوء إلى العنف غير المدروس كالتخريب، وإحراق المنشآت، وإشاعة الفوضى، بدون دراسة لتبعات هذا العمل أو الخطوة التالية له، وهو عنف يعكس اليأس، حيث لايرى المجتمع أمامه بديلاً آخر – أو هكذا يظن. وتتوقف قدرة العقل على التفكير في فلسفات واستراتيجيات وتكتيكات بديلة، فيتحقق للنظام الديكتاتوري مخططه المرسوم، حيث تصبح الفرصة سانحة لاستخدام القمع المقنن ضد المقاومة العنيفة لتصفيتها، وإرهاب المجتمع كي لا يفكر في تكرار محاولات التغيير.
مسار الخلاص الفردي:
وهو مسار لا ينوي السائر فيه عادة ممارسة الفعل السياسي، هو يبحث فقط عن النجاة قدر الإمكان من تعسف النظام، ويتمثل هذا المسار في التحايل اليومي على الظلم، من خلال التصرف الفردي والمؤسسي غير المعلن للعامة،والبحث عن أساليب تقلل من خسائره في ظل المعاناة، وعلى أمل الحصول على قدر من الخلاص الفردي. مثل الامتناع عن دفع الضرائب، والتهرب من الخدمة العسكرية، وتأسيس مؤسسات بدون تراخيص رسمية، وارتكاب مخالفات ثم التظاهر بالجهل بقوانين وسياسات الحكومة. وعادة ما تكون تلك الأنشطة فردية ومحلية ولا تنبع من دوافع سياسية، ولا تأتي في سياق عمل تغييري منظم ومقصود. فهي لا تزيد عن كونها محاولات فردية للتحايل على النظام وليس مقاومته أو شن الحرب عليه، والبحث عن أية فرصة للهروب من قبضته لا تسديد ضربات له.
أما إذا قرر المجتمع المقاومة من أجل إحداث التغيير فيلجأ إلى النضال السياسي الدستوري أو فوق الدستوري.
مسار النضال السياسي
وله أيضاً مستويات متعددة:
أ) النضال الدستوري أو السلمي عبر القنوات الرسمية باستخدام الطرق المقننة مثل التصويت، والاستفتاءات، والانتخابات، ورفع الدعاوى القضائية، والتي يُطلق عليها الوسائل السلمية الباردة. وهذه الوسائل تتوفر وتعمل بفاعلية في الدول ذات أنظمة الحكم التعددية أو الديمقراطية والتي تشهد بالفعل بناءً مجتمعياً قوياً وفاعلاً.
ب) النضال فوق الدستوري، ويشمل كلاً من العنف المدروس وحرب اللاعنف.
العنف المدروس: كالانقلابات العسكرية وحرب العصابات.
حرب اللاعنف: عبر استخدام أساليب الفعل غير المباشر كالتظاهرات، وأساليب اللاتعاون كالإضرابات وأساليب التدخل المباشر كإرهاق الإدارات الحكومية بالطلبات.
ولاختيار المسار الأفضل يتم دراسة جميع المسارات التي تفكر فيها قوى التغيير بحسب واقعها وأهدافها، وتدرس تكلفة كل مسار، وردرود الفعل المتوقعة عليه، ومدى قربه أو بعده من تحقيق الهدف النهائي، ثم في النهاية تختار المسار الأفضل، كم حيث قدرته على تحقيق الأهداف وتقلقلة التكلفة.
وموضوع دراستنا هنا هو حرب اللاعنف، لأن الهدف النهائي من الدراسة هو كيفية تمدين الصراع السياسي، وليس استبدال قلة حاكمة بأخرى تحتكر استخدام القوة العسكرية، بل وتكتسب شرعيتها من استخدام هذه القوة كي تصل للتغيير. تأتي حرب اللاعنف عبر مسار يتطلب إرادة شعبية عظيمة، وخط نمط جديد من الفعل في المجتمع، حيث لا تكون الغلبة لمن يحمل السلاح، بل لمن يقنع الجماهير.
