الانقسام حول الثورة … الإنقلاب وإعادة الفرز | د. رفيق حبيب

مثلت ثورة يناير‪ ،‬خروجا على النظام الحاكم‪ ،‬أسقط رأس النظام‪ ،‬فكان قطيعة مع النظام المستبد‪،‬‬ ‫من أجل بناء نظام جديد‪ .‬وكان من المفترض‪ ،‬أن تتجمع كل القوى التي تريد بناء نظام ديمقراطي جديد‪،‬‬ ‫حتى تحمي مسار الثورة‪ ،‬وتحدث الإنقطاع الكامل مع النظام المستبد‪ ،‬وتبني نظاما سياسيا جديدا‪.‬‬ ‫وحتى تنجح الثورة‪ ،‬كان يفترض أن تتجمع كل القوى السياسية المؤيدة للثورة‪ ،‬والمعارضة للنظام‬ ‫السابق‪ ،‬حتى تخرج المؤسسة العسكرية من المجال السياسي‪ ،‬فتصبح السلطة المدنية المنتخبة‪ ،‬هي السلطة‬ ‫الوحيدة في الدولة‪.‬‬ ‫ولم تكن الثورة عمال قادته ونظمته قوى سياسية بعينها‪ ،‬فلم تكن ثورة لها قيادة‪ .‬لهذا‪ ،‬لم تنتقل‬ ‫السلطة لقيادة الثورة‪ ،‬ألنها لم تكن موجودة‪ ،‬ولم يسقط رأس النظام السابق‪ ،‬من خلال تفاوض مع قيادة‬ ‫المعارضة الثورية‪ ،‬لأن قوى الثورة لم يكن لها قيادة موحدة‪.‬‬ ‫وألن تشكيل قيادة للثورة‪ ،‬بعد نجاحها في اسقاط رأس النظام‪ ،‬لم يكن ممكنا‪ ،‬لذا أصبحت القوى‬ ‫المعارضة للإستبداد‪ ،‬أي القوى الديمقراطية‪ ،‬ليس أمامها إلا القيام بدورها في تأسيس النظام السياسي الجديد‬ ‫من خالل خارطة طريق للتحول الديمقراطي‪.‬‬ ‫فقد تسلم المجلس األعلى للقوات المسلحة السلطة‪ ،‬وحاول أن يبدو طرفا محايدا‪ ،‬لا عالقة له بالنظام‬ ‫السابق‪ ،‬رغم أنه جزء منه‪ ،‬ووضع خريطة الطريق‪ ،‬وشكل الحكومة‪ .‬فلم تتمكن قوى المعارضة الثورية‪،‬‬ ‫من وضع خريطة الطريق بنفسها‪ ،‬أو تشكيل الحكومة‪ .‬فأصبح دور القوى المعارضة للنظام المستبد‪ ،‬يبدأ‬ ‫بعد تسلم السلطة من خالل االنتخابات‪.‬‬ ‫وقبل الثورة‪ ،‬حاولت جماعة الإخوان المسلمين‪ ،‬تأسيس تحالف سياسي‪ ،‬وعقدت عدة مؤتمرات‬ ‫بعنوان من أجل مصر‪ ،‬واستمرت بعد الثورة‪ ،‬ثم استمر حزب الحرية والعدالة في العمل من خالل التحالف‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬حتى يصبح تجمعا للقوى المعارضة‪ ،‬التي تستهدف تأسيس النظام السياسي الديمقراطي‪.‬‬ ‫وأصبح التحالف الديمقراطي يمثل التكتل السياسي الأكبر‪ ،‬والأكثر تنوعا‪ .‬فقد استهدف حزب‬ ‫الحرية والعدالة‪ ،‬بناء تحالف يضم قوى إسالمية وعلمانية‪ ،‬حتى يكون تحالفا واسعا ومتنوعا‪ .‬ووضع‬ ‫للتحالف برنامجا للعمل السياسي‪ ،‬وأيضا وثيقة عن المبادئ الدستورية الأساسية للنظام الجديد‪ .‬كما وضع‬ ‫التحالف القواعد التي يلتزم بها‪ ،‬في اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور‪.