الدرس (29): مراحل الصراع
من كتاب “خارطة الصراع” أكاديمية التغيير
تعد المراحل بمثابة درجات السلم التي تصعدها المقاومة، بداية من الدور الأرضي حيث الإمكانات محدودة، وانتهاء بالطابق العلوي حيث تتحقق أهدافها التي سعت إلى تحقيقها بعد أن تكون إمكانياتها قد تعاظمت.
ويمكن النظر إلى كل مرحلة باعتبارها تؤدي مهمتين أساسيتين، تحقيق أهداف جزئية، وبناء القدرات التي تمكن من الدخول في المرحلة اللاحقة.
وتختلف مراحل التغيير بحسب طبيعة الصراع ودرحة جاهزية المجتمع، غير أننا سنذكر المراحل هنا على سبيل المثال:
صناعة الحلم وتطوير استراتيجية أولية: حيث يحدد عنوان مشروع التغيير بشكل واضح، كأن يكون “بناء مجتمعات قوية”، فالتغيير لا يهدف إلى استبدال سلطة بأخرى، ولكن بتفعيل دور الشعب كحامل رسالة وفاعل أساسي، ثم تطوير الاستراتيجية التي ستحدث هذا التحول في المجتمع.
بناء القدرة: حيث يطور المجتمع وسائله ويبني قدراته الإعلامية والتعبوية والفكرية والحقوقية والمالية.. إلخ، من أجل أن يتمكن من خوض المعركة الحاسمة. وليست النقطة المفصلية في بناء القدرة هي كيفية ضمان استجابة الشارع لنداء التغيير، ولكن وجود الجهات والمؤسسات الفكرية والإعلامية والحركية التي تضمن حسن توجيه المسار، واستمرار الحشد، وإمكانية تأمينه.
التجربة: حيث يتم تجربة المسار، واختبار فاعلية البنية التي تشكلت، من خلال حملات جزئية، قد لا تحمل المطالب الكلية. لكنها بالأساس تختبر الأفكار وتساهم في تقوية بنية المجتمع.
الصراع المفتوح: حيث تحين الفرصة لحشد كل الإمكانات لخوض معركة المصير.
نهاية الصراع: في جميع الحالات سينتهي الصراع، إما بنصر كاسح، أو جزئي، أو هزيمة. ويجب على المخطط أن يدرك أن لكل صراع نهاية، فلن يمتد الصراع إلى الأبد. فهناك حدود لأي صراع، وقد يتوقف ثم يتجدد لاحقاً. لكن ما يتم التخطيط له آنياً حتماً ستكون له نهاية. ومن المهم دراسة كيفية الخروج بأكبر مكاسب في جميع الحالات.
وعلى كل أياً كانت المراحل التي سترسمها لتصل بأحلامك إلى أن تصبح واقعاً معاشاً يمكن توصيف كل مرحلة ورسمها بشكل دقيق كالتالي:
توصيف المرحلة: تعريف بها
الأهداف: أهدف هذه المرحلة تحديداً مع ذكر معايير الإنجاز وأدوات تقييم كل هدف.
دراسة الطرفين: من حيث عناصر قوتهم وضعفهم، والأطراف الداعمة لهم أو التي يسعى كل طرف إلى كسبها، كل ذلك في إطار هذه المرحلة فقط، وبناء على الأهداف الموضوعة لها، حيث يمكن أن تختلف عناصر القوة والضعف والموقف من الأطراف بتغير المرحلة. فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون غياب القيادة المقاومة نقطة قوة في مرحلة، لكنها في مرحلة أخرى تصبح نقطة ضعف. وهكذا. كذلك يمكن أن تكون استراتيجية الخصم في مرحلة ما هي التجاهل، لكنه في مرحلة أخرى يتعامل بالقمع المفرط.
ساحة التحركات: وتشمل النطاق الجغرافي والمناطق والشرائح والمجالات التي سيتم فيها التحرك في المرحلة، فقد يكون جغرافياً متركزاً في محافظات معينة، أو شريحة معينة من الناس، أو مجالات محددة كأن تكون اجتماعية أو سياسية الخ. وهكذا يتطلب هذا البند تحديد نقاط الارتكاز، وهو ما نقصد به على ماذا سترتكز المقاومة في تلك المرحلة (الإعلام – النخب- شخصية لها وزن – الخ). وكل نقطة من نقاط الارتكاز هذه تحتاج إلى حماية، وهو ما يدعونا إلى تحديد خطوط الدفاع: كيف ستحمي المقاومة نفسها وإنجازاتها ومرتكزاتها في تلك المرحلة.
السياسات: لكل مرحلة سياساتها، وهي الضوابط التي ستلتزم بها الحركة، فعلى سبيل المثال يمكن أن تكون من السياسات في المراحل الأولى عدم تعريض الفريق الأساسي المفكر للتهلكة، وكل نشاط يهدف إلى بناء قدرة الفريق لا تدميرها، هذا هو ضابط الفعل. الذي يحدد طبيعة النشاط وطريقة تنفيذه.
الوسائل: التي سيتم اعتمادها في تلك المرحلة.
التحديات: التي تواجه عملية تحقيق أهداف المرحلة.
معالم الانتقال: أي المؤشرات الدالة على قرب الانتقال إلى المرحلة التالية، ذلك أن الدخول في مرحلة جديدة يتطلب إعداداً جديداً يتوافق مع طبيعة المرحلة، فنجاح الحركة التغييرية في قبادة احتجاجات جزئية لا يعني قدرتها على الانتقال لمرحلة إدارة العمل الجماهيري الواسع، فالحملات الجزئية تمتارسها مجموعات مدربة، أما الحملات الجماهيرية الواسعة من الوارد اختراقها بقوى تمارس العنف، ومن ثم فهي تتطلب خبرة مختلفة وإعداداً مغايراً. لذلك يجب الانتباه ألا تغتر الحركة بأنها في نهاية مرحلة ما وتظن أنها ستدخل المرحلة الجديدة بنفس القوة، هي الآن في قمة المرحلة رقم (1) لكنها في قاع المرحلة رقم (2)، لذلك كانت معالم الانتقال مهمة، وهي ليست متعلقة فقط بالقرب من تحقيق أهداف المرحلة، ولكن بتوفير البنية الأساسية التي تساعد على الانتقال للمرحلة التالية.
المدى الزمني: التقريبي المتوقع أن تستغرقه المرحلة بناء على الاستراتيجيات والوسائل المتبعة.
النجاح الثانوي: يفضل الخروج في كل مرحلة بنجاح ثانوي، يضمن المساهمة بلبنة مؤثرة في المجتمع، وهذا يعني بلورة الجهود المبذولة بنهاية المرحلة في شكل مشروع، كأن يكون النجاح الثانوي في مرحلة هو امتلاك وسيلة إعلام حرة، أو تأسيس مؤسسة خاصة بالتدريب، أو صناعة عقل مفكر يقود المراحل التالية. وبذلك يتحول مشروع التغيير مع تلك النجاحات الثانوية إلى مشروع مؤسسي راسخ في المجتمع، لا حدث طاريء عليه. وفي حالة حدوث أي إخفاق في تحقيق أهداف مرحلة من المراحل؛ تكون قوى التغيير قد أهدت المجتمع ثمرة نشاطها وجهدها في شكل مشروع راسخ.