‬‬ ‫عمل قادة حزب الحرية والعدالة‪ ،‬بإصرار واضح‪ ،‬على أن يكون هذا التحالف‪ ،‬هو القاطرة التي‬ ‫تقود المرحلة االنتقالية‪ ،‬بحيث يمثل التحالف أغلبية داخل أول مجلس شعب منتخب‪ ،‬ومن ثم يشكل الحكومة‪،‬‬ ‫ويقود عملية وضع الدستور الجديد‪ ،‬من خالل ما تحقق من تفاهمات داخل التحالف‪.‬‬ ‫ورغم العديد من الصعوبات التي واجهت التحالف‪ ،‬إلا أنه مثل توافقا‪ ،‬بين قاعدة واسعة من القوى‬ ‫السياسية‪ .‬وحاولت قيادة حزب الحرية والعدالة‪ ،‬تقوية هذا التحالف‪ ،‬حتى يمثل توافقا وطنيا‪ ،‬يواجه دولة‬ ‫النظام السابق‪ ،‬ويواجه تدخل قيادة المؤسسة العسكرية في السياسة‪.‬‬ ‫بوادر الإختلاف‬ ‫رغم أن ما أنجزه التحالف الديمقراطي‪ ،‬كان يمثل توافقا كافيا‪ ،‬لتحقيق العبور الديمقراطي‪ ،‬إلا أن‬ ‫العديد من الإختلافات كانت تظهر على السطح‪ ،‬وتكشف عن وجود اختلافات أساسية بين مكونات التحالف‪.‬‬ ‫وكانت معظم تلك الإختلافات‪ ،‬تظهر في الحوارات مع قيادة القوات المسلحة‪ ،‬حيث بات واضحا‪ ،‬أن بعض‬ ‫القوى لها موقف آخر‪ ،‬تكشف عنه مع قيادة القوات المسلحة‪ ،‬حتى وإن لم يظهر في حوارات التحالف‬ ‫الديمقراطي‪.‬‬ ‫و رغم أن قيادة القوات المسلحة هي التي وضعت خارطة الطريق‪ ،‬إلا أنها بدأت تعتقد أن تلك‬ ‫الخريطة لن تؤدي إلى النتائج التي تريدها‪ ،‬مما جعل قيادة القوات المسلحة‪ ،‬تحاول وضع قيود على خريطة‬ ‫الطريق‪ ،‬من خلال الضغط على القوى السياسية‪ ،‬خاصة حزب الحرية والعدالة‪.‬‬ ‫وفي شهر يوليو ‪ ‬كانت الصورة واضحة‪ ،‬حيث أرادت قيادة القوات المسلحة وضع وثيقة‬ ‫مبادئ فوق دستورية‪ ،‬تقيد كيفية اختيار اللجنة التأسيسية‪ ،‬وتقيد عمل اللجنة‪ .‬وكان موقف قيادة القوات‬ ‫المسلحة‪ ،‬مدعوما من أغلب القوى العلمانية‪ ،‬بما في ذلك القوى المشاركة في التحالف الديمقراطي‪.‬‬ ‫وأتضح في العديد من المواقف‪ ،‬أن القوى العلمانية الأكثر اعتداال‪ ،‬تتأثر بموقف القوى العلمانية‬ الأكثر تشددا‪ ،‬والتي تدفعها بعيدا عن أي توافق أو تحالف مع قوى إسالمية‪ ،‬خاصة حزب الحرية والعدالة‪.‬‬ ‫مما يؤدي إلى بروز الفجوة بين القوى العلمانية والقوى اإلسالمية‪.‬‬ ‫حقيقة االختالف‬ ‫هل فشل التحالف الديمقراطي قبل أن يبدأ؟ أو هل فشل التحالف بين قوى إسالمية وقوى علمانية؟‬ ‫كان من الواضح‪ ،‬رغم أن التحالف الديمقراطي استمر حتى انتخابات مجلس الشعب‪ ،‬أن هناك اختالفات‬ ‫جوهرية بين القوى السياسية‪ ،‬تعيق عملية التوافق السياسي‪ .