التطبيق العملي
حدد المراحل المتوقعة للصراع
قم بملء الجدول الخاص بكل مرحلة
تأكد من وجود أهداف تتعلق بالنجاحات الثانوية لكل مرحلة
ملحوظة: قد لا تتمكن من رؤية تفاصيل كل المراحل، لكن المهم أن ترى مساراً عاماً في البداية، وأن تكون قادراً على تحديد المرحلة التي تقف فيها بدقة وكيفية الانتقال للمرحلة التالية
الدرس (30): نهاية الصراع
عادة ما تنتهي الصراعات بأربعة احتمالات:
التحول: قد ينتهي الصراع بتحول الخصم عن موقفه طواعية دون إجبار، وذلك نتيجة تغيير في القناعات، وهو أمر نادر الحدوث. فقلما نجد خصماً يقدم على تقديم تنازلات طوعية لاقتناعه بصوابية هذا الفعل.
التسوية (التنازلات المتبادلة): قد ينتهي الصراع بتحقيق كل طرف من أطراف الصراع لبعض أهدافه، لكنه لا يتمكن من إنجازها كلها، فينتهي الصراع بتقديم تنازلات متبادلة. مثلما يحدث في صراع العمال مع أصحاب المصانع، حيث يحصل العامل على بعض من حقوقه مقابل وقف الإضرابات.
الانتصار والاستسلام: أي انتصار طرف بسبب استسلام آخر، ففي بعض الحالات يمتلك أحد الأطراف من القوة والبراعة في إدارة الصراع ما يتمكن به من الضغط القاسي على الخصم، وتهديد مصادر قوته، فلا يبقى أمامه من خيار سوى الاستسلام .
التفكك والانهيار: حيث يتمكن أحد الأطراف من الإجهاز الكامل على خصمه وتدمير بنية المؤسسات وتفكيكها (مثلما يحدث عند تفكيك الجيوش واستبدالها بجيوش أخرى)، وهذا التفكك قد يقود لاحقاً إلى اضطرابات شديدة، حيث تعيد القوى المنهارة إعادة بناء نفسها، ولملمة فلولها، ومن النماذج على ذلك الجيش العراقي حينما تم تفكيكه من قبل الاحتلال الأمريكي، فتحولت فلوله بعد ذلك إلى ميليشات تشن حرب العصابات.
وتركز حرب اللاعنف ضد الديكتاتوريات على إجبار الخصم على الاستسلام دون تفكيك المؤسسات بطريقة عبثية، حيث يخلق ذلك ميليشات من أصحاب الثارات، بل تستوعب مؤسسات النظام القديم داخل البنى الجديدة لضمان الاستقرار. ويتم استبدالها بشكل تدريجي من شأنه بناء مجتمع جديد يقوم على قوة المحبة لا الكراهية – على حد تعبير غاندي. وليست العبرة في مشاريع التغيير بالتحول الجذري الذي يتم، فطبيعة التحول وجذريته يخضع للاستراتيجية، ولكن الأهم هو وضوح الإرادة السياسية التي تحمل مشروع التغيير، وتبحث عن أفضل المسارات لإتمامه. حيث نشهد في كل تجربة تغيير نموذجاً يختلف عن الآخر في التعامل مع المؤسسات.
فلا بأس من تعدد الرؤى في التعامل مع المؤسسات إذ يخضع ذلك للاستراتيجية والحالة، ما الذي يمكن إبقاؤه، وما الذي يجب التخلص منه بشكل فوري، أو إعادة هيكلته، وما الذي ينبغي تأجيل التعامل معه، كل ذلك من أجل خدمة المسار العام لمشروع التغيير، وهو إعادة بناء مجتمع جديد يستوعب كل المجتمع بمختلف توجهاته.
للاطلاع
معركة المؤسسات بين البناء والهدم
معركة المؤسسات.. بين الهدم والبناء
لا تهدف حرب اللاعنف إلى الإطاحة بالديكتاتور فحسب، إنها تعيد تعريف الإنسان، وتعيد تحديد دور الشعب، إنها ببساطة تعيد توزيع القوة في المجتمع، ليمتلك الشعب القرار، ويحدد برامجه ورسالته، إنها تعني أن يسترد الشعب السلطة.
إن تغيير النظام يعني تغيير مكوناته، وهي الأفراد والمؤسسات والعلاقات والقواعد الحاكمة للعلاقات داخل النظام وطبيعة توزيع القوى فيه، وبذلك فإن مشروع التغيير يشمل:
· إبعاد الأفراد الذين يشكلون عقبة أمام التغيير.
· إعادة رسم خارطة المؤسسات في المجتمع.
· إعادة بناء العلاقات الحاكمة والقواعد التي تسير النظام الجديد.
وموضوعنا في تلك الحلقات يدور حول المسارات الأساسية لإحداث تغيير في المؤسسات، فالمؤسسات هي شرايين المجتمع، بصحتها يصح المجتمع. ويعد بناء شبكة مؤسسات سليمة في المجتمع من أهم الأهداف العملياتية لحرب اللاعنف، حيث يضع الشعب يده على مؤسساته ويحسن إدارتها ليحقق برنامجه.
المؤسسات.. الذراع الضارب في حرب اللاعنف
وتقوم استراتيجية حرب اللاعنف في ذروة هجومها على الديكتاتوريات، على فكرة المؤسسات، فالتظاهرات وحدها يصعب أن تسقط أنظمة، إن كانت المؤسسات تعمل وتنتج، لذلك كان للإضرابات دور قوي في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية في الدول الحديثة، لأنها تعني تمرد المؤسسات، وأنها غيرت ولاءها، فلم تعد تعمل لصالح النظام القديم، هنا ينتبه الشعب إلى أنه هو الذي كان يدير مؤسساته لصالح النظام. وأنه هو الذي كان يمنح الديكتاتور القوة، وأنه قادر على سلب تلك القوة منه.
المؤسسات من الوسيلة إلى الهدف
ولا تنتهي معركة المؤسسات في حرب اللاعنف بإسقاط طاغية، حيث تتحول من وسيلة حرمان الديكتاتور من مصادر قوته إلى هدف حيوي في بناء المجتمع الجديد، وإلى مشروع استعادة كاملة للمؤسسات في المجتمع، أي مشروع تحرير وسيطرة للمؤسسات. فكما تمكن الشعب في الجولة الأولى من جعل المؤسسات لا تعمل، عليه في الجولة الثانية أن يحسن إدارتها كي تعمل، ولكن في خدمة الشعب، وبالقواعد التي يحددها الشعب، ليتحكم فيها ويديرها، بعد أن أدرك مدى قوتها في تزويد النظام بشرايين الحياة.
وبسيطرة الشعب على مؤسساته يكون بذلك قد خطى خطوة كبيرة نحو مشروع “تغيير النظام”، كأفراد ومؤسسات وقواعد وعلاقات كما أسلفنا.
المؤسسات تغير القواعد والعلاقات
كذلك فإن تغيير المؤسسات يؤثر بشكل كبير في تغيير القواعد والعلاقات، والتي بها يكتمل تغيير النظام، فالمؤسسات الجديدة تفرض واقعاً جديداً، وتعيد تعريف العلاقة بين الشعب والحكومة، وإذا نظرنا في تجارب ما قبل التغيير سنجد أن مؤسسات جديدة نبتت في المجتمع، سواء كانت في شكل حركة أو مؤسسة دراسات أو تدريب أو إعلام..الخ، هذه المؤسسات نلحظ لها دوراً فعلياً في بداية التغيير في النظام القديم (مع وجود الديكتاتور)، حيث فرضت واقعاً وقواعد جديدة تتعلق بزيادة مساحة الحريات، أو بزيادة قدرة الشعب، وهو ما أحدث اختراقاً في النظام الديكتاتوري، وغير نمط بعض العلاقات.. حينها كان النظام بالفعل يتغير وتُدمر بعض قواعده التي يسيطر بها على الحكم، لتحل القواعد التي فرضتها تلك المؤسسات وترخي قبضته على السلطة، أي أنه بظهور مثل تلك المؤسسات كانت عمليات التغيير في النظام فعلياً قد بدأت، ونعني هنا عمليات إعادة توزيع القوة، وتحول طفيف في موازين القوى.