‬وهذه الإختلافات‪ ،‬كانت فعليا‪ ،‬حول الثورة‪،‬‬ ‫وما تعنيه عملية التحول من نظام مستبد‪ ،‬إلى نظام ديمقراطي‪.‬‬ ‫فبعض القوى العلمانية كانت مرتبطة بالنظام السابق‪ ،‬وبشبكة مصالح النظام السابق‪ ،‬مما جعل‬ ‫موقفها من نظام ما قبل الثورة‪ ،‬مختلفا عن أي موقف ثوري‪ ،‬يستهدف بناء نظام سياسي جديد‪ .‬وبعض‬ ‫القوى أو النخب والرموز‪ ،‬كانت عمليا جزء من النظام السابق‪ ،‬وكان وجودها في مشهد الثورة‪ ،‬لخدمة‬ ‫النظام السابق وحمايته‪ ،‬والعمل على استعادته مرة أخرى‪.‬‬ ‫وأغلب القوى العلمانية‪ ،‬كان لديها تحفظ على أي مرجعية إسالمية في الدستور‪ ،‬ولم تكن توافق‬ ‫على المادة الثانية‪ ،‬الخاصة بمرجعية الشريعة الإسلامية‪ ،‬إلا تجنبا الستفزاز عامة الناس‪ .‬مما جعل أغلب‬ ‫القوى العلمانية‪ ،‬تستهدف بناء نظام سياسي مقيد، لا يسمح بأن تكون مرجعية النظام السياسي إسلامية‪ ،‬إلا ‫شكليا فقط‪.‬‬ ‫وأغلب القوى العلمانية أيضا‪ ،‬كانت تؤيد بقاء القوات المسلحة في الحكم لمدة طويلة‪ ،‬وكانت تؤيد‬ ‫أن يكون للقوات المسلحة دورا سياسيا‪ ،‬وأن يكون لها حصانة دستورية‪ .‬ومن المعروف أن النظام‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬يقوم على خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية المنتخبة‪ ،‬مما يعني أن أغلب القوى‬ ‫العلمانية‪ ،‬لم تكن تدافع عن نظام ديمقراطي كامل‪ ،‬بل كانت تدعم نظاما ديمقراطيا مقيدا‪ ،‬أو موجها‪.‬‬

‫وثيقة السلمي

مع تصاعد الضغوط السياسية حتى شهر نوفمبر ‪ ،2011‬كانت الفجوة بين القوى الإسلامية والقوى‬ ‫العلمانية في تزايد‪ ،‬وهو ما أضعف من احتماالت نجاح التحالف الديمقراطي‪ ،‬وبالتالي أفشل أي محاولة‬ ‫لوجود تحالف سياسي واسع‪ ،‬يتمكن من قيادة المرحلة االنتقالية‪ ،‬لتحقيق أهداف الثورة‪ .‬وأصبحت وثيقة‬ ‫السلمي‪ ،‬تمثل النص الأهم‪ ،‬الذي يبرز الخالف بين القوى السياسية بعد الثورة‪.‬‬

‫فوثيقة السلمي‪ ،‬وهي مقترح من قيادة القوات المسلحة أساسا‪ ،‬وتبنته الحكومة‪ ،‬وضعت قيودا على‬ ‫عملية تشكيل اللجنة التأسيسية‪ ،‬ووضعت قيودا على عمل تلك اللجنة‪ ،‬ثم وضعت عدد من المبادئ التي‬ ‫تلتزم اللجنة بوضعها في الدستور‪ ،‬وهي المبادئ التي تكرس عسكرة وعلمنة الدولة‪ .‬وأغلب القوى العلمانية‬ ‫وافقت على تلك الوثيقة‪ ،‬مما يعني أن القوى العلمانية‪ ،‬لم تكن تؤيد بناء ديمقراطية كاملة غير منقوصة‪ ،‬ولم‬ ‫تكن تؤيد القطيعة الكاملة مع النظام السابق‪ ،‬رغم أنها وقفت ظاهريا في صف الثورة‪.