المؤسسات قبل التشريعات أحياناً
ليس بالضرورة أن كل العلاقات الجديدة تُشرع فوقياً من المؤسسات التشريعية، فالمؤسسات الجديدة المنثورة في المجتمع بإرادة شعبية هي التي ستملي بحكم “الأمر الواقع” طبيعة التشريعات الجديدة. إن تغيير الأفراد وحده لا يكفي لإجراء تغييرات جوهرية في النظام، أما إعادة رسم خارطة المؤسسات في المجتمع فهو كفيل بفرض واقع جديد، قد يسبق التشريعات المدونة. إن استعادة المؤسسات وتأسيس أخرى ليس ترفاً أو أمراً غير عاجل في مشروع التغيير، إنه جزء أصيل من بنية المشروع التغييري وعليه تقوم فلسفته.
المؤسسات والروافع
كذلك نجد أن كل مرحلة من مراحل التغيير تتطلب قدراً معيناً من المؤسسات يمكنها من بلوغ هدفها، فمؤسسات المرحلة الأولى قد لا تسعف بالضرورة في تحقيق أهداف المرحلة الثانية، لذلك كان البناء المستمر لقدرة المجتمع من الأمور المهمة لتمكنه من اجتياز المراحل. فوجود المؤسسات الإعلامية في مرحلة ما قبل سقوط الديكتاتور يخلق وعياً، لكنها وحدها غير كافية لإنجاز مرحلة لاحقة ربما تتطلب مؤسسات أخرى لها طابع مختلف كالأحزاب والحركات. فحرب اللاعنف في جميع مراحلها يمكن تعريفها بأنها بناء متواصل لقدرة المجتمع.
لذلك كانت حرب اللاعنف تحمل في فلسفتها قوة بناءة لا تقل تأثيراً عن قوتها في هدم النظام الفاسد، حيث تُبنى المؤسسات على قواعد وأسس جديدة، ويدير المجتمع شئونه، وفق اختياراته وإرادته. وهو ما يمكن أن نسميه مشروع “زراعة الشرايين”.. فالمؤسسات هي شرايين الحياة في المجتمع.
المسارات العملية
ويمكن تصنيف المسارات العملية المطلوبة تجاه مشروع “زراعة الشرايين” في المجتمع كالتالي:
· استرداد مؤسسات موجودة بالفعل: يساء إدارتها (النقابات – المجالس المحلية – مجالس الشعب – الإعلام…الخ).
· التخلص من مؤسسات لا تصلح للنظام الجديد: مثل بعض المؤسسات الأمنية التي لم تكن تعمل إلا لخدمة أشخاص في النظام.
· إعادة بناء مؤسسات موجودة ولكن على أسس جديدة: مثل مؤسسة الشرطة.
· بناء مؤسسات جديدة لم تكن موجودة من قبل: مثل مؤسسات تتعلق بالنظافة، والنظام، ومؤسسات رقابية لرصد حركة المجتمع وعلاقاته البينية، بحيث تقيه الطغيان الداخلي بين مكوناته، كرصد العلاقة بين الأحزاب وطبيعة التصريحات ونمط الممارسة السياسية، وصد أي عدوان بيني.
إن إعادة رسم خارطة المؤسسات في المجتمع من المهام الضرورية لاستكمال مشروع التغيير وبناء المجتمع القوي، فكلما نمت شبكة المؤسسات الفعالة في المجتمع كان ذلك أقرب إلى صحة المجتمع وحيويته وتحكمه في قراراته.
وسنتناول على مدار حلقات كيفية التعامل مع المؤسسات.
هدا الفهم قدد يكون فيه الصواب مالم يدخله التميع على طريقة دلايلما وان يكون جوهره الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر, وتسمية الأشياء بأسمائها
شكرا