‬‬ ‫الخلاف حول الثورة‬

‫المتابع لمسار مرحلة ما بعد الثورة‪ ،‬يكتشف أن الخلاف الحقيقي كان حول الثورة نفسها‪ .‬فإذا كانت‬ ‫الثورة‪ ،‬هي الحدث التاريخي‪ ،‬الذي ينهي النظام السياسي المستبد‪ ،‬ويحدث قطيعة معه‪ ،‬حتى يتم بناء نظام‬ ‫ديمقراطي حقيقي؛ فإن العديد من القوى العلمانية‪ ،‬لم تكن تريد إحداث قطيعة مع النظام السابق‪ ،‬والعديد من‬ ‫تلك القوى‪ ،‬لم تكن تؤيد بناء نظام سياسي ديمقراطي كامل‪ ،‬بل كانت تؤيد ما يسمى بالنظام الديمقراطي‬ ‫المقيد أو الموجه‪ ،‬وهو ليس نظاما ديمقراطيا في كل الأحوال‪.‬‬ ‫لذا لم يتحقق التحالف والتوافق السياسي‪ ،‬الالزم لمواجهة النظام السابق‪ ،‬وإحداث القطعية الكاملة‬ ‫مع النظام السابق‪ ،‬لبناء النظام السياسي الجديد‪ .‬وأيضا‪ ،‬لم يتحقق تحالف وطني واسع‪ ،‬لمواجهة دور‬ ‫المؤسسة العسكرية في السياسة‪ ،‬وإخراجها من المجال السياسي‪.‬‬ ‫والقوى التي أيدت فكرة المبادئ فوق الدستورية‪ ،‬وفكرة بقاء العسكر في الحكم‪ ،‬وتأجيل تسليم‬ ‫السلطة‪ ،‬وفكرة وثيقة السلمي‪ ،‬في أغلبها؛ هي القوى التي أيدت االنقالب العسكري‪ ،‬وهي التي تؤيد دستور‬ ‫االنقالب العسكري‪ ،‬الذي يهدف إلى عسكرة وعلمنة الدولة‪.‬‬ ‫وأغلب القوى التي كانت أكثر قربا من نظام ما قبل الثورة‪ ،‬هي التي أيدت االنقالب العسكري‪،‬‬ ‫وأغلب القوى التي مثلت معارضة حقيقية لنظام ما قبل الثورة‪ ،‬هي التي رفضت االنقالب العسكري‪.‬‬ ‫والقوى العلمانية‪ ،‬التي تنحاز لدور سياسي للمؤسسة العسكرية‪ ،‬تعتقد أنها لن تتمكن من منافسة‬ ‫القوى اإلسالمية انتخابيا‪ ،‬مما يعني أنه ال توجد وسيلة لحصار المرجعية اإلسالمية‪ ،‬إال بتدخل المؤسسة‬ ‫العسكرية في السياسية‪ ،‬لفرض علمنة الدولة‪.‬‬ ‫إعادة الفرز‬ ‫كان من المفترض أن تكون كل قوى الثورة في جانب‪ ،‬في مواجهة النظام السابق‪ ،‬حتى تتمكن من‬ ‫بناء نظام ديمقراطي حقيقي‪ ،‬وتغير أدوار مؤسسات الدولة‪ ،‬خاصة المؤسسة العسكرية‪ ،‬طبقا لقواعد النظام‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬وهو ما لم يحدث‪ .‬فأصبح الخالف بين القوى المنسوبة للثورة‪ ،‬هو الثغرة التي ينفذ منها النظام‬ ‫السابق ومؤسساته‪ ،‬حتى تعود للحكم مرة أخرى‪ ،‬وتجهض الديمقراطية‪.‬‬ ‫وتطور تدريجيا‪ ،‬تحالف القوى العلمانية مع مؤسسات دولة النظام السابق‪ ،‬خاصة الجيش والقضاء‪،‬‬ ‫حتى أصبح تحالفا كامال‪ ،‬منذ انتخابات مجلس الشعب‪ ،‬ثم وصل لحالة التطابق‪ ،‬بعد االنتخابات الرئاسية‪.‬‬ ‫وبهذا‪ ،‬أعيد فرز القوى السياسية مرة أخرى‪.‬‬ ‫وبعد االنقالب‪ ،‬وعودة النظام المستبد للحكم مرة أخرى‪ ،‬أصبحت سلطة االنقالب وحلفائها‪ ،‬يمثلون‬ ‫النظام السياسي المستبد‪ ،‬في مواجهة تحالف دعم الشرعية ورفض االنقالب‪ ،‬الذي أصبح يمثل الثورة‪ .‬وهو‬ ‫ما أعاد ترتيب األوراق‪ ،‬بحيث تصبح المواجهة بين القوى التي تريد إعادة االستبداد ولو بشكل ديمقراطي‬ ‫ظاهري‪ ،‬والقوى التي تريد بناء النظام الديمقراطي الكامل‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫فالانقلاب أعادة فرز القوى السياسية‪ ،‬وحدد موضعها‪ ،‬بصورة أكثر وضوحا‪ .‬ألن القوى التي‬ ‫نسبت للثورة‪ ،‬وكانت مرتبطة بالنظام السابق‪ ،‬والقوى التي نسبت للثورة‪ ،‬وكانت تريد ديمقراطية منقوصة‬ ‫ومقيدة‪ ،‬أسهمت في تفتيت قوى الثورة‪ ،‬وسمحت بإجهاض تجربة التحول الديمقراطي‪.‬‬ ‫وتأييد أغلب القوى العلمانية ا‪لانقلاب العسكري‪ ،‬وتأييدها أيضا لوجود دور للقوات المسلحة في‬ ‫المجال السياسي‪ ،‬أخرجها واقعيا من صف الثورة والنظام الديمقراطي الحقيقي‪ .‬كما أن رغبة أغلب القوى‬ ‫العلمانية‪ ،‬في فرض هوية علمانية للدولة‪ ،‬بغير اختيار شعبي‪ ،‬جعلتها عمليا ضد الديمقراطية الكاملة والحرية‬ ‫الكاملة‪ ،‬أي ضد تحرير اإلرادة الشعبية تحريرا كامال‪.‬‬ ‫كما أن االنقالب العسكري‪ ،‬أوضح وحدد موقف كبار ضباط الجيش‪ ،‬حيث كانت قيادة القوات‬ ‫المسلحة بعد سقوط رأس النظام‪ ،‬تحاول الظهور وكأنها طرف محايد بين القوى السياسية‪ ،‬تدير الحوار بين‬ ‫تلك القوى‪ ،‬لرسم خريطة طريق التحول الديمقراطي‪ .‬ولكن بعد االنقالب العسكري‪ ،‬ظهر الموقف الحقيقي‬ ‫لكبار الضباط بالجيش‪ ،‬الذي يستهدف بناء ديمقراطية مقيدة‪ ،‬لها مرجعية إسالمية شكلية ومقيدة‪ .‬كما ظهر‬ ‫موقف كبار الضباط‪ ،‬الهادف إلى قيام قيادة القوات المسلحة بدور سياسي‪ ،‬حتى تحافظ على النفوذ والسلطة‬ ‫السياسية للمؤسسة العسكرية‪ ،‬وتحمي امتيازاتها‪.‬‬ ‫والحقيقة أن موقف كبار الضباط بعد ثورة يناير‪ ،‬لم يختلف عن موقفهم بعد االنقالب العسكري‪،‬‬ ‫ولكن في البداية‪ ،‬لم يحدد كبار الضباط تصور واضح‪ ،‬ثم تشكل هذا التصور تدريجيا‪ ،‬وظهر في فكرة‬ ‫المبادئ فوق الدستورية‪ ،‬ثم ظهر بصورة متكاملة في وثيقة السلمي‪.‬‬ ‫مما يعني‪ ،‬أن االنقالب العسكري‪ ،‬تسبب في إعادة تموضع القوى السياسية‪ ،‬ومؤسسات دولة ما‬ ‫قبل الثورة‪ ،‬ليظهر الصورة الحقيقية للمواجهة‪ ،‬ويحدد بصورة قاطعة‪ ،‬طرفي النزاع بعد الثورة‪ ،‬أي القوى‬ ‫الداعمة لدولة االستبداد‪ ،‬والقوى الداعمة للتحول الديمقراطي الكامل‪.‬‬ ‫تطور مسار الثورة‬ ‫تسبب االنقالب العسكري‪ ،‬في تطوير مسار الثورة‪ ،‬لتصل إلى مرحلة المواجهة الثنائية‪ ،‬حيث تشدد‬ ‫المواجهة بين قوى االستبداد‪ ،‬وقوى الثورة والتحول الديمقراطي‪ .‬فبسبب االنقالب العسكري‪ ،‬خرجت مصر‬ ‫من حالة السيولة التي أعقبت الثورة‪ ،‬والتي سمحت بعودة النظام السابق في شكل انقالب عسكري‪ ،‬ودخل‬ ‫مسار الثورة في مرحلة المواجهة المباشرة والحاسمة‪.‬‬ ‫كما أحدث االنقالب العسكري تطورا مهما‪ ،‬حيث أصبح للثورة قيادة‪ ،‬تنظم حركة االحتجاج‬ ‫الثوري‪ ،‬وتمثل قوى الثورة‪ ،‬التي أيدت التحول الديمقراطي الكامل‪ ،‬ودافعت عن ما أنتجته العملية السياسية‬ ‫الديمقراطية‪.‬‬ ‫مما يعني أن االنقالب العسكري‪ ،‬وإن كان أعاد النظام السابق للحكم‪ ،‬إال أنه أعاد ترتيب ساحة‬ ‫المواجهة‪ ،‬بين سلطة تمثل االستبداد‪ ،‬ومعها حلفائها‪ ،‬وتحالف سياسي‪ ،‬يقود المواجهة ضد االستبداد‪ ،‬وضد‬ ‫أي شكل من أشكال الديمقراطية المقيدة أو الموجهة‪ ،‬من أجل استعادة الثورة‪ ،‬بتحقيق التحرر الكامل غير‬ ‫المشروط لإلرادة الشعبية‪.‬‬ ‫وكل األوضاع التي رافقت مسار الثورة‪ ،‬تغيرت بسبب االنقالب العسكري‪ .‬فبعد ثورة يناير‪ ،‬لم‬ ‫تحدث المواجهة المباشرة بين النظام السابق‪ ،‬والقوى التي تريد بناء النظام الجديد‪ ،‬بسبب تولي قيادة القوات‬ ‫المسلحة لمهمة إدارة المرحلة االنتقالية‪ ،‬مما صعب أن تكون المواجهة معها‪ .‬وظلت دولة النظام السابق‪،‬‬ ‫تعمل على األرض من أجل إفشال الثورة والتحول الديمقراطي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وبعد أن كان خصوم الثورة والديمقراطية‪ ،‬يتسرب بعضهم داخل بنية الثورة نفسها‪ ،‬ويستعد‬ ‫لالنقضاض على الثورة‪ ،‬أصبح خصوم الثورة يحكمون بعد االنقالب العسكري‪ ،‬فأصبحوا وجها لوجه‪ ،‬مع‬ ‫احتجاج ثوري يحاصرهم‪ ،‬ويسقط سلطتهم‪.‬‬ ‫حلفاء الانقلاب‬ ‫رغم أن كل من أيد االنقالب‪ ،‬سعد به‪ ،‬وتصور أنه أصبح يحكم بسبب الانقلاب‪ ،‬إال أن الحقيقة غير‬ ‫ذلك‪ .‬فال مجال الستمرار االستبداد بعد الثورة‪ ،‬وعودة االستبداد والدولة البوليسية مؤقت‪ ،‬وكل من أيد‬ ‫االنقالب‪ ،‬أصبح في موقف حرج‪ ،‬ألنه راهن على وضع مؤقت‪ ،‬وظن أنه يمكن أن يستمر‪.‬‬ ‫ومشكلة القوى العلمانية‪ ،‬أو أغلبها‪ ،‬أنها أصبحت في صف القوى المستبدة‪ ،‬ومع الدولة البوليسية‪،‬‬ ‫مما جعلها تقف عمليا مع النظام المعادي للثورة‪ ،‬مهما حاولت أن تنسب نفسها للثورة‪ ،‬أو تنسب نفسها لثورة‬ ‫جديدة‪ .‬فال توجد ثورة في التاريخ‪ ،‬تأتي بدولة بوليسية قمعية‪ ،‬وإن كانت الثورات تتعرض لمحاولة‬ ‫االنقضاض عليها‪ ،‬الستعادة النظام المستبد‪.‬‬ ‫ومع تطور المواجهة بين السلطة العسكرية الحاكمة‪ ،‬وحركة االحتجاج الثوري‪ ،‬ستجد القوى‬ ‫العلمانية أن رهانها على تدخل القوات المسلحة لمصلحتها‪ ،‬قد قلص من أي خيارات مستقبلية لها‪ ،‬وأنها‬ ‫أصبحت أمام رهانها الوحيد واألخير‪.‬‬ ‫وبعض الكتل التي أيدت االنقالب العسكري‪ ،‬تكتشف حقيقته وتغير موقفها‪ ،‬وتتحول للدفاع عن‬ ‫الحرية والديمقراطية‪ ،‬ضد الحكم العسكري‪ ،‬فبعضها لم يكن يدري أنه يساهم في إعادة الحكم العسكري‪.‬‬ ‫ولكن بعض الكتل التي تؤيد االنقالب العسكري‪ ،‬تؤيد حتى الحكم العسكري‪ ،‬كراهية للمشروع اإلسالمي‪،‬‬ ‫أو خوفا منه‪ .‬وتلك الكتل اختارت موقعا‪ ،‬يضعها في مأزق اجتماعي عميق‪ ،‬خاصة وأنها تظن أن االنقالب‬ ‫العسكري سوف ينجح ويستمر‪ ،‬ولم تدرك أن االنقالبات العسكرية‪ ،‬تمثل حالة مؤقتة في مسار الثورة‪.‬‬ ‫الخالصة‬ ‫في المرحلة األولى من الثورة‪ ،‬لم يكتمل التحول الديمقراطي‪ ،‬أو تم إجهاضه بسبب عدم توافق كل‬ ‫القوى السياسية على قواعد العملية الديمقراطية‪ ،‬وبسبب عدم قبول قيادة القوات المسلحة‪ ،‬وكل قيادات الدولة‬ ‫العميقة للتغير الحادث بعد الثورة‪ .‬ولم يتشكل تحالف ثوري واسع‪ ،‬للدفاع عن مسار الثورة والديمقراطية‪.‬‬ ‫وبعد االنقالب العسكري‪ ،‬تغير المسار‪ ،‬حيث تجمعت كل القوى المؤيدة للديمقراطية الشكلية أو‬ ‫المقيدة معا‪ ،‬وتجمعت كل القوى المؤيدة للديمقراطية الكاملة معا‪ .‬وأصبح للثورة كتل تدافع عنها‪ ،‬تمثل تيارا‬ ‫اجتماعيا ثوريا‪ ،‬يدافع عن الثورة والديمقراطية والحرية الكاملة‪.‬‬ ‫وبعد االنقالب‪ ،‬وقفت قيادة القوات المسلحة ضد الثورة وضد التحول الديمقراطي‪ ،‬وغيرت عقيدتها‬ ‫العسكرية‪ ،‬ودخلت في حرب شوارع‪ ،‬ضد الكتل المؤيدة للتحرر الكامل‪ .‬وأصبحت قيادة القوات المسلحة‪،‬‬ ‫طرفا مباشرا في النزاع‪ ،‬بعد أن كانت طرفا غير مباشر‪.‬‬ ‫إن االنقالب العسكري‪ ،‬غير الخريطة السياسية‪ ،‬فبرزت المقابلة بين طرفين‪ ،‬لكل منهما موقف‬ ‫واضح ومعلن‪ ،‬طرف يمثل االستبداد‪ ،‬وطرف يمثل الحرية‪ ،‬فلم تعد الثورة قابلة لالختراق كما كانت‪.‬‬

‫‪6‬‬